الأزمات جزء رئيس في واقع الحياة البشرية والمؤسسية، كلنا معرضون للوقوع في أزمات سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الدول أو المؤسسات. أصبحت الأزمات سمة من سمات الحياة المعاصرة، فنحن نعيش الآن في عالم مليء بالأزمات على كافة المستويات وفي شتى المجالات؛ في المجال السياسي، الاقتصادي، البيئي، السياحي، الصحي...إلخ. وانطلاقاً من حقيقة أن الأزمات واقع يمر به المعظم، كان لابد من التفكير بصورة جدية في كيفية مواجهتها والتعامل معها بشكل فعال يؤدي إلى الحد من النتائج السلبية لها، والاستفادة إن أمكن من نتائجها الإيجابية. على المستوى المؤسسي، الأزمة هي الحدث الذي يؤثر بالسلب على المؤسسات ومنظمات الأعمال مما قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بها أو تدمير سمعتها بالكامل. تأثير الأزمة على الصورة والسمعة التي يحملها الناس للمؤسسة، يتأثر بثلاثة عوامل:
وضعية الصورة والسمعة التي يحملها الناس عن المؤسسة سواء كانت إيجابية أو سلبية
نوع الأزمة وحجمها
حجم ولهجة التغطية الإعلامية، وهي العامل الأكثر تأثيرا في زمن التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية.
تشير مؤسسة "فريشفيلدز بروكهاوس ديرنجر" Freshfields Bruckhaus Deringer المتخصصة في القانون الدولي، إلى أن أخبار الأزمات التي تمر بها المؤسسات تنتشر بسرعة لم نعهدها من قبل بناءً على الآتي:
أكثر من ربع الأزمات ( 28%) التي تتعرض لها المؤسسات الكبرى تنتقل إلى وسائل الإعلام الدولية في غضون ساعة. وأكثر من الثلثي (69٪) خلال 24 ساعة.
عدد البلدان التي تنتشر فيها الأخبار حول الأزمة خارج البلد، يصل في المتوسط إلى 11 بلدا.
وسائل الإعلام الاجتماعية تلعب دورا هاما في نشر قصة الأزمة والتي تصل إلى (50٪) من الحالات داخل البلد التي وقت فيها الأزمة، أما على الصعيد العالمي، فتصل إلى ما يقرب من الثلث (30٪) من الحالات
عدم القدرة على التحكم في الأزمات في المراحل المبكرة يمكن أن يكون مكلفا بشكل كبير لقطاع الأعمال، مما يؤثر على قيمتها، وعلى الإيرادات والسمعة، لفترة طويلة الأمد
غالبية الأزمات يصحبها تصريحات لخطة الاحتواء
متوسط زمن الانتظار للاستجابة للأزمة واحتواءها هو 21 ساعة، ومن بعدها تنصب المحاكمات على صفحات التوتير والشبكات الاجتماعية لعمل هذه المؤسسة، ويبدأ الجميع بالتنظير والإفتاء.
السرعة التي ينتشر الخبر فيها إلى وسائل الإعلام الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، يدفع بالشركات العالمية إلى الدفاع عن سمعتها خلال الأزمة، مما يعني الحاجة لتسريع نظم الاستجابة. يقول "جوليان لونغ" Julian Long، وهو شريك وخبير إدارة أزمات الشركات في "فريشفيلدز"؛ 'حتى وقت قريب، كان الرد على الأزمة يتم من خلال الشروع في إجراء تحقيق شامل لتتمكن الشركات من أخذ بعض الوقت للاتفاق والتداول مع الإدارة والمستشارين القانونيين للشركة حول آلية الاستجابة للأزمة وكيفية التعاطي معها. اليوم، ونتيجة للنمو في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية، لا مكان لأخذ الوقت للتفكير بطرق الاستجابة. الاستجابات لم تعد تحتمل المزيد من الوقت. فالقصة السلبية قادرة على إحداث الدمار في لحظات وستكون كالنار وستدمر كل شيء، كفعل النار في الهشيم، وستمتد الأخبار إلى الجانب الآخر من العالم". مستويات التأهب للأزمات: على الرغم من اعتماد معظم الشركات بشكل متزايد على قنوات وسائل الإعلام الاجتماعية مثل تويتر في تسويق المنتجات والخدمات، نجد أن غالبية الشركات تعاني من نقص الخبرة وعدم الجاهزية والاستعداد للتعامل مع انتشار الأزمة على الإنترنت. يري خبراء الاتصالات مستويات التأهب في المنظمات على الوضع التالي:
(50٪) من خبراء الاتصالات أجمعوا على أن المنظمات ليست على استعداد كافٍ للتعامل مع مثل هذه الحالات
(94٪) من خبراء الاتصالات أجمعوا على أن عدم الاستعداد لمعالجة هذه المسألة على نحو فعال عبر الإنترنت يترك المنظمة مفتوحة للمحاكمة على تويتر twitter
(63٪) من خبراء الاتصالات يعتقدون أن الشركات التي تم تقديم الاستشارة والنصح إليها مؤخرا فيما يتعلق بالأزمات التي قد تحدث بسبب وسائل الإعلام، هم أفضل استعدادا لذلك الفشل في الاستعداد للأزمة، مهما كانت الأسباب أمر غير مقبول ولا مبررات أو أعذار له، خاصة وأن الأزمات التي تأتي من فراغ أقرب إلى أن تكون استثناءً.
