كم منا يتوفر لديه من الميزانية القدر الذي يحتاجه؟ أعتقد أن معظمنا لدينا قائمة طويلة من المشاريع الغير مُمولة وقائمة أخرى لتقنيات جديدة نرغب بشرائها. من أهم متطلبات السياسات الاقتصادية في هذا الزمن, أن نأخذ بعين الاعتبار أسلوب إنفاق الأموال المخصصة في الميزانيات, فلابد لكل دولار ينفق أن يتم إنفاقه بشكل جيد. والمكتبات هي أحوج ما تكون اليوم إلى النظر في سياسات الإنفاق في وجود تقنية تسير قدما بسرعة الضوء، وتبنى مستخدمي المكتبة لهذه التقنيات الحديثة. فقدرة الأجهزة النقالة للوصول إلى كميات ضخمة من البيانات تركت اعتقادا عند الكثير بأن المكتبة غير ضرورية أو ليست بالأهمية التي كانت عليها سابقا وأن الأفراد يستطيعون الوصول للمعلومات دون الرجوع إلى المكتبة. من بين الذين يتبنون هذا الاعتقاد الساسة وصناع القرار الذين يسيطرون على ميزانيات المكتبة. وقد وصل الحد ببعضهم إلى أنهم بدأوا يرون أن شمس المكتبات قد أفلت في ظل هيمنة عالم من المعلومات الرقمية.
ترتبت جرًاء هذا الوضع تحديات جسيمة تواجهها المكتبات من أجل توفير الوقت والمال و استخدامها في طرق أكثر إبداعا. تعتبر إدارة المكتبة من خلال إدارة عمليات تقليل الفاقد Lean Library Management هي طريقة التفكير التي بدأت تتبناها العديد من المكتبات من أجل زيادة الكفاءة الإنتاجية وتكريس وقت الموظفين للمزيد من الأنشطة المهنية والإقلال من الأعمال المكتبية.، بحيث يتم استغلال مواهب الموظفين والقضاء على رتابة العمل، و الاحتفاظ بالموظفين. ومن المهم أن نذكر هنا أن Lean هي إحدى الفلسفات المستخدمة بمنهجية Lean Six Sigma.
لابد لنا من الاعتراف أننا أصبحنا جزء من مجتمع عالمي لا يقوى على تحمل الصبر والانتظار, فعلى سبيل المثال, إننا نتذمر إذا استغرق انطلاق الكمبيوتر أكثر من 60 ثانية، كما أن الكثير منا أصبح ليس على استعداد لقضاء الوقت على طاولة الطعام ونكتفى بدقائق قليلة ومن ثم نتوجه لمشاغلنا. الإشباع الفوري هو سمة من سمات هذا العصر, لذا نحن نتوقع "الإشباع الفوري" للخدمة من مقدمي الخدمات، سواء كانوا جهة إلكترونية أو بشرية. كما أنه من الواضح أننا اعتدنا على الحصول على ما نريد آنيا. هذا الطرح يقود للتساؤل التالي: "إذا كانمستخدم الإنترنتالعاديأوالطالبباستطاعته الحصول علىكل ما يحتاجهمن على الويب، وعلى الفور تقريبا، ومع القليل من الجهد، لماذا سيكون بحاجة إلىالمكتبة؟
لبقاء المكتبات حيه وذات قيمة ومغزى لابد لها من الحفاظ على ميزة تنافسية في مجتمع تحركه الفورية والمعالجات الحية المباشرة، والمشاركة اللحظية لعالم إلكتروني. يمكن للمكتبات تحقيق ذلك من خلال البحث بقوة عن سبل تحقق الخدمة الرشيقة lean service والتي تسمح بإعادة توجيه قدرات الموظفين للقيام بالتسويق لمهنتهم بطرق أفضل وتمكنهم من زيادة قدرتهم للوصول إلى المعلومات الموثوقة و تساعدهم على كيفية إحداث الفرق في خدمة عملاء المكتبة والمستفيدين الحاليين والمحتملين.
