في السنوات الأخيرة، تغيرت اتجاهات الحاجة إلى التعليم بسبب زيادة الطلب على القوى العاملة المتعلمة والتي تتميز بمهارات عالية جدا، مما يرفع سقف التوقعات لمخرجات التعليم العالي. أصبح التعليم اليوم عملية مستمرة لا نهاية لها، لذلك كان لزاماً العمل على تحويل وسائل التعليم من أجل تلبية التوقعات والحفاظ على استمرارية مسيرة التعليم؛ فالتعلم الذي اعتمد في البداية على بيئة التعلم المباشر وجها لوجه، أصبح الآن يتم في بيئة تقودها أجهزة الكمبيوتر والتقنيات الرقمية.
يتزايد الطلب على التعليم الافتراضي اليوم أكثر من أي وقت مضى، فأنت بالكاد تجد اليوم طالب أو معلم لا يستخدم أو لا يعرف كيفية استخدام برامج التعلم الافتراضي المتاحة. وقد أظهرت بعض البحوث التي ركزت على التعلم من خلال بيئات التعلم الافتراضية، أن مديري الجامعات والمعلمين ينظر إلى هذا النوع من التعليم كوسيلة للوصول إلى عدد أكبر من الطلاب، إلا أن المعلمين يعانون عبء العمل الثقيل جراء توقعات عالية من قبل الطلاب الذين أعربوا من ناحية أخرى عن تقديرهم للفرصة التي تتيحها بيئات التعلم الافتراضية، حيث يتم التعليم بطريقة أكثر استقلالية من قيود الزمان والمكان، وبعيدا عن التعليم التقليدي في الحرم الجامعي، وهم يتطلعون إلى جودة تعليمية أفضل للبرامج الدراسة التي تقام على الإنترنت كونها أقل جودة.
ورغم هذا فالمتعلمون يرون في بيئة التعلم الافتراضية مزيدا من الفرص للتواصل مع المعلمين أكثر مما هي في الفصول الدراسية التقليدية. في عام 1886، قال الرئيس الأول لجامعة شيكاغو، وليام راينر هاربر: "الطالب الذي أعد عددا معينا من الدروس من خلال طرق تضاهي ما يحدث في المدرسة، يعرف عن الموضوعات المرتبطة بالدروس ويستطيع معالجة تلك الدروس، أفضل من الطالب الذي ينكفئ داخل الفصول الدراسية". منذ عام 1970، والجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة، رائدة في مفهوم التعلم الحديث من خلال توفير بيئات التعلم المخلوطة أو المتمازجة blended learning، والتي اعتمدت على التسجيلات الصوتية والفيديو. مع هذا التقدم التقني وانتشار الإنترنت بدأ التعليم المعتمد على الإنترنت يتطور بسرعة في الجامعات في جميع أنحاء العالم. ومؤسسات التعليم العالي تسعى باستمرار لتوظيف التقنيات الجديدة لتصبح أكثر إنتاجية، لإدارة استراتيجيات التنمية التي تتبناها، هذا بالإضافة إلى إعادة بناء المناهج الدراسية بشكل فعال من أجل تلبية احتياجات وتوقعات الطلاب المتنوعة وإشراك الطلاب في التعلم.
بتعريفها البسيط، بيئة التعلم الافتراضية (VLE) هي مجموعة من أدوات التعليم والتعلم مصممة لتعزيز تجربة الطالب التعلمية باستخدام أجهزة الكمبيوتر والإنترنت في عملية التعلم. المكونات الرئيسية لبيئات التعلم الافتراضية تشتمل على المقررات والمناهج الدراسية والتي يتم تقسيمها وعرضها بطرق مختلفة. هذه النظم تقوم بتتبع الطالب وتقديم الدعم عبر الإنترنت لكل من المعلم والطالب، عبر الاتصالات الإلكترونية مثل البريد الإلكتروني والمناقشات المترابطة، وغرف الدردشة، والنشر على شبكة الإنترنت ووصلات خارجية لموارد المناهج الدراسية الخارجية. بشكل عام، يتم تعيين هوية دخول ID لمستخدمي بيئات التعلم الافتراضي سواء كان معلما أو طالبا. يرى المعلم ما يراه الطلاب، ولكن المعلم لديه صلاحيات إضافية لإنشاء أو تعديل محتوى المناهج وتتبع أداء الطلاب.
