عند الرجوع إلى عام 1982، نجد أن هناك مؤلف يدعى James Thompson كتب كتابا بعنوان "نهاية المكتبات". وبعد ستة عشر عاما، سنجد توم ويلسون يدعو إلى "إعادة تصميم" المكتبات الجامعية. لقد حدث الكثير والكثير منذ ذلك الحين. فقد ارتفعت شعبية الإنترنت وتعددت فوائده. كما أن الطريقة التي أصبح يتفاعل من خلالها الطلاب مع المعلومات تغيرت وانقلبت رأسا على عقب. وهذا أيضا كان له الأثر الكبير في دفع الكثير إلى توقع زوال المكتبة الأكاديمية التي نعرفها. ولكن الواقع شيء مختلف. فحتى الأن لا اعتقد أن المكتبات الأكاديمية وصلت إلى نهاية كارثية، حتى مع وجود بعض الشكوك في أن المعايير والظروف الخاصة بطبيعة عمل المكتبات الأكاديمية قد تغيرت على مر السنين. إلا أن هذه الجزيئة يشوبها بعض الشيء من الضلال المرجح لتوقع السقوط الكلي للمكتبات الأكاديمية. نحن متفقون أن الزمن يتغير ونعي تماما أن هذه المكتبات لابد لها من إجراء بعض التغييرات لتتمكن من تقديم الخدمة الأفضل للطلاب. وهنا يطرح جون آكيرود John Akeroyd والذي يعمل في قسم التعلم وخدمات المعلومات في جامعة ساوث بانك South Bank University أفكاره الخاصة لتأطير تطور المكتبة الأكاديمية كمؤسسة من خلال ورقة دراسية بعنوان "مستقبل المكتبات الأكاديمية". جون لا يعتقد أن "المقاصد الأساسية للمكتبات تتغير" - إلا أن "الأهمية النسبية لجوانب مختلفة ... تتغير". وهو في هذا يشير إلى أن المعلومات أصبحت "أرخص وكذلك أكثر وفرة"، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى نقاش. جون يري أنه من الممكن فهم هذه التغيرات بطريقة أفضل والتكيف معها عند النظر في المكتبات الأكاديمية من أربعة منظورات: كمجموعة، والفضاء، والوظيفة، والخدمة.
المكتبة كمجموعة من مصادر المعلومات:
النظر إلى المكتبة كمجموعة من المصادر على الأرجح هي الطريقة الأكثر شيوعا للمحافظة على المكتبات وضمان صيرورتها. وفي ظل حقيقة أن حدود "المجموعة" يمكن أن تتطور، يكون من السهل على الناس أن يذهبوا بسهولة أكبر إلى المكتبات التي تشتمل على مجموعة كبيرة من الكتب والمواد المادية. لا تزال هناك الكثير من المزايا التي يمكن أن توفرها المكتبات بالرغم من وجود تحديات لوجستية في بعض الأحيان تواجهها عملية توفير المعلومات المرخصة التي يمكن معالجتها من قبل المكتبات.
المكتبة كمساحة وفضاء للتجمع:
النظر إلى المكتبة كمساحة هو أصعب قليلا في ظل إمكانية الوصول إلى المعلومات على نطاق أوسع وهذا قلل من قيمة اعتماد موقع محدد لإجراء البحوث، حيث يمكن أن يتم البحث في أي مكان متصل بالإنترنت، كما أن الثورة التي أحدثتها الأجهزة المحمولة ساهمت في توسيع الأماكن التي تمكن من إجراء البحث واكتساب المعلومات من خلالها. فإمكانية الوصول إلى الإنترنت أصبحت في كل مكان تقريبا. إلا أن هذا لا يمكنه التقليل من أهمية وجود بيئة تعاونية أو تلك التي يمكن أن تفضي إلى أبحاث مكثفة. المساحات المكتبية التقليدية قد تكون أقل فائدة مما كانت عليه في وقت ما، وهذا ما شجع العديد من المكتبات لتعيد هيكلة الأماكن في المكتبة لتصبح أشبه بمراكز التعلم متعددة الأغراض، وقد رأت هذه المكتبات أن اختيار هذا الحل يعزز بقاءها ووجودها
المكتبة كمهام وظيفية:
النظر إلى المكتبة كمهام وظيفة يتوافق مع مسؤولية المكتبة في توفير الأدوات اللازمة التي تسمح بتنقل المستخدمين في ظل المشهد المعلوماتي المتزايد باستمرار. التركيز هنا يجب أن ينصب على إعادة تعبئة كمية كبيرة من المعلومات لتلبية الاحتياجات المحددة للجمهور.
المكتبة كخدمة:
النظر إلى المكتبة كخدمة ربما يكون العنصر الأكثر أهمية، حيث أن أهمية المكتبة الأكاديمية هنا من الممكن أن تبرز بوضوح. المكتبات بحاجة إلى أن تتجه إلى مزيد من التركيز على الخدمات أكثر من ذي قبل. حيث أن المكتبات تقوم الآن باستيعاب كميات أكثر اتساعا من المعلومات وبأشكال جديدة لم يعهدها المستخدم سابقا، وبالتالي فإن مقدار الدعم الذي توليه المكتبة للمستخدمين يمكنها من أن تلعب دورا رئيسيا في تحديد مدى فاعلية المكتبة.
بصرف النظر عن الطرق المختلفة التي يعرضها "جون آكيرود" للنظر إلى المكتبة، فلا يمكن أن ننفي حقيقة أن المكتبة الأكاديمية تحقق قيمة كبيرة للطلاب بحيث يصبح من الواضح وبشكل صارخ أن هذه ليست نهاية الطريق للمكتبات.
