مدونة نسيج

المكتبة الأكاديمية: حاضنة المنح الدراسية الرقمية - الجزء ١\٣

Written by وليد جميل | 26/08/2014 12:49:49 م

إن توظيف التقنية يفتح أمام المؤسسات الأكاديمية والطلاب الذين تخدمهم آفاقا جديدة من البحث والاستكشاف الأكاديمي. فمن خلال أنماط جديدة من التعاون، أصبح بإمكان المؤسسات الأكاديمية ابتكار مساحات تشاركية رائعة، منها ما هو واقعي ومنها ما هو افتراضي، حيث يتحقق هذا النوع من الاستكشاف. هنا تبرز المكتبة باعتبارها المأوى الطبيعي لهذه المساحات التشاركية.

روابط جديدة في العالم الرقمي

نظرا لأن جذور المنح الدراسية الرقمية تمتد في أعماق العلوم الإنسانية الرقمية، فقد جذبت إليها في السنوات الأخيرة باحثين عدة من مختلف التخصصات – بما في ذلك العلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية – والذين عكفوا على استخدام ما توفره من أدوات و ما تحمله من احتمالات. تتسم أنواع جديدة مهجنة من الاستكشاف بالطابع المرئي، التعاوني، والمكاني، أو بعبارة أخرى أنها تسعى إلى تمكين روابط وعلاقات جديدة في العالم الرقمي. يعود الفضل في هذا إلى التقدم والتنوع الكبير في أنساق وصيغ البيانات، وتطبيقات تخطيطها، وتطور الويب. ثمة مشاريع رائعة يقوم بها "مختبر المنح الدراسية الرقمية" Digital Scholarship Lab التابع لجامعة ريشموند University of Richmond، والتي تعمل على صياغة روابط جديدة مع التاريخ، والجغرافيا، والعلوم السياسية، وعلم الاجتماع، وغيرها من التخصصات العلمية، من خلال "أطلس الجغرافيا التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية" Atlas of the Historical Geography of the United States وبوابات التصويت الإلكتروني في أمريكا. وفي مجال الصحة العامة، يقدم "أطلس دارتماوث للرعاية الصحية" Dartmouth Atlas of Health Care تفصيلا مصورا لأنماط توزيع الموارد الطبية واستخدامها في أمريكا اليوم. أما في مجال الأحياء والبيئة، فقد عملت بعض المبادرات الرقمية – مثل البوابة الإلكترونية لمشروع مركز حفظ الأحياء Center for Conservation Biology Project Portal لكلية ويليام وماري وجامعة الكومنويلث بولاية فيرجينيا – عملت على تتبع مواطن القلق الإقليمي التي تتعلق باستخدام الأراضي وسلالات الطيور.

الابتكار والاستخدام بلا حدود أو قيود

وعند إتاحة هذا النوع من المنح للعلماء الموهوبين، والمعلمين وخبراء التقنية، فإنه سوف يطلق العنان لهم ويحررهم من القيود على صعيد الابتكار والاستخدام. هذا وتعرف ميلاني شلوسر Melanie Schlosser – أخصائية النشر الرقمي بمكتبات جامعة أوهايو الحكومية "المنح الدراسية الرقمية" بأنها إتاحة "البحث والدراسة باستخدام التقنيات الرقمية، أو عن طريق الاستفادة من هذه التقنيات لطرح الأسئلة وتلقي الإجابة عنها بأساليب جديدة." وباعتبارها منح دراسية توليدية كما يرى "إدوارد آيرس" Edward Ayers، فإن المنح الدراسية الرقمية تمثل تحولا بعيدا عن النمط الأحادي السلبي للتواصل بين المعلم والطالب، أو الأقران، أو الملتحقين الجدد. إنها تقدم نوعا جديدا للبحث والاستكشاف والممارسة والتي من شأنها "توليد أسئلة جديدة، ودلائل حديثة، واستنتاجات متطورة، وجمهورا جديدا مع الاستخدام" كما أن المعلم الرقمي لا يقوم بهذه الأعمال بكل بساطة ثم يضعها بين يدي الطالب لأغراض الاختبار فقط. بل لسان حاله يقول: "ساعدني على فهم هذه الأمور، وتحسينها وإثرائها" بالعمل معا. نظرا لأننا نستخدم التقنيات الرقمية في كل ما نقوم به في مستقبلنا الذي يتسم بمزيد من التقنيات المرئية والترابطية، لعل أبسط تعريف للمنح الرقمية هو أنها نموذج المنح القادم والسائد في القرن الحادي والعشرين.

