مدونة نسيج

التحول الرقمي: رؤية جديدة لمكتبات ترسخ مكانتها وتلبي تطلعات الجيل الجديد

Written by هيام حايك | 05/05/2024 09:15:31 ص

 

تخيل معي للحظة... عالم من التكنولوجيا المتطورة، حيث يندمج العلم بالفن، والثقافة بالإبداع، والمعرفة بالتواصل الرقمي. هذا هو عالم المكتبات الجديد، عالم تتحول فيه الصفحات الورقية إلى شاشات إلكترونية، تتلاقى العلوم مع التكنولوجيا لتخلق تجارب قرائية ومعرفية فريدة وغير مسبوقة. وهذا يحدث بفعل ثورة التحول الرقمي ، حيث أصبح التحول الرقمي بالنسبة للمكتبات ليس مجرد موضوع تقني، بل هو ضرورة ملحة تحتمها الزمنية وتطلبها الحاجة. 

في هذا المقال، سنتعمق في عالم التحول الرقمي في المكتبات، وسنكشف عن الأسباب الكامنة وراء أهمية هذا التحول، وكيف يمكن للمكتبات أن تستفيد منه لتعزيز دورها وتوسيع تأثيرها على المجتمعات التي تخدمها.

التوجه نحو المكتبات الرقمية

يمثل تحول المكتبات من تجسيداتها المادية التقليدية إلى الأشكال الرقمية تحولا عميقا في طريقة تنظيم المعرفة والمعلومات والوصول إليها ونشرها. لم يحدث هذا التحول في غمضة عين، بل كان تطورًا دقيقًا وممنهجاً. في البداية، بدأ الأمر برقمنة أنظمة فهرسة المكتبات، والتي كانت خطوة هائلة بعيدًا عن أدراج كتالوج البطاقات التي تتطلب التصفح المادي. مهدت هذه المرحلة الأولية الطريق لثورة رقمية أوسع داخل المكتبات، مما مهد الطريق لإدخال الكتب الإلكترونية وقواعد البيانات عبر الإنترنت والمقالات العلمية وموارد الوسائط المتعددة، وكلها متاحة من خلال مواقع المكتبات والمنصات الرقمية.

وقد كان العامل المحفز لهذا التغيير الكاسح هو ظهور وانتشار التكنولوجيا الرقمية، التي كانت بمثابة معادل قوي من حيث الوصول إلى المعلومات، فمع وجود المكتبات الرقمية، تآكلت بشكل كبير الحواجز الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي كانتىتحد من الوصول الي المكتبة . والآن، يستطيع أي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت الاستفادة من مستودعات المعرفة الواسعة في المكتبات الرقمية، والتي تضم ملايين الكتب الرقمية والمقالات وغيرها من الموارد.

يعد إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول بمثابة تطور محوري في تاريخ المكتبات والوصول إلى المعلومات. تقوم المكتبات الرقمية بتوسيع خدماتها إلى ما هو أبعد من جدرانها المادية، مما يوفر وصولاً على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع للمستخدمين في جميع أنحاء العالم. وقد حولت هذه الإمكانية المكتبات من مستودعات ثابتة للكتب إلى منصات ديناميكية لتبادل المعلومات والتعلم. مما يضمن وصول المستفيدين إلى أحدث الأبحاث والمعلومات.

علاوة على ذلك، يعكس التحول إلى المكتبات الرقمية تحولا مجتمعيا أعمق نحو استهلاك المعلومات الرقمية. في عصر يلجأ فيه غالبية الأشخاص إلى الإنترنت للحصول على المعلومات والأخبار والترفيه، تكيفت المكتبات لتلتقي بمستخدميها أينما كانوا: عبر الإنترنت. ويضمن هذا التوافق مع عادات استهلاك المعلومات المعاصرة بقاء المكتبات ذات صلة ومؤسسات أساسية في المجتمع، حتى مع تطور طرق الوصول إلى المعلومات واستهلاكها.

