إن الأشخاص الذين نواجهم في الحياة اليومية، عادة ما يكونون مختلفين عما نحن عليه، وعادةً ما يكون لديهم الكثير من التجارب والخبرات التي تختلف عما لدينا. في الواقع، يمكن القول أن نفس الشيء ينطبق على عملية التعلم، وحيث يتعلم الجميع بشكل مختلف. لذلك يبدو من المنطقي المطالبة بضرورة أن تتكيف العملية التعليمية وفقًا لهذه الاختلافات. ومع ذلك، ليس هذا هو الحال بشكل عام، فقد تفشل بعض المؤسسات الأكاديمية في إدراك أن الطلاب يتعلمون بشكل مختلف، لذلك يجب تعديل المنظومة التعليمية لاستيعاب هذه الاحتياجات. كما نبغي على المشرفين الأكاديميين التوعية بذلك لكل من الطلاب والمعلمين من أجل زيادة فرص نجاح الطلاب وبقائهم في المسار التعليمي حتى التخرج.
في الحقيقة قد يستدعي ذلك تغيير قواعد اللعبة لتحسين نتائج الطلاب، من خلال استغلال البيانات الضخمة التي أوجدتها التقنية وتوظيف الإمكانيات الهائلة التي تتيحها تحليلات التعلم للخروج بنتائج ترضي الطالب من جهة والجامعة من جهة أخرى. حيث أثبتت تحليلات التعلم للطلاب، قدرتها على تحديد الوقت الأنسب من اليوم للتعلم، والطرق الأكثر فاعلية بالنسبة لهم. كما يمكن أن تسمح للمحاضرين بتحفيز المزيد من مشاركة الطلاب.
توظيف البيانات الضخمة لرفع معدلات النجاح
نحن في عصر البيانات. فقط انظر حولك: الغالبية العظمى لديه هاتف ذكي، والكثير يقومون بتعقب نشاطهم اليومي، فهناك من يقومون بتحليل نبضات القلب، مع حساب الخطوات التي قام بها خلال اليوم، ومراقبة عدد الساعات التي ينامون فيها. في نهاية يومهم، يمكن لأصحاب هذه الأجهزة أن يروا بالضبط كيف يمضون وقتهم. ماذا لو تمكنا من القيام بذلك لمعرفة مشاركة الطلاب؟
باستخدام تحليلات التعلم، من الممكن معرفة كيفية تعلم الطلاب والموارد التي يختارونها. خاصة في وجود إمكانات هائلة لموارد التعلم الإلكتروني في التعليم العالي. يمكننا الآن أن نتصور، أنه وبنقرة واحدة، نستطيع أن نعرف كيف يتفاعل المستخدمون، وبشكل فردي مع الموارد. لا يمكننا أن نرى فقط أنهم حصلوا على نسبة 55 %، لكن يمكننا تحديد المناطق التي وقعوا فيها بشكل خاطئ، وانطلاقاً من ذلك، يمكننا تعقب الخطوات التي سلكها الطالب وتحليل تفاعلاته لمعرفة السبب. يمكننا القيام بذلك باستخدام بيئات المحاكاة وأشرطة الفيديو، والكتب الإلكترونية والتطبيقات التفاعلية، والتي قد تكون على شكل ألعاب أو مسابقات.
وفي الوقت نفسه، تتيح التقنية أيضًا للكليات والجامعات جمع حزم من البيانات حول أداء طلابها، والتي يمكن أن يستفيد منها المعلم والطالب، على سبيل المثال يتيح "سجل المتعلم" الخاص بكل طالب معرفة كيف أمضى هذا الطالب وقته في التعلم ومدى التقدم الذي أحرزه، بما في ذلك المشاكل الحالية والسابقة. وبمرور الوقت، يمكن للطلاب تحديد أنسب وقت لهم في اليوم للتعلم، والطرق الأكثر فاعلية بالنسبة لهم. وبالمثل، يمكن للمعلمين استعراض طرق التعلم لدى الطلاب لتحديد أولئك الذين يتعثرون في عملية التعلم ويقترحون الحلول، مما يقلل من فرص تسربهم.