المكتبة الأكاديمية: حاضنة المنح الدراسية الرقمية

هذا يأخذني بدوره إلى المكتبات، تلك المساحات المشتركة داخل المؤسسات الأكاديمية، والمؤهلة للتحول إلى حاضنات للمنح الدراسية الرقمية. هنا أقترح أن تكون المكتبة الأكاديمية في القرن الحادي والعشرين – أكثر من أي وحدة أو إدارة أخرى داخل المؤسسة الأكاديمية – هي مركز دعم وتعزيز المنح الدراسية الرقمية التي توفرها مختلف الأقسام الأكاديمية، ومن ثم يتم جمعها في بؤرة مركزية واحدة. باختلاف مراكز العلوم الإنسانية الرقمية التي تتصل بالتاريخ أو الأقسام الأخرى، فقد أشارت "جوان ليبينكوت" Joan Lippincott أن مساحة المنح الدراسية الرقمية بالمكتبة (والتي تتوافر أحيانا من خلال الشراكة بين المكتبة وقسم تقنية المعلومات) تتيح أرضية محايدة تستوعب جميع الأعضاء، وعلى الرغم من الحاجة إلى إعادة صياغة الأدوات وتحويل الموارد، فقد وفرت المكتبة مزايا المرافق والكوادر اللازمة لمراجعة وتوصيف وحفظ المنح الدراسية، مما يمنحها الاستمرارية والانتشار. لقد تزعمت المكتبات مبادرات الوصول إلى المعلومات وتبادلها، بدأ من مراحل تطوير معيار "مارك" MARC منذ نصف قرن من الزمان، وحتى تطوير معايير البيانات الوصفية المستخدمة في الويب هذه الأيام. وكانت المكتبات بين أوائل الجهات التي تبنت وعملت على تزويد المحتوى الإلكتروني عبر الإنترنت، بما في ذلك المحفوظات والمعروضات الرقمية، وقاعد البحوث العلمية، وأدوات الاستكشاف، والكتب الرقمية والدوريات العلمية – بالإضافة إلى الشركاء في القطاعين العام والخاص في "مشروع كتب جوجل" الذي يفيد مؤسسات أكاديمية لا حصر لها. لكن لعل أكبر مشاركة توفرها المكتبات الأكاديمية في العصر الحديث هي الالتزام بـ "الوصول المفتوح" وتوفير مساحات جديدة للاتصال العلمي وتبادل المعلومات. يدل على هذا الإسهام القيم ذلك الانتشار الكبير للمستودعات داخل المؤسسات الأكاديمية، مثل المكتبات الجامعية المنتشرة حول العالم، حيث تجعل المكتبات الأصول الرقمية الفريدة التي تمتلكها المؤسسة التابعة لها متاحة لمجتمع المستفيدين داخل المؤسسة وخارجها.

موارد عديدة تناسب كل المستخدمين

من المتوقع أن تكون المؤسسة الأكاديمية في المستقبل أكثر اتصالا وارتباطا وتعاونا، مما يتيح للمكتبة أن تصبح مركز المجتمع الأكاديمي ومعمل تجريب عمليات الاستكشاف الحديثة بين مختلف التخصصات.

دائما ما تكون المكتبات في قلب عملية ابتكار المعرفة ونقلها، وهي حاضنة المنح الدراسية الرقمية التي تتيح التوسع الطبيعي لهذه الوظيفة الأساسية. في عصر التصور المرئي، والتحليلات، والبيانات الضخمة، وظهور أنماط جديدة للنشر الإلكتروني على الخط المباشر، فإن هذه المساحات المركزية من شأنها تيسير ابتكار المعرفة وتداولها عن طريق الربط بين بني الإنسان، والبيانات، والتقنية في مساحة تشاركية تعاونية.

تشجع كبريات شركات التقنية – وكذلك الشركات الناشئة – ما يسمى بـ "التواصل الاكتشافي" عبر مساحات العمل الجماعي؛ حيث يتم توليد وتبادل الأفكار، وينطبق هذا الأمر على مجمع المنح الدراسية الرقمية داخل المكتبة الأكاديمية حيث يتشارك أعداد كبيرة من المستخدمين والمجموعات والتخصصات في نفس المساحة واللوحات لأغراض التعاون. كما أن هذه المساحات من شأنها دعم "التبادل بين الأجيال" خارج نطاق الفصل الدراسي بين الخبراء والمستجدين، وبين الباحثين المتمرسين والعلماء الناشئين. كما لا ينبغي إقصاء الباحثين من الدارسين عن هذا المحيط، حيث يتاح لهم الإدلاء بأفكار جديدة. نجد مثلا أن الخبراء في مكتبة جامعة إيلينوي يشركون الطلاب ويعززون المنح الدراسية الرقمية الخاصة بهم من خلال التدوينات المنتظمة ومجلات أبحاث الطلاب.

المكتبة الأكاديمية: مصنع المنح الدراسية الرقمية

وحتى يتسع أثر المكتبة كحاضنة للمنح الدراسية الرقمية، يتعين عليها مساندة وتحفيز البحث والاستكشاف العلمي، على النطاقين الواسع والضيق. أما على النطاق الواسع، فبإمكان المكتبة تجميع الباحثين في مسائل بحثية كبيرة تتعلق بالبيانات الضخمة والمحتوى لأغراض مزيد من الدراسة والتحليل، مما قد يسفر مع الوقت عن دراسة متخصصة أو مجلة عملية، أو مشاريع أو بوابات ديناميكية على الخط المباشر. لكن يتعين على حاضنة المنح الدراسية الرقمية كذلك دعم ونشر مثل هذه الجهود الفردية في البحث والاستكشاف والنجاحات اليومية التي تسهم في دوام وانتشار هذا النوع من المنح الدراسية. الويب ووسائل التواصل الاجتماعي تتيح الآن مشاركة الصور الشخصية، وملفات الوسائط المتعددة، والخرائط، والمرئيات، وملفات المحاكاة، والأفكار المنفردة بسرعة مع قاعدة عريضة – أو ضيقة جدا – من الجمهور، والذي يستطيع بدوره توفير السياقات الخاصة به أو حتى إثراء الحوار الجاري؛ وعند تطبيق بيانات وصفية جيدة - حتى على التدوينات - وتوفير الصيانة المنتظمة والروابط الدائمة، فإن مثل هذه الإسهامات يمكن اكتشافها عبر جوجل وغيرها من محركات البحث الشهيرة في المستقبل. كما يتعين على المكتبة الحاضنة – كلما تيسر وبدا ذلك مناسبا – تحفيز البيانات المفتوحة ومشاركة المعلومات من خلال تراخيص المجموعات الابتكارية Creative Commons التابعة لمكتبة إيلينوي الجامعية ومستودعات الوصول المفتوح. وعلى كل هذه الأصعدة، تتبدى المكتبات باعتبارها مساحات صناعة المنح الدراسية الرقمية.

مترجم عن Bryan Sinclair لـ educause