يمتاز التعليم بكونه أحد المجالات القادرة على التغير باستمرار والتكيف لتلبية احتياجات الطلاب. مع تغير عادات التعلم لدى الطلاب بفعل التقنيات الجديدة، كان لابد للتعليم من أن يتكيف بما يتلاءم و تلك العادات التي استجدت.
أفضل أنواع التعليم ذلك التعليم الذي يمتزج بالمتعة التي تولّد التشوق الجميل للمعرفة، تساعد الفيديوهات التعليمية المعلمين على جعل تجارب الفصل أكثر متعة، ومفعم أكثر بالحيوية، مع قليل من المحاضرات وكثير من المشاريع التعليمية.
الفصول الدراسية المقلوبة هي الفكرة الرائجة هذه الأيام والتي ينادي بها الجميع، ابتداء من "بيل غيتس" Bill Gates المؤسس والرئيس التنفيذي السابق للشركة العملاقة مايكروسوفت، و "إيريك مازور" Eric Mazur عالم الفيزياء الكبير والتربوي ذي الشهرة العالمية. حيث يرى كل منهما في هذا النوع من التعليم مثالاً للابتكار التعليمي المثير الواعد.
تعرف مؤسسة EDUCAUSE الرائدة في تعزيز الاستخدام الفعال لتقنية التعليم، الفصول الدراسية المقلوبة "كنموذج يعكس محاضرة نموذجية يتم مشاهدتها كواجب منزلي." هذا النموذج يطبق في أكاديمية خان المعروفة، والتي يوفر موقعها على الإنترنت أكثر من 3600 محاضرة صغيرة عبر فيديوهات مخزنة على موقع يوتيوب لتدريس الرياضيات، والتاريخ، والتمويل، والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفلك والاقتصاد. حيث نرى الطلاب يشاهدون عروض فيديو قصيرة للمحاضرات في المنزل، ويعطون الوقت الأكبر لمناقشة المحتوى في الفصل تحت إشراف المدرس.
عندما طلبت مجلة " التايم" من بيل جيتس، أن يكتب عن شخصية مؤثره دولياً، أختار أن يكتب عن سلمان خان مؤسس أكاديمية خان التعليمية قائلاً:
" نجح هذا الشابُ بوضع مكتبة علمية متخصّصة على الإنترنت مما قلب كامل العملية التعليمية من الصف الصغير، إلى عالم التعليم الواسع على رأسه. لقد رأيت ابني وهو يستخدم موقع "أكاديمية خان"، وتعجبت من مقدرة سلمان المذهلة التفهيمية والإمتاع في الوقت نفسه، ولاحظت كيف أثر ذلك في ابني ورفع مستواه التحصيلي".
يرى سلمان خان أن أكاديميته تتيح الفرصة لإصلاح التعليم في الفصول الدراسية التقليدية باستخدام برامج لإنشاء اختبارات، ونشاطات صفية ومسائل، كما تسلط الضوء على التحديات التي تواجه بعض الطلاب، وتشجع الطلاب المجتهدين على مساعدة رفاقهم الذين يواجهون الصعاب. ويتم شرح الدروس باللغة الإنجليزية، ولكن مع تزايد شهرة الموقع بدأ في ترجمة مواده المصورة إلى لغات أخرى متعددة منها اللغة العربية.
لماذا يتوجه الطلاب إلى التعليم المقلوب؟
الآن وأكثر من أي وقت مضى، يقضي الطلاب معظم أوقاتهم على شبكة الإنترنت مستخدمين نوعاً ما من التقنية، فهم يستخدمون الهواتف المحمولة وأجهزة تقنية المعلومات والاتصالات
خلال المؤتمر الذي عقد في كولورادو في يوليو 2011، خرج المعلمون بمقال حمل عنوان" التعليم المقلوب : كيف يكون وكيف لا يكون ". والتي اسفرت عن النتائج التالية:
الفصول الدراسية المقلوبة، ليست ما يلي:
مرادفاً لأشرطة الفيديو على الإنترنت: عندما يسمع معظم الناس عن التعليم المقلوب فإنهم يظنون أنه أشرطة الفيديو، التفاعل وأنشطة التعلم ذات المعنى التي تحدث خلال اللقاءات في الفصل وجها لوجه وهذا هو الأهم.
استبدالاً للمعلمين بمشاهدات الفيديو .
دورة على الإنترنت .
