أن مفهوم تنمية مجموعات المكتبة الجامعية University Library Collection Development يتسع في دلالته ليتجاوز عملية التزويد Acquisition؛ حيث يشمل العديد من الأنشطة المتعلقة بتطوير مجموعات المكتبة، كرسم وترشيد سياسة الاقتناء، وتقييم احتياجات مجتمع المستفيدين الحاليين والمستقبليين، إلى جانب تحليل وتقييم طبيعة ونمط استخدام مصادر المعلومات، ورصد ثم التعامل المنهجي مع جوانب الضعف والقوة في مجموعات المكتبة وتخصصاتها الموضوعية، إضافة إلى اختيار المواد وتخطيط المشاركة في المصادر، ثم صيانة المجموعات والجرد والاستبعاد. تأسيساً على ذلك، يعد تبني منهجية منضبطة وموضوعية في تحليل وتقييم ومن ثم تقويم مجموعات مصادر المعلومات هو السبيل الأنجع الذي يمكن أن تطمئن من خلاله المكتبة الجامعية إلى أنها تسير في الاتجاه الصحيح فيما يتعلق ببناء وتنمية مجموعاتها، إضافة إلى الاستوثاق من أن مجموعاتها تلك تضاهي قدر الإمكان مجموعات المكتبات الجامعية المناظرة، كما تأتي مراعية للطبيعة الخاصة للاحتياجات المعلوماتية للمجتمع الذي تخدمه سواء أكنا نعني المجتمع الأكاديمي أو المجتمع الخارجي الذي تحيا المكتبة الجامعية بين جنباته وتتوجه إليه ببعض خدماتها Outreach.
وتأتي منهجية النظرة الشاملة Conspectus لتمثل أحد أبرز الطرائق المستخدمة في تحقيق التحليل والتقويم الدقيق والموضوعي لمجموعات المكتبات بشكل عام والمكتبات الجامعية على وجه الخصوص، مما يمكن مديري تلك المكتبات من رسم خطة استراتيجية فعالة وواضحة لتنمية مجموعات المكتبة تمكن سواء من التعاطي بوعي مع مواطن الضعف ومظاهر القوة في المجموعات المقتناة، أو بناء مجموعات أساس/ بؤرية Core Collection تشكل قاسماً مشتركاً أعظم بين المكتبات الجامعية المحلية والعالمية وترتكز عليه وتنمو من حوله بقية مجموعاتها.
بمعنى آخر يمكن النظر إليها على أنها آلية تمكن مسؤولي المكتبة الجامعية من رسم ملامح مجموعاتها من مصادر المعلومات والوقوف على جوانب الضعف والقوة فيها مع قياس ذلك بشكل كمي محدد، ليس فقط في إطار المكتبة وحدها، وإنما أيضاَ في شكل مقارن مع المكتبات الأخرى المناظرة في الداخل والخارج. ويتمثل الهدف الرئيس منها في تعزيز سبل التعاون فيما بين المكتبات بما يمكن من تحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المحدودة المتوافرة بكفاية وفعالية مما يؤمن خدمات تتسم بالجودة للمجتمع الأكاديمي بمختلف فئاته.
منهجية النظرة الشاملة Conspectus، المفهوم والدلالة
نشأت منهجية النظرة الشاملة في مجال المكتبات والمعلومات خلال النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن العشرين كمحاولة من قبل المكتبات في شمال أمريكا لتوحيد جهودها وطرائقها لتقييم مجموعاتها من مصادر المعلومات، بما ييسر عملية تشارك المصادر فيما بينها. ومن ثم ضمنت هذه المحاولة آلية لوضع أكواد للتعبير عن مظاهر القوة والضعف في المجموعات، إضافة إلى تصنيف لمستويات التعقيد التي ينطوي عليها محتوى المصادر، إضافة إلى التغطية الجغرافية واللغوية.
