يقول دانيال جولمان صاحب كتاب الذكاء العاطفي "المنظمات الأكثر نجاحًا هي تلك التي تعطي الأولوية لتنمية المواهب وبناء المهارات كضرورة إستراتيجية."
اليوم، تقف المؤسسات أمام تحدٍّ كبير يتمثل في كيفية المحافظة على المواهب وبناء المهارات اللازمة للحفاظ على بقاء المؤسسة واستمرارية أعمالها. ذلك يحتم على المؤسسات ضرورة الاستثمار في نمو موظفيها وتطورهم لتظل قادرة على المنافسة في بيئة عمل هجينة اتسعت وتطورت خلال العامين الماضيين بشكل كبير، يجعلنا نجذم أن مكان العمل المختلط موجود ليبقى في المستقبل المنظور، حيث أظهرت إحدى الدراسات أن تسع شركات من أصل عشرة ستجمع بين العمل في المكتب والعمل عن بُعد، وعلى حد تعبير Pat Gelsinger، الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، "ليس هناك عودة إلى الوراء".
ظهر مفهوم العمل الهجين في أعقاب عمليات الإغلاق الوبائي التي تسببها كوفيد-19، والتي أجبرت الملايين على البقاء في بيوتهم والبحث عن طرق غير تقليدية لأداء الأعمال.
يشير مصطلح العمل الهجين Hybrid work إلى بيئة العمل حيث يتمتع الموظفون بالمرونة للعمل سواء في المكتب أو عن بُعد، باستخدام التكنولوجيا الرقمية للتعاون والتواصل مع الزملاء. بشكل عام، يمكن أن تأخذ آليات العمل الهجين الكثير من الأشكال والترتيبات المتنوعة باختلاف المنشأة واحتياجاتها والعمل المطلوب تنفيذه. وقد تسمى في كثير من الأحيان بيئة العمل المختلطة.
أماكن العمل المختلطة وتأثيرها على آليات تطوير الموظفين:
مع ظهور أماكن العمل المختلطة، يواجه المتخصصون في مجال التعلم والتطوير (L&D) مجموعة جديدة من التحديات. على سبيل المثال، يحتاجون إلى تطوير برامج تدريبية مناسبة لكل من التعلم الشخصي والتعلم عن بعد، والتأكد من أن جميع الموظفين لديهم إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا والأدوات اللازمة. علاوة على ذلك، تدرك الشركات الحاجة المتزايدة إلى تحسين المهارات وإعادة التدريب في مكان العمل الهجين، حيث توصلت أبحاث Gartner HR إلى أن عدد المهارات المطلوبة لوظيفة واحدة يزداد بنسبة 10٪ كل عام.
في هذا السياق، يعد تطوير إستراتيجية فعالة للتعلم والتطوير (L&D) أمراً بالغ الأهمية لأي مؤسسة تتطلع إلى جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، وتعزيز معنويات الموظفين، وزيادة الإنتاجية. ومع اقترابنا من منتصف عام 2023 ، من الضروري للمنظمات إعادة تقييم استراتيجيات التعلم والتطوير الخاصة بها وتحديد احتياجات التدريب التي يجب تضمينها في خارطة الطريق الخاصة بهم.
في هذا المقال سوف نستكشف احتياجات التدريب الرئيسية التي يجب أخذها في الاعتبار عند تطوير استراتيجية L & D فعالة، تتلاءم واحتياجات المؤسسات في عام 2023، وما بعده، لا سيما في سياق الاحتفاظ بالموهبة والاستمرار في الازدهار في بيئة أعمال VUCA (متقلبة وغير مؤكدة ومعقدة وغامضة):
برامج تدريب الموظفين الجدد
أحد جوانب دورة حياة المواهب التي انقلبت رأسًا على عقب خلال فترة الوباء والنموذج الهجين الحالي للعمل هي عملية اعداد وتأهيل الموظفين الجدد Induction and Onboarding، وذلك لصعوبة دمج الموظفين الجدد وتعزيز ثقافتك التنظيمية في مثل هذه البيئة الهجينة التي تواجه العديد من التحديات، مثال على ذلك:
صعوبة تقديم المساعدة والدعم والتحفيز الذي لا تستطيع أماكن العمل المختلطة توفيره للموظفين المعينين مثل الموظفين الجدد الذين يعملون في الموقع
احتمالية عدم تمكن الموظفون الجدد الذين يعملون عن بعد (عادة من المنزل) من الوصول إلى التكنولوجيا أو البنية التحتية المطلوبة
وقت أقل، سواء عبر الإنترنت أو شخصيًا، يخصصه المديرون للموظفين الجدد
أطر زمنية مضغوطة للغاية، ورسائل متضاربة يتم استلامها من مصادر افتراضية وشخصية.
