يعكس التقارب والالتقاء بين نطاقين تكنولوجيين أساسيين تمثلهما: الحوسبة السحابية و البيانات الكبيرة، آثارً بعيدة المدى من المتوقع أن تُحدث تغيراً كبيرا في استخدام وإدارة الموارد التكنولوجية في العالم .
قد يقودنا هذا الالتقاء إلى اكتشاف عقاقير جديدة لعلاج الأمراض؛ توقع أنماط الطقس بشكل أكثر دقة (حتى التنبؤ بالزلازل؟)، وإيجاد أفضل السبل لاستخدام وحفظ المياه، وهلم جرا. هذه هي غيض من فيض الأفكار والمشاريع التي تقدمها IBM من خلال مبادرتها "كوكب أذكى "Smarter Planet، والتي تقع الحوسبة السحابية وتقنيات البيانات الكبيرة في صميمها. تتوافق نماذج الحوسبة السحابية بشكل متكامل مع البيانات الكبيرة، نظراً لأن الحوسبة السحابية توفر موارد غير محدودة. لا يحتاج مستخدمي الحوسبة السحابية إلى تركيب برنامج أو جهاز معين؛ يمكنهم ببساطة استئجار الموارد التي هم بحاجة إليها، والدفع مقابل ما يستخدمونه فقط خلال وقت محدد، فضلاً عن توفير الحوسبة السحابية لكثير من الموارد المتاحة بصورة مجانية.
تشير الدراسات إلى أنه من المتوقع بحلول عام 2015 أن تستخدم معظم الشركات الحوسبة السحابية لتغطية احتياجاتها، فهي النموذج المثالي في الأوقات الاقتصادية الصعبة، اليوم، تتعاظم أهمية الحوسبة السحابية عند اقترانها بميزة التمكن من تحليلات البيانات الكبيرة .
البيانات الكبيرة هي عبارة عن مجموعة من البيانات الضخمة جداً والمعقدة لدرجة أنه يُصبح من الصعب معالجتها باستخدام أداة واحدة فقط من أدوات إدارة قواعد البيانات أو باستخدام تطبيقات معالجة البيانات التقليدية مثل أنظمة إدارة قواعد البيانات العلائقية. حيث تشمل الالتقاط، والمدة، والتخزين، والبحث، والمشاركة، والنقل، والتحليل والتصور. ويرجع الاتجاه إلى مجموعات البيانات الضخمة بسبب المعلومات الإضافية المشتقة من تحليل مجموعة واحدة كبيرة من البيانات ذات الصلة، بالمقارنة مع المجموعات المنفصلة الأصغر حجماً مع نفس الحجم الإجمالي للبيانات، مما يسمح بوجود ارتباطات تكشف "الاتجاهات التجارية المحورية، وتحديد جودة البحث، وربط الاستشهادات القانونية، ومكافحة الجريمة وتحديد ظروف حركة تدفق البيانات في الوقت الحقيقي". علاوة على ذلك، هذه البيانات غير مهيكلة في العادة. وتشير دراسة حديثة أن حساب البيانات غير المهيكلة لا يقل عن 80 ٪ من البيانات في العالم. وهذا يعني أن العديد من الشركات اليوم تقوم باتخاذ قرارات مهمة حاسمة مع 20٪ فقط من البيانات التي يتم تنظيمها و تخزينها في قواعد البيانات العلائقية. كما وجدت الدراسة أيضا أن 56 ٪ من مدراء الأعمال يقولون أنهم يجدون أنفسهم غارقين في حجم البيانات التي تتعلق بإدارة شركاتهم، و 60 ٪ يقولون أنهم بحاجة إلى القيام بعمل يساعدهم على التقاط و فهم المعلومات بسرعة وبشكل أفضل.
الآن بات من الممكن إدارة هذا الكم الهائل من البيانات، المنظم وغير المنظم. عندما نتحدث عن البيانات الكبيرة، فنحن لا نشير هنا فقط إلى البيانات الموجودة والتي تم جمعها لسنوات. نحن نتحدث كذلك عن كميات ضخمة من البيانات التي يتم توليدها بسبب وسائل الإعلام الاجتماعية، والأجهزة النقالة، وأجهزة الاستشعار، وغيرها من التقنيات .
تقوم إدارة البيانات الكبيرة بتنظيم وإدارة وحوكمة كميات كبيرة من البيانات المنظمة وغير المنظمة على حد سواء.
