لا أدري لماذا قلت أنني أعمل أخصائية معلومات حين سُأِلت عن طبيعة عملي؟ بالرغم من أن عملي غير ذلك,, لماذا يرتبط بمهنة أخصائي المعلومات بريق وهالة تجذب الكثيرين؟ ولماذا يتنصل الكثير عن مسمى أمين المكتبة ويلتصق بمسميات غامضة والتي قد تقلل من شأن عمله في بعض الأحيان؟
أنت لا تبدو مثل أمين المكتبة You Don't Look Like a Librarian
هل لأمين المكتبة شكل معين يمكننا أن نتعرف عليه بجرد رؤيتنا له؟ قد يكون هذا هو التساؤل الذي يتبادر للذهن بمجرد قراءة هذا العنوان والذي في الحقيقة هو اسم كتاب صدر في عام 2009 للكاتبة "روث كنييل" Ruth Kneale والتي تعمل أمينة مكتبة.
تناقش أمينة المكتبات Ruth Kneale في كتابها "You Don't Look Like a Librarian" الصورة النمطية لأمين المكتبة... وقد تناول الكتاب عدة صور للمكتبات وأمناء المكتبات في الأدب الشعبي وفي أدب الطفل كما نراها ركزت على الصورة النمطية لأمين المكتبة، والتي استمرت لأجيال عديدة منقوشة في العقول بفعل صورة كرستها وسائل الإعلام والتلفزيون والسينما.
وقد كان لهذه الصورة النمطية, التأثير الكبير على المواقف السلبية تجاه العمل كأمين مكتبة، وفي بعض الأحيان كانت سببا للنفور من هذه المهنة. وهي تري أنه للأسف نادراً ما تمت دراسة تأثير هذه
الصورة على مهنة العاملين في المكتبات, وفي أماكن أخري من كتابها تتطرق إلى كيفية تغيير هذه الصور النمطية في العصر الرقمي؟ وكيفية تأثير هذه الصورة في عملنا اليومي، ونجاح هذه المهنة في المستقبل؟ وما الذي يمكننا القيام به لدرأ التصورات القديمة المتعبة وخلق صور جديدة إيجابية؟
وللإجابة على هذه الأسئلة، اعتمدت "روث كنييل" على مقابلات مع أمناء المكتبات وما نشر حول ذلك على الإنترنت بالإضافة إلى عرض نتائج دراسة استقصائية شملت 1000 من العاملين في المكتبات.
تري "روث كنييل" Ruth Kneale في كتابها You Don't Look Like a Librarian أنه لطالما احتلت الصورة النمطية لأمين المكتبة عقول الأجيال على مدى سنوات عديدة والتي تشكلت في صورة تمحورت في الجنس الأنثوي أو الشابات اللواتي يتخذن هيئة معينة وترتدين الملابس القاتمة والغير مثيرة، أو النساء كبيرات السن الممتلئة القوام ذوات النظارات العميقة على أعينها, وفي بعض الأحيان الرجال الذين يميلون إلى التخنث، وقد عززت الكتب والأفلام والمسلسلات في السنوات الماضية هذه الصورة النمطية.
صور عديدة للمكتبات وأمناء المكتبات في الثقافة الشعبية تم طرحها في هذا الكتاب وكما قلت من أجل اكتشاف الصورة الدلالية لهذه المهنة و الثقافة التي تنتجها. والنظر إلى العواقب المترتبة على هذه الصور، سواء للمهنة أو انعكاساتها على الجمهور.
قد يكون من المفيد اطلاع القارئ على رد فعل جمهور العاملين في المكتبات تجاه هذا الكتاب والذي تم رصده من خلال المراجعات والتعليقات التي صدرت بخصوص الكتاب. فالبعض من القراء رأي أنه لابد أن يطلع على هذا الكتاب جميع العاملين في المكتبات والطلاب الذين يدرسون هذا التخصص. إلا أن هناك شريحة غير قليلة قابلت هذا الكتاب بالازدراء ووصفته بالسخف والحمق، وهاجمت الكاتبة وخاصة العنوان الذي اختارته لهذا الكتاب, حيث رأوا أن هذا الاسم هو تعزيز للمفهوم الخاطئ نحو أمين المكتبة .
