في خضم هذا الزخم الهائل من النقاشات حول الدورات المفتوحة عبر الإنترنت MOOCs، والبيانات الضخمة/التحليلات، يبدو أننا قد انصرفنا عن أثر التقنية الإحلالية Disruptive Technology على أنماط التعليم التقليدية و نظرية "الابتكار الكبير القادم" The Next Big Thing، والمسائل الأساسية المتعلقة بتقنية المعلومات في الحرم الأكاديمي. إذا لم يتوافر لدى رؤساء مؤسسات التعليم العالي فهما واعيا بحيثيات مثل هذه الأمور، سيكون من العسير عليهم أن يتعاونوا مع مدراء المعلومات التنفيذيين لديهم وضمان تحقيق الاستفادة القصوى داخل مؤسساتهم الأكاديمية من تلك الفرص الواعدة التي تتيحها تقنية المعلومات مع تلافي الأخطاء المكلفة. وحتى نقدم إطارا توعويا أمام رؤساء مؤسسات التعليم العالي ومدراء المعلومات التنفيذيين لمناقشة التقنية، فقد أجرينا لقاءات مع بعض رؤساء المؤسسات الأكاديمية، ومدراء المعلومات وغيرهم من الكوادر القيادية على المستوى الأكاديمي، وتوصلنا إلى خمسة أسئلة أساسية تدور في فلك تقنية المعلومات ينبغي أن يطرحها رؤساء مؤسسات التعلم العالي على مدراء المعلومات التنفيذيين لديهم.
انطلاقا من احتدام المنافسة للحصول على الموارد المالية، فإن أهمية الاستثمار الحكيم في التقنية تشهد نموا مضطردا. لكن في غالب الأمر، يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بتقنية المعلومات دون علم رؤساء المؤسسات الأكاديمية، وكبار المسئولين وإجراءات الإدارة المؤسساتية. وحسب تصريحات كل من "برايان هوكينز" Brian Hawkins وديانا أوبلينجر Diana Oblinger: فـ "إن تعيين مدير المعلومات التنفيذي ليس معناه إهمال الشؤون التقنية . . . حيث أن كبار المسئولين . . . والكوادر القيادية يتعين عليهم الاضطلاع بمسئولياتهم تجاه مراقبة الأنظمة التي تدير أصول المعلومات التي تقع في نطاق مسئولياتهم وبغرض تنسيق العمل فيما بينهم وبين مدراء المعلومات التنفيذيين من أجل تعزيز استغلال المؤسسة الأكاديمية للتقنية بفاعلية وكفاءة." هناك تحدٍ يواجه العديد من رؤساء المؤسسات الأكاديمية، ألا وهو إدراك الأسلوب الأمثل للتعاون مع مدراء المعلومات التنفيذيين والكوادر التقنية لاستخلاص إيجابيات وسلبيات الاستثمارات في تقنية المعلومات دون أن يغرقوا في المصطلحات التقنية أو تصرف أنظارهم الضجة الإعلامية. يتطلب تحقيق الإدارة المشتركة لتقنية المعلومات وجود نوع من التواصل الدائم حول الآثار الاستراتيجية للتقنية، وإجراء تحليلات شفافة حول التكاليف مقابل الفائدة، مع وجود رؤية واضحة حيال سبل دعم أو عرقلة التقنية لإنجاز أولويات المؤسسات الأكاديمية.
وفي السنوات الأخيرة، اعتبر مدراء المعلومات التنفيذيين عملية إدارة تقنية المعلومات كأحد أهم بواعث القلق لديهم. عادة ما تقصر الجهود المبذولة بغرض إنشاء هياكل إدارية فعالة واتساق مبادرات تقنية المعلومات مع أهداف المؤسسة الأكاديمية - كما يحددها كبار المسئولين وأعضاء هيئة التدريس وغيرهم من أصحاب المصلحة. في حين تراجع أعضاء مجلس الإدارة عن وانزعاجهم نحو ترك مهمة اتخاذ القرار بشأن مشروع ما رهن أمر فرد واحد، فهل يشعرون بالارتياح نحو ترك مهمة اتخاذ القرار بشأن استراتيجية تقنية المعلومات ذات الأهمية القصوى بيد مدير معلومات بمفرده؟ تعالج بعض مجالس الإدارة الأكاديمية هذه المسألة عن طريق إدراج نطاق التقنية ضمن هيكل لجنة الأعضاء. على أية حال، الأكثر شيوعا هو أن يتابع الأمناء المبادرات التقنية من خلال تقارير دورية يقدمها مدراء المعلومات التنفيذيين ومناقشة التقارير الصادرة عن اللجان حول تخطيط التقنية عبر كافة أقسام وإدارات المؤسسات الأكاديمية.