الهدف من إدارة البيانات الكبيرة هو ضمان مستوى عال من جودة البيانات وسهولة الوصول إليها لاستقصاء المعلومات وتبادلها. توظف الشركات والوكالات الحكومية والمنظمات استراتيجيات لإدارة البيانات الكبيرة لمساعدتهم على التعامل مع فيضانات متسارعة النمو من البيانات، ويتوقع الخبراء أن تصل كمية البيانات المتدفقة عبر شبكة الانترنت إلي 667 إكسابايت سنويا مع نهاية عام 2013. موقع Amazon.com يعالج ملايين العمليات الخلفية كل يوم. تملك أمازون أكبر 3 قواعد بيانات لينكس في العالم والتي تصل سعتها إلي 7.8، 18.5 و 24.7 تيرابايت. كما أن سلسلة المتاجر Walmart تعالج أكثر من مليون معاملة تجارية كل ساعة، والتي يتم استيرادها إلى قواعد بيانات يُقدر أنها تحتوي علي أكثر من 2.5 بيتابايت (2560 تيرابايت) من البيانات – وهو ما يوازي 167 ضعف البيانات الواردة في جميع الكتب الموجودة في مكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة.
بيئات البيانات الكبيرة تتجاوز قواعد البيانات العلائقية ومنصات مستودعات البيانات التقليدية بما يسمح لها لإدماج التكنولوجيات التي تصلح لمعالجة البيانات التي تتخذ أشكال Non-transactional. زيادة التركيز على جمع وتحليل البيانات الكبيرة، يتخذ أشكال جديدة لمنصات تجمع بين مستودع البيانات التقليدية مع نظم البيانات الكبيرة. من أجل إدارة هذه البيانات يجب أخذ قرارات بشان المواد والبيانات التي يمكن التخلص منها و تحديد البيانات التي يجب أن تبقى وتحليلها، وذلك من أجل تحسين العمليات الحالية أو توفير ميزة تنافسية. وتتطلب هذه العملية تصنيف دقيق للبيانات بحيث أنه في نهاية المطاف، يتبقى مجموعات صغيرة من البيانات يمكن تحليلها بسرعة وبشكل مثمر.
يتم تصنيف البيانات بهدف الاستخدام الأكثر فعالية وكفاءة للمعلومات. يمكن تصنيف البيانات وفقا لقيمتها الحرجة أو عدد المرات التي يجب الوصول إليها. البيانات الأكثر أهمية أو التي يتم استخدامها كثيرا غالبا ما يتم تخزينها في المناطق الأسرع وصولا. هذا النوع من التصنيف يميل إلى تحقيق الاستخدام الأمثل لتخزين البيانات..
يمكن تصنيف البيانات وفقا لمعايير مختلفة، وليس فقط وفقاً للأهمية النسبية أو تواتر الاستخدام. على سبيل المثال، يمكن تقسيم البيانات بناءً على نوع المحتوي أو نوع الملف أو منصة التشغيل أو حجم الملفات أو صلاحية الأفراد للوصول والتي تندرج تحتها تصنيفات أخري تشمل صلاحية الرؤية والقراءة أو صلاحية التعديل.
نظام تصنيف البيانات الذي يقوم على أسس مدروسة ومخطط لها، يسهل من مهمة العثور على البيانات، كما يمكن أن يكون ذا أهمية خاصة في مجال إدارة المخاطر، والتحقيقات القانونية، والامتثال للوائح الحكومية.
الكوكب الأذكى Smarter Planet
تتحدث مبادرة الكوكب الأذكى عن جهود خمس سنوات لشركة IBM من العمل مع الشركات والمدن والمجتمعات في جميع أنحاء العالم لبناء كوكب أذكى. وفي هذا تشير إلي رصدها تقدما هائلا للبيانات يتم استخدامه لإحداث تغييرات
في تحويل الشركات والمؤسسات من خلال تحليلات تكنولوجيا الهاتف النقال، والأعمال التجارية الاجتماعية والحوسبة السحابية.
ترى شركة IBM أن هذا العصر الجديد هو بداية لخلق الفائزين. إنه تغيير في كيفية اتخاذ القرارات الخاصة بهم وإعادة تصميم فِرَق العمل، بالإضافة إلى إعادة تقييم الكيفية التي يتم من خلالها خدمة عملائها؛ مما نتج عنه تغيير في طبيعة قطاع كبير جدا من الأعمال. إنها القدرة على تسخير البيانات التي تعطي هؤلاء القادة الميزة التنافسية وتسحبهم إلى منطقة سيتم تعريفها بمنطقة الأذكياء أو الكوكب الذكي.
لكي تتفوق الشركات بناءً على رؤية القائمين على هذه المبادرة، لابد أن تعي العديد من الإجراءات والتغيرات:
1- تحويل المعلومات إلى رؤى:
تغرق المنظمات في كم هائل من البيانات. على كوكب أكثر ذكاء، يمكن للمنظمات النجاح في تحويل هذه البيانات إلى معلومات قيمة، قد ترتبط بالعملاء، والعمليات، حتى التسعير. ومع التحليلات المتقدمة، يمكن للمؤسسات فتح فرص جديدة
لتحسين الأعمال من خلال تمكين القرارات والإجراءات الواعية السريعة والتي تحظي بالمصداقية والثقة.
