الواقع الافتراضي هو اتجاه تعليمي تفاعلي، بدأ يحصد في الآونة الأخيرة اهتماماً متزايداً في قطاع التعليم، حيث تتمتع التكنولوجيا بإمكانيات هائلة لتغيير طريقة تقديم تسليم المحتوى. وفقًا لـ Statista، من المتوقع أن يتجاوز الطلب على الواقع الافتراضي 215 مليار دولار بحلول عام 2025. ومع استمرار تطور تقنية الواقع الافتراضي وإمكانية الوصول إليها بشكل أكبر، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من التطبيقات المبتكرة للتكنولوجيا في مختلف المجالات، من فصول الواقع الافتراضي والمحاكاة الطبية إلى تجارب الترفيه الغامرة وما وراءها.
الواقع الافتراضي في مجال الطب والجراحة
في المقام الأول، يعمل الواقع الافتراضي على إنشاء عالم افتراضي غامر - متخيل أو حقيقي - مما يسمح للمتعلمين ليس فقط بمشاهدة المحتوى ولكن أيضًا بالتفاعل معه بشكل مباشر، وبحيث يمكن للواقع الافتراضي أن ينقل الطلاب إلى أماكن قد لا يتمكنون من زيارتها بطريقة أخرى، مثل المواقع التاريخية أو الفضاء أو حتى جسم الإنسان. ذلك يساعدهم على الاستكشاف والتعلم بطرق كانت مستحيلة في السابق.
بالنسبة لطلاب الطب الذين يفكرون في تخصص الجراحة، يمكن أن يكون الطريق للوصول إلى هناك طويلة وشاقة، حيث من الممكن أن تستمر الدراسة والتدريب على الجراحة لمدة خمس سنوات على الأقل بعد التخرج من كلية الطب.
من أجل إتقان مهنتهم، يحتاج الجراحون إلى الكثير من الخبرات التعليمية العملية في غرفة العمليات، ومشاهدة ومساعدة الجراحين الأكثر خبرة. ولكن قد يستغرق الأمر العديد من المشاهدات والعديد من السنوات، وقد يفتقروا إلى التعرض لبعض المواقف النادرة التي يحتاجون إليها لتعلم كيفية معالجتها. في الواقع، وجدت دراسة حديثة أجرتها جامعة ميشيغان أن 30٪ من الجراحين لم يكونوا قادرين على العمل بشكل مستقل بعد الانتهاء من سنوات مزاولة المهنة.
ولأن تدريب جراحي اليوم لم يعد يقتصر على التدريب في مختبرات التشريح، كما كان الحال مع طلاب الطب في الماضي، بدأ العديد من طلاب كلية الطب يعتمدون على تطبيقات المحاكاة لمساعدتهم على فهم ما يشعر به المريض عند إجراء العملية. يمنح التدريب في الواقع الافتراضي الطلاب تجربة عملية وغامرة لتطوير مهاراتهم في غرفة العمليات في الحالات المعقدة، دون تحمل أي خطر ناجم من التسبب في إصابة مرضاهم. ويوفر تجربة تعليمية فائقة للتدريب العملي.
وجدت دراسة أجريت عام 2019 من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، أن طلاب الطب المدربين على محاكاة الواقع الافتراضي كانوا قادرين على إكمال إجراء تقويم العظام بنسبة 20٪ أسرع من الطلاب المدربين تقليديًا، وأكملوا 38% من الخطوات بشكل صحيح. لهذا السبب، تقدم العديد من المنصات الافتراضية منصة خدمة محاكاة جراحية كاملة للعملاء تتضمن إنشاء محتوى مخصص، وتأجير الأجهزة المدارة وبرنامج الدعم، وتحليلات الأداء المتقدمة.
باستخدام مثل هذه المنصات، يمكن للجراحين التدرب على الجهاز الفعلي الذي سيستخدمونه في غرفة العمليات. كما يمكنهم التدرب في أي وقت وفي أي مكان في بيئة غامرة تمامًا. يشير الخبراء في شركة نسيج إلى أن منصة التشريح باستخدام تقنية الواقع الافتراضي تمثل نجاحا كبيرا في عالم دراسة التشريح البشري. حيث توفر هذه المنصة مجموعة متنوعة من المحتوى والأدوات التفاعلية التي تتيح للمستخدمين على كل المستويات التفاعل مع الجسم البشري من خلال مجسمات ثلاثية الأبعاد وخوض تجربة تعلم مذهلة، تأخذ المستخدم إلى آفاق تفوق حدود العالم ذي البعد الثنائي. حيث تجعل المستخدم طرفا أساسيا في سيناريو الأحداث، بما يرسخ التجربة في الذاكرة على نحو غير مسبوق.
