مدونة نسيج

مواءمة التعليم العالي مع بيئة العمل التنافسية في مجتمع العولمة

Written by هيام حايك | 29/12/2013 10:43:18 ص

تواجه الكليات والجامعات عاصفة من التغيرات الغير مسبوقة، والتي دفعت بها التحولات الاقتصادية والديمغرافية، والتقنيات المتغيرة، وتحولها من الحلول المركزة حول الشركات إلى المستخدم النهائي أو الحلول المركزة حول المستهلك، وهو ما يعرف بالتركيز حول العميل consumerization.

في التعليم العالي، موضوع التقنية يمكن أن يكون المحفز الكبير القادر على تغير الأنماط الحياتية التي نعيشها، وطرق العمل، وطرق ممارساتنا للأعمال اليومية. في الوقت ذاته يمكن أن يكون محفوفا بالإخفاقات، والإحباط، وخيبة الأمل إذا لم يتم تسييره في الطريق الصحيح. العامل الرئيسي في اللعبة هو كيفية استخدام تكنولوجيا المعلومات في التعليم، والتّعلم، والعمليات التي تدور في الحرم الجامعي. فمما لاشك فيه أن التقنيات تُغير في التعليم؛ والتعليم يُغير في الناس.

الكليات والجامعات التي تكسب أكبر فائدة من التقنية هي التي تستخدمها بشكل مدروس مع أهداف استراتيجية واضحة وفي وجود خطة ملموسة، والتي تتبني التقنية باعتبارها أكثر من مجرد أدوات في البنية التحتية للجامعة، ويرون فيها أدوات تمكينيه للتواؤم مع مجتمع عالمي يتسم بالتغير المستمر.

التقنيات تُغير في التعليم؛ والتعليم يُغير في الناس

غالبا ما ينظر إلى تقنية المعلومات (IT) بأنها مجرد مجموعة من التقنيات. في الواقع تقنية المعلومات هي:

  • تقنيات تسمح لك أن تقوم بالكثير من المهام التي تتعدي مجرد التعامل مع البريد الإلكتروني، وتحميل المعلومات بشكل أسرع أو نشر المواد الدراسية بسهولة أكبر. نحن في عالم تقني يسمح لك بالتعلم الذاتي do-it-yourself ، حيث تعلم أي شيء متاح على شبكة الإنترنت، سواء كان ذلك من خلال النص، أو الفيديو التفاعلي وهناك الكثير من الدورات والبرامج المتاحة على الإنترنت. التقنية تتيح لنا الحصول على المعلومات من خلال العديد من الطرق التمكينية.
  • تقنية المعلومات تُمكن المتعلمين من امتلاك خبرات فريدة من نوعها. فباستخدام المحاكاة، يمكنهم السفر عبر الفضاء واختزال الوقت. كما أن تقنيات التصوير البصري Visualizations تسمح للمتعلمين رؤية ما لا تستطيع أن تراه العين المجردة. الأجهزة المحمولة، والشبكات الاجتماعية وغيرها من التقنيات تسمح للمتعلمين بالانخراط في تجارب أكثر فعالية مقارنة بالجلوس أمام الكمبيوتر أو الاستماع إلى محاضرة.
  • تُمكن تقنية المعلومات ظهور نماذج جديدة.، من خلال تفصيل وفصل المنتجات والعمليات، والسماح بإنشاء المقترحات القيمة الجديدة، حيث يجري حاليا إنشاء هياكل مؤسسية مختلفة استنادا إلى نماذج الكفاءة وبرامج فردية للدراسة. فالدورات المفتوحة الضخمة علي الإنترنت مثل (MOOCs) قد تعيد تشكيل أفكارنا عن النموذج التعليمي بأكمله.

التعليم العالي ومتطلبات بيئة العمل التنافسية

" أرباب العمل يبحثون عن المواهب على المستوي الدولي، لذلك يجب على مؤسسات التعليم العالي التأكد من أنها تنتج خريجين ذوي مهارات تتطلبها بيئة العمل الدولية - Gavin Newsom."

نستعرض هنا المقابلة التالية مع "جافين نيوسوم" Gavin Newsom، السياسي الأمريكي البارز والقائم بأعمال الحكومة في ولاية كاليفورنيا، حيث يناقش مستقبل الكليات والجامعات، والتحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي في محاولتها للارتقاء إلى مستوى مطالب القوى العاملة، كما يناقش أدوار الحكومات والشركات ومؤسسات التعليم العالي في سد الفجوة في المهارات المطلوبة للسوق العالمي وكيفية إعداد الخريجين للحاضر وأسواق العمل المستقبلية.