هناك بعض المصطلحات التي قد تفقد معناها الحقيقي عندما نبدأ بتعريبها مما يستدعى في بعض الأحيان استخدام المصطلح نفسه وبلغته الأصلية والتعامل معه كمفهوم يتم توضيحه إلى حين التوصل لمصطلح عربي يفي بالغرض. ومن خلال مراجعات أدبيات الترجمة العربية سنجد أن LEAN ترتبط دائما بالإنتاج والإنتاج هنا لا يعنى منتجات مادية فحسب بل أي منتج يحدث نتيجة للقيام بعمل سواء كان هذا العمل مادى ملموس أو خدمة. يتم تعريف Lean Production بسياسة تقليل الفاقد أو الإنتاج محدود الفاقد أو الإنتاج الرشيق أو الإنتاج الاقتصادي. وهو عبارة عن أسلوب منهجي للقضاء على الهدر, حيث كل خطوة تضيف قيمة للعميل. كما يعتبر أحد أساليب العمل التي تهدف إلى تعظيم قيمة المنتج أو الخدمة المقدمة لدى العملاء وتقليل الفاقد في نفس الوقت, مما يعنى زيادة القيمة المقدمة للعملاء وإشباع حاجاتهم مع تقليل الموارد المستخدمة. LEANهي فلسفة التحسين المستمر, والتي تركز على زيادة القيمة للعملاء، وتحسين العمليات. المكونات الرئيسية لها يمكن تطبيقها على جميع أنواع الأعمال والعمليات؛ وعندما نتحدث عن العمليات في المكتبات فنحن نتحدث عن العمليات التي تحدث في المكتبة مثل، فهرسة وتصنيف الكتب و عمليات إعارة الكتب، و إعارتها حسب النظام المعمول به, وتحديد المدة المسموح بها وإرشاد الطلبة إلى أماكن مصادر المعلومات وما وصل إلى المكتبة من كتب حديثة و تسجيل البيانات الببليوغرافية الخاصة بالكتاب وتحديد المدة المسموح بها للإعارة وتاريخ الإرجاع... الخ.
كل هذه العمليات وغيرها الكثير تحدث في المكتبة, إلا أن هذه العمليات قد تكون ضمن الأساسيات و يجب التركيز على دراسة العمليات التي يتم القيام بها وتقيمها والتحقق من أمرين أساسيين:
ضمان هذين الأمرين يعنى أنك تستخدم الأسلوب الاقتصاديLean، مما يعنى أنك تصنع قيمة مضافة من خلال تقليل الفاقد ومما ينتج عنه توفير الأموال المهدرة؛ بالإضافة إلى الحد من الهدر وتقليل الفاقد وتحسين عملية معينة، فإن LEAN هي أيضا بناء ثقافة واحدة بين جميع العاملين في المكتبة وفي جميع الفروع, ثقافة تتأسس على احترام إمكانيات جميع الموظفين وتمكنهم من متابعة الفرص لتحسين أعمالهم وتبادل الأفكار للتحسين المستمر. فتقليل الفاقد لا يمكن أن يعمل إلا في جو من الاحترام والثقة المتبادلة، وهذا النظام مبني في جوهره على العمل الجماعي.
قد يعتقد البعض أنه لا يوجد اختلافات أو فروق ما بين 6 سيجما Six Sigma وما بين 6 سيجما للإنتاج المرن Lean Six Sigma. في الواقع هناك اختلافات بين المصطلحين. فبالرغم من أن كليهما يعمل على إدخال التحسينات التنظيمية للبرامج من خلال إعادة هيكلة الأعمال والإجراءات للخطوات والطرق التي يتم بها العمل. نرى Douglas Ferguson يصف Lean كفلسفة ويصف 6 sigma بمثابة برنامج حل المشكلات الحيوية, من هنا تجمع Lean Six Sigma ما بين فلسفة الإنتاج الرشيق مع التركيز على منهجيات 6 سيجما, مما يعنى عملية تكامل وتوحيد بين الأفضل من طريقة الإنتاج المرن Lean ونظام الــ 6 سيجما. ومع ذلك تختلف Six Sigma و Lean, Six Sigma في النهج والأهداف النهائية المنشودة. عمليات Lean تركز على جعل العمل يتم بطريقة أسرع وأسهل، وأقل تكلفة، بينما الـ 6 سيجما هدفها الأول هو جعل العمل أفضل وذا جودة عالية. وعندما تدمجهما المكتبة معا و يتم تطبيقهما في العمليات والخدمات التي تقوم بها المكتبة، فإن النتيجة تكون عمل أسرع وأكثر كفاءة وإبداعا، وتقديم خدمات ذات جودة أفضل، مما ينتج عن ذلك زيادة رضا وولاء العملاء والمستفيدين وتحقيق العائد الأعلى للمكتبة.