أصبحت أخبار خروقات البيانات مألوفة إلى حد كبير في الآونة الأخيرة. إضافة إلى ما تتكبده هذه الخروقات من تكاليف مباشرة، فإنها قد تضر بعلاقة المؤسسات الأكاديمية مع الخريجين، وأولياء الأمور، والجهات المانحة، وغيرهم، مما يؤثر سلبا على سمعة المؤسسة التعليمية بصفة عامة. هذا إلى جانب أن خروقات البيانات مجرد أحد مخاطر تقنية المعلومات. وتضم قائمة المخاطر الأخرى تعطل سير العمل، وفقدان البيانات الهامة، وفشل تقنيات المناهج الدراسية، وعدم جدوى الاتصالات الإلكترونية. على الرغم من الوعي المتزايد لدى الجامعات والكليات تلقاء طيف واسع من المخاطر المالية، والقانونيةـ وسمعة المؤسسة الأكاديمية، فإنها غالبا ما تتجاهل المخاطر التقنية. انطلاقا من الدور المحوري الذي تؤديه التقنية في عمليات القبول، والتسجيل، وإجراءا المعاملات المالية، والاتصالات الخارجية، والتطور، وإدارة السجلات، والتدريس، والبحث الأكاديمي، ومتطلبات الأمن والحماية، وغيرها من الأنشطة الحيوية، فإن مؤسسات التعليم العالي يتعين عليها دمج إدارة مخاطر تقنية المعلومات ضمن منظومتها الكلية لإدارة المخاطر. حتى مجرد فقدان البيانات، أو الوصول غير المصرح به، أو تمديد فترة توقف النظام لمرة واحدة فقط، كل ذلك قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة.
تخفيف مخاطر تقنية المعلومات قد يكون مكلفا وقد يتعارض مع الجهود الابتكارية والذكية. ومن هنا، فإن التوازن بين إدارة المخاطر و الاستخدام الفعال من حيث التكلفة للتقنية يمثل تحديا معقدا، وبخاصة أمام الكليات الصغيرة.
نورد فيما يلي مزيدا من الأسئلة في هذا الصدد: هل تم إدراج مخاطر تقنية المعلومات ضمن برامج إدارة المخاطر بصفة كلية؟ ما مستوى كفاءة المؤسسة في تقدير مخاطر تقنية المعلومات، وما مدى فاعلية جهود تخفيف هذه المخاطر؟ هل تتوافر قائمة متفق عليها بالأنظمة والإجراءات اللازمة، وها تم تحديد المخاطر التي تتعلق بكل نظام وإجراء؟ هل تتوافر خطط تعامل مع الطوارئ حال توقف بعض الأنظمة الهامة عن العمل؟ هل تتوافر لدى المؤسسة إجراءات واضحة يتم اختبارها بانتظام لضمان استمرارية الأعمال والتعافي من الكوارث؟ هل توجد سياسات أو ممارسات محددة لمعالجة البيانات التي تتسم بالحساسية والسرية والمحمية بموجب القانون؟
3- هل نتبنى رؤية استراتيجية في استخدام التقنية؟
يتعين دائما أن ينظر إلى الابتكار في تقنية المعلومات ضمن سياق تحقيق أهداف المؤسسات الأكاديمية - بوصفه مكونا متمما، وعامل تيسير، وعامل استقطاب للطلاب في بعض الأحيان. في واقع الأمر، عملية تقييم مستوى الابتكار في تقنية المعلومات المناسب لجامعة ما أو كلية بعينها يعني تحديد أساليب محددة يمكن بها تطوير جهود إدارية أو إعداد مناهج دراسية بذاتها. الابتكار التقني خارج هذه السياقات – سواء كان مدفوعا بالضغط من الأقران، أو الضجة الإعلامية، أو خوفا من التخلف - دائما ما يكون فكرة سيئة.
