من الملاحظ، تزايد نمو العملات المشفرة cryptocurrencies على مدار السنوات الأربع الماضية، فقد أصبحت منتشرة في كل مكان، مما دفع العديد من السلطات الوطنية والإقليمية إلى البحث في آليات تنظيمها، ولعل أحد أكثر الإجراءات شيوعًا التي تم تحديدها عبر العديد من الولايات القضائية التي شملها الاستطلاع الذي قامت بإجرائه مكتبة الكونجرس بعنوان "تنظيم العملات المشفرة حول العالم " والذي شمل 130 دولة حول العالم، من بينها 12 دولة عربية، هي إشعارات صادرة عن الحكومة حول مخاطر الاستثمار في أسواق العملة المشفرة. هذه الإشعارات، التي تصدر في معظمها عن البنوك المركزية، تهدف إلى حد كبير إلى تثقيف المواطنين حول الفرق بين العملات الفعلية التي تصدرها وتضمنها الدولة، والعملات المشفرة  التي لا تحميها الدولة. تشير معظم التحذيرات الحكومية إلى المخاطر الإضافية الناتجة عن التقلب الشديد المرتبط بالعملات المشفرة وحقيقة أن العديد من المنظمات التي تسهل مثل هذه المعاملات غير قانونية؛ علاوة على أن المواطنين الذين يستثمرون في العملات المشفرة يفعلون ذلك على مسؤوليتهم الشخصية وحيث لا يوجد لجوء قانوني متاح لهم في حالة الخسارة.

وبعيدا عن الربح والخسارة، يعتقد الكثير من العاملين في مجال المكتبات والمعلومات أن قاعدة البيانات المتسلسلة (blockchain) التي تقوم عليها العديد من العملات المشفرة - يمكن أن تكون مفيدة للمكتبات، حيث تشير الدكتورة سوزان المن Susan Alman  المحاضرة في  جامعة سان خوسيه الحكومية،  إلى أن هناك أمثلة ذات مصداقية على استخدام تقنية سلسلة الكتل للحصول على الإعارة المتبادلة  بين المكتبات والنشر الأكاديمي ووثائق الاعتماد، ولكنها في المقابل تشدد على الحاجة لإنشاء مشاريع نموذجية لاختبار هذه التقنية في بيئة المكتبات، مؤكدة على أنه من أجل الوصول إلى ذلك فإن: "هناك حاجة حقيقية لتدريب اختصاصي  المعلومات على ماهية العملات المشفرة ، وكيف تعمل ، وكيف يمكن تطبيقها في المكتبات"، وفي هذا السياق قامت مجلة American Libraries، المجلة الرئيسة لجمعية المكتبات الأمريكية بإجراء مقابلات مع خمس من أمناء المكتبات وأخصائي المعلومات الذين لهم باع في تقنية سلسلة الكتل  ، وهم كارولين كوارد Caroline Coward مشرفة مجموعة المكتبة التابعة لناسا في كاليفورنيا، ريان هيس Ryan Hess مدير خدمات المبادرات الرقمية في  مكتبة مدينة بالو ألتو، دارا هوفمان  Darra L. Hofman باحثة في جامعة كولومبيا البريطانية ، بوهيون كيم Bohyun Kim رئيس قسم التقنية وأستاذ مشارك مكتبات جامعة رود آيلاند،  وآني نورمان  Annie Normanأمينة مكتبة في دوفر ، وذلك  للوقوف على ما يحتاجه موظفو المكتبات لمعرفتهم حول تقنية سلسلة الكتل ، والدور الذي يمكن أن تلعبه المكتبات في تثقيف الجمهور ، والطرق التي يمكن أن تؤثر بها هذه التقنية الناشئة على المكتبات نفسها.

