في مشهد النشر الأكاديمي دائم التطور، هناك خطوة حاسمة غالباً ما يتجاهلها المؤلفون الطموحون، وهي اختيار المجلة المناسبة لأبحاثهم. مع العدد المتزايد باستمرار من المجلات التي تغطي مختلف المجالات الموضوعية، فإن اتخاذ قرار مستنير قد يكون أمراً صعباً. ومع ذلك، فإن قرار اختيار المجلة المدروس جيداً يمكن أن يؤثر بشكل كبير على اتساع نطاق رؤية وتأثير بحثك. في هذه المقالة، سوف نستكشف أهمية اختيار المجلة والأدوات والنصائح التي يمكن أن تساعدك على اتخاذ قرار مستنير في هذا الصدد.
نشر المقالات والمجلات الأكاديمية في أرقام
في مطلع يناير 2023 نشرت مجموعة WordsRated والمتخصصة في مجال البيانات والتحليلات البحثية والدولية، مقالا يوضح الأرقام المهولة لما ينشر سنوياً، حيث تم نشر ما لا يقل عن 64 مليون بحث أكاديمي منذ عام 1996، فيما سجل عام 2022 نشر أكثر من 5.14 مليون مقالة أكاديمية سنوياً، بما في ذلك الاستطلاعات القصيرة والمراجعات ووقائع المؤتمرات. هذا وقد ارتفع عدد المقالات المنشورة بنسبة 2.06% منذ عام 2021، عندما تم نشر أكثر من 5.03 مليون ورقة بحثية.
هذا بالنسبة للأوراق البحثية، أما بالنسبة للمجلات الأكاديمية، فحسب نفس المصدر ، في عام 2020، كان هناك 46,736 مجلة أكاديمية تنشر أوراقاً بحثية في جميع أنحاء العالم، بزيادة 1.07% مقارنة بعام 2019. كما أنها السنة السابعة على التوالي التي تضم أكثر من 40.000 مجلة أكاديمية نشطة. الجدير بالذكر أنه وعلى مدى السنوات العشر الماضية، زاد عدد المجلات الأكاديمية بنسبة 28.7%، بمعدل نمو متوسط قدره 2.56% كل عام.
يتضح من الأرقام أعلاه ، أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في نشر المجلات الأكاديمية في مختلف التخصصات. وكان هذا الانتشار مدفوعاً بسهولة النشر في العصر الرقمي والتركيز المتزايد على الإنتاجية الأكاديمية ومخرجات النشر. وفي حين أن هذا التوسع يقدم فوائد عديدة، فإنه أدى أيضاً إلى ظهور قضية مثيرة للقلق، وجود عدد كبير من المجلات الزائفة والملفقة والمضللة والخادعة. غالباً ما تعطي هذه المجلات الأولوية للربح على حساب الدقة والموثوقية الأكاديمية واخلاقيات البحث العلمي والنشر، حيث تقبل المقالات التي لا تخضع لمراجعة النظراء إلا فيما ندر وربما لا تخضع لأي مراجعة على الإطلاق، كما تفرض رسوم نشر باهظة، وتستخدم أساليب خادعة لجذب المؤلفين الجدد. هذا الاتجاه المثير للقلق يشكل تهديداً لمصداقية النشر الأكاديمي، لأنه يتحدى المبادئ الراسخة للبحوث الخاضعة لمراجعة النظراء والنزاهة العلمية.
تحديات وتداعيات انتشار المجلات المشكوك فيها
مما لا شك فيه أن انتشار المجلات والدوريات في العصر الرقمي اليوم قد فتح آفاقاً جديدة لنشر المعرفة والخطاب الأكاديمي، ولكن الآثار المترتبة على هذه الظاهرة متعددة الأوجه وتستحق النظر فيها، حيث يؤدي ذلك إلى تآكل مصداقية نظام النشر الأكاديمي ككل. عندما تتكاثر وتنمو نموًا سرطانيًا المجلات ذات الممارسات المشكوك فيها، يصبح من الصعب على الباحثين والعلماء وعامة الناس التمييز بين السمين والغث أي المنشورات ذات السمعة الطيبة والتي يراجعها النظراء وتلك التي لا تعدو أن تكون مجرد أدوات للترويج الذاتي أو التربح. ومن الطبيعي أن تؤدي تلك الضبابية وعدم الوضوح والتمييز بين هذين النمطين من المجلات إلى إضعاف جودة المعلومات المتاحة للجمهور وصناع القرار.
من ناحية أخرى، يواجه العديد من الباحثين ضغوطاً للنشر في مجلات معترف بها من أجل الترقي الوظيفي، وقد تكون الرسوم التي تفرضها بعض المجلات المشكوك فيها باهظة. ونتيجة لذلك، قد يهدر الأفراد والمؤسسات الموارد دون قصد على النشر في المجلات التي لا تقدم سوى القليل من القيمة الأكاديمية أو العلمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار مثل هذه المجلات يمكن أن يضر بثقة الجمهور في البحث العلمي. إذا أدرك الجمهور أن بعض المجلات مهتمة بالربح أكثر من نشر معلومات دقيقة وموثوقة، فقد يؤدي ذلك إلى الشك وعدم الثقة فيما يتعلق بالنتائج العلمية المقدمة، الأمر الذي يمكن أن يكون له عواقب وخيمة في مجالات مثل: الصحة العامة، وصنع السياسات، والسياسة العامة. مما يؤثر على فهم القضايا الحيوية.
كيفية تقييم المجلة والتحقق من جودتها:
يحتاج الباحثون إلى معلومات حول المجلات التي ينبغي عليهم إرسال مخطوطاتهم إليها للنشر. كما أن هناك حاجة أيضاً إلى معلومات التقييم عند اتخاذ قرار بشأن الاشتراك في المجلات.