أمناء المكتبة - في أدب الأطفال - عادةً هم أشخاص إيجابيون لديهم اطلاع واسع ومتعاونون, إلا أن الصورة تتغير في أدب الكبار؛ حيث تتجه إلى السلبية أكثر. شخصية أمين المكتبة في الأدب مزيج من السِمات الإيجابية كالذكاء و اللطافة وطيب القلب، والسمات السلبية كالصرامة والخجل وغرابة الأطوار والدقة المفرطة... وعادة ما يظهرون كأبطال ومحققين. إن مسحة "الرتابة" التي تميز منظر أمين المكتبة النمطي والاعتقاد بأنه شخص غير مُضر أسهمت في تجنيبه الشكوك, بينما ساعدت مهارة البحث عنده وقدرته على وضع الأسئلة المناسبة على تحصيل وتقييم المعلومة الضرورية لحل القضية. وثقافتهم التي اكتسبوها من القراءة الهائلة تتنافس وبنجاح مع الخبرة الشخصية لمحققٍ أو باحثٍ خاص. مثال، (جاكلين كيربي) في رواية (المذنب السابع) سنة (1972).
[youtube http://www.youtube.com/watch?v=A8kd4fC1bwo&w=420&h=315]
كما أظهرت بعض الأدبيات الشعبية أمين المكتبة على أنه الشخص الغامض والمليء بالأسرار والمثير للخوف، وفي هذا نرجع إلى العلاقة بين المعرفة والسلطة عند "فوكو" ، والذي يرى أن المكتبة مؤسسة تخلق خطاب الخوف وهذا الخوف يكمن في ديناميكية اجتماعية بين أمين المكتبة والمستخدم، ومتأصلة في وعينا الثقافي. يحلل "فوكو" مزيداً من هذه الظواهر، حيث يري المكتبة كبوابة أو كالحدود بين النظام والفوضى (المستخدم يخشى كلا الاحتمالين).
أما في الأفلام والمسلسلات فلا داعي لأن يُعرف أمين المكتبة بنفسه لنتعرف عليه, فهو دائما واقف أمام طاولة متكدسة بالكتب أو بين رفوف المكتبة يمحص أرقام الكتب أو يدفع عجلة الكتب.
ربما تكون صورة أمناء المكتبات في المسلسلات التلفزيونية أقل حدة مما هي عليه في الأفلام إلا أنها في المجمل اتخذت نفس الصورة الخاطئة حيث يظهرون وكأنهم رجل الشرطة الذي يمر بين طرقات المكتبة يراقب القراء والزوار ويوحي بالسيطرة المفرطة والصرامة الغير متكافئة, خاصة عندما يواجه المستخدمين الذين لديهم الكتب المتأخرة. كما اقترنت صورتهم بالانطواء والولع بالكتب مع التركيز بدرجة أقل على المظهر. يري Black أن صورة أمناء المكتبة في التلفزيون تفسر بطريقة قاسية والتي تظهر عدم التوافق الاجتماعي لأمين المكتبة وانطواءه فقط مع كتبه وهو يجد أمثلة لذلك في العديد من البرامج التلفزيونية، بما في ذلك "بارني ميلر" Barney Miller، جزيرة الخيال Fantasy Island ، والتعادل The Equalizer.
العديد من الأفلام تعرضت إلى صورة أمين المكتبة ولكنها كانت الصورة النمطيّة الأسوأ. وقد تأسست الصورة النمطية لأُمناء المكتبة كالمثقفين والعوانس خلال الخمسينيات من القرن التاسع عشر.