ومع بدايات عقد الثمانينيات من نفس القرن شرع تجمع المكتبات البحثية Research Libraries Group (RLG) في تطوير منهجية النظرة الشاملة من خلال فريق عمل متخصص شكل لهذا الغرض، حيث توفر على وضع نظام للتواصل إلكترونياً فيما بين المكتبات الأعضاء اطلق عليها اسم RLG Conspectus Online، وقد أتاح هذا النظام إمكانية الولوج عن بعد إلى البيانات المتعلقة بالمجموعات المقتناة في المكتبات البحثية على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، وسرعان ما تم تبنيه من قبل جمعية المكتبات البحثية Association of Research Libraries (ARL) والتي اعتمدت عليه في تنفيذ مشروع جرد مجموعات المكتبات البحثية بشمال أمريكا NCIP، كما تم تبنيه أيضاً من قبل اتحاد المكتبة الوطنية والأرشيف الوطني بكندا وحث على استخدامه المكتبات البحثية في كل من المملكة المتحدة واستراليا بالإضافة إلى بعض الدول الأوروبية. إلا استخدام RLG Conspectus قد تضاءل خلال عقد التسعينيات حتى تلاشى تماماً بعد أن قامت شبكة المكتبات الغربية Western Library Network (WLN) بتطوير برنامج يعمل على أجهزة الحاسب الشخصية يتيح للمكتبات إمكانية تطوير وصيانة قاعدة معلومات لتقييم مجموعاتها من مصادر المعلومات.
أعقب ذلك قيام مركز مكتبة الحاسب الآلي على الخط المباشر OCLC بتطوير منهجية نظرة شاملة مستحدثة تقوم على وضع بناء هرمي للتخصصات الموضوعية التي تندرج تحتها مجموعات المكتبة، مما يمكنها في إطار هذا التصنيف الموضوعي المتدرج من تحليل كل مجموعاتها من مصادر المعلومات، ومن ثم وضع يدها على مظاهر القوة ومواطن الضعف في تلك المجموعات، لاتخاذ القرارات التي من شأنها تعزيز مظاهر القوة هذه ومعالجة مواطن الضعف ضمن سياسة متكاملة وموثقة لتنمية المجموعات.
منهجية النظرة الشاملة Conspectus، الأهمية والبنية:
إن ما ذكر لماماً في الفقرات السابقة حول المزايا التي تتحصل عليها المكتبة الجامعية حال قيامها بتبني تطبيق منهجية النظرة الشاملة يمكن تلخيصه على النحو الآتي:
- تمكين المكتبة الجامعية من وضع سياسة تنمية مجموعات مُرَّشَدة وموثقة وموضوعية، تستلهم في أهدافها ومحتواها الخطوط العامة للمكتبة الجامعية المتماهية بدورها مع الخطة الاستراتيجية للجامعة ككل، وتنبني على بيانات وحقائق قابلة للقياس الكمي، مما يمكنها من الاطمئنان إلى مواكبتها للاتجاهات العالمية في تنمية المجموعات، ومن ثم تيسير سبل التعاون وتبادل الخبرات مع المكتبات الجامعية المناظرة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
- رسم صورة واضحة للبيانات الكمية والنوعية المتعلقة بمجموعات المكتب الجامعية من مصادر المعلومات بناء على تحليل الاتجاهات الكمية والنوعية لهذه المصادر فيما يمكن التعبير عنه بشكل إنفوجرافي Infographic يمكن من فهم الوضع الراهن للمجموعات ويساعد على اتخاذ قرارات تطويرية ناجعة وفعالة، خاصة تلك القرارات التي قد تبدو في بعض الأحيان صعبة ودراماتيكية كتلك المرتبطة بشراء عناوين بعينها دون أخرى أو استبعاد عناوين أو مجلدات لم يعد من المناسب الإبقاء عليها بين أرفف المكتبة أو في نظامها الآلي.
- التحقق من مدى جودة التسجيلات الببليوجرافية الخاصة بمصادر المعلومات المختلفة بالمكتبة الجامعية، إلى جانب ضمان الإنفاق المرشد لميزانية الاقتناء وتوزيعها بكفاية وفعالية على الكليات/ التخصصات المختلفة، في ضوء الاتجاهات التعليمية والبحثية للجامعة والتي تشكل القيمة النسبية للتخصصات الموضوعية Subject- weighted value التي تغطيها مجموعات المكتبة الجامعية.
تمكين المكتبة الجامعية من التعريف بمجموعاتها من مصادر المعلومات على نطاق واسع ومقارنتها بمجموعات مكتبات جامعية أخرى مناظرة لأغراض القياس المقارن والتطوير، ومن ثم تقييم تلك المصادر سواء على أساس التخصصات الموضوعية أو الاتجاهات الشكلية أو النوعية أو اللغوية أو الزمنية، وأولاً وأخيراً إكساب مجموعات المكتبة مسوغاً منطقياً لوجودها وهو ما يعرف بــــ Collection Rationalization.