[youtube https://www.youtube.com/watch?v=uXc1lY4vPxU&w=800&h=600]
الإنتاج الرشيق هو ما يعرف باللغة الانجليزية Lean production, وقد يظن البعض أن عملية الإنتاج هي عمليات مقتصرة على قطاع الصناعات, أو بالأحرى ترتبط بما هو مادى وملموس. بالرجوع لتعريف الخدمة سنجد أن هناك من يشير إلى أن نتيجة الخدمة هي شبيهة بالمنتجات المادية، بحيث نهاية كلا منهما هي تلبية حاجات المستهلكين. و كما أوردنا سابقا تهدف Lean إلى تحقيق الفائدة والتقليل من الفاقد. والفائدة هنا هي القيمة التي تقدمها للعملاء في الوقت المناسب بسعر مناسب، على النحو المحدد من قبل العميل. بينما الفاقد هو أي النشاط يستهلك الوقت والموارد، أو المساحات ولكنه لا يضيف أي قيمة للمنتج أو الخدمة. تقليل الفاقد يعني التخلص من العمليات التي لا تؤدي إلى فائدة وهذا لا يعنى تقليل الإنفاق بل استغلال الإنفاق في عمليات تحقق أكبر قدر من الفائدة. و نظرا لأن نظام تقليل الفاقد (العمل الرشيق) يحاول القضاء على المشاكل من جذورها فإن سياسة منع الخطأ هي أحد عناصر هذه الثقافة. فعند حدوث مشكلة لا نقول "من الذي أهمل" ولكن نقول "كيف حدث الخطأ؟ وكيف نمنعه؟"
يعتمد Lean فى تحقيق الفائدة للمكتبة على ما يلى:
تركز فلسفة Lean على الإبداع من خلال تحدي القدرات والعقليات التي ترفض التغيير. فالخوف من خفض عدد الوظائف وتسريح الموظفين هو الهاجس الذي يقلق العديد عند البدء في التفكير في إجراء التحسينات، مما يولد مقاومة للتغيير. ومع ذلك، هذه التحسينات الرشيقة قد توجد العديد من الخيارات أكثر من ذي قبل. ذلك يجب أن يدفع بالمكتبات إلى اغتنام هذه الفرصة لإحداث بعض التحولات التي تخفف من أعباء العمل وتضمن إنجاز المهام الأكثر أهمية واستبعاد المهام التي يكثر فيها الروتين أو التكرار في ظل وجود حلول أخرى لها. هذا وغالبا ما تشغر المناصب من خلال التناقص الطبيعي, ذلك قد يكون فرصة لإعادة تقييم احتياجات التوظيف وإعادة كتابة توصيف الوظائف لتلبية الاحتياجات التنظيمية واعادة هيكلة الموظفين وفق ما يتطلبه التطور التدريجي للمكتبة, حيث البيئة الخارجية وطغيان الرقمنة يفرض الكثير من التحديات أمام المكتبات والتي ستجد نفسها في حاجة الى إعادة تنظيم طبيعة الأعمال التي يقوم بها الموظفون وربما سيتطلب الأمر استقدام عقليات جديدة فأحيانا يكون لابد من أخذ قرارات حاسمة في ظل الهيكلية التنظيمية الجديدة والتي قد لا تجد قبولا عند البعض. قد يفيد في بعض الحالات إعادة تشكيل فريق العمل وتوفير التدريب للموظفين الحاليين للقيام بمهام جديدة تتطلبها ظروف المكتبة, ولكن هنا لابد لإدارة المكتبة من النظر في تكلفة الفرصة البديلة Opportunity cost وهي تكلفة الفرصة التي يتم فقدها (موظفين جدد) نتيجة اتخاذ قرار لصالح بديل معين ( الموظفين الحاليين) فعند اتخاذ قرار لصالح بديل معين يتم التخلي عن منافع بديل آخر ومن ثم قد تخسر المكتبة الفرصة التي يحققها ذلك البديل.
هناك تحدٍ آخر قد يواجه المكتبات, وهو تحديد الأعمال القابلة للاستجابة لنظامLean حيث لا يمكن تطبيق Lean على جميع الأعمال. فالمكتبات بحاجة أولا إلى تحديد الأعمال التي من الممكن في حال استخدامها لهذا النظام سيحدث فرقا للمكتبة, مهما كانت بساطة هذه الأعمال. على سبيل المثال، أنظر إلى موقع عربة الكتب المرجعة وتساءل هل من الممكن لو تغير حجم العربة وموقعها أن يجعل ذلك من عملية التحقق من الكتب أسهل وأسرع للموظفين. في الواقع إن أي تحسن طفيف يمكن أن يجني نتائج كبيرة، إيجاد منافذ التحسين أمر سهل وقد يكون الخروج من عنق الزجاجة من الأفكار التي تستهويك ولكن الأهم التركيز على الأسلوب والنتيجة، وليس على من فكر في هذه الفكرة. فالزمن يتغير وكذلك الأساليب تتغير وتكبر معها التحديات. وفي النهاية سيظلّ الأفراد دائماً وأبداً في قلب أي عمل مهما كان.
إعداد: هيـام حـايك- كاتبة بمدونة نسيــج
المصادر: http://healthyliveworld.com/sixsigma4servicecom/sixsigma4servicecom-lean-six-sigma-for-service-.html