عندما يفكر كثير من الأفراد في شبكات التواصل الاجتماعي، فإن الصورة التي ترد في خاطرهم هي صورة المواقع التي يرتادها الشباب وما يدور على هذه المواقع من نقاشات مضنية حول تجاربهم العاطفية أو المعزوفات الموسيقية التي يفضلون الاستماع إليها. لكن الأمر ليس على هذه الوتيرة طول الوقت، فقد تجد أناسا ينضمون إلى شبكات تواصل اجتماعي أكثر رزانة ورصانة، الأمر يتعلق إذا بمقتنيات الكتب الخاصة بهؤلاء الأفراد.
في الحقيقة، الشبكات التي تعمل على تعزيز اهتمام متصفحي الإنترنت بالكتاب ورفع معدلات القوة الشرائية للمجموعات التقليدية قليلة مقارنة بغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن هذه النوع من الشبكات، والتي يمكن أن نطلق عليها "شبكات التواصل الكتابية" آخذة في التزايد يوما تلو الآخر، ولعل شبكة التواصل LibraryThing أصدق دليل على هذه الحقيقة. تتيح هذه الشبكة لعشاق الكتب فهرسة الكتب التي بحوزتهم، وتلك التي قرؤوها، والكتب التي يتمنوا قراءتها، والتي أعاروها أو استعاروها، باختصار تتيح لهم إنشاء فهرس لأي مجموعة يرغبوا بها، كما تمكن المشتركين من الاطلاع على مجموعات الأعضاء الآخرين، واكتشاف القراءات المفضلة لديهم، وتبادل النصائح حول الكتب في التخصصات المختلفة.
تضم الشبكة أكثر من 1.600.000 عاشق للكتب، ومن بين هؤلاء العشاق السيدة كاثرين هافمان Kathryn Havemann من ولاية أوهايو بأمريكا، وعند سؤالها عن سبب اشتراكها في هذه الشبكة، تقول: "لم أكن لأنشر حياتي الخاصة على صفحات الإنترنت إلا من خلال ما أقتنيه من الكتب".
إن عملية إنشاء الفهرس الخاص بالمشترك على الشبكة سهلة للغاية، فبكل بساطة يقوم المشترك بإدخال عنوان الكتاب، ثم يقوم محرك البحث بتزويد التفاصيل الباقية لهذا الكتاب، مثل الترقيم الدولي وصورة مصغرة لغلاف الكتاب، وبنقرة أخرى، ينتقل المشترك إلى فهرسة كتاب آخر بنفس الطريقة.
يستطيع المشترك الاطلاع على الفهرس وطباعته فور إنشائه، وتتيح الشبكة نوعين من الاشتراكات؛ الأول مجاني حيث يسمح للمشترك بفهرسة ما لا يزيد عن 200 كتاب، واشتراك متميز يتيح للمشترك فهرسة عدد لا حصر له من الكتب، لكن على المشترك أن يقوم بشراء الكتاب على النحو التقليدي المعهود بغرض الاطلاع عليها.
لكن في مجال "قاعات الاطلاع الافتراضية"، ثمة ما هو أبعد من مجرد فهرسة الكتب على الإنترنت، ألا وهو الاطلاع الفعلي على الكتاب وتقليب صفحاته كما لو كان القارئ يقلب صفحات الكتاب التقليدي، وتعد شركة book2net العالمية من أفضل الشركات التي تقدم هذه التقنية والتي تضفي طابع الخصوصية التي يريدها ويشعر بها قارئ الكتب، وهذا يدعم نوعا خاصا من العلاقة الحميمة التي تنشأ بين القارئ والكتاب.
بعد نجاح تقنيات القراءة الافتراضية – سواء في قاعات المكتبات المعدة لذلك أو عبر قراءة الكتب على الأجهزة المحمولة – استحدث البعض ما يسمى بـ "حلقات القراءة الافتراضية" Virtual Reading Groups، حيث يتم الترتيب بين عدد من القراء ذوي الاهتمام المشترك لقراءة كتاب معين أو القراءة في موضوع محدد، ثم الالتقاء في حلقة نقاشية عبر الإنترنت لمشاركة آرائهم، أو الاجتماع عبر الإنترنت لقراءة الكتاب ومناقشته مباشرة.
أول من أعلن عن هذا النوع من الحلقات الافتراضية هو موقع Free Liberty، حيث دعا المهتمين بأي فرع من العلوم إلى الاشتراك في الحلقات النقاشية، ويقوم المتقدم بإرسال معلومات عن شخصيته واهتماماته والحقل العلمي الذي يرغب في المشاركة في حلقاته، ومن ثم يقوم الموقع بترتيب الحلقات الافتراضية بحد أقصى 12 مشارك وإخبار المشاركين بكافة تفاصيل الحلقة وموعد انعقادها على الإنترنت وكيفية تسجيل الدخول إليها.
ويبدو أن المكتبات قد وجدت بغيتها في مثل هذه التجربة الناشئة، من جراء ما تعانيه من ركود في سوق الكتب إثر الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم بشدة في هذه الآونة، مما دفع المكتبات للجوء إلى أساليب غير تقليدية لجذب القراء وتحريك سوق شراء الكتب الذي يعاني ركودا لا يقل ضراوة عن باقي الأسواق الأخرى. لكن إقدام المكتبات على مثل هذه التجربة كان على استحياء شديد، ولعل أول مكتبة تخوض غمار هذا الخضم المجهول هي مكتبة Wigan بالمملكة المتحدة، حيث أعلنت عن أسلوب فريد للاحتفال بالعيد القومي للقراءة الجماعية، فقد دعت سكان مقاطعة Wigan إلى الاشتراك في حلقات القراءة الافتراضية التي تنظمها المكتبة عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، في البداية، لا بد أن يكون لمن يرغب في الانضمام إلى الحلقة حساب على الفيسبوك، ومن ثم يرسل طلب إضافة صديق Add Friend إلى مكتبة Wigan، بعدها يتم اختيار كتاب معين، ثم يمنح الراغبون في الانضمام إلى الحلقة مدة لا تزيد عن أسبوعين للحصول على الكتاب سواء بشرائه من المكتبة أو الحصول عليه بأي طريقة متاحة لهم، ثم إنشاء مجموعة القراءة الافتراضية حيث تتم قراءة الكتاب ومناقشته مباشرة داخل الحلقة الافتراضية.