طلاب كلية الطب عند تخرجهم يؤدون قسم "أبقراط" Hippocrates للتمكن من مزاولة المهنة، وطلاب الحقوق لا يستطيعون مزاولة المهنة دون أداء القسم القانوني المتعلق بأخلاق مهنة المحاماة، ماذا عن الطلاب والمهنيين العاملين في مجال المعلومات؟ أي قسم يؤدون؟
كان هذا السؤال الذي طرحته جمعية المكتبات الأمريكية وقد أجاب الكثيرين أنه بالفعل هناك قسم يتم تأديته وكما يتم تجاهله في كثير من الأحيان، السؤال الأهم هنا هل يكفي هذا القسم لضمان مزاولة المهنة بنزاهة؟ وهل هذا القسم يضمن الأمانة والشفافية والحيادية في مزاولة المهنة؟
أثناء هذا الطرح وبدون وعي وجدت التفكير يقفز إلي "آدم سميث" ونظريته التي طرحها في كتابه الشهير " ثروة الأمم" عام 1776 والذي يشير فيه إلى أن الشركة لها هدف رئيسي وهو أن تبقي كمنشأ للثروة تحمى رأس المال وتعظم الربح. والذي يتوافق مع الرأي الشائع الذي يتبناه رجال الأعمال من أن "العمل عمل Business is Business"، ومع رأي "ميلتون فرايدمان" Milton Friedman بأن الأخلاقيات لا دخل لها بمفهوم "العمل عمل Business is Business "
تخيلوا معي كيف يكون المشهد في حال التغاضي عن الأخلاق في العمل بحجة تعظيم الثروة وكيف يكون الوضع كارثيا إذا ما اقترن هذا الفكر بالفكر الميكيافلي والذي يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة؟ وخاصة في ظل ثورة معلوماتية يشهدها العالم اليوم حيث المعلومات تتدفق على الشبكة العنكبوتية، سواء المعلومات العامة أو المعلومات والبيانات الخاصة التي تمس هوية الأفراد وكينونتهم. الكثير من الممارسات الغير أخلاقية تعترض المشهد الحداثي للبيئة التكنولوجية. يومياً يتم رصد الكثير من الخروقات والتجاوزات الأخلاقية مثل: السرقة – التجسس الإلكتروني – التلاعب بالبيانات ...الخ
من هنا تبرز أهمية وثيقة الأخلاق المهنية وتتعاظم أهميتها في بيئة التكنولوجية والمعلوماتية. المكتبات هي مصدر أساسي للمعلومات ويعتبر دستور الجمعية الأمريكية للمكتبات أول تشريع أخلاقي للمهنة عام 1938.
ميثاق أخلاقيات المهنة هو ما يعرف باللغة الانجليزية باسم Code of ethics أو Code of Conduct وهي عبارة عن المبادئ السلوكية المطلوبة من المشتغلين بالمهنة.
عرف علي خالد مضوي أخلاقيات المهنة بأنها هي القيمة الحقيقية للعمل الوظيفي إذا التزم بها الموظف لأنها ليست فقط مجموعة الضوابط التي تحددها لائحة السلوك الوظيفي في المؤسسة التي يعمل بها الفرد وإذا غادر مكان العمل لم يعد ملزما بها في حياته الخاصة فهي سلوك ملازم له يفترض أن تكون ذات انعكاس للعقيدة الإسلامية التي تحكم حياته كلها، كما عرف "كلايد كنج" أخلاقيات المعلومات بأنها "نظام من المبادئ الأخلاقية التي تحدد السلوك الصواب .
والسلوك الخطأ وذلك بالنسبة لأعضاء المهنة الواحدة فهو من ناحية يوفر ضمان أفضل لأعضاء المهنة كما يوفر خدمة أفضل للجمهور.
للوقوف على ماهية وثيقة الأخلاق المهنية في بيئة الحوسبة والمعلومات، سوف يتم استعراض بنود وثيقة أخلاقيات المهنة الخاصة بهيئة الحوسبة الآلية ACM.
هيئة الحوسبة الآلية Association of Computing Machinery أكبر هيئة على مستوى العالم في الحاسبات الآلية، وتقدم الكثير من الموارد الخاصة التي تساعد في تعلم الحاسبات كعلم ومهنة، ويمكن من خلالها تحقيق التنمية المهنية وتعزيز السياسات والبحوث التي تفيد المجتمع. كما تستضيف هيئة الحوسبة الآلية أكبر مكتبة رقمية رائدة في صناعة الحوسبة تقوم بإمداد أعضائها من العلماء والمهنيين والخبراء بالدوريات والمجلات والمؤتمرات وورش العمل
والمنتديات الإلكترونية، ومراكز التعلم، وتنشر هيئة الحوسبة الآلية أكثر من 50 دورية تقدم بحوثًا أصلية ووجهات نظر المفكرين والرواد في تقنية الحوسبة والمعلومات من جميع أنحاء العالم.