الواقع الافتراضي لتدريس علم الفضاء
يعد الواقع الافتراضي أداة تعليمية قوية يمكنها تغيير الطريقة التي يتعلم بها الطلاب حول علم الفلك، وذلك من خلال توفير تجربة جذابة وغامرة، مما يعزز فهمهم للمفاهيم العلمية المعقدة ويلهمهم لمتابعة وظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM. من خلال محاكاة بيئات الفضاء والتجارب، يمكن للواقع الافتراضي أن يوفر للطلاب بيئة آمنة وخاضعة للرقابة لممارسة مهاراتهم وتحسينها، وإعدادهم لاستكشاف الفضاء والبحث في المستقبل. على سبيل المثال، أنشأت وكالة ناسا مختبرًا واسعًا للواقع الافتراضي لتدريب رواد الفضاء المستقبليين للسير في الفضاء. يقدم مختبر VR المبتكر تجربة واقع افتراضي آسرة باستخدام عالم رسومي غير تقليدي ثلاثي الأبعاد لمحطة الفضاء الدولية (ISS). يوفر مختبر الواقع الافتراضي التابع لناسا للطلاب فرصة رائعة للطلاب لتجربة استكشاف الفضاء وعلومه بطريقة تفاعلية. يستخدم المتعلمون مجموعة من متتبعات الحركة وقفازات ردود الفعل اللمسية وسماعة رأس لاستكشاف الحياة خارج محطة الفضاء الدولية دون مغادرة فصولهم الدراسية. ذلك يساعدهم على فهم المفاهيم العلمية المعقدة وتطوير تقدير أعمق لعجائب الفضاء.
بمساعدة الطلاب، تستكشف وكالة ناسا كيف يمكن لتكنولوجيا الواقع الافتراضي أن تساعد في تقدم أبحاث استكشاف الفضاء، حيث يمكن للعلماء والطلاب على حد سواء استكشاف الكون أثناء تواجدهم في مركز Goddard Spaceflight Centre في ماريلاند، وفقًا لتقارير NPR.
التعليم الافتراضي في الفصول الدراسية
على مدى السنوات الماضية، تم استخدام إعدادات الواقع الافتراضي للتدريب في العديد من القطاعات التي تحتاج الي الممارسة والتجريب مثل الرعاية الصحية وبيئات التصنيع الخطرة، لكن المعلمين بدأوا مؤخرًا فقط في استكشاف استخدامه في بيئات تعليمية مرتبطة بالفصول الدراسية.
يتزامن الفصل الدراسي التقليدي مع مساحة فعلية، في حين أن الفصل الدراسي الافتراضي يمكن الوصول إليه من أي مكان وليس له حدود زمنية. أينما كان أو كانت وفي أي وقت، يمكن للمستخدم الوصول إلى الفصل وحضور الدرس.
يستخدم الفصل الدراسي الافتراضي أدوات رقمية، مثل منصات التعلم الإلكتروني، حيث يشارك الطلاب المعلمون المعلومات في الوقت الفعلي، ويتفاعلون مع بعضهم البعض ويطرحون أسئلة تتعلق بالدروس. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمدرسين تقييم تلاميذهم عن بعد.
يتكون الفصل الافتراضي بشكل أساسي من أربعة عناصر:
البيئة الافتراضية، أي النظام الأساسي الذي يربط المدرب بالمشاركين في الدورة، والأدوات المستخدمة، مثل مؤتمرات الفيديو ومشاركة الشرائح وملفات الصوت والفيديو أو الصور وتبادل التعليقات.
المدرب الذي ينظم ويسلم الدروس، يسمح الواقع الافتراضي للمدربين بتكييف تجربة التعلم مع احتياجات وأساليب التعلم الفردية للمتعلمين، من خلال إنشاء دروس ومحاكاة مخصصة بناءً على مستوى مهارة المتعلم واهتماماته وأسلوب التعلم المفضل.
المستخدمون، المشاركون في الدورة، الذين يمثلون مجموعة الأشخاص الذين سيتم تدريبهم. يمكن استخدام الواقع الافتراضي توفير التدريب لمجموعة واسعة من المستخدمين في مختلف الصناعات والقطاعات.