وقد تم تعرفيها في تدوينة سابقة كانت بعنوان: بيداغوجيا التعلم الافتراضي في الحياة الثانية Second Life، بأنها "أنظمة تهدف إلى دعم التعليم والتعلم من خلال إرساء بيئة تعليمة تحاكي البيئة التعليمية الحقيقية، و تعمل بيئة التعلم الافتراضية بشكل طبيعي عبر الإنترنت، مستفيدة من تطور هائل في تقنيات الاتصالات و انتشار خدمة الوصول السريعة للإنترنت وتسابق مزودي خدمات الإنترنت على تقديم العروض التنافسية للمشتركين وظهور خدمة الاتصال بالإنترنت عبر الهواتف المحمولة وتقنيات الـ Wifi و الـ 3G، وانتشار الآيفون و الآيباد، وغيرها من الأجهزة والتطبيقات التي جعلت العالم مرتبطًا بشكل كبير بكل ما هو تقني". نستعرض فيما يلى بعض التعريفات الخاصة ببيئات التعلم الافتراضية:
من بعض معوقات استخدام بيئات التعلم الافتراضية رؤية بعض المعلمين الذين لا تتوافر لديهم مهارات تقنية على أنها بيئة معقدة مما يستبعدها البعض بالرغم من أن معظم الجامعات تطلب الآن من المدرسين وضع العمل لطلابها على البيئات الافتراضية الجامعية. كما أن بعض البيئات الافتراضية إذا تم تشغيلها من المنزل يتطلب الصيانة المنظمة لها. وهذا يضيف إلى تكاليف تشغيلها، وربما بعض المؤسسات التعليمية ليس لديها موظف لمتابعة الشبكة، والمعلمون في أحيان كثيرة، ليسوا على استعداد للقيام بهذا العمل الإضافي. مشكلة أخرى مع هذه البيئات هي عدم الوصول إليها في البيئات التي تتعرض لمشاكل في شبكة الإنترنت.
لا شيء - على ما يبدو. هكذا يقول الأكثر، إلا أنه من الواضح أن هناك بعض الالتباس فيما إذا كان هناك فرق بينهما أم لا ... خلصت مقالة الويكيبيديا المنشورة تحت عنوان "بيئة التعلم الافتراضية" والتي تطرح العديد من المفاهيم التي ارتبطت بالتعلم عن بعد والتعلم الإلكتروني، إلى أنه لا توجد فروق جوهرية بين بيئات التعلم الافتراضية وبين أنظمة إدارة التعلم؛ وكل ما هناك هو اختلافات جغرافية وربما نظم إدارة التعلم تركز أكثر على المحتوى.
عربيا، الدكتورة هند الخليفة (2008) - جامعة الملك سعود - لا ترى فرقا بين المصطلحين. وفي تعريفها لأنظمة إدارة التعلم في ورقة لها بعنوان "من نظم إدارة التعلم الإلكتروني إلى بيئات التعلم الشخصية" تقول" أنظمة إدارة التعلم والتي يطلق عليها أحيانا اسم بيئات التعلم الافتراضية" . كما أن الأستاذة شريفة حجات المتخصصة بالتعليم الإلكتروني، عندما تم سؤالها حوال إذا ما كان هناك فروق بين المصطلحين، أجابت بأنه لا يوجد فروق جوهرية وهما مصطلحان مترادفان. لكن هل هذا كان رأي المعظم؟
الدكتور ريتشارد بينر Richard Pinner من جامعة صوفيا، كان له رأي مغاير. حيث كتب في مقاله والذي بعنوان : بيئات التعلم الافتراضية أم نظم إدارة التعلم " "VLE or LMS؟ أنه يتم التعامل مع هذين المصطلحين كمترادفين، إلا أنه في الواقع هناك فروق أساسية بينهما، ولابد لعلماء اللغة من تحديد كل مفهوم بدقة، ويكمن الفرق بين المصطلحين عند ريتشارد في طريقة استخدام كل منهما. كما أنه يري الكثير من الغموض حول المصطلحات في التعليم الإلكتروني، وربما يرجع ذلك إلى الطفولة النسبية له كنظام تعلم، و يستكمل قائلاً: "لقد رأيت المؤسسات تأخذ الخيار الخاطئ عند النظر في أنظمة إدارة التعلم وهذه البيئات وأنا ألوم عدم وجود تعريف دقيق لذلك."
من الواضح أنه لن ينتهى الجدل حول ما إذا كان هذان المصطلحان مترادفان أم مختلفان، ولكن على الأكيد من خلال مراجعة العديد من الأدبيات في هذا الموضوع، أن التشابه أكثر بكثير من الفروقات والاختلافات.
تختلف معايير اختيار بيئات التعلم الافتراضية وفقا لاستخداماتها ومستخدميها، نستعرض ههنا هذه المعايير المختلفة من أربعة منظورات مختلفة:
الإداريون: التدرجية، والقيمة والإنتاجية مقابل المال، والتكامل مع النظم القائمة.
الفنيون: المتانة، قاعدة المستخدمين، والدعم التقني، وسهولة الصيانة.
