ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟
إنه السؤال الأزلي، حيث يُطلب من كل طفل تقريبًا التفكير فيه مِنْ حِينٍ لآخَرَ. لا شك أن بعض الردود الأكثر شيوعًا التي ستدرج دائمًا في القائمة. من الشرطي إلى المعلم، أو المهندس والطبيب أو لربما مؤدية الفنون الاستعراضية، وتتطول القائمة..
وعلى الرغم من أن بعض "الوظائف التي تحلم بها" قد تتنافس حاليًا على مركز الصدارة جنبًا إلى جنب مع المهن الأحدث مثل ممارس الألعاب الرقمية Gamer أو اليوتيوبر YouTuber أو المؤثرInfluencer .
ما يصعب علينا تخيله، أن بعض المسارات الوظيفية التي سيتبعها أطفال اليوم قد لا تكون موجودة حتى الآن، ففي هذا العالم سريع التغير ، يتم إنشاء وظائف الغد بشكل أسرع مما نتخيله. وفقًا لتقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 65٪ من الأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة الابتدائية اليوم سينتهي بهم الأمر في النهاية إلى العمل في وظائف جديدة تمامًا ليست موجودة بعد. ما يعزز هذه الفكرة أن المهن الأكثر طلبًا اليوم، في العديد من الصناعات والبلدان، لم تكن موجودة قبل عشر أو حتى خمس سنوات، ومن الواضح أن وتيرة التغيير تتسارع أكثر وأكثر.
كمعلمين وموجهين نتحمل جزء من مسئولية إعداد الطلاب لهذه الوظائف التي نجهلها حتى الآن. هناك العديد من الطرق والاستراتيجيات التي يمكن من خلالها إعداد الطلاب لوظائف المستقبل، نستعرض منها ما يأتي:
1. التأكيد على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM):
يقول الخبراء في ديلويت Deloitte :"مستقبل العمل غير مؤكد، ولكن هناك شيء واحد واضح: ستلعب التكنولوجيا دورًا كبيرًا." من خلال إعداد الطلاب للمهن في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، نمنحهم الأدوات التي يحتاجونها للنجاح في سوق العمل سريع التغير."
تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات له تأثير كبير على إعداد الطلاب لوظائف المستقبل. مع تزايد اعتماد العالم على التكنولوجيا، ستستمر الوظائف في مجالات (STEM) في النمو وسوف تصبح أكثر أهمية. وفي هذا السياق تزود المدارس الطلاب بالمهارات والمعرفة التي يحتاجونها للنجاح في هذه المجالات. لا يشمل ذلك الكفاءات التقنية فحسب، بل يشمل أيضًا مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي والابتكار، والتي تحظى بتقدير كبير من قبل أرباب العمل في قطاع التكنولوجيا. علاوة على ذلك، يمكن لتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أيضًا إعداد الطلاب لمجموعة واسعة من المهن الأخرى التي تتطلب مهارات تقنية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتمويل والتصنيع.
2. تشجيع الإبداع والابتكار:
لا تقتصر وظائف المستقبل على ما نعرفه اليوم. إن مهمتنا هي تنمية الإبداع والابتكار الذي سيسمح للطلاب بإنشاء مستقبلهم الخاص، فالمستقبل يخص أولئك الذين لديهم المهارات والقدرة على التكيف لاغتنام الفرص الجديدة، ووظائف المستقبل تتطلب أفرادًا مبدعين وقادرين على التفكير خارج الصندوق.
يمكن للمؤسسات الأكاديمية تعزيز هذه المهارات من خلال تشجيع الطلاب على متابعة شغفهم وإدماج حل المشكلات والتعلم القائم على المشاريع في مناهجهم الدراسية.
يومياً، ومع استمرار زيادة الأتمتة، يتم استبدال المزيد من الوظائف بالآلات، مما يجعل الأمر أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للموظفين الذين سيكونون مطالبين بتقديم وجهات نظر فريدة وقيمة. من ناحية أخرى، ليست الوظائف نفسها هي التي تتغير فحسب، بل الطريقة التي نعمل بها.
أصبح العمل عن بعد والجداول المرنة أكثر شيوعًا، في المقابل بدأت الشركات بالبحث عن أفراد لديهم دوافع ذاتية وقادرون على العمل بشكل مستقل والذين لا يخشون تحدي الوضع الراهن. ستكون مهارات الإبداع والتفكير النقدي ضرورية لهذه الأنواع من الوظائف، حيث سيحتاج الموظفين إلى أن يكونوا قادرين على حل المشكلات والتوصل إلى حلول مبتكرة بأنفسهم.
ستتطلب وظائف المستقبل أفرادًا ليسوا فقط ماهرين في التكنولوجيا، ولكن لديهم أيضًا القدرة على التفكير بشكل إبداعي وحل المشكلات بطرق مبتكرة وطرح أفكار جديدة. من خلال تعزيز هذه المهارات لدى الطلاب، تساعد المؤسسات الأكاديمية في إعدادهم لسوق عمل سريع التغير وتقديم مساهمات ذات مغزى للمجتمع.
3. تطوير المهارات الشخصية:
ستحظى مهارات العلاقات الشخصية والتواصل بتقدير كبير في وظائف المستقبل، لأنها ضرورية لبناء العلاقات والتعاون مع الآخرين ، ونقل الأفكار والمعلومات بشكل فعال.
تلعب المدارس والجامعات دورًا مهمًا في مساعدة الطلاب على تطوير هذه المهارات من خلال توفير فرص التعاون والعمل المشترك، مثل المشاريع الجماعية والهيئات الطلابية التي تساعد على تشجيع الخطابة العامة وتنمية المهارات القيادية لدى الطلاب. كما يعد توفير فرص التعاون عبر المنصات الافتراضية طريقة فعالة لمساعدة الطلاب على الاستعداد لوظائف المستقبل وتطوير المهارات التي يحتاجون إليها للنجاح في سوق العمل سريع التغير.
