في عالم اليوم، لا يمكن للمكتبات أن تكون سلبية أو محايدة. إذ نجد أنفسنا نتعامل مع الاضطرابات على جميع الجبهات - السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية والبيئية. المشاركة الكاملة في الحياة المجتمعية من خلال السعي لتحقيق قيمنا المهنية لم تكن أبدا أكثر أهمية مما هي عليه الان.
في المؤتمر والمعرض السنوي للجمعية الأمريكية للمكتبات (ALA) 2015، اعتمد مجلس ALA القرار بشأن أهمية المكتبات في تحقيق التنمية المستدامة. لقد كان هذا القرار لحظة فاصلة في تاريخ المكتبات الأمريكية، فهو اعتراف مهني بالدور الملهم والفريد الذي يمكن أن تلعبه المكتبات في حوارات مجتمعية أوسع حول البيئة، وتغير المناخ، ومستقبل مستدام لنا جميعا.
كلنا على نفس القارب
عادة ما يُنظر إلى أفراد مجتمعنا - سواء كانوا داخل مدينة أو مدرسة أو حرم جامعي أو سكنا خاصا بهم - على أنهم فصائل ديموغرافية. ولكن هناك شيء واحد لدينا نشترك فيه جميعا، وهذا الشيء كبيرة جدا: إننا جميعا نعيش على كوكب الأرض. ونعتمد جميعا على بعضنا البعض لكي نحصل على هواء صحي وماء نظيف وموارد طبيعية كافية للمساعدة على ضمان الأمن الغذائي والحيوية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
الاضطراب المناخي حقيقة لا مفر منها. ونضوب الموارد الطبيعية يحدث. إن عدم المساواة في الوصول إلى النظم الإيكولوجية السليمة والبيئات المبنية هو القاعدة. في عام 2014، حدد الفريق الحكومي الدولي المعنيِّ بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة والرابطة العالمية للأرصاد الجوية أننا وصلنا إلى نقطة في تاريخنا لم يعد الحديث عندها عن إنقاذ الأرض، بل ابقاءها حية.
فلسفة التفكير المستدام في المكتبات
يشير التفكير المستدام إلى مواءمة القيم الأساسية للمكتبة ومواردها -بما في ذلك وقت الموظفين والطاقة والمرافق والتقنية -مع حق المجتمع المحلي والعالمي في الازدهار ومساعدته على الوصول إلى حياة جديدة وحيوية من خلال الخيارات التي يتم اتخاذها في جميع مجالات عمليات المكتبة. وقد ولد هذا التعريف من مبادرة الاستدامة لمؤسسة مكتبة نيويورك، والذي تم تعريفه على أنه: "دعوة للمكتبات للتفكير بشكل مختلف، في كل عملية أو خيار نقوم به" سواء كان ذلك مرتبطا بالعمليات أو تصميم البرامج أو الخدمات أو التواصل والشراكات - كل ذلك يروي قصة من نحن كمؤسسات وأين تقع أولوياتنا. وقد ثبت ذلك مرارا وتكرارا: عندما تدعم مجتمعك، سوف يدعم مجتمعك مكتبتك. أن تكون جزء من الفريق الذي يخلق الاتصالات، والتطورات، والحلول اللازمة لعالم أفضل يعد وسيلة رائعة لضمان جدارة مكتبتك بالاستثمار.
إذن، كيف سنفعل ذلك؟ كما قال المؤلف ويليام جيبسون الشهير: "المستقبل هنا – ولكنه ليس موزعًا بشكلٍ متساو". والمكتبات تستطيع أن تسهم في إعادة التوزيع!
المكتبات جزء من أهداف التنمية المستدامة (SDGs)
تدرك جمعيات المكتبات في كثير من الدول مسؤولياتها الاجتماعية الواسعة. وتحدد المسؤوليات الاجتماعية الواسعة للمكتبات من حيث الإسهامات التي يمكن أن تقدمها المكتبات في تحسين أو حل المشاكل الحرجة للمجتمع؛ ودعم الجهود الرامية إلى المساعدة على توعية وتثقيف المجتمعات بشأن هذه المشاكل وتشجيعها على دراسة الآراء العديدة بشأن كل مشكلة والحقائق المتعلقة بها.
خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 هي إطار يضم 17 هدفا للتنمية المستدامة، بما مجموعه 179 غاية. تم وضع "أهداف التنمية المستدامة" ("SDGs") كأهداف تتعلق بمستقبل التنمية العالمية. وقد وضعتها الأمم المتحدة وروجت لها كأهداف عالمية للتنمية المستدامة. وتستمر أهداف التنمية المستدامة من 2015 إلى 2030. تغطي أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التنمية الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. وهي تضع خطة لجميع البلدان لكي تشارك بنشاط في جعل عالمنا أفضل لشعبها، دون ترك أحد خلفها.