في المجمل، التحليلات التعليمية تركز على تفرد المتعلم، وعلى إعطاء المتعلمين معلومات قابلة للتنفيذ لاتخاذ قراراتهم حول الدراسة في دورة معينة أو مجموعة من الدورات التدريبية. الهدف، من ذلك، هو تقديم معلومات تساعد المتعلمين على اتخاذ الخيارات المثلى حول أفضل طريقة لتطبيق جهودهم الفكرية وتحقيق التقدم الأكثر فاعلية نحو أهدافهم الأكاديمية.
التدخل المبكر للحصول على نتائج أفضل للطلاب.
يعتمد نجاح المؤسسة الأكاديمية ونجاح الطلاب على القدرة على التعرف مبكراً والتنبؤ بالطلاب "المعرضين للخطر". بدون استخدام نظام إدارة التعلم (LMS) وباعتماد الطرق التقليدية لتحليل بيانات الطلاب، فقد تقف البيانات عند حد معين، ويتم الاقتصار على تزويدنا بصورة عامة حول أداء الطالب وليس العمل الفردي الذي يقوم به كل طالب خلال تعلُمه. كما يشكل الطلاب الكبار والعائدين جزءًا كبيرًا من الملتحقين في التعلم عبر الإنترنت، مما يعني أن هناك حاجة إلى مزيد من الاهتمام للنظر إلى ما وراء البيانات الإجمالية ومستوى مشاركتهم في الدورة التدريبية، بدءًا من اليوم الأول للدورة التدريبية. وهذا هو المكان الذي يصبح فيه نظام LMS مع التحليلات التنبؤية predictive analytics مكونًا أساسيًا لتحليل البيانات، على أساس يومي.
جعل مجموعات البيانات الضخمة قابلة لعمل المعلمين
يمكن للمعلمين والمستشارين تحليل تفاعل الطلاب من أجل ملاحظة الاتجاهات التي يمكن اتخاذ إجراءات سريعة بشأنها. باستخدام نظام إدارة التعلم، يمكنهم إجراء تغييرات تلقائية على مسار الطالب استنادًا إلى تحليل البيانات، والتي يمكن استخدامها أيضًا لتخصيص التعلم بطريقة أكثر كفاءة وموثوقية، والتدخل أينما استدعى الأمر. هذا التدخل المبكر يتيح للطلاب أيضًا معرفة الدعم المقدم لهم من معلميهم ومستشاريهم، وضمان عدم شعورهم بالانفصال عن المؤسسة التعليمية.
بيانات الطلاب: البيانات التفاضلية تحدث فرقا
تتمثل إحدى المشكلات التي تواجهها المؤسسات عندما يتعلق الأمر بإدارة البيانات في الحجم الهائل من المعلومات التي يتعين عليها استيعابها. وبسبب هذا، قد تكون التقارير التقليدية بطيئة ومملة في بعض الأحيان. في كثير من الحالات يتوجب إعادة تنظيم وتفسير جداول البيانات المليئة بالأرقام بواسطة فريق من المحللين، وفي بعض الأحيان يتم القيام بذلك يدويا، مما يبطئ العمل وقد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة. إن استخدام نظام إدارة التعلم LMS الفاعل يسمح بمعالجة التغييرات المتزايدة للبيانات على أساس يومي. ذلك يعني أن المحللين يمكنهم معالجة البيانات التي تغيرت بسرعة، بدلاً من الاضطرار إلى تحميل مجموعة كاملة من البيانات في كل مرة. وهذا يساعد على تحديد الاتجاهات اليومية على الفور، وبالتالي يمكن اتخاذ الإجراءات المؤثرة في أسرع وقت.