2- ربط وتمكين الأفراد:
الابتكار يأتي من التعاون. ويأتي التعاون من كل مكان. والشركات التي تبني قوة اجتماعية تكنولوجية تطلق العنان للإنتاجية والابتكار لتكوين سلسلة من المستفيدين ابتداءً بالموظفين وممتدة للشركاء والموردين والعملاء.
3- سحابات تذلل المعيقات:
الذكاء يرتبط بالتكلفة الخاصة بالأجهزة والبرامج والأفراد التي تشغلها. الحوسبة السحابية توفر طرق متعددة للحد من تلك التكلفة من خلال الاستخدام الفعال للموارد. الاستفادة من سحابة يعني عدم الحاجة إلى معدات والقدرة على إعادة التفكير وإعادة توزيع البرمجيات بسرعة وسهولة. كما يعني أيضا أن المنظمة تتميز بتصميم أكثر رشاقة وأكثر كفاءة.
4- الإدراك لوجود زبائن راشدين عقلانيين:
اليوم هناك جيل جديد من العملاء؛ جيل لديه الصلاحيات للولوج إلي التكنولوجيا، يمتلك الشفافية والمعلومات الوفيرة، هم يريدون الانخراط مع الشركات عندما يريدون وكيفما يريدون. للمشاركة والحفاظ على هؤلاء العملاء، فإن المنظمات بحاجة إلى نهج متكامل جديد كليا. لم يعد هناك وجود لغرفة رجال الأعمال التقليدية والنمطية.
5- الأعمال تتحرك بسرعة في عالم رقمي متنقل وافتراضي:
الجميع يتكيف مع الإنترنت، حتى واجهات المحلات التجارية. جميع القطاعات بما فيها التعليمية والتجارية والعسكرية تتعامل اليوم من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، والمستهلكون يريدون استخدام تلك الأجهزة للتصفح والشراء والدفع. الرياديون الأذكياء يدركون اليوم هذه الرغبة ويتم تصميم وبناء المحمول لتلبية هذه الرغبات القائمة والمحتملة.
6- الحوكمة وإدارة المخاطر والامتثال:
تعتبر تكنولوجيا المعلومات والأمن الإلكتروني مصدر قلق متزايد بالنسبة لأكثر المنظمات. ومع ازدياد مخاطر الأمن والامتثال المعقدة في عالم متنقل وافتراضي أكثر فأكثر، تصبح المنظمات بحاجة أكثر إلى حلول حوكمة ومخاطر وامتثال تكنولوجيا المعلومات بما يتوافق مع تغيرات الأعمال، ويمكن دمجه مع حوكمة ومخاطر وامتثال الشركة، ويدير المخاطر المتزايدة المتعلقة بأمن المعلومات والامتثال وأداء الشركة.
7- حلول متكاملة تمهد للفرص:
لتحقيق أقصى استفادة من نظام تكنولوجيا المعلومات اليوم، وفي وجود العديد من المؤسسات المتشابه، والتي هي في معظمها سطحية، تحتاج الشركات الذكية إلى حلول نوعية، يتم تفصيلها لأهداف الشركة واحتياجاتها. دمج الأجهزة والبرامج في نظام واحد يوفر قوة أكبر، والخسائر الأقل، و النتائج الأفضل.
8- دفع الشركات نحو أداء يتسم بالفعالية والكفاءة:
في بيئة النمو البطيء، يجب على المنظمات القيام بالأكثر باستغلال الأقل. لتحقيق النجاح، على المؤسسات الدفع بالتحسينات التشغيلية المستمرة والمستدامة لخفض التكاليف والحد من التعقيد.
يمكن للبيانات الكبيرة معالجة العديد من المشاكل إذا كنت تعرف كيفية استخدامها. الأفكار المستقاة من البيانات الكبيرة تساعد المنظمات على تعميق مشاركة العملاء، والعمليات الأمثل، ومنع التهديدات والاحتيال، والاستفادة من مصادر جديدة للدخل. ولكن من أجل النجاح، تحتاج إلى فهم واضح لخصائص البيانات الكبيرة والمهارات المطلوبة لإدارتها.
البيانات الكبيرة Big Data أصبحت واقعاً نعيشه، حتى أن قاموس أوكسفورد اعتمد المصطلح و أضافه للقاموس. قد يسمونها البيانات الكبيرة أو البيانات الضخمة، وقد يرون فيها ثروة نفطية جديدة ..... ولكن أيا كانت، هناك حقيقة يجب إدراكها وهي " بالفعل البيانات كالنفط ... فهي ليست لها أية قيمة حقيقية ما لم يتم “تكريرها” وتحليلها واستخلاص بعض الإجراءات القيمة منها".
اعداد: هيام حايك – كاتبة بمدونة نسيج
المصادر:
http://www.ibm.com/smarterplanet/us/en/?ca=v_smarterplanet