1. ما هي أهم المشاكل التي يواجهها التعليم العالي اليوم والمرتبطة بإعداد الطلاب لبيئة العمل التنافسية – وخاصة الطلاب غير التقليدين والكبار منهم؟

اعتقد أنه من الواضح بجلاء أن التحدي المهيمن اليوم يتمثل في أن النماذج التعليمية نفسها ليست مستدامة؛ فقد أصبحت ببساطة مكلفة للغاية. وأعتقد أن هذا هو في الأساس التحدي الكبير الذي نواجهه، ولاسيما في الجامعات الحكومية.

الدول لا تقوم بتمويل التعليم العالي كما كانت تفعل في السابق. كما أننا لا نرى الدعم من مجتمع الأعمال وإن قدموه، فإنها حالات معدودة. ونتيجة لذلك الانفصال، بدأنا نرى بعض التآكل والاضمحلال من حيث نوعية التعليم. الأهم من ذلك، هو مسألة الإتاحة. فالتعليم العالي هو أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويصبح الوصول إليه أكثر أهمية، ولكن التحولات الاقتصادية وانحدار مصادر الدخل للكثير يجعل من الوصول إلى التعليم قضية مهيمنة.

الشيء التالي والذي يثير القلق أن التعليم العالي لم يعد لديه القدرة الاحتكارية ذاتها. ونتيجة لذلك، نحن بحاجة إلى تطوير، و تغيير كبير في نهج وممارسات مؤسسات التعليم العالي لجعلها أكثر ملاءمة للعالم الذي نعيش فيه، والتأكد من وصول التعليم إلى ما وراء تكنولوجيا اليوم وإعداد الطلبة وتأهيلهم جيداً لبيئة العمل الذين هم على وشك الانطلاق نحوها.

وفي هذا السياق قد يتبادر إلى الذهن الحالة في عالمنا العربي، حيث لا تزال كثير من الدول العربية تدعم التعليم، ويقدم في كثير من الجامعات بالمجان... فهل من الممكن أن نعتبر هذا الدعم ميزة تنافسية؟؟ وكيف يتم التأكد من مدى نجاعة نهج وممارسات مؤسسات التعليم العالي في عالمنا العربي؟؟ وكيف يتم اختبار مدي ملائمة مخرجات التعليم العالي ومتطلبات التقنية الحالية والمستقبلية؟؟؟

2. من الناحية المثالية، ما هو دور مؤسسات التعليم العالي فيما يتعلق بتطوير القوى العاملة؟

حسنا، أتذكر أنني جلست على خشبة المسرح منذ بضعة أسابيع مع Sebastian Thrun، الذي بدأ واحدة من الدورات المفتوحة الضخمة عبر الإنترنت (MOOCs )، وهي Udacity، وأعلن على خشبة المسرح الشروع في إطلاق شهادة جديدة، في شراكة مع بعض الشركات التي بدأت تتخذ هذا المسار التعليمي مثل جوجل. كنت هناك وفي هذا الاجتماع كعضو يمثل النظام التعليمي التقليدي.

مثل هذه الإعلانات مقلقة جدا، وهي بمثابة جرس إنذار ودعوة للتساؤل ... لماذا تشعر هذه الشركات بضرورة قيامها بذلك؟ لماذا نري جوجل في شراكة مع EDX، ولماذا تسعى إلى شراكة مع معهد ماساتشوستس للتقنية وجامعة هارفارد لإنشاء برامجهم الخاصة والتي يحرصوا على أن تكون مصدقة من مثل هذه الجامعات العريقة، ومن الواضح أنهم يحملون فكر ومنهجية جديدة لم ينقلوها من أنظمتنا للتعليم العالي.

لذلك، هناك فجوة كبيرة الآن بين النظام التقليدي للتعليم وبين هذه المسارات الجديدة للتعليم، ومن الواضح أنها تتزايد، لذا يجب أن نستيقظ فنحن نقوم بتثقيف الناس مع عدم وجود وعود على الطرف الآخر.

قد تكون الشهادة الجامعية في وقت ما هي ضمان للحصول على عمل، الآن الوضع يتغير والشهادة الجامعية لم تعد الضمان لتحديد المسار الوظيفي. وقد تجد الكثير من الأشخاص الذين يحصلون على الوظائف قد لا يمتلكون الشهادة الجامعية التي تمتلكها.

نحن متفقون وبطريقة كبيرة أنه من الجيد أن يكون لديك شهادة جامعية، ولكن ما هي الفائدة من ذلك ما لم تعبر عن مهارات واضحة أنت تمتلكها؟؟؟ فنحن في عالم تنافسي وامتلاك المهارات والقدرة على تنفيذ الأشياء والخبرة في مجالات معينة بدأت لها أهمية وميزة تنافسية من أي وقت مضى.

