يحدث التحول الرقمي بوتيرة غير مسبوقة، وبحيث يمكننا القول إنه بات اليوم المحرك الرئيس للتغيير الشامل في العالم، وتحسين حياة الناس، وخلق عالم أكثر اتصالًا، بالإضافة إلي قدرته على توفير فرص جديدة للشركات للنمو وخلق قيمة. ومع توافر التكنولوجيا المتقدمة وأدوات الرقمنة في الوقت الحاضر، لم بعد من المقبول تقديم الخدمات بشكل عام من خلال استخدام النظم القديمة. في
استطلاع أجرته مؤسسة Gartner حديثًا، أجاب 87٪ من كبار رجال الأعمال بأن الرقمنة هي إحدى أولويات الشركة، وقال 79٪ من الاستراتيجيين في الشركات أن الابتكار الرقمي أمر أساسي لإعادة تشكيل أعمالهم.
وإن دلت هذه الأرقام على شيء فإنما تدل على أن التحول الرقمي يقود الصناعات في العالم، وأن المؤسسات والشركات التي تريد النجاح والاستمرار في تقديم خدماتها تحتاج اليوم إلى مواكبة هذه التطورات لتتمكن من مواجهة التحديات التي تواجهها، وخاصة بعد دخول العالم عصر الثورة الصناعية الرابعة ، والتي تتميز بتسارع الابتكار واعتماد الأتمتة، مما يضع مستقبل العمل على المحك في العديد من الدول، عند الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الوظائف الحالية ستختفي وأن الرقمنة ستفرض علينا واقع جديد ستكون فيه 45 في المائة من الوظائف قابلة للتشغيل الآلي بحلول عام 2030. وذلك حسب ما أشار إليه تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي والذي كان بعنوان مستقبل الوظائف 2018.
ما هو التحول الرقمي؟
نظرًا لأن التحول الرقمي سيبدو مختلفًا بالنسبة لكل مؤسسة أو شركة ، فقد يكون من الصعب تحديد تعريف ينطبق على الجميع، حيث نرى أن تعريف Agile Elephant الشركة المتخصصة في التحويل الرقمي يؤكد على جميع الطرق التي قد تحتاجها الشركات لضبط ممارساتها الحالية، وينعكس ذلك في تعريفها للتحول الرقمي والذي ينص على : "يتضمن التحول الرقمي تغييراً في القيادة والتفكير المختلف وتشجيع الابتكار ونماذج الأعمال الجديدة ، بما في ذلك رقمنة الأصول وزيادة استخدام التكنولوجيا لتحسين تجربة الموظفين والعملاء والموردين والشركاء وأصحاب المصلحة. " فيما تعرف ويكيبيديا، الموسوعة الحرة التحول الرقمي بأنه: " التغييرات المرتبطة بتطبيق التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب المجتمع البشري". أما في شركة مونسانتو Monsanto الشركة متعددة الجنسيات والتي تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية ، فقد ناقشت التحول الرقمي من حيث التركيز على العملاء. حيث يٌعرف Jim Swanson المدير التنفيذي للشركة التحول الرقمي قائلاً: "نتحدث عن التشغيل الآلي للعمليات ، وعن الأشخاص ، وعن نماذج الأعمال الجديدة" وهنا يتم تضمين تحليلات البيانات والتقنيات والبرامج ضمن هذه الموضوعات - وكلها عوامل تمكين وليست برامج تشغيل." لأنه في قلب كل ذلك ، تتموضع القيادة والثقافة". " فقد يكون لديك كل هذه الأشياء -عرض العميل والمنتجات والخدمات والبيانات والتقنيات الرائعة حقًا -ولكن إذا لم تكن القيادة والثقافة في صميمها، فإنها تفشل. من الضروري فهم معنى الوسائل الرقمية لشركتك -سواء كنت مؤسسة مالية أو زراعية أو صيدلانية أو أكاديمية أو تجارة تجزئة.
بشكل عام، يمكننا تعريف التحول الرقمي على أنه دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع مجالات العمل مما يؤدي إلى تغييرات أساسية في كيفية عمل الشركات وكيفية تقديم القيمة للعملاء. علاوة على ذلك، إنه تغيير ثقافي يتطلب من المؤسسات تحدي الوضع الراهن باستمرار وتجربته في كثير من الأحيان مع عدم التخوف من الفشل.
التحول الرقمي على مستوى الأفراد والمؤسسات الأكاديمية والشركات
على مستوى الأفراد والمؤسسات يتم الآن استخدام العديد من التقنيات الحديثة مثل: إنترنت الأشياء (IoT) ، والروبوتات ، والذكاء الاصطناعي (AI) ، وتحليلات البيانات الضخمة ، وتقنيات الجيل الخامس، والسيارات ذاتية القيادة، وتقنية البلوكشين، والطباعة ثلاثية الأبعاد، ونظم المعلومات الجغرافية والقائمة تطول، وذلك من أجل بناء نماذج أعمال جديدة ، وتعزيز تجارب العملاء وزيادة الكفاءة. وعلى الرغم من أن هذه التطبيقات الحديثة لها إمكانات كبيرة ، إلا أن عددًا قليلاً فقط من المؤسسات على استعداد للاستفادة منها بالكامل ، مما يثير جدلاً حول تأثير الاستثمارات الرقمية على الإنتاجية .