ومما لا شك فيه أن المكتبات مؤسسات رئيسية قادرة على الإسهام في تحقيق هذه الأهداف. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شارك الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات - الإفلا - بنشاط في وضع خطة الأمم المتحدة لعام 2030، ودعا إلى إدراج إمكانية الوصول إلى المعلومات، وصون التراث الثقافي، ومحو الأمية العالمية، والوصول إلى تقنية المعلومات والاتصالات في إطار العمل.
الشراكات لتحقيق الأهداف: تقوية وسائل تفعيل الشراكة العالمية وإعادة الحيوية إليها من أجل التنمية المستدامة
يتطلب جدول تنمية مستدامة ناجع شراكات بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وهذه الشراكات الشاملة تُبنى على قواعد وقيم ورؤية مشتركة وأهداف مشتركة تضع الناس في قلب هذه الجهود. وجميعها متطلبات على الأصعدة العالمية والإقليمية والقُطرية والمحلية.
وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة — في تقريره المعنون الطريق إلى الكرامة بحلول عام 2030 — إلى أن نجاح جدول أعمال التنمية المستدامة يتوقف على مدى قدرته على حشد الفاعلين والشراكات الجديدة والجهات المؤيدة ومواطني العالم ككل.
وفي خطة الأمم المتحدة لعام 2030، تم الاعتراف بالوصول إلى المعلومات كهدف في إطار الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة: تعزيز المجتمعات السلمية والشاملة من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وتوفير إمكانية الوصول إلى العدالة للجميع إنشاء مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، كما نص
الهدف 16.10 على ضمان حصول الجمهور على المعلومات وحماية الحريات الأساسية، وفقا للتشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية.
وسوف يعمل الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات مع جمعيات ومؤسسات المكتبات وأعضاؤه في 150 بلدا على ضمان استعدادها لدعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في بلادها و من خلال خدمات وبرامج المكتبات، بما في ذلك إمكانية وصول الجمهور إلى تقنية المعلومات والاتصالات. وتوفر المكتبات وسيلة أساسية للوصول الي الناس من خلال دعم الإدماج الرقمي عبر النفاذ إلى تقنية المعلومات والاتصالات، وتكريس موظفين لمساعدة الناس على تطوير مهارات رقمية جديدة.
منهجيات التنفيذ
في جميع أنحاء العالم، هناك حوالي 320،000 مكتبة عامة وأكثر من مليون من المكتبات البرلمانية والوطنية والجامعية والمدرسية والخاصة التي تؤكد على ضمان أن استخدام المعلومات والمهارات متاح للجميع، مما يجعل منها مؤسسات حيوية ومهمة للجميع في العصر الرقمي. وتوفر المكتبات البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، وتساعد الناس على تطوير القدرة على استخدام المعلومات بفعالية، والحفاظ على المعلومات لضمان الوصول المستمر للأجيال القادمة. وهي توفر شبكة راسخة وموثوقة من المؤسسات المحلية التي تصل بشكل فعال إلى السكان الجدد والمهمشين.
الوصول إلى المعلومات مسألة شاملة تدعم جميع أهداف التنمية المستدامة. وتسهم خدمات المكتبة في تحسين النتائج عبر أهداف التنمية المستدامة من خلال:
كيف تدعم المكتبات أهداف التنمية المستدامة
يمكن للمكتبات أن تدعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة من خلال توفير إمكانية الوصول إلى المعلومات ودعم مهارات محو الأمية وتقنية المعلومات والاتصالات والوصول إلى الفضاء المجتمعي. وهنا بعض الأمثلة:
ترتيبات بناء القدرات ونقل التقنية
سوف تعمل الإفلا على بناء قدرات أعضائها من خلال مجموعة أدوات تضمن استعداد جميع أمناء المكتبات لدعم أهداف التنمية المستدامة، ومن خلال ورش العمل والاجتماعات في المناطق الموزعة في 150 بلدا وحيث يعمل أعضاء الإفلا، بما في ذلك أفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. المكتبات عبارة عن شركاء تثبت فعاليتها ودورها للنهوض بأولويات التنمية. وقد عين العديد من البلدان مكتبات كمستودعات للأمم المتحدة، مما يجعلها مكانا هاما للمعلومات عن الأمم المتحدة وأهداف التنمية المستدامة، من خلال تقديمها مجموعة متنوعة من البرامج والخدمات المصممة خصيصا لاحتياجات مجتمعهم، المكتبات بالفعل تقدم الدعم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويمكننا أن نستشعر ذلك في:
محو الأمية العالمية واضح في رؤية خطة الأمم المتحدة لعام 2030. فنصف سكان العالم يفتقرون إلى الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت. في مجتمع المعرفة توفر المكتبات إمكانية الوصول للجميع.