من الممكن أن يمنح الابتكار في تقنية المعلومات الجامعة أو الكلية ميزة تنافسية في العديد من المجالات. على سبيل المثال، المؤسسة التي تستخدم تقنيات فعالة لتحليل البيانات قد تكتسب ميزة تنافسية على صعيد قبول الطلاب والاحتفاظ بهم، وتقنين أساليب المعونات المالية وتخطيط الميزانية. وبالمثل، المؤسسة التي تستخدم التحليلات الابتكارية للبيانات والتقنيات البصرية في مجال العلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية قد تتمكن من توفير فرص تعلم أمام الطلاب أكثر ثراء مقارنة بالمؤسسات التي تعتمد على المنهج التقليدي حيث المشاركة الطلابية أقل.
نورد فيما يلي مزيدا من الأسئلة في هذا الصدد: أين نحن في عالم الابتكار في تقنية المعلومات، وأين ينبغي أن نكون؟ كيف نعزز أو نسرع سعينا لتحقيق أهداف المؤسسة الأكاديمية عبر الاستخدامات الابتكارية للتقنية؟ هل ثمة مجالات بعينها في المناهج الدراسية يمكن تقويتها باستخدام إحدى التقنيات الناشئة؟ كيف نقرر تجنب أي اتجاه ابتكاري؟ هل هناك مؤسسات قرينة، أو مزودين، أو اتحادات، أو شركاء يمكننا التعاون معها لتعزيز اعتمادنا للتقنيات الابتكارية؟ ما مدى كفاءة إدارة تقنية المعلومات لدينا في توجيهنا إلى اعتماد الابتكار التقني؟
هناك مقولة مشهورة لعميد خبراء علم الإدارة "بيتر دروكر"Peter Drucker : "ما لا تعرف قدره، لا تملك إدارته" ينطبق هذا القول تماما على تقنية المعلومات. فالقرارات المستندة إلى معايير ومقاييس ومعرفات تحدد مستوى جودة وموثوقية خدمات تقنية المعلومات الأساسية تخلق إطاراً لفهم فاعلية أداء تقنية ما، مقارنة بالمستوى النسبي للاستثمار الذي تخصصه المؤسسة لها.
هناك أدوات كثيرة لقياس جودة تقنية المعلومات، ومصادر متعددة للتقييم والمعايرة، منها "خدمة البيانات الأساسية" Core Data Service التي توفرها جمعية EDUCAUSE لأعضائها. سواء تستخدم المؤسسات هذا النوع من الأدوات أو أنها تبتكر أساليبها الخاصة بها لتقييم فعالية موارد وخدمات تقنية المعلومات لديها، فإنها بحاجة إلى استعراض التقنية المستخدمة لديها بصفة منتظمة، وأن تطرح هذه المعلومات أمام رئاسة المؤسسة الأكاديمية.
تحتاج القرارات الحكيمة بشأن الاستخدامات الاستراتيجية للتقنية إلى بيانات دقيقة بخصوص موارد تقنية المعلومات وتقديم خدمات هذه التقنية. ينبغي أن يتوقع رؤساء المؤسسات التعليمية والكوادر القيادية بها أن يلاحظوا نتائج تقييمات تقنية المعلومات وينبغي أن يطَّلِعوا بانتظام على مشاريع تقنية المعلومات القائمة والقادمة. كما ينبغي إطلاعهم على ما يتم إحرازه من تحسينات على مستوى الموارد ومجالات الاهتمام، وفرص استغلال التقنيات الجديدة، ووضع تقنية المعلومات للمؤسسة مقارنة بالمؤسسات المناظرة والمتطلعة. والأهم من ذلك، ينبغي أن يتوقعوا رؤية الدليل على أن استثمار المؤسسة في التقنية يسهم بفعالية في عمليات التدريس، والتعلم، والبحث، والإدارة، وغيرها من الأنشطة.