يجب على المؤسسات تحديد أفضل الفرص للاستفادة من الرقمنة والاستثمار في الأنشطة التي سيكون لها التأثير الأكثر إيجابية وتسريع أدائها على المدى الطويل. معظم قادة الأعمال يفهمون التأثير المحتمل للتحول الرقمي على الأعمال والمجتمع.بالنسبة للمؤسسات الأكاديمية، فإن التحدي الأكبر هو مواكبة ثورة التعلم، وتقديم نماذج تعلم متطورة. وفي هذا الإطار نري العديد من النماذج الجديدة للتعلم، مثل التعليم المصغر الذي أصبح شائعًا للغاية. بالإضافة إلي ربط أنظمة التعلم عبر الإنترنت وتشجيع التفاعل من خلال واجهات التواصل الاجتماعي وروابط منصات الشبكات الداخلية، وتمتد أيضًا لتشمل ميزات مثل التعلم النقال و VR و AR و AIوغيرها من التقنيات الناشئة. تُسهل هذه الطرق من التعليم إمكانية تكوين مجموعات النقاش الصغيرة والكبيرة، والقراءة الموجهة ، والتأمل ، والاستكشاف الموجه ذاتيا ، والإبداع العملي، و تستكمل منصات Moodle هذا النهج من خلال وسائل إعلام اجتماعية وتعاونية مختلفة.
كما ويمكننا ملاحظة هذه التغييرات في البيئة التعليمية للعديد من الجامعات في المنطقة العربية والشرق الأوسط والتي تشجع الابتكار والبحث والتعليم والتدريب وتنمية إمكانيات الطلاب والمهنيين الرقميين. وتأكيداً على ذلك تشير الدكتورة هناء يماني وكيلة عمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد بجامعة أم القرى إلي أن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 قد ركزت على تعزيز حوكمة التحول الرقمي على مستوى المنظمات بشكل عام والدولة بشكل خاص وجعلت ذلك إحدى الأهداف البارزة في الرؤية. كما ويعد إطلاق جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي مؤخراً، أحد الطرق التي تتكيف بها المنطقة لإعداد الخريجين الشباب للمستقبل.
ما هي ملامح التعليم الحالي؟
من المهم أن تكون الجامعات والمؤسسات الأكاديمية برمتها على بينة من التحولات الجارية، حيث أن جزء كبير من عملية تزويد الشباب بالمهارات التي سيطلبها أصحاب العمل في المستقبل هو في صميم مسئوليتها، ولتحقيق ذلك يجب أن يمر التعليم بتحول جذري، فليس من المنطق أن ندفن رؤوسنا في الرمال مثل النعام ونستمر في تقديم التعليم كما هو عليه منذ سنوات، ونتوقع تخريج مواهب جاهزة للعمل في الوظائف والصناعات الآخذة في التحول الرقمي. وهنا لابد وأن نسأل ماذا لدينا؟؟ وما الجديد الذي نقدمه للشباب من اجل تمكينهم من اعتماد التقنيات المبتكرة للمضي قدما في مسيرة التحول الرقمي.
من خلال النظر إلى الواقع، سنجد أنه بالإضافة إلى المحاضرات الصفية لدينا نهج التدريب وورش العمل حيث يأتي شخص (عادةً ما يكون خبيرًا) ويقوم بإدارة جلسات التعلم وتوجيه المتعلمين. ولكن في مسيرة التحول الرقمي هذا النهج يصبح نهجا تقليديا. وله بعض العيوب، حيث لا يوجد عدد كاف من الخبراء لتغطية التقنيات الجديدة، هذا بالإضافة إلى أن تجربة التعلم ليست مخصصة لكل شخص فهي تجربة عامة. وذلك كما يرى Lucian Ghinda عضو مجلس الإدارة في شركة Digital Nation للمنتجات الرقمية في مقال له نشر في عام 2018.
بشكل عام يعتبر التوجيه هو الأكثر شيوعًا في التعليم، والذي يركز على نقل المعرفة من شخص لديه خبرة إلى شخص أقل خبرة. في بعض الأحيان هناك بعض التحولات، مثل تعلم تقنيات البرمجة الزوجية pair programming، والبرمجة الجماعية mob programming، وغيرها من النماذج، والتي تركز جميعها على خلق مساحة للطلاب للتفاعل أثناء العمل على مشاريعهم.
نماذج التعلم الجديدة والتي تشمل VR، MOOCs والكثير من التكنولوجيا الأخرى هي أشكال عززها التطور الرقمي. ومع ذلك، فهي ليست حلاً كاملاً، لذلك لا تزال هناك المزيد من المساحة المفتوحة لاكتشاف طرق جديدة للتعلم، التي تتلاءم مع خصوصية مرحلة التحول الرقمي وطبيعة جيل ما بعد الألفية -Generation Z- و الذين ولدوا في عصر العالم الرقمي وفترة ظهور الهواتف الذكية،
في هذا الجزء من المقال استعرضنا التحول الرقمي بشكل عام، وسوف نخصص الجزء التالي من المقال لاستعراض الطرق التي ينتهجها الشباب من أجل التمكين الرقمي.