لعل الطرق الأكثر شيوعاً لتقييم الدوريات هي تحليلات الاستشهادات الببليومترية، حيث يكون مقدار الاستشهادات لمقالات الدورية بمثابة مقياس لمدى انتشار المجلة وتأثيرها. بالإضافة إلى ذلك، يتم تقييم المجلات أيضاً على أساس المراجعة من قبل الخبراء. يمكنك الحصول على أفضل صورة شاملة لجودة المجلة باستخدام عدة مؤشرات مختلفة، واختيار المؤشر الأنسب لكل غرض تقييمي. ومن خصائص المجلة الجيدة ما يأتي:
معايير عالية لقبول المخطوطات
هيئة تحرير ذات تمثيل على نطاق واسع
نظام تحكيم نقدي
سرعة النشر
التغطية من خلال خدمات التكشيف والفهرسة
مستوى ثقة عالٍ من قبل العلماء في محتويات المجلة
ارتفاع وتيرة الاستشهاد من قبل المجلات الأخرى
أدوات ونصائح لمساعدتك في تقييم واختيار المجلات التي تنشر فيها
عندما يتعلق الأمر بالعملية الحاسمة لاختيار المجلة المناسبة لنشر بحثك، فمن الضروري إنشاء أساس متين من خلال النظر في بعض المعايير الأساسية. حيث ستكون هذه المعايير بمثابة مبادئ توجيهية لمساعدتك على اتخاذ القرار الأفضل:
النطاق والتركيز: تأكد من أن المجلة تتوافق مع نطاق بحثك وتركيزه. لا ينبغي أن يسهم عملك في الموضوعات والمجالات التي تغطيها المجلة فحسب، بل يجب أن يكون لعملك صدى أيضاً.
الجمهور المستهدف: حدد ما إذا كان بحثك مناسباً للجمهور الذي تستهدفه ويأتي عملك ليلبي احتياجاته، سواء كان هذا الجمهور من الأكاديميين أو المهنيين أو الجمهور الأوسع من القراء.
معامل التأثير: في حين أن معامل التأثير (IF) هو مقياس شائع الاستخدام لقياس مكانة المجلة ومدى انتشارها، إلا أنه من الضروري وضع أهميتها ضمن المعادلة وفي السياق. حيث يمكن أن تختلف قيم IF بشكل كبير بين المجالات المختلفة، لذا ضع في اعتبارك مدى صلتها بتخصصك المحدد.
الوصول المفتوح مقابل الاشتراك: قرر ما إذا كنت تريد النشر في مجلة ذات وصول مفتوح أو قائمة على الاشتراك. حيث النشر في المجلات ذات الوصول المفتوح يضمن لأبحاثك أن تصل لجمهور أوسع ولكن مثل تلك المجلات عادة ما تتطلب رسوم نشر.
لكي تقوم بعملية اختيار المجلة المناسبة والجيدة بشكل فعال، من المهم أيضاً أن تكون على دراية بأدوات ومقاييس تقييم المجلة المتاحة. ومن بين هذه الادوات التي يمكن أن تساعدك في تقييم المجلات، ما يأتي:
قواعد بيانات المجلات: توفر قواعد البيانات المبرزة مثل Web of Science وScopus وPubMed مجموعات واسعة من المجلات. تساعدك قواعد البيانات هذه على اكتشاف المجلات ذات الصلة بمجال بحثك.
تصنيفات المجلات: تقدم منظمات مثل Journal Citation Reports (JCR) وScimago Journal Rank (SJR) تصنيفات بناءً على مقاييس مختلفة. تساعد هذه التصنيفات في تحديد المجلات ذات التأثير الكبير.
للابتعاد عن المجلات المشبوهة، التي تعطي الأولوية للربح على حساب الجودة الأكاديمية، استخدم هذه التدابير الاحترازية:
تقييم سمعة المجلة: تدقيق المراجعات والملاحظات وأي علامات تحذيرية تتعلق بشرعية المجلة. يمكن أن تكون المنتديات والمنصات الأكاديمية عبر الإنترنت المخصصة لرصد وكشف حقيقة تلك المجلات والتي يطلق عليها المجلات المفترسة مصادر قيمة لمثل هذه المعلومات.
تدقيق سياسات المجلة: قم بمراجعة شاملة لعمليات التقديم ومراجعة النظراء في المجلة. حيث تحافظ المجلات الموثوق بها على إجراءات تتسم بالشفافية والصرامة أيضًا فيما يتعلق بمراجعة النظراء.
التحقق من معلومات الاتصال: تأكد من أن المجلة توفر تفاصيل اتصال يمكن التحقق منها، بما في ذلك قائمة هيئة التحرير الشاملة والعنوان الفعلي الصحيح.
اطلب مشورة الخبراء: استشر الزملاء والموجهين ذوي الخبرة في مجال البحث الخاص بك. حيث يمكن أن تكون رؤاهم وتوصياتهم النابعة من معارفهم وخبرتهم لا تقدر بثمن.
باختصار، تعتبر عملية اختيار المجلة مرحلة محورية في رحلة النشر الأكاديمي الخاصة بك. حيث يمكن أن يؤدي اختيار المجلة المناسبة إلى تعظيم تأثير بحثك في المجال، في حين أن الاختيار غير المدروس يمكن أن يعيق الوصول للجهور المستهدف وإحداث التأثير المرجو.
أخيرا يعد اتباع نهج مدروس ودقيق في اختيار المجلة أمراً ضرورياً لضمان حصول بحثك على التقدير الذي يستحقه.