في نهاية المطاف، فإن قدرة مؤسسات التعليم العالي للحفاظ على أعلى مستويات الجودة من الممارسة في مواجهة التغير الغير مسبوق يعتمد على قدرة أعضاء هيئة التدريس على التأقلم مع استراتيجيات تربوية جديدة (الاستراتيجيات التقنية وغيرها) وتبادل الآراء مع الزملاء حول ما يجدونه أكثر فعالية في تحقيق الاستفادة المنشودة من تقنية المعلومات. سواء كان التعلم عبر الإنترنت، أو داخل الفصول التقليدية، أو عبر نموذج لم يخطر على بال أحد حتى الآن، فإن قيادة مؤسسات التعليم العالي تحتاج إلى تخطيط ودعم تنمية أعضاء هيئة التدريس على مستوى استخدام التقنية. لذا، ينبغي عليهم تقديم المعلومات والتدريب على تقنية المعلومات بكفاءة تساعد أعضاء هيئة التدريس في استغلال التقنيات المفيدة لهم، وتجنب استهلاك الوقت في تقنيات لا تسمن ولا تغني من جوع. ينبغي تشجيع موظفي دعم تقنية المعلومات – أمثال المكتبيين، وعلماء التقنية، وموظفي دعم البحث العلمي – لبحث ومناقشة استراتيجيات ابتكارية وأفضل الممارسات مع الأطراف داخل وخارج المؤسسة الأكاديمية.
نورد فيما يلي مزيدا من الأسئلة في هذا الصدد: كيف نضمن أن الطلاب يتخرجوا مع إجادة مهارات تقنية المعلومات، وأساليبها، وأدواتها التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في الدراسات العليا والحياة المهنية. هل تتوافر لدينا الثقافة والهياكل (بما فيها التمويل) لدعم تطوير أفكار جديدة والتجريب؟ هل يملك أعضاء هيئة التدريس وفريق الدعم الوصول إلى المعلومات حول التقنيات الجديدة والناشئة التي تتصل بمجالات اختصاصهم؟ هل بإمكاننا تحقيق مستوى أفضل من التعاون، داخل المؤسسة وخارجها، من خلال الاستخدام الأفضل للتقنية؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى أن تثار داخل منظومة متشابكة من أعضاء هيئة التدريس، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تواجه إدارة أعضاء هيئة التدريس واحتياجاتهم المتنوعة إلى جانب طيف واسع من المصالح ومستويات الخبرة، وقطاع عريض من الطلب المتزايد على - وبالمثل تزايد مقاومة النتائج المستندة إلى التقييم.
وفي الختام؛
اختيارنا لهذه الأسئلة - في مجالات صنع القرار، وإدارة المخاطر، والقيمة الاستراتيجية، والفعالية، وتنمية أعضاء هيئة التدريس – تحدوه قضايا أساسية تتعلق بتقنية المعلومات على مستوى كافة الكليات والجامعات، العامة منها والخاصة، الكبيرة والصغيرة، تلك التي تركز على البحث العلمي والفنون والآداب، والتي تختص بالتدريب المهني. تماما كما لا توجد استراتيجيات ثابتة تحدد مستقبل مؤسساتنا التعليمية، لا توجد إجابات واحدة تصلح لجميع أسئلة تقنية المعلومات المطروحة هنا؛ حيث أن أفضل ممارسة لمؤسسة ما قد تكون أسوأ اختيار لمؤسسة أخرى. إلا أن رؤساء مؤسسات التعليم العالي والكوادر القيادية المنخرطين بفعالية في مناقشة المسائل تقنية المعلومات الأساسية مع مدراء المعلومات التنفيذيين يصبحون في أفضل وضع لقيادة مؤسساتهم بأمان خلال الاضطرابات التقنية (والفرص) التي يحملها المستقبل.
مترجم عن مقال كتبه: Martin Ringle و Michael D. Roy لـ educause