مكتبات المستقبل:
التصور المستقبلي للمكتبات كان المشروع البحثي الرئيسي الذي قام به مجلس الفنون the Arts Council في 2012 عام 2012-2013 والذي من شأنه أن يساعدنا على فهم مستقبل المكتبات ويضع رؤى خاصة بكيفية تمكينها من التطوير، وكيفية الاستجابة للتغيير من أجل البقاء والمحافظة على كينونة لها أثرها وصداها في المجتمع. بدأ البحث في كانون الثاني 2012، وقد شمل ثلاث جلسات تحدث الباحثون خلالها مع أكثر من 800 شخص. كما اشتمل البحث على استطلاع على الإنترنت استجاب له بالرد أكثر من 1400 رد، هذا بالإضافة إلى 10.000 محادثة مع الناس عبر الإنترنت.
عرض التقرير الخاص بنتائج الأبحاث والدراسات مجموعة من الإجراءات التي لابد أن تنتهجها المكتبات من أجل أن تبقى ناجحة في ظل التحديات الكثيرة. كما عرج التقرير على أهمية الاستفادة الكاملة من الفرص التي تواجهها المكتبات الآن وفي المستقبل، حيث أشار البحث إلى حاجة المكتبات إلى:
• المكتبات بحاجة إلى أن تكون مركزا للمجتمع.
• المكتبات بحاجة إلى أن تكون مركزا للتقنية الرقمية ووسائل الإعلام الإبداعية.
• قادة المكتبة والموظفون سيحتاجون إلى امتلاك المهارات المناسبة لمواجهة تحديات المستقبل.

المكتبة والتقنية علاقة تكاملية:
المكتبات مثلها مثل جميع الخدمات العامة التي تأثرت بفعل التغييرات البيئية الأوسع مثل التقنية وشبكات الإنترنت والخدمات المجانية، ويبدو أن وجود أجهزة الكمبيوتر والتقنية والإنترنت في المكتبة وما أحدثته من تغييرات على طبيعة المكتبة ووظائفها بالنسبة للشباب ليس أمرا بذي الأهمية التي يراها الكبار؛ فوجود التقنية واستخدامها في المكتبة بالتالي هو جزء من تجربتهم في استخدام المكتبة وهو الشيء الطبيعي بالنسبة لهم. على عكس الكبار، الذين هم مولعون بالمقارنات بين ما كان عليه وما هو عليه الآن، هذا بالإضافة إلى الدخول في مناقشات حول سهولة أو صعوبة التعامل مع التقنية والتشكيك في أثرها على مكانة المكتبة كمكان يقدم المعلومات، إلا أنهم يجمعون أن التغييرات التقنية تدفعهم لتغيير حساباتهم ورؤيتهم لمفهوم المكتبة.
بشكل عام، معظم الذين شملتهم الدراسة يرون أجهزة الكمبيوتر وخدمة الإنترنت في المكتبات العامة تحقق مجموعة من الأهداف، مثل الألعاب التعليمية والتي لم تعد مقتصرة على الصغار فقط. كما أنه من الممكن استخدام شبكة الإنترنت في المكتبة لمشاركة الطلاب في حل واجباتهم الدراسية، هذا كما يمكنهم استخدام مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية مثل الفيسبوك. واستخدام الطابعة لطباعة الواجبات المنزلية - حتى لو كانت لديهم طابعة في المنزل، حيث أشار كثير من المشاركين إلى جودة الطابعات التي تتواجد في المكتبات. من المهم أن توفر المكتبة الاتصال بشبكة الإنترنت طوال الوقت ولجميع الرواد، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين ليس لديهم إنترنت في المنزل. وافقت الأغلبية أن المكتبة توفر فرصة ثمينة لكبار السن لاستخدام (أو تعلم كيفية استخدام) أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، سواء بالمعنى العام.
هل ستختفي المكتبات بفعل التقنية؟؟
كما أسلفنا في بداية الموضوع، هناك الكثير ممن يتحدث عن انتهاء المكتبات وخاصة في المجتمعات الغربية. ولو حاولت أن تبحث في محرك جوجل عن هذا العنوان ستجد الكثير والكثير من نتائج البحث ... هذه التنبؤات والآراء مضى عليها عشرات السنين ولازلنا نرتاد المكتبات!!! وبالاطلاع على تقرير مركز بيو للدراسات Pew Research Center خلال بحث نشر في نهاية العام الماضي يمكننا أن نقول أن هذا الرأي خاطئ جدا. فقد أشار التقرير إلى أن فئة الشباب يولون المكتبات الاهتمام والثقة أكثر مما كان عليه آبائهم من قبل ... وهذا التقرير كان له الكثير من التأثير الإيجابي على العاملين في المكتبات الذين كانوا دائمي التخوف من هجر الشباب للمكتبات والعزوف عن ارتيادها. كما أظهر التقرير أن 62٪ من الأمريكيين تحت سن 30 ، 53٪ من الأميركيين الأكبر سنا يتفقون على أن المكتبات تحتوي على الكثير من المعلومات المفيدة والهامة التي لا تتوفر على شبكة الإنترنت."وهنا نري أيضا اقتناع الشباب أكثر من كبار السن بأهمية المكتبة؛ وهذا قد يجيب على الكثير من التساؤلات التي تدور حول مستقبل المكتبات...