كما نرى، بعض هذه التخوفات لها ما يبررها، لكن من الممكن معالجتها بطرق عدة. فدعونا أولا نعرض إلى الافتراض المشترك بين هاذين التخوفين، ألا وهو ضرورة الاستخدام العالي للتقنية في التعلم المعكوس.لا أعتقد أبدا أن الأمر صحيحا على هذا النحو المجرد.ما يحتاج إليه التعلم المعكوس حقا هو أن يتمكن الطلاب من الوصول إلى المعلومات والقدرة على التحكم فيها، حتى يتمكنوا من استذكارها وتلقي الآراء حولها بمعدل يفوق نظيره في الفصول التقليدية.
في الواقع، يستطيع أن بقدم المعلم المعلومات إلى الطلاب على هيئة مطبوعات- مذكرات، نسخ مطبوعة لصفحات المواقع الإلكترونية، أو حتى الكتب الدراسية التقليدية؛كما يمكن إسناد الواجبات السابقة للفصل الدراسي على هيئة مطبوعات، بحيث يتمكن الطلاب من تسليم أعمالهم مكتوبة في بداية الفصل.باختصار، ليس هناك سبب يلزم استخدام الحواسيب أو الإنترنت أو غيرها من أدوات التقنية في التعلم المعكوس.
ومن هنا، فإن أول طريقة لمعالجة ها التخوف هي تقليل نطاق استخدام التقنية، وليس ثمة أية غضاضة في هذا الاتجاه.على أية حال، تتطرق إلى ذهني حجتين تدحضان هذه الفرضية، وتؤيدان استخدام الحواسيب.
دعونا ننتقل الآن إلى جانبي التخوف اللذين ذكرتهما آنفا.
أولا: لا تتوافر التقنية لدى جميع الطلاب.مصداقية هذا التخوف تتوقف على حجم التقنية التي يحتاج إليها الطالب، فبينهما تناسب طردي.لذا يتعين أولا معرفة ذلك القدر من التقنية اللازم للدورة الدراسية – بمعنى الحد الأدنى منها. كما أرى مجرد تقليل قائمة التقنيات اللازمة سوف يؤدي إلى ندرتها بدرجة يعجز معها الطالب من الوصول الكافي إلى التقنية.
وفيما يخص النموذج الأولي للفصل المعكوس، فإن الإعداد المثالي هو أن يتاح للطلاب (ويفضل أن يكون بنظام 24/7) الوصول إلى حاسوب متصل بالإنترنت بسرعة عالية.مما يتيح مشاهدة الفيديو، وتنزيل الملفات النصية كبيرة الحجم لأغراض القراءة والاطلاع، وكذلك تسليم الواجبات.بالطبع، لن يكون هذا المستوى من الوصول متوافرا لكل طالب؛ إلا أن هذا لا يعني عدم حصول الطلاب على التقنية الكافية. ماذا إذا لم يتوافر للطالب اتصال سريع بالإنترنت على حاسوبه الخاص؟ إليكم شجرة القرار التي أسعى إليها:
حتى هنا، قمنا بمعالجة قضية الوصول بالنسبة لأغلب الطلاب – الذين يعيشون في الجامعة، والذين يعيشون خارج الجامعة، ولديهم على الأقل حاسوب، أو هاتف ذكي، تلفاز ومشغل اسطوانات.
دعونا الآن نتطرق إلى حالتين نادرتين:طلاب عندهم تلفاز بلا مشغل اسطوانات، وطلاب بلا تلفاز أصلا.
بالنسبة للطلاب بلا مشغل اسطوانات مع وجود التلفاز، سأقوم أنا بشراء مشغل اسطوانات بسيط من الرخيصة والتي توفي الغرض، والمتوافرة بكثرة في الأسواق.المهم أنه يفي بالغرض، ألا وهو تشغيل الاسطوانات.شخصيا سأقوم بشرائه وإهدائه إلى الطالب المعوذ.أما إذا لم يكن بمقدوري ماديا أن أفعل ذلك، أو حال وجود أكثر من طالب معوذ، فسأطلب من الإدارة شراء بعضا منها وإعارتها إلى الطلاب.