أولاً: التحقيق في المسألة واتخاذ خطوات ملموسة لحلها.
ثانياً: العمل على تكيف التخطيط المسبق بسرعة لمواكبة وسائل الإعلام الاجتماعية لاحتواء أي تأثير قد يمتد إلى سمعة الشركة والذي من السهل معالجته على المدي القصير.
تحتاج الشركات أن يكون لديها هياكل وإجراءات ذكية للاستفادة من الزمن؛ فالاستعداد لما هو غير متوقع تكون فيه احتمالات الضرر أقل، ومع الإعداد الجيد والخبرات السابقة مع التعامل مع الأزمات يحدث فرقا حقيقيا في كيفية التعامل مع الأزمة بنجاح في نهاية المطاف" إدارة المخاطر لتجنب الأزمات يوضح Henry Ristuccia الشريك في شركة Deloitte & Touche LLP الرائدة عالميا في مجال التقويم المالي والاستشارات الاقتصادية وإدارة المخاطر والحوكمة والامتثال، القضايا المتعلقة بإدارة المخاطر التي تُؤرق أصحاب القرار أو الأشخاص المهتمون داخل الشركة، وكيف يجري تطبيق التقنيات الجديدة في مجال إدارة المخاطر قائلا: "من أهم الدروس المستفادة من الأزمة المالية التي حدثت في عامي 2007-2008 هو أن الشركات أدركت أنها بحاجة إلى برامج لإدارة المخاطر قادرة على استخدام بيانات موضوعية لقياس وتحليل المخاطر التي قد تتعرض لها المنظمة. العديد من المؤسسات المالية لديها برامج لإدارة المخاطر في جزء ما من أعمالها، ولكن في كثير من الأحيان برامج إدارة المخاطر لا تقوم بتقييم بيانات موضوعية في سياق استراتيجية أعمالها؛ فهي غالبا ما تركز على الخطر أو حدة العمل في قطاع ما من الأعمال التجارية، مثال على ذلك المعلومات حول الفترة التي سوف يستمر فيها ارتفاع أسعار المساكن، وجود المعلومات والتحليل الموضوعي لها في سياق نموذج الأعمال التجارية والاستراتيجية العامة للشركة أمر بالغ الأهمية. لهذا السبب نحن نركز الآن على فرص ومخاطر العصر الرقمي، بما في ذلك البيانات الكبيرة، والتي أوجدت ضرورة للتفكير بشكل مغاير في نماذج الأعمال المختلفة، والذي من شأنه أن يمهد الطريق لاتخاذ القرارات حول كيفية تخصيص رأس المال ومناطق الاستثمار. ذلك يتطلب التحقق باستمرار من خلال تحليل البيانات وتعزيز استراتيجية العمل في سياق المخاطر المحتملة، مما يخلق وضعاً أفضل لاتخاذ قرارات استثمارية وفقا لذلك. من أوجه القصور الرئيسية الأخرى في إدارة المخاطر التي كانت قبل الأزمة المالية، أنها لم تكن مرتبطة بالضرورة باستراتيجية الأعمال، وغالبا لم تكن محل اهتمام بالغ من قبل كبار أصحاب المصلحة في الشركات ومجالس الإدارة، و كان ذلك من أحد الأسباب التي دعت هيئة السندات والأوراق المالية الأمريكية (SEC) في عام 2009 إلى تعزيز متطلبات الإفصاح عن كيفية إشراف مجالس الإدارة على إدارة المخاطر. كما أن ذلك كان السبب في التعديلات التي تم إجراءها على قانون "دُوْد-فرانك Dodd-Fran"k الخاص بإصلاح "وول ستريت" وحماية المستهلك، حيث طالب الكيانات المالية أن تكون أكثر تفاعلا وأكثر وضوحا في كيفية تنظيم وإدارة المخاطر.