ولهذا فإن إناث أمناء المكتبة في الأفلام عادةً ما يكنّ غير متزوجات، وعتيقات، وانطوائيات. هنّ غالباً ما يكنّ شابات وقد يكنّ جذابات و لكن يلبسن برتابة، وتجد هذه واضحة خاصة في الأفلام مثل "إنها حياة رائعة "It's a Wonderful Life وفيلم رجل الموسيقى Music Man. ويظهر الذكور من أمناء المكتبة في الأفلام: متسامحون، وأذكياء، وخجولون، ولديهم أدوار أقلّ وأدنى.
على الرغم من أن العلاقة بين تمثيل وسائل الإعلام والتصورات الحسية قد تكون غير واضحة, إلا أنه في نهاية المطاف فإن هذه التصورات المستخدمة تؤثر سلبا على قدرة أمناء المكتبات لتلبية الاحتياجات من المعلومات،وخدمة أولئك الذين لا يفهمون الغرض من مهنتهم والخبرات التي يمتلكونها. كما أن لهذه الصورة تداعيات خطيرة على الموظفين وفرص التمويل مما يهدد تصور المكتبات وبقاءها.
بالطبع هذه التصورات غير موضوعية وقد يكون مبالغ فيها,,، ولكننا حتى في عالمنا العربي نحتفظ في عقولنا أيضا بصورة نمطية لأمناء المكتبات، فلازالت أذكر في مؤتمر الاتحاد العربي للمكتبات عام 2005 حين نظر أحد المتواجدين والذي يعمل في حقل المعلومات إلى إحداهن وقال لها: "ما الذي أتى بك هنا؟ أنت لا تبدين كأمناء المكتبات!!!!!" وهذا تأكيد عربي للصورة النمطية !!! ولكن مهلا، الصورة ليست قاتمة بهذا الشكل.
قليل من الأفلام هي التي ذكرت الجانب الايجابي لأمناء المكتبات وأظهرت صورة حقيقة وموضوعية لطبيعة عملهم. فتاة الحفلة ( 1995 (PartyGirl هو أحد هذه الأفلام والذي يناقش قضايا حساسة تخص المكتبات والعاملين في المكتبات ونراه يتطرق إلى تفاصيل العمل في المكتبة من ترفيف وتصنيف ورغبة عارمة في خدمة المستفيدين كما يذهب في طرح المشاكل المتعلقة بالميزانية وقضايا الدعم المادية. الفيلم يعلى من أهمية أمناء المكتبات ويسلط الضوء على مؤهلات أمناء المكتبات ونري ذلك في الحوار بين بطلة الفيلم "ماري" (Parker Posey) و "جودي" مسئولة المكتبة وقريبتها:
جودي: وماذا تريدين العمل؟
ماري: أريد أن أعمل أمينة مكتبة.
جودي: أمينة المكتبة يجب أن تكون حاصلة على ماجستير في علوم المكتبات من جامعة معتمدة.
ماري: أريد أن أعمل موظفة في المكتبة.
جودي: موظف المكتبة يجب أن يكون ذكيا ولبقا.
[youtube http://www.youtube.com/watch?v=Em83Bj426bI&w=560&h=315]
كما نري مشهد رائع في نهاية الفيلم حين تكتشف "ماري" ذاتها وتكشف وولعها بمهنة أمينة المكتبة وتعلقها بالنظام الذي تعلمته من نظام ديوي العشري بعد أن كان يرعبها النظر إليه في بداية الفيلم, تصرخ " أريد أن أكون أمينة مكتبة" كما نراها بعد اتخاذها قرار الدراسة مشاركتها في مناقشة قيمة مع زملاءها حول الدرجات العلمية لبرنامج الجامعات المتخصصة في علم المكتبات.
