هناك جدل دائر في المؤسسات الأكاديمية حول توزيع المسؤولية فيما يتعلق بالاحتفاظ بالطلاب؛ ففي حين أن بعض المكاتب تختص بتطوير وقيادة جهود الاحتفاظ بالطلاب، لا يعفي ذلك باقي أقسام المؤسسة الأكاديمية من الإسهام في هذه الجهود. هنا يؤكد "ستيفين بيل" Steven Bell على نظرية "القيادة الأكاديمية الفذة لجهود الاحتفاظ بالطلاب"، والتي يتوافر معها إدراك فعلي وفهم حقيقي لدعم بقاء وولاء الطلاب للمؤسسة الأكاديمية، الأمر الذي يستلزم تضافر الجهود من قبل كل الأطراف المعنية والمشاركة – بشكل مباشر وغير مباشر – في العملية التعليمية.
إن تحويل الطلاب من الجامعة له توابع اقتصادية ونظامية ثقيلة على المؤسسة الأكاديمية، ومع تعدد أسباب تحويل الطلاب من الجامعة أو كلية ما، إلا أن هناك عامل وحيد يتكرر بين هذه الأسباب: العامل البشري؛ إما عضو هيئة تدريس، أو موجه أكاديمي، أو زميل دراسة، مما يؤكد أثر العلاقات الشخصية على بقاء الطلاب في الجامعة؛ فالعلاقات القوية تحفز الطلاب على الاستمرار ومشاركتهم في حياتهم الأكاديمية؛ في حين أن الطلاب المنعزلين غير المنخرطين مع أقرانهم، أو أعضاء هيئة التدريس وباقي الكوادر الأكاديمية على اختلاف تخصصاتهم وتنوع مهامهم يواجهون خطر هجر الدراسة في الجامعة والتحويل منها إلى أخرى.
هنا نقول، إذا كان لإدارة الجامعة وأعضاء هيئة التدريس دور في الاحتفاظ بالطلاب، فمن المنطقي أن تساعد المكتبات الأكاديمية والمكتبيين في هذه العملية، بل لنا أن نقول أن أمناء المكتبات الأكاديمية يقومون بذلك فعلا على أرض الواقع. لكن التحدي هو أن تقدم المكتبات الأكاديمية الدليل المادي على الجهد المبذول. قديما كانت تعتبر المكتبات الأكاديمية مجرد نقطة على صفحة ميزانية الجامعة، مما يعطل مسيرة التقدم والتطور لهذه المكتبات.
على أرض الواقع، تفيد الأبحاث العلمية بأن للمكتبات الأكاديمية أثر بالغ في بقاء الطلاب وعدم تحويلهم إلى جامعة أو كلية أخرى. فقد أثبتت الدراسات وجود علاقة مضطردة وثيقة بين حجم الإنفاق على المكتبات الأكاديمية، والموارد العلمية، والموظفين وبين ارتفاع معدلات الاحتفاظ بالطلاب.
عن طريق إقامة علاقات قوية مع الطلاب، يساعد المكتبيون في نشر بيئة تعاون ودعم راسخة داخل الحرم الأكاديمي، مما تكون له آثار إيجابية على مشاركة الطلاب وإنجازهم ونجاحهم. إلا أن "كوه" يؤكد على ضرورة التعاون بين المكتبيين، وأعضاء هيئة التدريس وباقي الموظفين في تصميم الواجبات الطلابية – العامة منها والمتخصصة – والتي تتطلب معرفة الطلاب بتقنيات المعلومات واستخدام ممارسات تربوية تشاركية. وهنا يضع خطة خماسية لتحقيق النجاح مفادها:
كل هذا يضع على عاتق المؤسسة الأكاديمية مسؤولية مساعدة الطلاب على بناء اتصالات وثيقة ومتينة داخل المجتمع الأكاديمي، مما يؤدي إلى حصول الطلاب على الدرجات العلمية في حينها، وبقاء ولائهم بعد التخرج؛ حيث أن شعور الطالب بالارتباط بأعضاء هيئة التدريس والتواصل معهم يحفزه على مواصلة الدراسة. على الجانب الآخر، بمقدور المؤسسات الأكاديمية تفعيل دور المكتبات والمكتبيين بقدر أكبر لإشعار الطلاب بالترابط والاتصال. يبدأ التواصل بزيارة المكتبيين للطلاب في فصولهم، ثم يتبع ذلك زيارة الطلاب إلى المكتبة وتلقي خدمات مخصصة. هنا، عندما يدرك ويقدر الطلاب حجم المساعدة والدعم الذي يتلقونه في أبحاثهم ودراستهم، ينمو مستوى أعلى من العلاقة بينهم وبين المكتبيين، والتي قد تصبح علاقة صداقة تمتد مدى الحياة. هذا بدوره يوفر فرصة واعدة أمام المؤسسات الأكاديمية لتجنيد المكتبيين في عملية تعميق جذور الانتماء الطلابي إلى المؤسسة، والتي تكتنف على سبيل المثال لا الحصر بعض الأنشطة الاجتماعية حيث يتفاعل الطلاب والمكتبيون بدرجة أقرب وأوثق وأعمق.
ومن أهم البرامج التي تطرح آفاقاً رحبة أمام مشاركة وتفاعل المكتبة مع الطلاب برنامج محو الأمية المعلوماتية بغرض دعم البحوث الطلابية بما يلبي توقعات أعضاء هيئة التدريس وتطلعات الطلاب، وتوفير الموارد العلمية، وبناء أواصر متينة مع الطلاب، ومن ثم الاحتفاظ بهم.
تكاد لا تتوفر معلومات حول إسهام المكتبة في نجاح الطلاب على المستوى الأكاديمي، واستمرارهم حتى التخرج. هنا نطرح بعض الإجراءات التي تقوم بها المكتبة الأكاديمية لتوثيق جهودها في الاحتفاظ بالطلاب؛ منها إجراء بعض الاستبيانات لجمع البيانات حول دور المكتبة في تفاعل الطلاب وتحقيق مشاركتهم، ومعدل تواصلهم مع المكتبيين، ومدى مساعدة المكتبيين لهم في تحقيق النجاح الأكاديمي. في البداية، يمكن توجيه هذه الاستبيانات إلى طلاب التخرج والخريجين لجمع بيانات دقيقة حول إسهام المكتبة في استمرار الطلاب في الدراسة حتى التخرج. من المؤكد أن نتائج الاستبيان قد تكون غير مواتية، لكن لا يحدو هذا المكتبيين عن اكتشاف آفاق وسبل التواصل مع الطلاب، وتحويل المكتبة إلى أحد أهم عوامل تفاعل الطلاب، ومشاركتهم، واستمرارهم في الدراسة حتى التخرج.
مترجم بتصرف Library Issue