تأثير الجيل Z وجيل الألفية على التحول الرقمي في المكتبات

التحول الرقمي في المكتبات يحمل أهمية كبيرة تنسجم مع الانتقال الطبيعي الذي يشهده المجتمع نحو استخدام التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة. فالمستخدمون اليوم للمكتبات من الجيل Z وجيل الألفية تحديدا، لايميلون للبحث عن المعرفة والمعلومات بين أرفف المكتبة التقليدية، بل يتطلعون إلى الوصول السهل والفوري إلى الموارد التعليمية والثقافية عبر الإنترنت، ومن هنا تبرز أهمية التحول الرقمي في تحديث وتطوير الخدمات المكتبية لتلبية هذه التطلعات المتزايدة. وفي هذا السياق نستحضر تقرير نشرته جمعية المكتبات الأمريكية في نوفمبر 2023، حيث أوضحت أن هناك فكرة شائعة تشير إلى أن المكتبات العامة في أمريكا تواجه خطر الاندثار، حيث يُرتبط نجاح المكتبة، بحسب الاعتقاد السائد، بعدد الزيارات الفعلية واستعارة المواد مثل الكتب والمجلات والخرائط. في الواقع من السهل الانجراف نحو هذا الاعتقاد، خاصةً مع تراجع متوسط عدد زيارات المكتبات الفعلية إلى أقل من أربع زيارات سنويًا في عام 2019، وانخفاض استعارة المواد بنسبة 25٪. لكن الحقيقة تقول إن المكتبات العامة في أمريكا تعيش أفضل أيامها، وذلك بفضل توجه الجيل Z وجيل الألفية نحو الاستخدام الرقمي، فقد كشفت دراسة صادرة عن جمعية المكتبات الأمريكية في نوفمبر 2023 أن 54٪ من الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و40 عامًا قاموا بزيارة المكتبات الفعلية خلال العام الماضي، وأكد 37٪ منهم استخدام المكتبة الرقمية. أشار التقرير أيضًا إلى أن الجيل Z وجيل الألفية يشكلون أكبر مجموعة من مستخدمي المكتبات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وهم الذين يعملون على تغيير كيفية تقديم المكتبات العامة لخدماتها، وخاصةً مع توسيع نطاق مجموعاتها وخدماتها الرقمية. هذه الأرقام التي كشفتها الدراسة، واستجابة المكتبات لطبيعة العصر التكنولوجي، تؤكد على أهمية وضرورة التحول الرقمي في المكتبات من أجل البقاء مزدهرة.

أوجه ومظاهر التحول الرقمي في المكتبات

التحول الرقمي في المكتبات يتضمن عدة أوجه ومظاهر تشكل محوراً أساسياً في تطوير خدمات المكتبات وتلبية احتياجات المستخدمين في العصر الرقمي. ندرج هنا بعض الأوجه والمظاهر الرئيسية:

  1. التصميم الذي يركز على المستخدم

أحد الجوانب الرئيسية للتحول الرقمي هو التصميم الذي يركز على المستخدم، وهو ما يعني فهم المستخدمين وإشراكهم في تصميم وتقديم خدمات المكتبة. يساعد التصميم الذي يركز على المستخدم المكتبات على إنشاء تجارب أكثر صلة، ويمكن الوصول إليها، وجاذبية لمستخدميها، سواء عبر الإنترنت أو دون الاتصال بالإنترنت. على سبيل المثال، استخدمت بعض المكتبات تعليقات المستخدمين والاستطلاعات والمقابلات واختبارات قابلية الاستخدام لتحسين مواقع الويب وتطبيقات الأجهزة المحمولة والكتالوجات وأكشاك الخدمة الذاتية. كما يوجد لدى مكتبات أخرى خدمات ومساحات مصممة بشكل مشترك مع مستخدميها، مثل مساحات التصنيع، والمختبرات الرقمية، ومشاعات التعلم.