توقع النجاح في الأسابيع الثلاثة الأولى
من خلال ملاحظة مستوى مشاركة الطلاب من خلال نظام إدارة التعلم LMS، يستطيع المشرفين والمعلمون الوصول سريعًا إلى حلول تساعد على إحراز الطلاب تقدم ملحوظ في وقت وجيز قد لا تتعدى الثلاث أسابيع. هذا وتعتبر العديد من العمليات مثل اكتمال الاختبارات أو المسوحات التي تتم في الوقت المحدد، أو عدد المشاركات في منتديات النقاش، ومقدار الوقت الذي يقضيه الطالب في المهام الدراسية أو مواد الدورة التدريبية، والتفاعل مع الأساتذة، هي مؤشرات لمستوى تفاعل الطالب.
تجربة جامعة جورجيا الجنوبية الرائدة مع التحليلات التنبؤية
تقدم جامعة جورجيا الجنوبية مثالاً رائعًا عن مدى نجاح المؤسسة مع بيانات المتعلمين لتحسين معدلات الاستبقاء والتخرج. كانت ولاية جورجيا واحدة من أوائل الجامعات بدأت باستخدام التحليلات التنبؤية لتتبع جميع الطلاب في عام 2012.
يشير Timothy Renick نائب الرئيس لشؤون التسجيل ونجاح الطلاب ونائب رئيس جامعة ولاية جورجيا، إلى تجربة الجامعة مع التحليلات التنبؤية قائلاً:" لقد بدأنا في تقديم نصائح منطقية لطلابنا على نطاق واسع. على سبيل المثال، في الماضي كان هناك كل عام الآلاف من الحالات التي يسجل فيها الطلاب في الدورات التي لا تنطبق على برامج شهاداتهم، لأنه لم يكن أحد يراقب ذلك، كان الطلاب غالباً ما يأخذون المسار الخاطئ. قد يلاحظ شخص ما هذه الحقيقة متأخرا، وبالتالي يترتب على الطالب أن يعود ويأخذ الفصل الصحيح، مما يضيع الوقت والمال. مع نظام التتبع الجديد الذي استخدمته جامعة جورجيا الجنوبية، يقوم النظام بإصدار تنبيه، عندما يسجل الطالب في المسار الخطأ، وفي اليوم التالي يتواصل المرشد الأكاديمي مع الطالب ويرشده إلى الدورة التدريبية الصحيحة قبل اليوم الأول من الفصل الدراسي. من الواضح وكما يقول الدكتور Steven Burrell، نائب رئيس قسم تقنية المعلومات في جامعة جورجيا الجنوبية. انه وبدون هذه الأنواع من التحليلات، يبدو وكأننا نسير في غرفة مظلمة مليئة بالبيانات مع ضوء كشاف. يمكننا فقط التركيز على شيء ضيق. بينما يسمح نظام إدارة التعلم (LMS)، لنا بتشغيل الأضواء في الغرفة لمنح الجميع القدرة على رؤية الصورة الأكبر. , إن جودة تدخلاتنا ستكون أفضل بكثير، ويمكننا تحريك البوصلة على نحو أكثر فاعلية في معدلات الاحتفاظ بالمستويات وإكمالها.
ومن خلال اطلاعنا على المشهد التعليمي في الوطن العربي، يمكننا استقراء صورة إيجابية حول انفتاح مؤسساتنا الأكاديمية على ثورة التقنية ومصادر المعلومات، وحيث تشهد الكثير من مؤسسات التعليم العالي نقلة نوعية وإقبالا متزايدا من المعلمين والطلاب على استخدام أنظمة التعلم الإلكتروني والتي باتت متوفرة بكفاءة وفاعلية ومن السهل الحصول عليها من قبل جهات خبيرة في هذا المجال. اليوم وفي ظل هذه الثورة التقنية والبيانات الضخمة، لم يعد هناك عذراً للإبقاء على النمط التقليدي في التعليم، فما نحن بحاجة إليه اليوم هو تعليم منفتح على المستقبل قادر على مواكبة عصر البيانات الضخمة.
التحول والانفكاك من التعليم التقليدي قد يكون خيارا صعبا، ولكن في النهاية نحن من يقرر مكانتنا وأين سنكون، ومن المهم أن نكون أذكياء بما يكفي لقراءة مشهد التحول.