تميز البشر على مدى التاريخ بالقدرة على الابتكار. ولكن السنوات الأخيرة وبفعل الوباء، دشن العالم عصراً جديدًا من الإمكانيات وتسارع وتيرة الابتكار. وعلى خلفية هذه التطورات، أظهر مؤشر الابتكار العالمي لعام 2021 أن الحكومات والشركات في أجزاء كثيرة من العالم زادت من استثماراتها في الابتكار، مما يدل على اعتراف متزايد بأن الأفكار الجديدة تؤدي دوراً محورياً في التغلب على الوباء وضمان النمو الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي، وذلك من خلال التغلغل عبر الصناعات والقطاعات، بما في ذلك قطاع التعليم.
لماذا نحتاج إلى الابتكار في التعليم؟
هناك اعتقاد شائع بأن الابتكار في التعليم مرتبط فقط بالتقدم التكنولوجي. في الواقع، يتجاوز الابتكار في التعليم الخبرة التقنية.
إدخال الابتكار في التعليم يساعد الطلاب على توسيع مداركهم وتطوير مهاراتهم خارج الكتب المدرسية وزرع ثقافة الخيال. وفي هذا يقول أينشتاين، "الخيال هو العلامة الحقيقية للذكاء".
ما هو التعلم الابتكاري في التدريس؟
يُركِّز الابتكار بصفة عامة على تجاوز كلّ ما هو تقليدي وإيجاد وسائل جديدة تنسجم مع البيئة التي تحتضن العملية الابتكارية. يُعرف موقع IGI Global التعليم الابتكاري، بأنه نوع من التعلم له نفس المعنى القريب من التعلم الإبداعي، والذي من خلاله يستنبط المتعلمون التغيير والتجديد وإعادة التنظيم من خلال سلسلة من الأسئلة الجديدة. تعتبر طرق التدريس المبتكرة ضرورية لتوجيه التعليم الابتكاري ومساعدة المتعلمين على فهم تحديات العصر الحديث وحلها، وكسر الهياكل الاجتماعية غير المجدية، والنمو نحو مستقبل مستدام.
لا يقتصر التعليم الابتكاري ولا يجب أن يكون مقيدًا بالفصول الدراسية والامتحانات والدرجات. إن نظامنا التعليمي الحالي صارم بعض الشيء، من حيث اتباع هيكل دراسي صارم، يقيس مدى تحقق النتائج عن طريق الاختبارات والدرجات. هذا وقد أشارت بعض الدراسات البحثية أن المرونة في تقييم الطلاب تثير الاهتمام تجاه موضوع ما. إنه الاهتمام الذي يدفع الفضول ويعزز الميل البشري لاستكشاف ومعرفة المزيد عن الموضوعات، وبالتالي توفير مساحة أكبر للأفكار والابتكارات الجديدة.
التعلم الابتكاري هو الطريقة الوحيدة لجعل العملية التعليمية مرنة وخلق مكان آمن للطلاب للتعلم والمحاولة والفشل والنجاح والمجازفة. إنه فن نمو التعلم، الذي يوسع من شهية الطلاب للمخاطرة وتلبية فضولهم. ولكن ما يحدث أنه في كثير من الأحيان، يفشل المنهج والاختبار في تلبية متطلبات التعلم العملي للمجتمع. على سبيل المثال، يتحول العالم نحو البحث والتطبيقات في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات وتقنيات الثورة الصناعة 4.0 بأكملها، لكن أساليب التعليم الحالية لدينا لا تنصف تمامًا تعليم الطلاب حول هذه الموضوعات أو المضي قدمًا. يحدث هذا في المقام الأول بسبب المناهج القديمة إلى حد ما، وعدم المرونة في طرق التعلم، والأهمية غير الضرورية للامتحانات.
10 استراتيجيات تربوية من أجل تعليم ابتكاري
نضع هنا مقتطف من تقرير أصدرته الجامعة المفتوحة بالتعاون مع معهد ستانفورد للأبحاث ، والذي يقترح عشر ابتكارات موجودة بالفعل في العملية التعليمية ولكن لم يكن لها تأثير عميق على التعليم.