تم صياغة ميثاق أخلاقيات المهنة الخاصة بهيئة الحوسبة الآلية ACM من خلال اعتماد 24 عنصر صيغت في عبارات تنم عن الالتزام و المسؤولية الشخصية، وقد تم تصنيفها إلى أربعة أقسام. القسم الأول يبين الاعتبارات الأخلاقية الأساسية، وهو ما سيتم تناوله في هذه التدوينة، بينما سيتم تناول الأقسام الثلاث الأخرى خلال تدوينة الأسبوع القادم والتي تتناول اعتبارات أكثر تحديدا مرتبطة بالسلوك المهني ومسئولية الأفراد الذين هم في دور القيادة، بالإضافة إلي المبادئ التي تنطوي على الامتثال لهذا القانون.
الالتزامات الأخلاقية العامة:
أن تكون عضوا في ACM يتطلب منك....
يهتم هذا المبدأ بنوعية حياة جميع الناس و يؤكد الالتزام بحماية حقوق الإنسان الأساسية واحترام التنوع الثقافي، و تقليل الآثار السلبية لأنظمة الحوسبة، بما في ذلك المخاطر التي تهدد صحة وسلامة المستخدمين والتي تمثل هدفا أساسيا لمهنيي الحوسبة.
عند تصميم أو تنفيذ النظم، يجب على مهنيي الحوسبة محاولة ضمان أنه سيتم استخدام منتجاتهم بطرق مسئولة اجتماعيا، ملبيةً احتياجات المجتمع، ومتجنبة الآثار الضارة بالصحة والرفاهة.
ذلك يتطلب من مهني الحوسبة الذين يصممون ويطورون النظم أن يكونوا في حالة تأهب وجعل الآخرين على علم بأية أضرار محتملة على البيئة المحلية أو العالمية.
الضرر، يعني الإصابة والتلف أو العواقب السلبية، مثل خسارة غير مرغوب فيها في المعلومات أو في الممتلكات، أو إتلاف الممتلكات، أو تأثيرات بيئية غير مرغوب فيها. يحظر هذا المبدأ استخدام تكنولوجيا الحوسبة في الطرق التي تضر كل من: المستخدمين، والجمهور العام والموظفين وأرباب العمل. وتشمل الإجراءات الضارة التدمير المتعمد أو تعديل الملفات والبرامج التي تؤدي إلى خسائر فادحة في الموارد أو نفقات غير ضرورية للموارد البشرية مثل الوقت والجهد اللازمين لتطهير أنظمة "فيروسات الكمبيوتر."
تحت مسمى الإجراءات حسنة النية، بما في ذلك الإجراءات التي تهدف إلى إنجاز مهام مقصودة، قد يحدث ضرر غير متوقع. في مثل هذا الحالة على الشخص أو الأشخاص المسئولون التراجع أو تخفيف الآثار السلبية من العملية قدر الإمكان. الطريقة الوحيدة لتجنب ضرر غير مقصود هو أن تفحص بعناية الآثار المحتملة على جميع المتأثرين من القرارات التي اتُخذت أثناء التصميم والتنفيذ.
للحد من إمكانية إيذاء الآخرين بشكل غير مباشر، يجب علَى مهنيي الحوسبة تقليل الأعطال من خلال إتباع المعايير المقبولة للتصميم واختبار النظام بشكل عام. وعلاوة على ذلك، فإنه غالبا ما يكون ضروريا تقييم الآثار الاجتماعية المترتبة على الأنظمة لإبراز احتمال أي ضرر خطير على الآخرين.
المهنيين العاملين في مجال الحوسبة يقع على عاتقهم مهام إضافية كالإبلاغ عن أي مؤشرات قد يؤدي تجاهلها إلى أضرار شخصية أو اجتماعية خطيرة. ومع ذلك، قد تكون هذه التقارير مضللة وضارة في حد ذاتها، قبل الإبلاغ عن الانتهاكات، لابد من تقييم جميع الجوانب ذات الصلة بدقة؛ لضمان مصداقية التقييم.كما قد يكون من المهم أحياناً طلب المشورة من غيرهم من المهنيين العاملين في مجال الحوسبة.