توقعات متباينة من المشرفين والمديرين والأقران الذين يعملون جزئيًا عبر الإنترنت وجزئيًا في أماكن العمل الشخصية.
تحتاج المنظمات إلى معالجة هذه التحديات من خلال رحلة تأهيل شاملة تتماشى مع أدوار وشخصيات محددة وطرق ابتكارية لتتبع التأثير و تتبع مقياس الوقت إلى الإنتاجية (TTP) ومواءمة عملية التأهيل لتلبية TTP المتوقعة، وهنا نشير الي ان ان الوقت إلى الإنتاجية هو مقياس للوقت الذي يستغرقه الموظفون من لحظة تعيينهم إلى أن يصبحوا أعضاء منتجين في القوة العاملة في المؤسسة.
كما ويمكن تحسين برامج التأهيل للموظفين الجدد عن طريق انشاء تجربة تدريب ممنهجة باستخدام نظام ادارة التعلم (LMS)، والذي سيضمن حصول جميع الموظفين الجدد على نفس الخبرة التدريبية، مما يضمن الاتساق في المعرفة والمهارات وتحقيق التعلم التفاعلي من خلال ما توفره أنظمة إدارة التعلم من محتوى تفاعليًا مثل مقاطع الفيديو والاختبارات والمحاكاة، مما يجعل تجربة التدريب أكثر جاذبية وفعالية. بالإضافة الي زيادة قدرة الموظفين الجدد على الوصول إلى مواد التدريب في أي وقت ومن أي مكان، مما يعزز التعلم في بيئة العمل الهجين ويساعد الموظفين الجدد على أن يصبحوا منتجين بسرعة، وزيادة رضا الموظفين، وتحسين معدلات الاحتفاظ. وفي هذا الاطار يمكنك الاطلاع على منصة مداد السحابية، وسؤال ذوي الخبرة، لتتمكن من امتلاك صورة واضحة حول مدى فاعلية نظم إدارة التعلم في تسهيل وتحسين عملية تأهيل الموظفين الجدد.
بناء القدرات القيادية
تؤدي القيادة القوية إلى إنشاء فرق عالية الأداء تؤدي بدورها إلى تحقيق نتائج الأعمال المطلوبة. تحتاج المنظمات إلى إعادة التفكير في كيفية تطوير قادتها، خاصة في أماكن العمل الهجينة التي بدأت تحتل حيزا ملموسا في المشهد المتغير، لا سيما في أعقاب جائحة COVID-19. فمع وجود المزيد من الموظفين الذين يعملون عن بُعد أو في ترتيبات مختلطة، قد لا تكون برامج تطوير القيادة التقليدية فعالة في بيئة العمل الهجين، الأمر الذي يتطلب مجموعة مختلفة من المهارات والاستراتيجيات.
من خلال إعادة التفكير في نهجها واستراتيجياتها، يمكن للمنظمات ضمان أن قادتها مجهزون للنجاح في عالم العمل الجديد. وهذا يتطلب ان تعمل المؤسسات على:
وضع إطار عمل لتطوير القادة عبر البلدان والوظائف والمستويات: يتم تصميم هذا الإطار وفقًا للاحتياجات والتحديات الفريدة التي يواجهها كل مستوى من مستويات القيادة. لا يساعد هذا النهج في بناء مجموعة من القادة المهرة فحسب، بل يخلق أيضاً ثقافة التعلم والتطوير المستمر، و يضمن أن جميع القادة في المنظمة يتمتعون بلغة مشتركة وفهم للقدرات القيادية، مما يحسن من قنوات التواصل والتعاون عبر مختلف الوظائف والإدارات والمناطق.
الانتقال من برنامج أو نهج قائم على الحدث والموقف event-based approach إلى رحلة تعلم باستخدام التعلم المخصص، والذي يساعد الموظفين على تطوير مهاراتهم ومعرفتهم بطريقة تتماشى مع أهدافهم واهتماماتهم، مما قد يؤدي إلى مشاركة أكبر ورضا وظيفي، وفي النهاية أداء أفضل. يمكن تسهيل التعلم المخصص من خلال طرق مختلفة مثل وحدات التعلم الإلكتروني، والتدريب، والإرشاد، والتظليل الوظيفي، وأشكال أخرى من التعلم التجريبي.