  1. محو الأمية الرقمية:

جانب آخر مهم من التحول الرقمي هو محو الأمية الرقمية، وهو ما يعني تمكين المستخدمين من الوصول إلى المعلومات والوسائط الرقمية واستخدامها وإنشائها ومشاركتها. يعد محو الأمية الرقمية أمرًا ضروريًا للمستخدمين للمشاركة في المجتمع الرقمي والاقتصاد والثقافة الرقمية. تلعب المكتبات دورًا حيويًا في تعزيز ودعم المعرفة الرقمية بين مستخدميها، وخاصة أولئك الذين يواجهون الاستبعاد الرقمي أو الحرمان. على سبيل المثال، قدمت بعض المكتبات التدريب على المهارات الرقمية، وموارد التعلم عبر الإنترنت، وبرامج التوجيه الرقمي لمساعدة مستخدميها على تطوير ثقتهم وكفاءتهم الرقمية. وقد وفرت مكتبات أخرى إمكانية الوصول إلى الأجهزة والأدوات والمنصات الرقمية لتمكين مستخدميها من إنشاء ومشاركة المحتوى الرقمي والقصص الخاصة بهم.

  1. الابتكار الرقمي :

الابتكار الرقمي، وهو ما يعني بتجربة أفكار وحلول جديدة لحل المشكلات وخلق القيمة. يعزز الابتكار الرقمي ثقافة الإبداع والفضول والتعلم في المكتبات، وكذلك في مستخدميها ومجتمعاتها. تتبنى المكتبات وتطبق أساليب وأساليب مختلفة للابتكار الرقمي، مثل التفكير التصميمي والتطوير السريع والنماذج الأولية. على سبيل المثال، أنشأت بعض المكتبات مختبرات ومراكز للابتكار لدعم وعرض أنشطتها ونتائجها في مجال الابتكار الرقمي. وقد قامت مكتبات أخرى بإشراك مستخدميها ومجتمعاتها في عمليات وتحديات الابتكار الرقمي، مثل مسابقات الهاكاثون، ومسابقات الأفكار، والتعهيد الجماعي. وقد أشار الباحثون في مشروع LibrarIN والممول من الاتحاد الأوربي إلى ثلاثة مجالات رئيسية ذات صلة بالابتكار في المكتبات: رضا المستخدم، واعتماد التكنولوجيا، وعدد لا يحصى من أنشطة الابتكار داخل المكتبات. وقد امتد هذا الاستكشاف عبر المكتبات العامة، المتاحة لجميع أفراد المجتمع، والمكتبات البحثية أو الأكاديمية المتخصصة التابعة لمؤسسات التعليم العالي والبحث الحكومي.

  1. القيادة الرقمية

تشير القيادة الرقمية إلى الصفات والقدرات المطلوبة للقادة للتنقل والنجاح في العصر الرقمي. ويتضمن ذلك فهم التقنيات الرقمية واستخدامها، بالإضافة إلى امتلاك عقلية رقمية للتعرف على الفرص والتحديات المرتبطة بالرقمنة وتقييمها. تتطلب هذه القيادة من المكتبات وجود رؤية واضحة واستراتيجية متناسقة تجاه التحول الرقمي، بالإضافة إلى إقامة هياكل حوكمة قوية تدعم هذا التحول. من خلال تطوير مهارات وقدرات الموظفين وأصحاب المصلحة، يتسنى للمكتبات تحقيق النجاح في رحلتها الرقمية. تستثمر المكتبات وتشارك في مجموعة متنوعة من المبادرات والبرامج لتعزيز قدراتها الرقمية، مثل تحديد أطر التحول الرقمي ورسم الخرائط الذهنية ووضع الخطط المستقبلية. على سبيل المثال، تأسيس فرق ووظائف خاصة بالتحول الرقمي يعكس التزام المكتبات بالتطور والتحسين المستمر، حيث تُكلف هذه الفرق بإشراف وتنفيذ مشاريع التحول الرقمي بشكل متكامل. بالإضافة إلى ذلك، فإن توفير التدريب والتعليم حول التحول الرقمي، يعزز فهم واستعداد الموظفين وأصحاب المصلحة، مما يسهم في نجاح عمليات التحول وتطبيق التكنولوجيا الرقمية بشكل فعال في بيئة المكتبة.