على الرغم من عرض هذا الفيلم صورة واقعية للمكتبات والعاملين فيها إلا أنه لم يَنجُ من تعرضه لبعض المكونات الكلاسيكية من الصورة النمطية لأمينة المكتبة, حيث تظهر "ماري" في نهاية الفيلم وقد تخلت عن ملابسها ذات الألوان الفاقعة والمتعددة لترتدي زيا محتشما وتضع النظارات وترفع شعرها على شكل الكعكة؛ تلك الصورة التي كما يبدو أنها قد لصقت بأمينة المكتبة.
أما أمينة المكتبة في "فيلم المومياء" ( The Mummy 1999) فهي مثال للذكاء وجمال الروح والمظهر والأناقة !!! قد يكون أول ظهور في الفيلم لها بملابس محتشمة تعودنا عليها من أمناء المكتبات إلا أنها لها حياتها الطبيعية وعلاقاتها الاجتماعية وتتقبل الحب والارتباط كأي امرأة عادية.
"ايفلين" (Rachel Weisz) كانت أمينة المكتبة في فيلم المومياء والتي كسرت الصورة النمطية لأمينة المكتبة الخجولة المنطوية لترفع صوتها بكل فخر وتقول: انظروا،. .. قد لا أكون مستكشف، أو مغامر، أو باحث كنز، أو مقاتل، أو السيد الكولونيل ، ولكن أنا فخورة بما أنا عليه." أنا امينة مكتبة ( I... am a librarian )"
الكثير من أمناء المكتبات اليوم وفي عصر الرقمنة هم مثل "ايفلين". ولديهم الشجاعة لرفض الصورة النمطية التي لصقت بالعاملين في المكتبات وإن اختلفت المسميات واتخذت ألقاباً جديدة مثل أخصائي المعلومات أو متخصص تكنولوجيا معلومات ويبدو أن هذا المسمى الجديد هو الأكثر جاذبية للعاملين في المكتبات من مسمى أمين المكتبة.
وفي محاولة للتعرف على طبيعة هذا المسمى الجديد فقد تم طرح هذا السؤال للمناقشة في الصفحة الخاصة بجمعية المكتبات الأمريكية على موقع لينكدن وقد لاقي الطرح مناقشة غنية من العديد من العاملين في المكتبات والتي يمكنكم الاطلاع عليها عبر الرابط التالي:
http://www.linkedin.com/groupAnswers?viewQuestionAndAnswers=&discussionID=238590215&gid=40592&commentID=136818899&trk=view_disc&ut=0G1nBuYKnpZBI1
وخلاصة الآراء والتي أتت في بعض الأحيان متضاربة أنه يمكننا القول أن هناك اتجاهان حول هذا الموضوع:
الأول: أن مصطلح أخصائي المعلومات هو تحديث لمصطلح أمين المكتبة يتطلبه التغير التكنولوجي.
الثاني: أن مصطلح أمين المكتبات هو المصطلح الأعم والأكثر شمولية وهو المظلة التي تندرج تحتها مهنة أخصائي المعلومات، وقد كان هذا الاتجاه هو الأكثر وضوحاً عند المشاركين.
وفي النهاية من الواضح والمهم أن الصورة النمطية في عصر الرقمنة لم تؤثر على معدلات الإقبال على المكتبات ولم تقلل من أهمية أمناء المكتبات. الرسم الإنفوجرافيكي التالي يلقي الضوء من جديد على دور المكتبات وأمناء المكتبات، كما أنه يعتبر نقطة تغير حاسمة.
يتساءل مصمم هذا الرسم (Masters in Education & ObizMedia ) ماذا لو عقدنا مقارنة بين المكتبات و الأمازون؟ حركات الإعارة اليومية في المكتبات العامة بالولايات المتحدة أكثر 4 مرات مقارنة بحركة الكتب بالأمازون ! الأكثر من ذلك أن أمناء المكتبات يجيبون أسبوعيا على أكثر من 7.2 مليون سؤال.
إعداد: هيام حايك
المصادر:
http://stereotypicallibrarian.blogspot.com/
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=A8kd4fC1bwo
http://ebookfriendly.com/2013/04/05/libraries-matter-5-fantastic-library-infographics/