الصدق هو عنصر أساسي لاعتماد الثقة. و لا يمكن لأي منظمة أن تعمل على نحو فعال بدون عنصر الثقة. مهني الكمبيوتر يجب أن يكون صادقا حيال مؤهلاته الخاصة، وحيال أي ظرف من الظروف التي قد تؤدي إلى تضارب في المصالح.
قيم المساواة والتسامح واحترام الآخرين، ومبادئ العدالة المتساوية هي قيم في غاية الأهمية. التمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو السن أو الإعاقة، أو الأصل الوطني، أو عوامل أخرى من هذا القبيل هو مخالفة صريحة للسياسة، لا يتم التساهل في التعامل معها.
حيث يكون هناك مجتمع عادل، فإن جميع الأفراد لديهم فرصة متساوية للمشاركة و الاستفادة من استخدام موارد الكمبيوتر بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو السن أو الإعاقة، أو الأصل القومي أو غير ذلك من العوامل المشابهة.
يحظر انتهاك حقوق التأليف والنشر وبراءات الاختراع والأسرار التجارية وشروط اتفاقيات الترخيص من قبل القانون في معظم الظروف. حتى عندما يتم انتهاك البرمجيات غير محمية، مثل هذه الانتهاكات تتعارض مع السلوك المهني ... يجب عدم التغاضي عن الازدواجية في التعامل مع ممتلكات الآخرين.
المهنيين العاملين في مجال الحوسبة ملزمون بحماية وسلامة الملكية الفكرية، على وجه التحديد. لا يحق لأي فرد الاستيلاء على أفكار أو أعمال الآخرين، حتى في الحالات التي يكون فيها العمل غير محمي صراحة بموجب حق المؤلف، وبراءات الاختراع، الخ.
الحوسبة وتكنولوجيا الاتصالات تمكن من جمع وتبادل المعلومات الشخصية على نطاق لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسانية. مما يؤدي إلى زيادة إمكانيات انتهاك خصوصية الأفراد والجماعات. يقع على عاتق المهنيين الحفاظ على خصوصية وسلامة البيانات التي تتعلق بالأفراد. وهذا يشمل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان دقة البيانات، وكذلك حمايتها من الوصول غير المصرح به أو الكشف العرضي لهوية الأفراد بطرق غير لائقة. وعلاوة على ذلك، يجب
وضع إجراءات تسمح للأفراد بمراجعة سجلاتهم وتصحيحها . المعلومات الشخصية التي جمعت لغرض معين لا يمكن استخدامها لأغراض أخرى دون موافقة الأفراد. تنطبق هذه المبادئ على الاتصالات الإلكترونية، بما في ذلك البريد الإلكتروني، وتحظر الإجراءات التي تعمد إلى التقاط أو مراقبة بيانات المستخدم الإلكترونية، بما في ذلك الرسائل، دون الحصول على إذن من المستخدمين حتى في الحالات المدرجة تحت حسن النية والمتعلقة بتشغيل وصيانة النظم. وفي حال تم الاطلاع بصورة غير مقصودة على بيانات المستخدم أثناء الصيانة فلابد من احترامها والتعامل معها بسرية تامة، فيما ما عدا في الحالات التي يكون فيها أدلة على انتهاك القانون، واللوائح التنظيمية، أو معلومات إخفاءها قد يتسبب في كارثة حقيقة. في هذه الحالات، يجب أن يتم الكشف عن طبيعة أو محتويات هذه المعلومات فقط إلى السلطات المختصة.
مبدأ الصدق يمتد إلى قضايا سرية المعلومات. المهنيون العاملون في مجال الحوسبة يجب أن يكونوا صادقين في التزاماتهم سواء الصريحة أو الضمنية حيال الأسرار المتعلقة بالأفراد. أخلاقيات المهنة تُلزِم باحترام جميع الالتزامات السرية الخاصة بأرباب العمل، والعملاء، والمستخدمين إلا إذا خرجت هذه الالتزامات عن الإطار القانوني.
من الجدير هنا الإشارة إلي أن هذه القواعد التي تم عرضها خلال هذه التدوينة من الممكن النظر إليها كأوامر إلزامية لأنها تقع ضمن المبادئ العامة ومن الضروري أن تنطبق على جميع المتخصصين، مما قد يؤدي في النهاية إلى ما يمكن اعتباره ممارسة مهنية جيدة.
اعداد: هيام حايك – كاتبة بمدونة نسيج