وعلى الرغم من أن العديد من المؤسسات يتعين عليها تنفيذ هذا المبدأ بالكامل (خاصة فيما يتعلق بالتقييم الشامل للنتائج المؤسسية)، فإن هذه الفكرة أكثر من مجرد اقتراح. حيث أن كل هيئة من هيئات الاعتماد على المستوى الإقليمي تطلب من مؤسسات التعليم تحديد نتائج تعلم محددة، وإبراز الدليل على تقييم هذه النتائج باعتباره ممارسة معيارية.
التعلم عملية تراكمية ممتدة طول الحياة
ويبدو هذا المدخل نحو التصميم التعليمي معقولا على أقل تقدير. فكل الطلاب يحتاجون إلى مجموعة من المهارات والكفاءات (مثل التفكير النقدي، والقيادة التعاونية، والقدرة على التواصل الفعال واللائق مع ذوي الثقافات الأخرى) لتحقيق النجاح في حياتهم عند تحملهم أعباء ومسؤوليات مهنية إضافية والانخراط في أشغال ومهن جديدة (سواء باختيارهم أو فرضتها عليهم الظروف) أو مجابهة تحديات كبيرة على المستوى الشخصي أو الحياتي. وانطلاقا من الرسالة التعليمية التي تتبناها مؤسسات التعليم العالي، فإن التزامنا بمجموعة محددة من نتائج التعلم يتعين على الطلاب إنجازها يبدو أنه الواجب الذي كان لزاما علينا أن نباشره طول الوقت.
إلا أن النتائج التي تختارها مؤسسات التعليم لتمثل النطاق الكامل لرسالتها التعليمية، والطريقة التي تتبناها تلك المؤسسات لتقييم المكاسب على تلك النتائج، تحد في الغالب عن غير قصد منها من قدراتها على الوفاء بالرسالة التي ترسمها لنفسها. وعند تضييق المؤسسات لنطاق رؤيتها التعليمية على مجموعة منفصلة من المهارات والكفاءات والتي يمكن تقديمها والقيام بها أو إنتاجها في نهاية مرحلة ما قبل التخرج الجامعي، فإنها في الغالب ما تقوم بذلك على حساب رؤيتها الخاصة الأوسع والتي من شأنها غرس النهج الذاتي في التعلم. وما نقوم بقياسه يملي علينا تركيز جهودنا بغرض تحسين مستوى الإنجاز.
وبناء عليه، من السهل أن نتخيل السيناريو الذي يتم فيه استبدال البنية التعليمية التي تنتج حاليا مواد التخصص والمواد الفرعية في مجالات المحتوى ببساطة عن طريق بُنَي أخرى تنتج مواد التخصص والمواد الفرعية على هيئة نتائج تعلم تم اختيارها مجددا. وبدلا من إعادة تصميم خبرة التعلم الجامعية بتغيير مسار حياة الفرد، فإننا نجعل من الكل مجموعا لعدة أجزاء – لأن كل ما قمنا به هو مجرد استبدال مجموعة من الأجزاء بأخرى. وعلى الرغم من وجود قيمة في وضع وتنفيذ معيار الكفاءة للحصول على درجة البكالوريوس (حيث تخدم مادة التخصص الغرض) فإن اقتصارنا على هذا الإطار الضيق يحد من فهمنا الأوسع لهذا المبدأ الراسخ القائل بأن التجربة الجامعية عليها أن تنظر إلى التعلم باعتباره عملية إجرائية – عملية تراكمية، متكررة متعددة الأبعاد، والأهم من ذلك أنها عملية ذاتية تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد التخرج.
ومن ثم فإن الانفصال بين تصورنا للتعلم الجامعي باعتباره عملية إجرائية ونزوعنا نحو متابعة التعلم على أنه مجموعة محدودة من المنتجات (النتائج) أمر واضح لاسيما في الطريقة التي نقيم بها الطلاب كمتعلمين مدى الحياة. وفي الجملة، فإننا نقيس هذا البناء باستخدام الاختبارات الأولية والاختبارات النهائية التي ترصد مكاسب التعلم من عمر 18 إلى 22 سنة.
وفي ظل هذه الظروف، فإن محاولة الادعاء من الناحية التجريبية أن (1) الفرد قد نما وترعرع لديه اهتمام دائم بالتعلم على مدار حياته، وأن (2) النهج الذي يتبعه الفرد على مدار حياته كلها يعود إلى مرحلة ما قبل التخرج، فإنه ضرب من الخيال. في الواقع، إن تعقيد الحياة حتى في ظل أصعب الظروف يجعل مثل هذه الفرضية مشكوكا في صحتها إلى حد بعيد. ولكننا جميعا نعرف طلابا عاشوا التجربة الجامعية باعتبارها عملية إجرائية اكتشفوا من خلالها اتجاها مثيرا لاهتمامهم وزخما قويا قادهم إلى طريق مقصود يمتد بعيدا جديا فيما وراء البداية التي سلكوها.