- مساعدة المكتبة الجامعية في بناء مجموعات أساس/بؤرية Core Collection من مصادر المعلومات تضاهي نظيراتها المقتناة في المكتبات الجامعية سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية، بما يساهم في توفير نفس مصادر المعلومات التعليمية والبحثية التي تشكل عقليات طلاب وباحثي جامعات تلك المكتبات المرغوب احتذائها وتمثل تجربتها. وفي هذا السياق يجمل بنا الإشارة إلى أن المجموعات الأساس هذه قد تعرف من قبل البعض على أنها المجموعة الأولية التي يتم تكوينها حال إنشاء مكتبة جديدة اعتماداً على القوائم الببليوجرافية المعيارية والشاملة، وأدلة الناشرين ومراجعات الكتب، وغير ذلك من الأدلة المساعدة على الاختيار، في حين ينظر إليها البعض الآخر على أنها وقد تكون مجموعة من مصادر المعلومات التي تمثل الاهتمامات/الاحتياجات المعلوماتية لمجموعة المستفيدين الرئيسيين الذين تخدمهم المكتبة الجامعية، بالإضافة إلى مجموعات أخرى من المواد يتوقع أن يتزايد الاهتمام بها طبقاً لاستخدامها المتكرر، أو كثافة الإقبال على طلبها أو عوامل أخرى متنوعة، وعادة ما تتشكل هذه المجموعة في ضوء عدد من المحكات منها على سبيل المثال: محتوى المقررات الدراسية، طبيعة التوجهات البحثية لكل من أعضاء هيئة التدريس والطلبة (طلاب وطالبات مرحلة الدراسات العليا)، نمط النشر في المجالات العلمية المختلفة.
أما بالنسبة للبنية فكما أشير سابقاً، أنه عادة ما تقوم منهجية النظرة الشاملة على فكرة توزيع التسجيلات الببليوجرافية المقتناة بالفعل (في حالة تحليل مجموعات المكتبة الجامعية) أو التسجيلات الببليوجرافية المتوافرة في قاعدة المعلومات أو الفهرس الإلكتروني الذي تلجأ إليه المكتبة الجامعية (في حالة تكوين مجموعات أساس/بؤرية)، حسب ثلاثة مستويات متدرجة من التصنيف الموضوعي، على النحو الآتي:
- الـ Divisions main subject قطاعات - الموضوعات رئيسة
- ثـم الـ Categories - sub-division أو المجالات- موضوعات فرعية
- ثـم الـ Subjects أو الموضوعات - accompanied with Classification Scheme # أي مصحوبة بأرقام خطة التصنيف المتبناة من قبل المكتبة الجامعية
يردف بها بيان واضح ومحدد للأطر الزمنية والجغرافية واللغوية والنوعية والشكلية التي سيتم في إطارها تحليل وتقييم ومن ثم تقويم مجموعات المصادر التي تقتنيها المكتبة الجامعية أو تحديد سمات وملامح مجموعات المصادر الأساس/ البؤرية التي يتعين على المكتبة اقتناؤها. وفي نهاية المطاف وبعد إجراء عدد من عمليات التحليل والتدقيق والمضاهاة والمراجعة والفرز والفلترة، تخرج المكتبة الجامعية بقائمة ببليوجرافية معيارية أو قاعدة معلومات بعناوين مصادر المعلومات العربية والأجنبية سواء التي يتعين عليها الإبقاء عليها بين أرففها في حالة ما إذا كانت تطبق منهجية النظرة الشاملة بهدف تحليل وتقويم مجموعاتها أو يتعين عليها اقتناؤها في حالة شروعها نحو تكوين مجموعات الأساس/البؤرية.
