أشارت العديد من الدراسات إلى أن تنامي مفهوم المسؤولية الاجتماعية جاء نتيجة للعديد من التحديات والتي من أهمها: العولمة، تزايد الضغوط الحكومية والشعبية، الكوارث والفضائح الأخلاقية، التطورات التكنولوجية المتسارعة. مما أوجب على الشركات النظر في مصالح أصحاب المصلحة الآخرين مثل المستهلكين والموظفين والمجتمع المدني ككل.
يري الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان أنه، "إذا لم نتمكن من جعل العولمة تعمل لصالح الجميع، فإنها في النهاية لن تعمل من أجل أي شيء. وبالتالي فإنه من الضروري الحصول على مساعدة من الشركات لبناء الحلقات المفقودة في البنية التحتية الاجتماعية للاقتصاد العالمي الجديد ".
تختلف تعريفات المسؤولية الاجتماعية للشركات، باختلاف وجهات النظر في تحديد شكل هذه المسؤولية. فالبعض يراها بمثابة تذكير للشركات بمسؤولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها الذي تنتسب إليه، بينما يرى البعض الآخر أن مقتضى هذه المسؤولية لا يتجاوز مجرد مبادرات اختيارية تقوم بها الشركات صاحبة الشأن بإرادتها المنفردة تجاه المجتمع.
عرف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسؤولية الاجتماعية للشركات بأنها ''الالتزام المستمر من قبل منظمات الأعمال بالتصرف أخلاقيا والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، إضافة إلى المجتمع المحلي والمجتمع ككل'' كما عرف "بيتر دراكر" المسئولية الاجتماعية للشركات بأنها "التزام المنشأة تجاه المجتمع الذي تعمل فيه" من الملاحظ أن كل هذه الآراء بالرغم من وجود بعض الفروق بينها، إلا أنها تتفق من حيث مضمون هذا المفهوم.
تركز مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات على قطاعات متعددة إلا أنها تجد في قطاعي التعليم والتكنولوجيا أرضا خصبة للعمل، فالتعليم وتمكين المواطنين من التكنولوجيا الجديدة من المبادرات التي يتم تقديرها، كما أن الدول تشجع الشركات على المبادرة في هذه المجالات، انطلاقا من إدراكها لأهمية هذه التكنولوجيات وقدرتها على الدفع بهذه الدول نحو الاقتصاد الرقمي ومجتمع المعلومات العالمي من خلال التطبيقات المتنوعة التي تعمل على تسهيل اعتماد أساليب حديثة للتعليم.
مجال تقنية المعلومات في وقتنا الحاضر يعدَ من أهم المجالات التي تساهم في تنمية المجتمع وتطويره، ومع توسع نطاق الشبكات العنكبوتية وتنوع الأجهزة الإلكترونية أصبح التواصل بين الأفراد في المجتمع أمرا بديهيا مما يجعل تبادل الثقافات والأفكار أمرا سلسلا.
تحتاج البلدان النامية إلى تطوير التعليم و استبقاء المواهب أيضا، وهذا يتطلب إجراء إصلاحات في الكثير من ثقافتها بما في ذلك البنية التحتية والتعليم، و النظم القانونية، وسياسات الهجرة، مما يتطلب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية من قبل الشركات لمساعدة البلدان النامية خلال تحولها إلى مجتمعات المعرفة .
تختلف الإسهامات المجتمعية للشركات في مجال التعليم والتكنولوجيا، فقد تكون على شكل منح دراسية أو بناء المدارس والمعاهد أو تزويد الطلبة بالمستلزمات التعليمية والتكنولوجية أو المساهمة في إصدار الكتب والنشرات والمواقع الالكترونية لأجل تثقيف المجتمع بأهم القضايا المعاصرة. نستعرض هنا بعض الإسهامات المجتمعية لشركات رائدة في مجال التكنولوجيا على المستوي الإقليمي والدولي:
المسئولية الاجتماعية لشركة "سيسكو"
تغير التكنولوجيا من الطرق التي يعلم ويتعلم بها الناس في أماكن مختلفة من العالم. في "سيسكو"، يتم استخدام الخبرات الأساسية في تقنية الشبكات لتحسين جودة التعليم وتجهيز الطلاب في مختلف الأعمار بالمهارات التي يحتاجون إليها للنجاح في مجتمع عالمي تحركه التكنولوجيا.