ما تقنية سلسلة الكتل وكيف تعمل؟

تقنية سلسلة الكتل هي وبكل بساطة عبارة عن سجل مفتوح للمعلومات يمكن استخدامه لتسجيل المعاملات وتتبعها. وتُستخدم شبكة ند للند في تبادل ذلك السجل والتحقق من سلامته، وترى هوفمان، أن تقنية سلسلة الكتل عبارة عن قاعدة بيانات موزعة حيث يمكن للعديد من الأطراف المختلفة قراءة وكتابة المعاملات في قاعدة البيانات، بدلاً من قيام طرف ثالث بالتحقق من هذه المعاملات، حيث أن تقنية سلسلة الكتل تمتلك آلية إجماعيه تقوم بفحص المعاملات للتأكد من أنها جيدة.

ومن خلال قدرة هذه التقنية على إزالة التمركز في عمليات المبادلة، يمكن الاستغناء عن الوسطاء كالبنوك، فهي توفر قاعدة من البيانات التي تتيح لنا القيام بعمليات التبادل بعد أن يتم تصديقها من قبل جميع الحواسيب الموصولة في هذه الشبكة. وفي هذا السياق تقول هوفمان: "إذا كان كل شيء يعمل كما ينبغي ، فيمكن أن تمنحنا هذه التقنية من الناحية النظرية قاعدة بيانات جديرة بالثقة للمعاملات الجيدة دون أن يضطر إنسان أو مؤسسة إلى التدخل للتحقق من تلك المعاملات. "

ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المكتبات في تثقيف مجتمعاتها حول تقنية سلسلة الكتل؟

ما يحتاجه موظف المكتبة من معرفة حول تقنية سلسلة الكتل يعتمد بشكل كبير على طبيعة السياق؛ حيث أن الإجابة على الأسئلة المرجعية حول  Bitcoin  تتطلب اتساعًا وعمقًا مختلفًا تمامًا عما إذا كان المطلوب هو البحث في اتخاذ القرارات حول تطبيق تقنية سلسلة الكتل لإدارة الإعارة بين المكتبات، وعلى الرغم من ذلك ، كمتخصصين في مجال المعلومات ، يجب أن يكون لدى كل شخص في عالم المكتبات معرفة حول تقنية سلسلة الكتل  لأنه من المحتمل أن تصبح هذه التقنية شائعة بشكل متزايد خلال السنوات القادمة؛ بالإضافة إلى أن الطبيعة اللامركزية لتقنية سلسلة الكتل والجمع بين الشفافية والأمان والخصوصية التي توفرها دون إشراك أي جهة خارجية تعني أنه يمكن أن تؤثر على العديد من الصناعات، بدءًا من الاعتماد التعليمي إلى إدارة سلسلة التوريد.

هذا ويمكن توجيه المكتبيين والعاملين في المكتبات نحو رؤية إمكانات تقنية سلسلة الكتل في مجال المكتبات وإدارة صناعة المعلومات، من خلال دعوة موظفي المكتبة إلى مشاركة القراءة حول المواد التمهيدية الخاصة بهذه التقنية، وإجراء مناقشة جماعية حول ما وجده كل شخص مثيرًا للاهتمام ومفيدًا. يمكن للمناقشة بعد ذلك الانتقال إلى كيفية استخدام تقنية سلسلة الكتل لفائدة المكتبات.

فبالرغم من وجود الكثير من التعقيدات التقنية والرياضية الكامنة وراء تقنية سلسلة الكتل ، إلا أنه من المؤكد أن  مساعدة المستفيدين في التعرف على هذه التقنية هو  في حدود قدرتنا كمحترفين للمعلومات، فمن البديهي ألا يعرف كل أمين مكتبة كيفية عمل محركات الديزل أو بروتوكولات TCP / IP ، ولكنهم يعرفون  كيفية مساعدة المستفيدين على تحديد احتياجاتهم من المعلومات وإيجاد المصادر المناسبة لتلبية تلك الاحتياجات. على مستوى مقدمة حول تقنية سلسلة الكتل، يمكن للمكتبات إحضار الضيوف المتحدثين ، ووضع قوائم القراءة الموصى بها ، ودمج مناقشة تقنية سلسلة الكتل  في عمل محو الأمية المعلوماتية. بالنسبة للمكتبات التي لديها الموارد، تعتبر تقنية سلسلة الكتل مناسبة كموضوع للمبادرات التي يمكن العمل عليها داخل  المختبرات وورشات المصنعين makerspace .