طلاباً يعملون بدون هيكل تنظيمي للعملية التعليمية.
الفصول الدراسية المقلوبة تكون على النحو التالي:
وسيلة لزيادة التفاعل والاتصال بين الطلاب والمعلمين .
بيئة تعلمية تحفز مشاركة الطلاب في تحمل مسؤولية تعلمهم.
المعلم ليس هو ذلك الحكيم الواقف على المسرح والذي يعرف كل شيء، ولكنه المرشد والدليل للطلاب.
تعلم مختلط يجمع ما بين التعلم المباشر والتعلم الذاتي.
فصول يتم فيها أرشفة المحتوى بشكل دائم للمراجعة أو التنقيح.
مكان يُمكن جميع الطلاب من الحصول على تعليم شخصي.
المزايا الرئيسية لاستخدام محاضرات الفيديو في الصفوف المقلوبة:
مساعدة الطلاب على سد الفجوة المعرفية التي يسببها تغيبهم عن المحاضرات.
دعم الطلبة النظاميين من خلال منحهم الفرصة لاسترداد المحاضرات المفقودة بسبب الغياب القسري أو الاختياري.
مساعدة الطلاب اللذين يواجهون صعوبات مع اللغة المنطوقة للمحاضرة.
إعطاء الطلاب وسيلة لاستعراض المقاطع الهامة والتحقق من ملاحظاتهم.
المحتوى قصير وممتع ويسهل استيعابه.
يستطيع الطلاب التعلم بالسرعة التي تناسبهم والمكان والزمان الذي يلائمهم.
هناك مسار واضح ومستمر لتعلم الموضوعات المعقدة.
قصص وتجارب استخدام الصفوف المقلوبة:
الفصول الدراسية المقلوبة أو العكسية لا تزال في المراحل الأولى، مع الكثير من التجارب حول كيفية القيام بذلك بالطرق الصحيحة تكتسب شعبية كبرى بين الطلاب والحكومات والخبراء الأكاديميين. الكثير من المؤسسات الأكاديمية بدأت تتحول إلى صفوف ومدارس مقلوبة، لنرى هنا بعض من هذه التحارب على مستوى المؤسسات والمعلمين.
تجربة مدرسة Clintondale الثانوية:
قبل ثلاث سنوات، تحولت مدرسة Clintondale الثانوية، في شمال ديترويت، إلى مدرسة مقلوبة" flipped school" حيث الطلاب يشاهدون محاضرات المعلمين في المنزل. المعلمون يقومون بتسجيل فيديو للدروس والطلاب يتابعونها عبر هواتفهم الذكية وأجهزة الكمبيوتر المنزلية أو أثناء وجبة الغداء في مختبر التقنية في المدرسة. أما في الصف، فالطلاب ينجزون المشاريع والتمارين أو التجارب المعملية في مجموعات صغيرة بينما يدور المعلم بينهم.
لم تتبنى أي مدرسة التعليم المعكوس مثل مدرسة Clintondale. والتي بدأت في تبنيه عندما قام مدير المدرسة Greg Green، بتسجيل فيديو حول تقنيات البيسبول ونشره على موقع يوتيوب لفريق ابنه البالغ من العمر 11 عاما. تسجيل المحتوى سمح للأطفال مشاهدة أشرطة الفيديو مرارا وتكرارا لفهم الأفكار، وترك مزيد من الوقت للتدريب العملي والممارسة.
من هنا لمعت فكرة تطبيق الفصول المقلوبة في ذهن Greg Green . في ربيع عام 2010، قام بتجربة استخدام الفصول المعكوسة في الدراسات الاجتماعية، وبدء التجربة بالعمل على فصلين، والذين زودهما بمواد تعليمية متماثلة، أحدهما، تم العمل فيه مع الطلاب باستخدام التعليم التقليدي، والآخر تم استخدام التعليم المقلوب. وقد كان الصف المقلوب يحتوي على العديد من الطلاب الذين فشلوا عدة مرات.
بعد 20 أسبوعا، بدأ طلاب الفصل المقلوب يظهرون تفوقاً على الطلاب في الفصول الدراسية التقليدية. لم يتلقى أي طالب في الصف المقلوب درجة أقل من C+، بالرغم من أن نسبة الفشل في هذا الفصل كانت في الفصل الدراسي السابق 13 %، في هذا الفصل الدراسي، لم يرسب أحد. .... في الفصول الدراسية التقليدية، لم يكن هناك أي تغيير في الإنجاز.