المطورون و المعلمون: التفصيل والمرونة والتكامل مع المواد الحالية.
المتعلمون : الاتساق، وسهولة الوصول، وجودة التصميم.
استخدام بيئات التعلم الافتراضية الغنية يطرح العديد من القضايا الهامة للجامعات. دون معالجة قضايا التعلم الفعال، قد يؤدى استخدام هذه التقنيات إلى تفاقم أخطاء الماضي وتخريج متعلمين بتجارب سلبية، مما يؤدى إلى تسطح عملية التعليم. استعمال الأدوات المناسبة والسياق الذي يحدث فيه التعلم هي العوامل الرئيسية التي تؤثر على النجاح الشامل في مؤسسات التعليم العالي والتعلم مدى الحياة. الاستخدام الفعال للأدوات يُمًكن المتعلمين والمعلمين من تنظيم التعلم و تشكيل تعلُمات قادرة على حل وضعيات أو مشكلات عملية في الحياة الجامعية أو خارجها، تعبر عن إبداع المتعلم، والتي من الممكن وضعها في سياق متوازن مع الموارد الأخرى الموجودة داخل النظام، وإعادة استخدامها و مشاركتها مع الأقران أو المعلمين. الجدول التالي يوضح السياق الأمثل لاستخدام الأدوات التي توفرها بيئات التعلم الافتراضية:
لماذا يجب عليك استخدام بيئة التعلم الافتراضية
لأنه في السنوات الـ 10 الماضية، استفاد التعليم من الثورة الإلكترونية بشكل حقيقي، فمعظم المدارس والجامعات لديها مهام تعمل ببيئة التعلم الافتراضية (VLE)، وهي أساس برامج التعليم والتعلم الإلكتروني. لابد لكل مؤسسة تعليمية من دمج بيئات التعلم الافتراضية في دروسها والسماح لها أن تصبح البنية الثانية للمتعلمين والمعلمين خارج الفصول الدراسية. وهنا بعض الأسباب التي تدفعها لذلك:
الاتصال والتواصل: بيئات التعلم الافتراضية تفتح عددا لا حصر له من القنوات في شكل المنتديات ومنابر المناقشة، واستطلاعات الرأي والمسوح و ردود الفعل الفورية سواء كمجموعة أو بشكل فردي.
إنجاز الأعمال: الطلاب ليسوا بحاجة للذهاب إلى الجامعة للبحث عن معلمهم لتسليم المهام المطلوبة منهم، فهم يستطيعون القيام بذلك من خلال ملفات تسلم بطرق افتراضية آمنة تتوافر فيها نوافذ زمنية.
مركز للموارد: تتوفر للمعلمين مساحات لا حصر له للتخزين عبر الإنترنت، فهم يستطيعون حفظ محاضراتهم والمستندات وأوراق العمل وما إلى ذلك، وهي آمنة أو مشتركة مع الطلاب.
الصفحات الرئيسية ديناميكية: المعلمون لديهم الفرصة لخلق مساحة افتراضية مثيرة لتمثيل غرفهم وموضوعاتهم.
روابط لمصادر خارجية: تتوفر روابط لمسارات التعلم الأخرى على الإنترنت عبر بيئات التعلم الافتراضية.
المحتوى يتضمن موارد متعددة: يتم تضمين اليوتيوب، والصحف في بيئة التعلم الافتراضية وهي تعمل كتغذية ديناميكية للموقع.
التدوين الصوتي أو البودكاست وأشرطة الفيديو: على حد سواء يستطيع المعلمون والطلاب إنتاج المقطوعات الصوتية وأشرطة الفيديو ضمن منصة أمنة ومشتركة.
على الرغم من أن فوائد استخدام بيئة التعلم الافتراضية في الجامعات والمدارس واضحة، هناك الكثير من نقاط الخلاف للنظر فيها. فمن الملاحظ أن كون المتعلمين في معظمهم "مواطنين رقميين"، يجعل المعلمين يبدؤون بوضع العيوب نظرا لتواضع مهاراتهم التقنية بالنسبة للكثير من الطلاب الذين باتت الرقمنة جزءً من شخصيتهم وهويتهم. ومع تزايد استخدام الإنترنت، تصبح بيئات التعلم الافتراضية هي في الواقع مستقبل جميع المؤسسات التعليمية. هذه الحقيقة التي لابد للمعلمين إدراكها وتقبلها والبدء في البحث عن فرص لتطوير مهاراتهم التقنية ليستطيعوا صنع نوع من التناغم إلى حد ما مع طلاب باتوا رقميين بمعنى الكلمة.
إعداد: هيـام حـايك- كاتبة بمدونة نسيــج
المصادر: http://tecfa.unige.ch/tecfa/publicat/dil-papers-2/Dil.7.5.18.pdf