يمكن تقديم تقنية سلسلة الكتل في سياقات متعددة حسب اهتمامات المجتمع. في الأماكن التي يوجد بها العديد من كبار السن، قد يلفت الانتباه تطبيق تقنية سلسلة الكتل  على السجلات الصحية الإلكترونية. يمكن أيضًا تقديم تقنية سلسلة الكتل كتقنية تقود الكثير من الشركات الناشئة في مجال التقنية، وهو مجال من المحتمل أن يظهر فيه المزيد من فرص العمل. وكذلك يمكن للمكتبات أن تشرح كيف تعمل تقنية سلسلة الكتل على تشغيل العملة المشفرة، وإظهار العملات الرقمية الأخرى ، ومناقشة كيفية تتغير الأشياء إذا أصبحت العملات الرقمية أكثر شيوعًا. كما يمكن للمكتبة تنفيذ ورشات عمل توضح كيفية إعداد محفظة Bitcoin واستخدامها.

في الوقت الحاضر، يمكن شراء عملة مشفرة مثل Bitcoin من ماكينة الصراف الآلي في أحد المتاجر. لذلك، من المحتمل أن يتزايد عدد الأشخاص الذين يقومون بشراء نوع من العملة المشفرة دون أن يفهموا آلية عملها. لهذا السبب، كلما تم شراء وتداول عملة مشفرة على نطاق واسع، ستكون هناك حاجة إلى مزيد من التثقيف حول تقنية سلسلة الكتل .

تقنية سلسلة الكتل ودورها في حماية حقوق الأفراد

من المهم التساؤل كيف تساعد هذه التقنية في حماية (أو على العكس من ذلك، تقويض) حقوق الناس؟ وكيف نحافظ على هذه السجلات الرقمية في سياقها لضمان توافرها المستمر لمجموعة متنوعة من الاحتياجات والأغراض المجتمعية؟ وكيف يمكن أن تساعد تقنية سلسلة الكتل الناس؟ كل هذه الأسئلة يتم طرحها من خلال التقنية، لكنها أسئلة أساسية حول الأشخاص والمعلومات التي كنا نتعامل معها منذ آلاف السنين. عندما تنظر إلى تقنية سلسلة الكتل، أو أي تقنية بالفعل، من خلال العدسة الإنسانية، فإن التفاؤل التقني الساذج الذي يغذي الضجيج حول هذه التقنية سوف يخفت، وسوف ينتقل التركيز من قدرتها التقنية الرائعة إلى كيف يمكننا حقًا استخدام هذه التقنية لمساعدة الناس.

المكتبات ليست هنا لتحويل الناس إلى أنصار العملات المشفرة أو جعلهم متشككين حولها، المكتبات موجودة لتزويد الأشخاص بالمعرفة والقدرة الكافية لمعرفة المعلومات المفيدة وغير المتحيزة والتي يتم نشرها من أجل التسويق أو زيادة المبيعات. يتمثل دور المكتبة في تثقيف الجمهور حول تقنية سلسلة الكتل من أجل تمكين الناس من اتخاذ قرارات مستنيرة إذا ما تم اعتماد تقنية سلسلة الكتل على نطاق أوسع في المستقبل.

في هذا الجزء من التدوينة تم التطرق إلى موضوع تقنية سلسلة الكتل  في المكتبات بصفة عامة، يحمل الجزء الثاني بين طياته تفصيلاً أكبر  حول تطبيقات تقنية سلسلة الكتل في المكتبات والفوائد والمخاطر التي يمكن أن تنعكس على المكتبة جراء تبنى هذه التقنية.