في عام 2010، كان قد تم تصنيف مدرسة Clintondale على أنها من بين أسوأ 5% من المدارس في ميتشيغان، حيث أكثر من نصف طلاب الصف التاسع رسبوا في العلوم، و ما يقرب من النصف رسبوا في الرياضيات. باستخدام البرمجيات التي وفرها برنامج TechSmith والتي تبرعت بها الشركة، تحولت جميع الفصول الدراسية للصف التاسع إلى فصول مقلوبة.
النتائج كانت مثيرة: انخفض معدل الرسوب في اللغة الإنجليزية من 52 % إلى 19 %، وفي الرياضيات، فقد انخفض من 44 % إلى 13 %، بينما في العلوم، فقد انخفض من41 % إلى 19 %، أما الدراسات الاجتماعية، فقد انخفض من 28 % إلى 9%.
في العام التالي، وفي خريف عام 2011، انقلبت كل الفصول في Clintondale إلى فصول منعكسة. كانت نسبة الرسوب انخفضت إلى أقل من 10%، كما ارتفعت معدلات التخرج بشكل كبير، والآن أكثر من 90 % من الطلاب التحق بالكليات المختلفة.
المعلمة Shelley Wright : لماذا أحب استخدام الفصل العكسي :
تقول Shelley Wright مدرسة العلوم التي بدأت باستخدام طريقة الفصول الدراسية مع طلابها في عام 2010. أنا أحب الفصل المقلوب واستخدمه في التدريس إلى طلابي، أشعر أني أُصيغ بياناً جدلياً لتعليم جديد. كما أنني أعتقد أنه لو تم استخدام هذه الطريقة من التعليم بحكمة وفي السياق الصحيح، فمن الممكن تحرير التعليم التقليدي وتوفر المعرفة الأساسية للطلاب ومن ثم المضي قدما لمهارات التفكير العليا، الغني بالمفاهيم والذي يتضمن تنظيما ذاتيا لعملية التفكير ويسعى إلى الاستكشاف والتساؤل خلال البحث والدراسة أو التعامل مع مواقف الحياة المختلف. تشير "أشلي" إلى أن لديها فلسفتها الخاصة بها والتي تترجمها في التالي: "أعمل على تشجيع الطلاب على تعلم المحتوى خارج الفصل ومن ثم ممارسة المحتويات داخل الفصل" فأنا أقوم بتسجيل المحاضرات للطلاب لمشاهدتها في البيت وذلك كجزء من الواجب المنزلي، وأركز في الفصل على المناقشة، وأنشطة البحوث والمختبرات، وما إلى ذلك.
بدأت باستخدام هذا الأسلوب بعد ملاحظتي لعدد من الطلاب الذين أراهم ينعسون أثناء المحاضرة أو يبدؤون في التثاؤب خلال الاستماع إلى المحاضرة. ذلك مما أدى إلى التفكير في إلقاء المسؤولية بين أيديهم وتحفيزهم على مشاهدة المحاضرة في البيت لأنه سيكون في الغد مناقشة لما شاهدوه.
كانت لديّ توقعات عالية حول مشاهدة الأطفال لفيديو المحاضرة. إلا أنني تفاجأت بأن عدد قليل من الطلاب هم الذين التزموا بهذا الواجب المنزلي. قد يكون استماع الطلاب إلى المحاضرة ومشاهدتها قبل أن يأتوا إلى الفصل هي أصعب مهمة في التعليم المقلوب والتي تحتاج إلى النضال من أجل ذلك والتفكير في حلول لها. الزيادة في الأنشطة تشجع على مشاهدة الفيديو وترفع من نسبة التفاعل بين الطلاب. كما أن النقاش في الفصل يمنح المعلم فرصة التأكد من أن الطلاب الذين يشاهدون هذه المحاضرات يحصلون على نفس المعلومات. أساليب التقييم مثل: إعطاء اختبار موجز quiz لما شاهدوه في البيت قد يعطي نتائج أفضل، ولكن ...
تشير معلمة العلوم إلى أن استخدام هذا الأسلوب يأخذ الكثير من العمل في البداية، إلا أنه "سوف يقلل إلى حد كبير عبء العمل الخاص بك في السنوات اللاحقة. "
تستكمل مدرسة العلوم الحديث عن تجربتها مشيرة إلى أن هناك مراجعات مختلطة لتعليم المواد الدراسية وكثيرا ما يتم الرجوع إلى الطرق التقليدية والتي تعتقد أن الطلاب يرتاحون لها، ولكن هذا زاد من إصراري على إدخال الطلاب في هذا النهج الجديد وإعطاء الطلاب مسؤولية تعلم المحتوى و إعدادهم بشكل أفضل.