وهنا أجد نفسي أطرح السؤال التالي: عند البحث في طلبات التوظيف وقراءة السيرة الذاتية للمتقدمين، كيف نحدد اختياراتنا؟؟ هل نضع المقياس الأكبر للدرجة العلمية أم للخبرة والمهارة؟؟

أذكر ومنذ أسبوع كنت أناقش طلبات بعض المتقدمين لوظيفة وقد كنت قد وضحت لزملائي أن درجة الماجستير أو غيرها من الدرجات الجامعية العليا، قد لا تكون هي مؤشر لأن يكون هذا الشخص هو الشخص الملائم لهذه الوظيفة. ما يهمنا هو المهارات التي يمتلكها الشخص مع وجود شهادة جامعية مقبولة.

ذلك يعني توجهاً جديدا للنظر في الشهادة الجامعية وقدرتها على ضمان تحديد المسار الوظيفي لخريجي الجامعات!!!!

3. كيف تختلف أدوار المؤسسات المختلفة عندما يتعلق الأمر بتنمية القوى العاملة؟

هناك أساليب وطرق تعليمية جديدة يتم الآن دراساتها، ونتيجة لذلك، أسلوب وطريقة واحدة، لا تتناسب وجميع المؤسسات التعليمية، فهناك ما هو أكثر من المهارات التقنية، وهناك المهارات المتوسطة التي تحتاج أيضا إلى معالجة...

كليات المجتمع، هي كنز ثمين لا ندرك أهميتها والتي تحتاج إلى تنشيط وإعادة إنعاشها. وهناك عدد كبير من طلابنا يذهبون إلى كليات المجتمع وهي فرصتنا لنفض الغبار عن بعض المبادئ الأساسية لهذا النظام، وإعادة توصيله مرة أخرى للقطاع الخاص، في سياق المهارات والتقنية التي يحتاجونها لتحقيق النجاح في اقتصاد معولم.

عربياً تشير معظم الدراسات والأبحاث أن الحال ليس بالأفضل، حيث:

لا يختلف اثنان على وجود فجوة بين مخرجات التعليم، وحاجات السوق من خريجي الجامعات الأكاديمية، والمعاهد والكليات المتوسطة. كما أن أغلب الجامعات تقدم ذات التخصص، بناء على سياسة العرض والطلب، وليس بناء على حاجة السوق، إضافة إلى أن الثقافة العامة تحكم توجه الطلبة للتخصصات، وليس حاجة البلد الحقيقية.

قضية الكليات الجامعية المتوسطة بحاجة إلى مراجعة جادة لا تحتمل التأجيل ولابد من التدخل لرأب الصدع فيه، في ظل كونها مؤسسات ترفد المجتمع بتخصصات تقنية، أسواق العمل بحاجة إليها بشكل كبير.

4. ما هي الخطوات يجب أن تتخذها مؤسسات التعليم العالي للانتقال نحو نظام مرتبط أكثر ببيئة العمل؟

لم تعد المجتمعات مزيجاً متجانسا كما كانت في السابق. ما نراه اليوم كتل متصلة ببعضها البعض تربطها مصالح مشتركة وذلك بفعل اندماج تقنية المعلومات والعولمة. وقد نكون في أمريكا نمتلك نظام للتعليم العالي أفضل من غيره في أي مكان في العالم... ولكن الصفات الأساسية لا تبشر بالضرورة ببقائنا في القمة في المستقبل؛ فالماضي لا يساوي المستقبل.

لذلك، نحن نحاول تركيز الخطى للتوفيق بين هذه الاتجاهات العالمية الكبيرة حيث يرتفع منحنى العالمية. نحن لا نواجه التنافس مع العمالة الرخيصة، الآن نحن نتنافس مع عبقرية ومواهب رخيصة،،، فالكثير من العباقرة والمبدعين يتواجدون في هذا العالم المعولم. ومستعدون للتعاقد مع الشركات بسعر أرخص.

و لذلك وفي سياق العولمة نجد الشركات على وجه الخصوص لم يعد يهمها التركيز على العمل والعمالة المحلية أو البحث عن الشراكات المحلية. إنهم يحومون فوق المدن والدول ويسعون لأن يصبحوا شركات عالمية متعددة الجنسيات. ونتيجة لذلك، فهم قادرون على الوصول إلى المواهب؛ في أي مكان في العالم، وليس فقط في البيئات الإقليمية أو المحلية.

لذلك ينبغي على مؤسسات التعليم العالي أن تدرك هذا وتسعى إلى تنشيط الشراكات مع مجتمع الأعمال ومحاولة استشعار احتياجاتهم وامتلاك مرونة أكثر في عالم لم يعد مبني على الماضي.

علينا أن نكون أكثر مرونة في نهجنا، وفي اعتمادنا على مناهجنا، وأكثر تحديدا من حيث توجيه استراتيجيات التنمية الاقتصادية. فآلية التفكير، التي تتماشى مع الاقتصاد الصناعي الذي لم يعد لها مكان.

إعداد: هيـام حـايك – كاتبة بمدونة نسيــج

المصادر:

http://www.evolllution.com/opinions/audio-aligning-higher-education-globally-competitive-workforce/