جهاز كمبيوتر أو جهاز رقمي آخر متصل بشبكة، مما يتيح تصفح الإنترنت والوصول إلى المحتويات المختلفة.
لكي تكون قادرًا على المشاركة في فصل دراسي افتراضي أو قيادة درس افتراضي، من الضروري امتلاك واستخدام جهاز كمبيوتر مزود باتصال جيد بالإنترنت، مما يتيح تنفيذ جميع الوظائف الممكنة بسرعة. هذا يكفي للسماح للمستخدمين المهتمين بالمشاركة في الدورة، من أي مكان في العالم. لذلك، ليس للتعلم الرقمي حدود زمنية مادية: فهذه إحدى المزايا العظيمة للفصول الدراسية الافتراضية. كما ومن المهم الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس بالضرورة أن يستخدم المدرب الفصل الافتراضي كأداة تعليمية منفردة، حيث يستطيع المدرب تضمين الفصل الافتراضي كمكمل للدروس الوجاهية .
تعد الفصول الافتراضية من نسيج مثالًا للشركات التي تمكنت من إيجاد موطئ قدم ثابت لها في الساحة، سعيًا إلى جلب قوة الواقع الافتراضي إلى الفصول الدراسية، ومساعدة المتعلمين في جميع المراحل على تجربة التعلم بطرق جديدة. تمنح الفصول الافتراضية الفرصة للطلبة – في الأماكن البعيدة جغرافيا والطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة أو الذين لا يمكن لهم التواجد الفعلي في المؤسسة التعليمية – لحضور مادة تعليمية شيقة مع الوسائل التفاعلية التي تتيح لهم التواصل مع المحاضر داخل الفصل الدراسي.
لماذا نستخدم الفصول الافتراضية؟
تُستخدم الفصول الدراسية الرقمية عادةً بواسطة منصات التدريب التي تقدم دورات عبر الإنترنت، كما يمكن أن تشكل أيضًا تعلمًا مكملاً للتعلم التقليدي، بهدف تشجيع الاتصال المباشر بين المعلم والطالب، نظرًا لأنها تمثل مكانًا مناسبًا بشكل خاص للتفاعل.
يسمح هذا النوع من الفصول أيضًا بتبادل اللقاءات بين الطلاب أنفسهم، الذين يمكنهم الالتقاء افتراضيًا بعد الدرس لإجراء أي تمارين معًا والتحضير لاختبارات التقييم. يتم تشجيع إمكانية التفاعل المستمر من خلال استخدام أدوات معينة نموذجية للبيئة الرقمية. من بين أمور أخرى، هناك المحادثات والمنتديات ومؤتمرات فيديو التي توفر التواصل السريع والمباشر. يمكن أن يكون استخدام الفصل الدراسي الافتراضي مفيدًا أيضًا في متابعة تقدم الطلاب عن بُعد أثناء الدورة وتقييم تعلمهم من خلال التمارين أو الاختبارات أو عمليات التحقق.
بشكل عام، يشجع الفصل الافتراضي أيضًا على إنشاء تجارب أصيلة غالبًا ما لا تكون موجودة في التعلم التقليدي، مثل
الفصل الدراسي المقلوب. من ناحية أخري تؤدي التقنيات الجديدة التي يوفرها الفصل الافتراضي إلى التغلب على الأدوار النمطية للمعلم والطالب، وتسطيح التسلسل الهرمي الرأسي. هذا يفتح نمط التعلم، مما يسمح للتلاميذ بالتعلم من بعضهم البعض.
ميزة أخرى للفصل الدراسي الافتراضي هي التركيز على المستخدم، والذي لا يوجد دائمًا في الفصول الدراسية التقليدية، بسبب كثافة عدد المتعلمين ووتيرة التدريس الموحدة من قبل المدرس للجميع. في المقابل نرى الفصول الافتراضية تعتمد على التعلم التكيفي المصمم خصيصًا للمستخدم، والذي يمكنه الوصول إلى المحتويات المختلفة وفقًا لاحتياجاته، مما يجعله هو بطل مسار التعلم الخاص به.
في النهاية، وبعد هذا العرض المقتضب نسبياً يمكننا القول أن الواقع الافتراضي أداة لا تقدر بثمن في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم والطب والجراحة وعلم الفلك. ومع استمرار تقدم التكنولوجيا، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من التطبيقات المثيرة للواقع الافتراضي في هذه المجالات وغيرها.