أعتقد أن التحول في التدريس يتيح للطلاب أثناء وجودهم في الصف أن يكون أكثر انخراطا في الأنشطة التي يقومون بها. حتى الطلاب الذين لم يشاهدوا المحاضرة سوف يبدؤون بطرح الأسئلة حول المحتوى وهذا سوف يؤدي إلى مزيد من التفاعل بينهم .
المعلم روبرت تاونسند Robert Townsend: صفوف مفعمة بالحياة :
المعلم "روبرت تاونسند" Robert Townsend، الذي يدرس العلوم الفيزيائية في الصف التاسع، يعطي الطلبة أسبوعاً لمشاهدة مجموعة من أشرطة الفيديو، ومن ثم يطلب من الطلاب القيام بالاختبارات على الإنترنت أو كتابة موجزة حول أشرطة الفيديو أو تدوين الملاحظات وعرضها في الصف؛ فهو يقوم بإعداد محاضراته الخاصة وكذلك يستخدم محاضرات الآخرين التي يجدها على الإنترنت وفي كثير من الأحيان يوجه الطلاب إلى استخدام الفيديو الذي توفره أكاديمية خان. الشيء الرئيسي الذي يطمح إليه هذا المدرس هو إعطاء الطلاب الفرصة لتعزيز بعض المفاهيم وتمكين الطلاب من إحراز التقدم من خلال مشاهدة المحاضرات ضمن مساحات خاصة بهم.
يقول روبرت" بالنسبة لي تكمن المتعة في الصفوف المقلوبة في الأعمال البسيطة التي قد تحدث فارقاً في العملية التعليمية، الوقت الذي أتاحتة مشاهدة الطلاب للمحاضرات للبيت، أثر على سير العمل داخل الفصل الدراسي، والذي بات فصلاً نشطاً مفعما بالمناقشات الحية والتفاعلات المثيرة بين الطلاب. أشعر أن صفوفي مفعمة بالحياة..."
يشارك "روبرت" زميلته السابقة في الرأي في أن الطلبة لازالوا يميلون إلى التعلم عبر الطرق التقليدية، فهم يتوقعون من المعلم تحديد المعرفة والمعلومات التي يريدها من الطالب، ومن أين يحصل عليها؟ وهو يرى أن هذا النهج التقليدي سيقلل من فرص اكتساب الطالب خبرة التعلم واكتشاف المعلومات والبحث عنها بنفسه وتحمل مسئولية تعلمه، والتي ستلازمه حتى بعد تركه مقاعد الدراسة.
مثل كل شيء جديد، التعليم على الإنترنت موضوع مثير للجدل للغاية. ولكن الفصول الدراسية المقلوبة هي الاستراتيجية التي يتفق الجميع تقريبا عليها. على المستوى العربي بدأ التعليم المقلوب ينتشر في المدارس والجامعات، وخاصة في ظل وجود بعض المؤسسات التي توفر أنظمة متكاملة لتسجيل وبث المحاضرات، مما يتيح للكادر التعليمي تسجيل المحاضرات وإتاحتها للطلاب عبر نظام إدارة التعلم الالكتروني، الذي يعمل على توثيق المحاضرات من أجل استخدامها لاحقا، كما يمكن للطلاب مشاهدة التسجيل في أي وقت، فلا داعي بأن يكون المحاضر والطالب متواجدين في وقت متزامن. كما توفر شركة نسيج عبر بوابتها Ac-knowledge 850 فيديو تعليمي في مختلف الموضوعات الأكاديمية، والتي من بينها: الرياضيات، والرعاية الصحية، والطب، والمالية، والفيزياء، والكيمياء، والأحياء، وعلم الفلك، والاقتصاد، وعلم الكونيات، والكيمياء العضوية، وعلم الاقتصاد الكلي، وعلم الاقتصاد الجزئي، وعلوم الحاسب الآلي.
إعداد: هيـام حـايك- كاتبة بمدونة نسيــج
المصادر:
http://www.knewton.com/flipped-classroom
http://www.educationnews.org/technology/does-the-flipped-classroom-really-accomplish-its-goals/