  1. المنصات السحابية المبتكرة

يقدم استخدام المنصات السحابية لخدمات المكتبة، مثل منصة مداد لخدمات المكتبات، قيمة مضافة كبيرة للمكتبات، حيث تساهم المنصات السحابية في تقديم خدمات المكتبة بشكل فوري ومرن. فبفضل البنية التحتية السحابية، يمكن للمستخدمين الوصول إلى الموارد الرقمية في أي وقت ومن أي مكان دون الحاجة إلى تثبيت برامج أو تحميل ملفات كبيرة. كما توفر المنصات السحابية للمكتبات مرونة في إدارة وتخزين الموارد الرقمية، وبما يمكن المكتبات من توسيع مجموعاتها الرقمية بسهولة دون الحاجة إلى تخصيص مساحة تخزين إضافية، مما يسمح لها بتلبية احتياجات المستخدمين بشكل فعّال. بالإضافة إلى ذلك تقدم المنصات السحابية للمكتبات حلولًا متقدمة لإدارة الموارد وتحليل البيانات.

تتيح هذه الحلول للمكتبات فهم أفضل لاستخدام الموارد وتقديم الخدمات بشكل متميز، مما يساعدها على تحسين تجربة المستخدم وتلبية احتياجاتهم بشكل أفضل.

مخاطر وتهديدات التخلف في اعتماد التحول الرقمي في المكتبات

تعتبر التحولات الرقمية أساسية للمكتبات في هذا العصر الذي يتسم بالتطور التكنولوجي السريع وتغير أنماط الاستهلاك الثقافي. ومع ذلك، ينطوي عدم اعتماد التحول الرقمي على مخاطر وتهديدات تهدد بالتخلف وفقدان الأهمية بالنسبة للمكتبات. فعدم التحول يعرض المكتبات لخطر العزوف عنها من قبل الجمهور، خاصةً الأجيال الشابة التي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا في حياتها اليومية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التخلف في اعتماد التحول الرقمي إلى فقدان القدرة على تلبية احتياجات المستخدمين الحالية والمستقبلية، مما ينعكس سلبًا على تجربة المستخدم ويؤثر على جاذبية المكتبة كمركز حيوي للمعرفة والتعلم و فقدان الثقة من قبل المستخدمين، وبالتالي فقدان الدعم المالي والموارد الضرورية للاستمرار والنمو. لذا، من الضروري أن تدرك المكتبات خطورة التباطؤ في اتخاذ قرار البدء في عملية التحول الرقمي، واعتماد استراتيجيات جذابة ومبتكرة لضمان تحقيق التحول بشكل جذاب وفعال، مما يضمن استمرارها في خدمة المجتمع بشكل مستدام وفعّال.

البدء في رحلة التحول الرقمي

من الواضح أن عملية التحول الرقمي في المكتبات تحمل الكثير من الفرص والتحديات. إذا كانت المكتبة تسعى لتحقيق تطور مستدام والاستفادة القصوى من الثورة الرقمية، فإن التواصل مع مؤسسات مثل نسيج للتقنية يعد خطوة حيوية. يمكن لفريق نسيج أن يوفر الدعم والمشورة المتخصصة للمكتبات في رحلتها نحو التحول الرقمي، سواء من خلال تقديم الاستشارات الفنية أو تقديم الحلول المبتكرة التي تناسب احتياجات كل مكتبة بشكل فردي. لذا، نحن نشجع جميع المكتبات الراغبة في استكشاف وتنفيذ التحول الرقمي على التواصل مع فريق نسيج، لتحقيق أهدافها بكفاءة ونجاح.