التعلم المتقاطع Crossover Learning
يساعد التعلم في أماكن غير رسمية، مثل المتاحف ونوادي ما بعد المدرسة أو الجامعة على ربط المحتوى التعليمي بالقضايا التي تهم المتعلمين في حياتهم. كما ويعمل على إثراء التعلم في المدارس والكليات من خلال الخبرات من الحياة اليومية، حيث تثير هذه التجارب المرتبطة بالتعلم الصفي مزيدًا من الاهتمام والتحفيز للتعلم.
تتمثل الطريقة الفعالة للمعلم في اقتراح سؤال ومناقشته في الفصل الدراسي، ومن ثم يقوم الطلاب باستكشاف هذا السؤال في زيارة متحف أو عبر رحلة ميدانية، وجمع الصور أو الملاحظات كدليل، ثم مشاركة النتائج التي توصلوا إليها في الفصل لإنتاج عمل فردي أو جماعي. تزود تجارب التعلم المتقاطعة المتعلمين بفرص حقيقية وجذابة للتعلم.
التعلم من خلال الجدل Learning Through Argumentation
يمكن للطلاب تطوير فهمهم للعلوم والرياضيات من خلال الجدل بطرق مماثلة للعلماء المحترفين وعلماء الرياضيات. يساعد الجدل الطلاب على التفكير في الأفكار المتناقضة، والتي يمكن أن تعمق تعلمهم. كما يسمح للطلاب بصقل الأفكار مع الآخرين، حتى يتعلموا كيف يفكر العلماء ويعملون معًا لتأسيس أو دحض الادعاءات.
يمكن للمدرسين إثارة نقاش هادف في الفصول الدراسية من خلال تشجيع الطلاب على طرح أسئلة مفتوحة، وإعادة صياغة الملاحظات بلغة أكثر علمية، وتطوير النماذج واستخدامها لبناء التفسيرات. عندما يتجادل الطلاب بطرق علمية ، فإنهم يتعلمون كيفية التناوب والاستماع بنشاط والاستجابة بشكل بناء للآخرين.
التعلم العرضي Incidental Learning
التعلم العرضي هو تعلم غير مخطط له أو غير مقصود. قد يحدث أثناء تنفيذ نشاط يبدو أنه لا علاقة له بما تم تعلمه. تناول البحث المبكر حول هذا الموضوع كيفية تعلم الناس في روتينهم اليومي في أماكن عملهم.
بالنسبة للعديد من الأشخاص، تم دمج الأجهزة المحمولة في حياتهم اليومية، مما يوفر العديد من الفرص للتعلم العرضي المدعوم بالتكنولوجيا. على عكس التعليم الرسمي، لا يتم قيادة التعلم العرضي من قبل المعلم، ولا يتبع منهجًا منظمًا، أو يؤدي إلى الحصول على شهادة رسمية. ومع ذلك، قد يؤدي إلى التفكير الذاتي ويمكن استخدامه لتشجيع المتعلمين على إعادة تصور ما يمكن أن يكون شظايا تعلم معزولة كجزء من رحلات تعلم أكثر تماسكًا وطويلة المدى.
التعلم القائم على السياق Context-Based Learning
يتيح لنا السياق التعلم من التجربة. من خلال تفسير المعلومات الجديدة في سياق مكان وزمان حدوثها وربطها بما نعرفه بالفعل. في قاعة الدراسة أو قاعة المحاضرات، عادةً ما يقتصر السياق على مساحة ثابتة ووقت محدود. خارج الفصل الدراسي، يمكن أن يأتي التعلم من سياق غني مثل زيارة موقع تراثي أو متحف، أو الانغماس في كتاب جيد. لدينا فرص لخلق السياق، من خلال التفاعل مع محيطنا، وإجراء المحادثات، وتدوين الملاحظات، وتعديل الأشياء. يمكننا أيضًا أن نفهم السياق من خلال استكشاف العالم من حولنا، ودعم هذا الفهم بالأدلة وأدوات القياس.
يترتب على ذلك تصميم مواقع فعالة للتعلم، في المدارس والمتاحف والمواقع الإلكترونية ، وهذا يتطلب فهماً عميقاً لكيفية تشكيل السياق وتشكيله من خلال عملية التعلم.