توفر المنصات الافتراضية فرص للتعاون، مثل المشاريع الجماعية عبر الإنترنت، وأنشطة بناء الفريق الافتراضية، والتدريب الداخلي عن بُعد. من خلال هذه التجارب، يمكن للطلاب تعلم كيفية التواصل بفعالية، وبناء الثقة، والعمل معًا لتحقيق هدف مشترك، حتى عندما لا يكونون في نفس الموقع الفعلي.
علاوة على ذلك ، يساعد التعاون الافتراضي الطلاب على بناء شبكة متنوعة من جهات الاتصال والتعرف على وجهات نظر وثقافات مختلفة ، والتي يمكن أن تكون مفيدة لمهنهم المستقبلية.
4. تعليم محو الأمية المالية:
محو الأمية المالية هي مهارة حياتية أساسية تزود الأفراد بالمعرفة والمهارات اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن مواردهم المالية الشخصية. تعد محو الأمية المالية مهارة مهمة ستزداد أهمية في المستقبل، حيث تستمر الأتمتة والذكاء الاصطناعي في تغيير سوق العمل. ومع تقادم العديد من الوظائف التقليدية، سيحتاج الطلاب إلى أن يكونوا قادرين على إدارة مواردهم المالية والتخطيط لمستقبلهم في سوق عمل غير مؤكد.
تلعب الجامعات دورًا مهمًا في تعليم محو الأمية المالية لطلابها، وبما يمكنهم من بناء الثروة ورؤوس الأموال وإدارة الديون واتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
يجب على الجامعات التأكد من أن طلابها مجهزين بمهارات المعرفة المالية اللازمة للتغلب على التحديات التي سيوجهونها بعد التخرج. باختصار، يُعد الاستثمار في تعليم محو الأمية المالية خطوة حاسمة نحو مستقبل أكثر إشراقًا للطلاب والمجتمع ككل.
5. تقديم فرص التعلم التجريبي:
توفر الخبرات العملية للطلاب فرصة لتطبيق ما تعلموه في الفصل الدراسي على مواقف في العالم الحقيقي، واكتساب مهارات عملية تحظى بتقدير كبير من قبل أصحاب العمل. من خلال الشراكة مع الشركات والمؤسسات، يمكن للمدارس والجامعات تزويد الطلاب بفرص فريدة لاكتساب الخبرة العملية وتطوير المهارات ذات الصلة. على سبيل المثال، يمكن للطلاب المشاركة في دورات تدريبية أو برامج تعاونية أو فرص تظليل، حيث يمكنهم العمل جنبًا إلى جنب مع محترفين في مجال اهتمامهم واكتساب خبرة ورؤى قيمة. هذه التجارب توفر للطلاب التجارب للطلاب ميزة تنافسية وتساعدهم على الاستعداد لوظائف المستقبل من خلال منحهم المهارات والخبرات التي يحتاجون إليها للنجاح.
يمكن لفرص التعلم التجريبي أن تساعد الطلاب أيضًا على اتخاذ قرارات مهنية مستنيرة من خلال إعطائهم لمحة عن الوظائف المحتملة، والذي بدوره سوف يساعد الطلاب على تحديد ما إذا كانت مهنة معينة مناسبة لمهاراتهم واهتماماتهم وقيمهم، وتجنب ارتكاب أخطاء مكلفة عند اختيار المسار الوظيفي.
التعلم والتجربة في البيئات الافتراضي يزود الطلاب بخبرات عملية في بيئة آمنة وخاضعة للرقابة، وحيث يمكن للطلاب المشاركة في دورات تدريبية افتراضية أو عمليات محاكاة توفر تمثيلاً واقعياً لبيئة العمل. مثال على ذلك، استخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتجربة سيناريوهات الحياة الواقعية والمحاكاة، والتي يمكن أن توفر فهمًا أعمق للمفاهيم والنظريات المعقدة.
هذا بالإضافة إلى امكانية استخدام التكنولوجيا لربط الطلاب بالموجهين وخبراء الصناعة من جميع أنحاء العالم، وتزويدهم بإمكانية الوصول إلى الموارد والدعم الذي سيساعد الطلاب على توسيع شبكاتهم المهنية واكتساب وجهات نظر جديدة وبناء علاقات ستكون ذات قيمة عند دخولهم سوق العمل.
6. تشجيع القدرة على التكيف:
إحدى السمات الرئيسية التي سيتم تقديرها بشكل كبير في وظائف المستقبل هي القدرة على التكيف. مع الوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي وعدم القدرة على التنبؤ بسوق العمل، ستكون القدرة على التكيف والتعلم المستمر لمهارات جديدة أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق النجاح.
يمكن للمؤسسات الأكاديمية تشجيع الطلاب على التكيف من خلال خلق بيئة تعليمية تشجع على المخاطرة، وتبني التغيير، والتعلم المستمر، من خلال دمج التعلم القائم على المشاريع، وتشجيع الطلاب على التعاون مع الآخرين، وتوفير فرص لتجارب التعلم العملي.
كما يمكن للمؤسسات الأكاديمية أيضًا تعليم الطلاب كيفية إدارة التغيير والتوتر بشكل فعال. وهذا يشمل تعليمهم آليات التكيف وتقنيات إدارة الإجهاد، وكيفية إدارة وقتهم وأولوياتهم بشكل فعال. ذلك سيساعدهم على الازدهار في وظائف المستقبل.