ضمن الإسهامات الأساسية التي تقدمها شركة سيسكو تحت بند المسؤولية الاجتماعية للشركات برنامج، أكاديمية سيسكو للشبكاتCisco Networking Academy، والذي يقدم أكبر الفصول الدراسية في العالم، وبذلك هو فعليا يقدم من خلال هذه الفصول التعليم والتكنولوجيا، ومهارات القرن 21، والتي تعمل على تحسين فرص العمل لأكثر من 4 مليون طالب في 165 بلدا منذ إنشائها. Cisco Networking Academy
نموذج التعلم المخلوط الذي يجمع بين التدريس في الفصول الدراسية مع المناهج الدراسية عبر الإنترنت والأدوات التفاعلية، والشبكات الأكاديمية، هو تجسيد لقدرة التكنولوجيا على إثراء التعلم. أكاديمية سيسكو للشبكات تعمل على تهيئة الناس لشغل الوظائف ومواصلة التعليم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحسين التوقعات الاقتصادية للناس والمجتمعات في جميع أنحاء العالم.
تساهم شركة سيسكو في مبادرات تعليمية في جميع أنحاء العالم من خلال اتحاد سيسكو مع شركاء مبادرين. ففي أعقاب الكوارث الطبيعية في أماكن مثل مقاطعة "سيتشوان" في الصين وساحل الخليج الأمريكي، عملت سيسكو على تحديث برامج التعليم الإقليمية ومساعدة المعلمين والطلاب على استخدام التكنولوجيا لتعزيز التجربة التعليمية.
لتعزيز الحوار والتعاون حول التحولات التعليمية، أنشأت سيسكو GETideas.org، وهو عبارة عن مجتمع دولي على الإنترنت حيث يمكن لقادة التعليم في أكثر من 100 بلدا من تبادل الأفكار والموارد ومناقشة أفضل الممارسات. تساعد مثل هذه التجمعات المعلمين في عملية إعداد الطلاب في جميع أنحاء العالم للمشاركة في هذا العالم الذي يتطلب بشكل متزايد الإلمام بالعلوم والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات؛ والتفكير النقدي، والإبداع.
الإبداع والابتكار عملية منتظمة غير عشوائية، تحكمها قوانين يمكن التدرب عليها لتنمية التفكير الإبداعي وحل المشكلات، وإنتاج أعمال إبداعية مميزة . شركة سيسكو تعمل مع الطلاب والمعلمين والمنظمات غير الربحية، وقادة النظام التعليمي في البلدان المتقدمة والنامية، من أجل توفير الخبرات التطوعية، والمنح النقدية والتكنولوجية لتسهيل عملية الإبداع والابتكار.
على سبيل المثال، شركة سيسكو تتعاون وتدعم الشركات الغير ربحية مثل منظمة Teach for America، و منظمة معلمون بلا حدود Teachers Without Borders وغيرها من المؤسسات التي تلتزم باستخدام التكنولوجيا في التعليم.
شركة مايكروسوفت هي من كبرى شركات البرمجيات في العالم، وقد احتلت المرتبة الأولي في قائمة أفضل 100 شركة تمارس أنشطة المسؤولية الاجتماعية في العالم الصادرة من معهد "Reputation" وهو أحد المؤسسات الاستشارية العالمية والمتخصص في رصد إسهامات المؤسسات، والذي يقوم بتصنيف المؤسسات على مستوى العالم من ناحية إسهاماتها في المسئولية الاجتماعية.
تحت شعار " تأثير حقيقي من أجل غد أفضل" تلتزم مايكروسوفت بالعمل الدائم على الوفاء بمسؤولياتها العامة والتي تخدم احتياجات الناس في المجتمعات من جميع أنحاء العالم.
مع تزايد نمو الشركة وسعت مايكروسوفت هذا الالتزام إلى ما هو أبعد من المنتجات والخدمات الخاصة بها، من خلال العديد من المبادرات و التشبيك مع الشركاء، بما في ذلك الحكومات، والمنظمات غير الربحية وغيرها من المنظمات. من أهم هذه المبادرات ما يلي:
العطاء والمنح متأصل قي ثقافة مايكروسوفت. تعمل مايكروسوفت على تشجيع الموظفين لديها على العمل التطوعي في خدمة المجتمع، من خلال منح الموظفين الذين يرغبون في الاشتراك بالعمل التطوعي وقت مدفوع الأجر، وإتاحة فرص للموظفين للاشتراك في فريق العمل التطوعي في الشركة، واستخدام موارد وأدوات الشركة في العمل التطوعي.
عندما بدأ برنامج المنح في عام 1983، شارك ما يقرب من 200 موظف في مايكروسوفت في تجميع 17،000 دولار للمؤسسات غير الربحية. اليوم، يشارك أكثر من 35،000 موظف في الحملة، وهو ما يقرب من 65٪ من إجمالي القوى العاملة الأميركية في مايكروسوفت.