التفكير الحسابي Computational Thinking
التفكير الحسابي هو نهج قوي في التفكير وحل المشكلات. إنه ينطوي على تقسيم المشاكل الكبيرة إلى مشاكل أصغر (التحلل)، والتعرف على كيفية ارتباطها بالمشكلات التي تم حلها في الماضي (التعرف على الأنماط)، ووضع التفاصيل غير المهمة (التجريد) جانبًا ، وتحديد الخطوات اللازمة للوصول إليها وتطويرها، ومن ثم حل (خوارزميات) وتنقيح هذه الخطوات (تصحيح).
يمكن لمهارات التفكير الحسابي هذه أن تكون ذات قيمة في العديد من جوانب الحياة، بدءًا من كتابة وصفة لمشاركة طبق مفضل مع الأصدقاء، مرورًا بالتخطيط لقضاء عطلة أو رحلة استكشافية، إلى نشر فريق علمي لمواجهة تحدي صعب مثل تفشي الوباء. والهدف من ذلك هو تعليم الطلاب بناء المشاكل بحيث يمكن حلها. يمكن تدريس التفكير الحسابي كجزء من الرياضيات والعلوم والفن أو في أماكن أخرى. الهدف ليس فقط تشجيع الطلاب على أن يصبحوا مبرمجين على الكمبيوتر، ولكن أيضًا لإتقان فن التفكير الذي سيمكنهم من مواجهة التحديات المعقدة في جميع جوانب حياتهم.
التعلم من خلال ممارسة العلوم Learning By Doing Science
يمكن أن يؤدي التعامل مع الأدوات والممارسات العلمية الأصيلة مثل التحكم في التجارب المعملية أو التلسكوبات عن بُعد إلى بناء مهارات البحث العلمي وتحسين الرؤى المفاهيمية وزيادة الحافز. إن الوصول عن بعد إلى المعدات المتخصصة، التي تم تطويرها لأول مرة للعلماء وطلاب الجامعات، يتوسع الآن ليشمل المدرسين المتدربين وطلاب المدارس. تتكون المختبرات عن بعد عادةً من أجهزة أو معدات، وأذرع آلية لتشغيله، وكاميرات توفر مناظر للتجارب أثناء ظهورها. يمكن أن تقلل أنظمة المختبرات عن بعد العوائق التي تحول دون المشاركة من خلال توفير واجهات ويب سهلة الاستخدام ومواد المناهج الدراسية والتطوير المهني للمعلمين.
من خلال الدعم المناسب، يمكن أن يؤدي الوصول إلى المختبرات عن بعد إلى تعميق الفهم للمعلمين والطلاب من خلال تقديم تحقيقات عملية وفرص للمراقبة المباشرة التي تكمل تعلم الكتاب المدرسي. يمكن أن يؤدي الوصول إلى المعامل البعيدة أيضًا إلى جلب مثل هذه الخبرات إلى الفصل الدراسي بالمدرسة. على سبيل المثال، يمكن للطلاب استخدام تلسكوب في بيئة التعلم عن بعد للقيام برصد للسماء ليلاً خلال فصول العلوم داخل الفصول النهارية.
التعلم المتجسد Embodied Learning
يتضمن التعلم المتجسد وعيًا ذاتيًا بالجسم يتفاعل مع عالم حقيقي أو محاكى لدعم عملية التعلم. عند تعلم رياضة جديدة، تعتبر الحركة الجسدية جزءًا واضحًا من عملية التعلم. في التعلم المتجسد، الهدف هو أن يعمل العقل والجسم معًا بحيث تعزز ردود الفعل الجسدية والأفعال عملية التعلم.
توفر التكنولوجيا المساعدة أجهزة استشعار يمكن ارتداؤها تجمع البيانات الجسدية والبيولوجية الشخصية، والأنظمة المرئية التي تتعقب الحركة، والأجهزة المحمولة التي تستجيب لأفعال مثل الإمالة والحركة. يمكن تطبيق هذا النهج لاستكشاف جوانب العلوم الفيزيائية مثل الاحتكاك والتسارع والقوة، أو للتحقيق في مواقف محاكاة مثل بنية الجزيئات.