ماذا عن الطالب الذي لا يملك تلفازا من الأساس؟ في هذه الحالة، سأقوم بشراء جهاز من النوعية الرخيصة التي توفي بالغرض المطلوب وإهدائه لهم أو إعارتهم إياه.
المسألة التي أؤكدها هنا هي أن كل حالة طلابية لها حل لتوفير الوصول إلى المحتوى في الفصول المعكوسة، إذا ما توفر لدينا قدرا كافيا من الإصرار والابتكار.أعتقد أن كثيرا من أعضاء هيئة التدريس هجروا التقنية لمجرد مواجهة مسألة توفير الوصول إلى المقررات، وليس لانعدام الحلول؛ ولأن الأمر يتطلب إصرارا على استخدام التقنية وأنهم أعوذ الناس إلى هذا النوع من الإصرار!
ذات مرة أثناء ورشة عمل لي، أخبرتني إحدى عضوات هيئة التدريس عن طالبة بلا مأوى كانت تتابع الدراسة عندها، ولم يكن لهذه الطالبة تلفاز، ولا مشغل اسطوانات، ولا أي شيء آخر.ثم تساءَلت: كيف تشارك هذه الطالبة في بيئة الفصل المعكوس؟سألتها هل فكرت يوما أن تكفل هذه الطالبة عندها في بيتها؟ ومن هنا يتأكد لديها في المقام الأول توفير الطعام واللباس لها، ثم التأكد ثانيا أنها تؤدي الواجبات المسندة إليها.لم لا ننظر إلى الأمر باعتباره فرصة لرعاية الطالب بأكثر من طريقة؟
في حين أنه قد يكون من غير المعقول أن نتصور أن يشارك طالب يعاني مثل هذه الظروف في التعلم المعكوس، مع إنه ليس مستحيلا في الحقيقة؛ الأقل معقولية منه هو أن نتوقع التحاق طالب بمثل هذه الظروف بالجامعة أصلا.قد تكون هناك مسائل أخرى يتعين على الطالب المُشرد أن يتغلب عليها – مثل المشاريع الجماعية، أو الواجبات التي يستخدم فيها الحاسوب لغرض ما، وكلها تتطلب عناية مليّة وتفكير متأني.أما بالنسبة لمشاهدة الفيديو والقيام بالقراءات المطلوبة؟كلها أمور ممكنة.
فيما يتعلق بالتخوف الثاني: لا يتوافر لدى المعلم الوقت أو المهارة اللازمة لتعلم التقنية التي يحتاج إليها داخل الفصل المعكوس.كعضو هيئة تدريس، الوقت عندي هو بيت القصيد.وهو دائما كذلك، لذا لا أرى من الحكمة أن نجعل هذا التخوف يمنعنا من أداء شيء نؤمن بأنه ينفع الطلاب.
هل ترغب حقا في تجربة بيئة الفصل المعكوس؟ إذاً رَكِّز على فكرتين مترابطتين: هما البساطة والتأني.التأني – بدلا من المغالاة في عكس أو قلب دورة دراسية كلها أو بعضها – لنقم باختيار دورة دراسية واحدة، وتعيين شريحة محددة منها، ثم نعكس ونقلب اسلوب التعلم بشأنها.نتابع بعناية تقدم الطلاب واتجاهاتهم، ونرى كيف تسير الأمور معهم، ثم نكثف مستوى التنفيذ تدريجيا.
بالنسبة للبساطة، لا تسجل أي فيديو إذا لم تشعر بالارتياح حيال الأمر؛ بدلا من ذلك قم بتنقيح بعض الفيديوهات الموجودة والمتاحة على اليوتيوب مثلا، أو لا تستخدمها مطلقا.استخدم مستوى التقنية الذي يناسبك وترتاح إليه، مع استكشاف المستوى التالي لما يمكن أن تقوم به.في رأيي أن أعضاء هيئة التدريس لديهم الوقت والمهارة اللازمة.
كتبه Robert Talbert لـ Chronicle