منهجية النظرة الشاملة Conspectus، مسؤولية التطبيق:
بادئ ذي بدء، ينبغي التأكيد على أن حجم الوقت والجهد والإنفاق المرتبط بتطبيق منهجية النظرة الشاملة والمستنفد في وضع تصور واضح وخطة متكاملة لتنفيذها يتفاوت حسب حجم مجموعات المكتبة الجامعية من مصادر المعلومات أو مجموعات المصادر الأساس/ البؤرية التي يراد البدء بها، إضافة إلى مدى توافر العنصر البشري المتخصص والمؤهل لإدارة عملية بناء وتنمية المجموعات المعتمدة على هذه المنهجية. ومن ثم فإن أمام المكتبة الجامعية متى استوعبت عوائد تطبيق هذه المنهجية أحد ثلاثة خيارات لعملية التنفيذ:
الأول: اعتماد المكتبة الجامعية على نفسها تماماً في القيام بتطبيق هذه المنهجية، وما يتطلبه ذلك من ثقة في تماسك خطة العمل التي ستضعها المكتبة الجامعية بنفسها والإجراءات التي ستتم وفقاً لها عملية التطبيق هذه، ومدى توافر الموارد المادي والبشرية التي تستطيع القيام بذلك بفعالية، دون أن يؤثر ذلك على انتظام إيقاع تقديم الخدمات وسهولة الوصول إلى مصادر المعلومات.
الثاني: أن تعهد المكتبة الجامعية بعملية التطبيق هذه برمتها إلى إحدى الجهات المتخصصة من خارج الجامعة Full outsourcing، وما يتطلبه ذلك من ضرورة الاطمئنان إلى سابق خبرة هذه الجهة في مجال تنمية المجموعات وتطبيق منهجية النظرة الشاملة على وجه التحديد بكفاية ومعيارية، ومن ثم قدرتها على وضع وتنفيذ مشروع متكامل بهذا الشأن في إطار زمني مناسب وتكلفة منطقية ملائمة.
الثالث، وهو الأنجع من وجهة نظر الباحث: الجمع بين مزايا الخيارين السابقين، حيث تعهد المكتبة الجامعية بعملية تطبيق منهجية النظرة الشاملة إلى جهة متخصصة ذات خبرة في هذا الصدد من خارج الجامعة مع إشراك فريق منتقى من العاملين المتخصصين من داخل المكتبة في عملية التخطيط والتنفيذ، وتميز هذا الخيار يأنه يحقق العديد من المزايا أهمها:
- التغلب على إشكالية غياب الخبرة التخصصية أو قلة عدد الأفراد المتخصصين من موظفي المكتبة الجامعية، خاصة وأن من أكبر المشكلات التي تواجهها المكتبات التي تشرع في تطبيق منهجية النظرة الشاملة أن عملية التطبيق هذه تتطلب كثيراً من الوقت والجهد من المكتبة الجامعية والعاملين بها، خاصة في قسم التزويد وتنمية المجموعات.
- عدم تعطيل سير العمل أو حتى إبطائه نتيجة انخراط موظفي المكتبة الجامعية في عملية التطبيق فيما يعرف بتحرير العمالة.
- ضمان نقل الخبرة والمعرفة أثناء عملية التنفيذ للعاملين، وذلك في حالة ما إذا اتفق مع الجهة على استيعاب عدد من الكفاءات المتخصصة من موظفي المكتبة ضمن عملية تنفيذ المشروع لتحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول: إكسابهم الخبرة اللازمة للقيام بهذه العملية في المستقبل، والهدف الثاني: الاستفادة من معرفتهم المتعمقة واللصيقة بكل من مجموعات المكتبة الجامعية من ناحية وطبيعة الاحتياجات المعلوماتية لأفراد مجتمع المستفيدين الذين تخدمهم المكتبة من ناحية أخرى.
- وأولاً وأخيراً ضمان تنفيذ عملية تطبيق منهجية النظرة الشاملة بكفاية وفعالية نظراً لتوفر عنصر الخبرة والتخصص لدى الجهة الخارجية المنفذة ضمنة عملية التعهيد Outsourcing.
خاتمة:
ختاماً نؤكد على أنه لا ينبغي أن تنظر المكتبة الجامعية إلى تطبيق منهجية النظرة الشاملة لتحليل ثم تقييم ومن ثم تقويم مجموعاتها من مصادر المعلومات على أنه هدف في حد ذاته، بل إنه في واقع الأمر عبارة عن وسيلة لتحقيق هدف أولى وأكبر وهو استثمار منتوج عملية التطبيق هذه لترشيد عملية الاقتناء ووضع سياسة متماسكة لتنمية المجموعات ضمن خطة استراتيجية عامة متكاملة للمكتبة تتماهى في جوهرها وأهدافها مع الخطة الاستراتيجية للجامعة الأم.
المراجع:
إعداد: د. عبد الله حسين متولي - استشاري حلول المعرفية
قطاع إدارة الأصول المعرفية - نسيج