أدوات التحليلات والعمل على إعادة تشكيل ممارسات إدارة المخاطر على مستوي المدراء التنفيذين أو مجالس الإدارة نلاحظ أنه لايزال يتم في كثير من الأحيان تجميع التقارير والمعلومات يدويا، بالرغم من أن التجربة تثبت أن الأدوات المرئية والتي تعتمد على الصورة هي الأفضل عندما يتعلق الأمر بربط مجموعة من النقاط والتي تأتي من أنواع مختلفة من الأنظمة أو التحليلات. التحليلات تلعب دوراً هاماً في إدارة المخاطر وخاصة المتعلقة بسمعة المؤسسة. السمعة ليست هي ما يراه مجلس الإدارة، بل ما يفكر فيه الغرباء والعامة حول المنظمة والصورة التي يتم بناءها داخل عقولهم حول الشركة. يتزايد استخدام العديد من الشركات للأدوات التحليلية وذلك للتنقيب عن المعلومات ونراها في أبسط صورها في لوحات البيانات dashboards الخاصة بالمدونات، والتي تقوم بتحليل البيانات وترجمتها إلى معاني وحقائق تعمل بناءً عليها. سحب البيانات من خارج المنظمة يعمل على إثراء التحليلات بحيث تصبح ذات فائدة للشركة، يمكن من خلال تحليل هذه البيانات التعرف على راي الجمهور حول السلع والخدمات التي يقدمونها، او التي يريدونها، وماذا يقول العملاء والمنافسون. المنظمات التي تتفوق في التحليلات تبدأ ببناء إطار جديد لإدارة المخاطر والذي يربط أربعة مستويات من المخاطر: الاستراتيجية والتشغيلية والمالية والامتثال.
كما يتطور لدي هذه المنظمات شعور جيد بالأشياء التي يجب قياسها وكيف يقومون بقياسها وتحليلها واستخدام نتائج التحليل، ولكن من المهم لأصحاب القرار ومجلس الإدارة التوجيه والتفاعل المستمر مع العاملين في تقييم المخاطر؛ فالبيئة التسويقية تتطلب فهماً لإدارة المخاطر بطريقة مختلفة، فضلاً عن الأنشطة والأساليب المستخدمة لرصد ومعالجة المخاطر. يري خبير أمن تقنية المعلومات "ستيف هانت" Steve Hunt أن المؤسسات المالية الآن بحاجة إلى العديد من القدرات الاستخبارية لمنع الإرهاب الدولي ونشاط العصابات. التقنية التحليلية تتغير بسرعة، الشركات بحاجة إلى أن تكون سبَّاقة في فهم واعتماد تقنيات التحليلات الجديدة من خلال: الانفتاح على أدوات وتقنيات جديدة: الشركات التي تسعى للتوسع بحاجة إلى التقنيات والأدوات للحفاظ على، أو الحد من المخاطر التي تتعرض لها خلال زيادة النشاط في هذه الأسواق. هذه الأدوات تستفيد من التقدم الكبير في معالجة البيانات، والذاكرة، ومعالجة البيانات الحسابية التي حدثت في السنوات القليلة الماضية مع صعود البيانات الكبيرة و التحليلات التنبؤية predictive analytics التي تقوم بتحويل المخزون الضخم من البيانات إلى معرفة تمكنها من تحقيق ميزات تنافسية واتخاذ قرارات استباقية في تمكن الشركات والمؤسسات من زيادة الأرباح وخفض التكاليف، التحليلات التنبؤية تشمل مجموعة متنوعة من التقنيات الإحصائية، والنمذجة، والتعلم الآلي، واستخراج البيانات وتحليل الوقائع الحالية والتاريخية للتنبؤ بالمستقبل، مما يتيح سيطرة أكبر على المخاطر أكثر من أي وقت مضى.
وقد تكون تقارير Desire2Learn Insights التي تم التطرق إليها سابقا في هذه المدونة والتي تتكون من مجموعة من الأدوات القوية والإحصاءات التفضيلية من أجل تتبع وتحليل وتقييم مستوى الإنجاز الطلابي، مثالاً للتحليلات التنبؤية والتي تعتمد على تحويل البيانات حول تعلم الطلاب إلى تقارير مبسطة و عملية، والتي توضح أنواع المخاطر التي يتعرض لها الطلاب وكذلك فرص تحسين الأداء. هذا و يشير Steve Hunt إلى أهمية تحليل البيانات غير المهيكلة وما يتضمن ذلك من نهج استباقي يقوم على دراسة معاملات وسجلات العمليات في الوقت شبه الحقيقي والبدء في استيعاب ودراسة قنوات أخرى من المعلومات الداعمة، مثل البريد الإلكتروني، وجلسات الدردشة، والمدونات، وأنشطة وسائل الإعلام الاجتماعية.
من المهم أن ندرك أن توافر كم ضخم من البيانات لا يعني تحول ذلك تلقائيا إلى معرفة، بل قد يؤدي ذلك إلى استنتاجات خاطئة واكتشافات مغلوطة أو ما يسميه الخبراء “موجبات كاذبة”، وهو أمر أشار أليه “نيت سيلفر” صاحب كتاب “الإشارة والضجيج”، يوضّح من خلال عرضه أمثلة لا تحصى كيف يمكن للبيانات أن تحدث تشويشاً فتضللنا وتقودنا إلى استنتاجات واختيارات خاطئة. ولهذا، يجب التأكيد على أن تحليل البيانات، وخاصة ذلك النوع الكثير، يتطلّب فهماً دقيقاً ومتطوّراً حتى لا نقع فريسة التشويش.
إعداد: هيـام حـايك- كاتبة بمدونة نسيــج
http://www.freshfields.com/en/news/Half_of_businesses_unprepared_to_handle_%E2%80%98digital_age%E2%80%99_crises/