التعليم التكيفي Adaptive Teaching
المتعلمين مختلفون. ومع ذلك، فإن معظم العروض التقديمية والمواد التعليمية هي نفسها للجميع. هذا يخلق مشكلة في التعلم، من خلال وضع عبء على المتعلم لمعرفة كيفية التعامل مع المحتوى. هذا يعني أن بعض المتعلمين سيصابون بالملل، وسيضيع آخرون، ومن المرجح أن يكتشف عدد قليل جدًا المسارات التي تؤدي إلى التعلم الأمثل. يقدم التدريس التكيفي حلاً لهذه المشكلة. يستخدم بيانات حول التعلم السابق والحالي للمتعلم لإنشاء مسار مخصص من خلال المحتوى التعليمي.
توصي أنظمة التدريس التكيفية بأفضل الأماكن لبدء محتوى جديد ومتى يتم مراجعة المحتوى القديم. كما أنها توفر أدوات مختلفة لمراقبة تقدم الفرد. إنهم يبنون على ممارسات التعلم الطويلة، مثل قراءة الكتب المدرسية، وإضافة مجموعة آليات من الدعم الموجه بالكمبيوتر.
يمكن أن تشكل البيانات مثل الوقت المستغرق في القراءة ودرجات التقييم الذاتي أساسًا لتوجيه كل متعلم من خلال المواد التعليمية. تساعد أنظمة التعلم الالكتروني على تطبيق التدريس التكيفي إما على أنشطة الفصل الدراسي أو في البيئات الافتراضية عبر الإنترنت حيث يتحكم المتعلمون في وتيرة دراستهم.
تحليلات العواطف Analytics Of Emotions
يمكن للطرق الآلية تتبع العين والتعرف على الوجه وتحليل كيفية تعلم الطلاب، ثم الاستجابة بشكل مختلف لحالاتهم العاطفية والمعرفية. تستطيع الجوانب المعرفية النموذجية للتعلم معرفة ما إذا كان الطلاب قد أجابوا على سؤال وكيف يشرحون معرفتهم، أما الجوانب غير المعرفية فتستكشف ما إذا كان الطالب محبطًا أو مرتبكًا أو مشتتًا.
بشكل عام، يمتلك الطلاب طريقة تفكير وعقليات mindsets (مثل رؤية عقولهم على أنها ثابتة أو مرنة)، واستراتيجيات (مثل التفكير في التعلم، وطلب المساعدة والتخطيط لكيفية التعلم)، وخصائص المشاركة (مثل المثابرة) التي تؤثر بشدة على كيفية تعلمهم.
بالنسبة للتدريس في الفصل الدراسي، يتمثل النهج الواعد في الجمع بين الأنظمة المستندة إلى الكمبيوتر للتدريس المعرفي وخبرة المعلمين البشريين في الاستجابة لمشاعر الطلاب وميولهم، بحيث يصبح التدريس أكثر استجابة للمتعلم ككل.
التقييم الخفي Stealth Assessment
يمكن اعتبار عملية جمع البيانات التلقائية التي تتم في الخلفية عندما يعمل الطلاب مع بيئات رقمية غنية على تقييم غير مزعج و "متخفي/مستور" لعمليات التعلم الخاصة بهم.
يستعير التقييم الخفي تقنيات من ألعاب لعب الأدوار عبر الإنترنت مثل World of Warcraft، حيث يقوم النظام بجمع البيانات باستمرار حول تصرفات اللاعبين، مما يوظف الاستنتاجات حول أهدافهم واستراتيجياتهم من أجل تقديم تحديات جديدة مناسبة. يتم الآن توسيع فكرة تضمين التقييم في بيئة تعليمية محاكية لتشمل المدارس، في موضوعات مثل العلوم والتاريخ، وكذلك لتعليم الكبار.
الفكرة تكمن في أن التقييم الخفي يمكن أن يختبر جوانب التعلم التي يصعب قياسها مثل المثابرة والإبداع والتفكير الاستراتيجي. يمكنه أيضًا جمع معلومات حول حالات تعلم الطلاب وعملياته دون مطالبتهم بالتوقف وإجراء اختبار. من حيث المبدأ، يمكن لتقنيات التقييم الخفي أن تزود المعلمين ببيانات مستمرة حول كيفية تقدم كل متعلم.