بلغت قيمة تبرعات المنظمات خلال 30 حملة تم إطلاقها منذ عام 1983 حوالي 1 مليار دولار والتي صبت في أكثر من 31،000 من المنظمات غير الربحية في جميع أنحاء العالم.
يواجه الشباب اليوم فجوة في الفرص المتاحة أمامهم. فجوة بين أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى المهارات والتدريب التي يحتاجونها للنجاح في التقاط الفرص، وأولئك الذين لا يفعلون ذلك. في وجود أكثر من 75 مليون من الشباب العاطلين عن العمل في جميع أنحاء العالم، تري مايكروسوفت أن عليها القيام بمسئوليتها الاجتماعية لملأ هذه الفجوة من أجل تأمين مستقبل هؤلاء الشباب، والدفع قدما بالاقتصاد العالمي.
العام الماضي، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت "ستيف بالمر" عن مبادرة Microsoft YouthSpark ، وهي مبادرة عالمية تهدف لخلق الفرص أمام 300 مليون شاب حول العالم على مدي ثلاث سنوات. من خلال 30 برنامجا وشراكات مع 186 من المنظمات غير الربحية التي تخدم الشباب، في العام الأول وحده Microsoft YouthSpark خلقت فرصا جديدة لأكثر من 103 مليون من الشباب في أكثر من 100 بلدا في جميع أنحاء العالم. ترى مايكروسوفت أن هناك الكثير لا يزال عليها القيام به، فمن خلال رؤيتهم لما يحدث فقد توصلوا إلي قناعة بأن الشباب عندما يأخذ زمام المبادرة لا يحدث التغيير فقط في حياتهم ولكن يمتد ليشمل حياة الآخرين من حولهم، مما يجعل لهم تأثير حقيقي في مجتمعاتهم المحلية وعلى المسرح العالمي.
توفر مبادرة Microsoft YouthSpark العديد من الخدمات من بينها:
تتجاوز مبادرة YouthSpark أفكار المنح والمساهمات التقليدية حيث تضم مجموعة واسعة من البرامج العالمية التي تدعم الشباب بإمكانيات الوصول للتكنولوجيا، والحصول على تعليم أفضل وإلهام الشباب لتخيل الفرص التي يمكنها أن تطلق كامل قدراتهم.
"نسيج" هي الشركة الرائدة إقليمياً في تقديم حلول وخدمات المعرفة. تعمل نسيج منذ أكثر من 23 عاماً في خدمة مؤسسات التعليم العالي، ومراكز الأبحاث، والمراكز الثقافية والمعلوماتية، والجهات الحكومية وكبرى الشركات، مزودةً إياهم بمجموعة متطورة ومتكاملة من أحدث الحلول والخدمات التي تمكنهم من إدارة ونشر المعلومات والمعرفة.
كجزء من جهود نسيج لتحقيق مهمتها الأساسية؛ سعت نسيج إلى نشر المعرفة والمعلومات على مستوى العالم العربي، وأسهمت في تطوير مجتمع المعلومات والمعرفة في العالم العربي من خلال وسائل مختلفة؛ حيث كان لها إسهامات أساسية في إنشاء ودعم الجمعيات المهنية المتخصصة؛ مثل جمعية المكتبات المتخصصة - فرع الخليج، وجمعية المكتبات والمعلومات السعودية، وقدمت لها دعماً كبيراً بشكل مستمر، وكذلك اتحاد المكتبات والمعلومات العربي- (أعلم). حيث تقوم نسيج على رعاية أنشطة الجمعيات المهنية، ودعم نشاطاتها المختلفة. كما أسرعت إلى استحداث عدد من المبادرات المهمة لتنمية المهنة والمتخصصين على مستوى العالم العربي. ومن الأمثلة على هذه المبادرات:
وأخيرا توجت نسيج إسهاماتها المجتمعية من خلال إنشاء مدونة نسيج المعلوماتية والتي تهدف إلى توفير مساحات تشاركيه تتسع لكل الأطياف المهتمة بكل ما هو جديد في مجال المكتبات والتعليم العالي والتعلم عن بعد وتقنيات المعلومات والاتصالات وتقنيات الأرشفة وحلول المعرفة المتقدمة في التعليم العالي، المكتبات، ومراكز الأبحاث ومراكز الأبحاث.
إعداد: هيـام حـايك – كاتبة بمدونة نسيــج
المصادر:
http://www.studymode.com/essays/Corporate-Social-Responsibility-Globalization-670060.html
https://www.microsoft.com/about/corporatecitizenship/en-us/serving-communities/employee-giving/
https://www.netacad.com/web/about-us
http://www.naseej.com/About-Us/Contribution-to-community.aspx?lang=ar-SA