وهنا لا أقترح أبدا أن تنصرف مؤسسات التعليم بعيدا عن تقييم مكاسب التعلم بخصوص مجموعة محددة من النتائج. على النقيض من ذلك، علينا أن نتوقع أن تثمر جهودنا نموا مطردا في أعداد طلابنا. وعند توفر التصميم المناسب، فإن التسلسل المنظم لعمليات متفرقة من تقييم النتائج بإمكانها إتاحة معلومات حيوية لرصد تعلم الطلاب مع الوقت، ولزيادة فعالية مؤسسات التعليم على أرض الواقع. لكن، نظرا لأن عملية التعلم تحدث بالفعل في خضم حالة من التفاعل الاجتماعي الدائم، فإن حصر وتقييم مقدار تعزيزنا لعملية تعلم راسخة على نفس الدرجة من أهمية أخذ نماذج انتقائية من تقييم نتائج التعلم، إذا ما كنا نسعى إلى جمع المعلومات التي تساعدنا على تحسين مستوانا.
مفهوم جديد للتقييم الطلابي
إذا كنا نظن أن القيام بتقييم فعال لنتائج التعلم أمر صعب، فإن تقييم جودة عملية التعلم يُفزع ويخيف أمهر منسقي عمليات التقييم على المستوى الجامعي. إن تحديد نطاق وقياس طبيعة العملية يتطلب تبني مفهوم جديد للتقييم – ومن ثم تطور فهم أكثر تعقيدا لنتائج التعلم.
وفي نهاية الأمر، فإن هذا المدخل من شأنه إحداث تحسن جوهري في قدرتنا على تحديد الدرجة العملية التي نقوم بتجهيز الطلاب لنيلها بطريقة مدروسة، وقابلة للتكيف الفعال، وتتسم بالذكاء في مواجهة كل الفرص غير المتوقعة وخيبة الأمل المفاجئة.
وبطبيعة الحال، تتعارض هذه الفكرة مع الطريقة التي نتبعها عادة في تنظيم خبرات التعلم لطلابنا في المرحلة الجامعية، لأنه إذا ما كنا بصدد رصد درجة علمية ذات تجربة محددة والتي تحفز الطلاب على متابعة تجارب لاحقة -- وبخاصة التجارب اللاحقة التي تحدث في المرحلة الجامعية -- فإنه لا يتيسر بناء تجربة تعليمية فضفاضة لدرجة أن عدد الاختلافات المحتملة في ترتيب تجارب الطلاب يساوي تقريبا أعداد الطلاب المسجلين في مؤسستنا التعليمية.
التقييم والاستعداد الفردي
ولا يعني هذا أن نعود إلى الأيام الخوالي حيث يحصل كل طالب على نفس الدورة الدراسية في نفس الوقت بنفس الترتيب، ولكن هذا يتطلب مستوى أرقى من الالتزام الجماعي بالتصميم العالمي لتجربة الطالب، وهو التزام بالتعلم الذي يكون الطالب محوره الأساسي على حساب التفضيلات الفردية للمعلم أو المسئول الخاص بالدورة الدراسية أو البرنامج الدراسي الذي يديروه عند توافرها.
هناك تحد آخر هام، ألا وهو تفعيل مفهوم التقييم الذي يسعى مباشرة إلى قياس استعداد الفرد لتحقيق الاستفادة القصوى من التجارب التعليمية اللاحقة. لكن إذا ما كنا نسعى إلى توضيح درجة كون التجربة الجامعية أكثر من مجرد مجموعة مكاسب يحققها الطالب على نتائج متباينة – سواء كانت هذه النتائج مترابطة بشكل ما أو مستقلة تماما عن بعضها – فإننا لا بد أن نقوم بتوسيع المنهج الذي نتبعه لاحتواء العملية التعليمية إلى جانب المنتج التعلمي.
عندئذ يمكننا بالفعل أن ندلل على أن الكُل أعظم من مجموع الأجزاء، وأن العملية التعليمية في الحقيقة بمثابة الصمغ الذي يجمع هذه الأجزاء المتباينة في "كل" أكبر ومتمايز نوعيا.
مترجم عن مقال كتبه: Mark Salisbury لـ InsideHigherEd