اعتماد نظام just-in-time لتطوير القدرات القيادية، وهي استراتيجية يتم فيها تدريب القادة على المهارات والقدرات التي يحتاجون إليها في اللحظة المحددة التي يُطلب منهم استخدامها. يتناقض هذا النهج مع الأساليب التقليدية لتطوير القيادة، والتي تتضمن تدريب القادة على مجموعة واسعة من المهارات والقدرات، والتي قد لا يكون الكثير منها على صلة مباشرة بدورهم الحالي. يضمن هذا النهج أن تطوير القيادة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعمل اليومي، مما يسمح للقادة بتطبيق ما تعلموه فورًا ورؤية الفوائد في الوقت الفعلي.
وضع مقاييس محددة / مؤشرات الأداء الرئيسية لتحسين أداء الأعمال من خلال التعلم: تساعد المقاييس المحددة ومؤشرات الأداء الرئيسية المؤسسات على تحديد تأثير مبادرات التعلم الخاصة بهم وتحديد مجالات التحسين. تتضمن بعض مؤشرات الأداء الرئيسية التي يمكن استخدامها لقياس فعالية برامج تطوير القيادة في مكان العمل المختلط مشاركة الموظفين، ومعدلات الاحتفاظ بهم، ومستويات الإنتاجية، والربحية . يمكن استخدام معدلات الاستبقاء لتتبع النسبة المئوية للموظفين الذين يبقون مع المنظمة بمرور الوقت، والتي يمكن أن تكون مؤشرًا على فعالية برامج تطوير القيادة.
الطلاقة الرقمية
تشعر المؤسسات باستمرار بالحاجة إلى بناء الطلاقة الرقمية وضرورة التحول الرقمي للقوى العاملة لديها لمواكبة اتجاهات التكنولوجيا المتغيرة. يحتاج الموظفون إلى مستوى جيد من الوعي والفهم لأحدث التقنيات التي يمكن أن تكون أدوات مفيدة للإنتاجية والجودة والكفاءة في مكان العمل.
سواء كان الأمر يتعلق بالتواصل بسلاسة مع الفرق الافتراضية أو استخدام أدوات ومنصات الإنتاجية المناسبة، فإن الطلاقة الرقمية ضرورية للعمل بفعالية في بيئة العمل عن بعد.
يمكن أن يؤدي تطوير الطلاقة الرقمية من خلال برامج التدريب إلى تحسين أداء الموظفين بشكل كبير وزيادة الإنتاجية وتعزيز نتائج الأعمال. هذا ويمكن للمؤسسات قياس تأثير التدريب على الطلاقة الرقمية باستخدام مؤشرات الأداء الرئيسية مثل مشاركة الموظفين وكفاءة التعاون ووقت إنجاز المهام ورضا العملاء لتتبع التقدم وتحديد مجالات التحسين.
الارتقاء السريع بالمهارات
بناء قدرات القوى العاملة وصقل مهاراتها هو الطريق إلى المضي قدماً إلى الأمام، كما وأن إنشاء ثقافة التعلم مدى الحياة بالنسبة لكل من المؤسسات والموظفين الأفراد، هو الطريقة الوحيدة لضمان حدوث ذلك.
ترى فرق التعلم والتطوير (L&D) وقادة الأعمال الآن أن التدريب السريع وإعادة تشكيل المهارات هو مَهمة رئيسة لمواصلة المنافسة في سوق متقلب ودائم التغير. فوائد مثل هذه البرامج هائلة. على سبيل المثال لا الحصر: القدرة على توسيع نطاق الأعمال دون النمو الجانبي في عدد الموظفين وتمكين التنقل الداخلي، وامتلاك قوة عاملة أكثر مهارة تعمل على تحسين الكفاءة العامة للمؤسسة، وتحسين الاحتفاظ بها، وتقليل تكاليف التوظيف.
خلاصة القول، إن تقديم نموذج عمل مرن يعني أن تكون مرنًا في استراتيجية تطوير الموظفين لديك. فالتدريب ليس حدثًا لمرة واحدة، وإذا كنت تريد الاستمرار في تطوير الموظفين للمضي قدمًا، فمن المهم تقييم التدريب الخاص بك وتعديله بشكل دوري وبما يتلاءم مع بيئة العمل المتغيرة باستمرار، مما يعني أن تحسين المهارات وإعادة صقلها يجب أن يكونا ثوابت في إستراتيجية التعلم والتطوير الخاصة بك.