library management & Higher Education blog Naseej Academy Naseej Academy Send Mail

عن مدونة نسيج

تهدف مدونة نسيج الى توفير مساحات تشاركيه تتسع لكل المتخصصين والمهتمين بكل ما هو جديد في مجال المكتبات والتعليم العالي والتعلم عن بعد وتقنيات المعلومات والاتصالات وتقنيات الأرشفة وحلول المعرفة المتقدمة في التعليم العالي، المكتبات، ومراكز الأبحاث.

سجل بريدك الالكتروني هنـا لتصلك أحدث التدوينات

أكاديمية نسـيج على الفيسبوك 
 
 

مقــالات حديثة

التفكير داخل الصندوق: قوة الحدود الإبداعية

نُـشر بواسطة هيام حايك on 26/12/2019 08:41:03 ص

iStock-inside the box_8-7-18 (2)222

قد يشير البعض إلى شخص ما قائلين: "انه شخص يفكر خارج الصندوق".  وهذا يدفعنا للتساؤل ماذا يعني التفكير خارج الصندوق؟ وفق ما تم مراجعته من أدبيات، يري الكثيرون أن هذا المصطلح يعني اتخاذ قرار بشيء لا يفعله أي شخص آخر، وهناك الكثير من التعريفات التي تذهب إلى أن التفكير خارج الصندوق يعني أن تدع كل تجاربك وأفكارك ومبادئك جانباً لتأتي بحل جديد لا يعتمد على أي شيء موجود بالصندوق.

ربما يثير هذا التعبير بعض الحيرة، أليس كذلك؟ لأنه من النادر التمكن من إبعاد أنفسنا عن الظروف الحالية. ذلك يعنى أن الخروج من الصندوق يعمل في بعض الحالات، ولكن في بعض المواقف الأخرى قد لا يعمل.  الأكثر أهمية أن “التفكير خارج الصندوق" ليس ضمانًا للإلهام. وتشير تجارب التفكير إلى أنه من الأسهل أحيانًا أن تكون "داخل المربع" وفي ظل التفاصيل والقيود.

وفي هذا الإطار يفترض مقال بعنوان "التفكير داخل الصندوق" تم نشره عام 2013 في صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن الناس يكونون أكثر ابتكارًا عندما يعملون ضمن قيود ما يعرفونه بالفعل. ويشير المقال إلى أن أكبر سر للأشخاص المبدعين المنتجين هو أنهم يحتضنون العقبات، ولا يهربون منها.  وبالنسبة لهم تعتبر كل انتكاسة بمثابة فرصة، وما يراه الآخرون جدارًا، يرونه مدخلًا.

وبالرغم من أن التفكير "خارج الصندوق" يعد مهارة مهمة للقرن الحادي والعشرين، إلا أنه في كثير من الحالات يكون الحل "داخل الصندوق". في بعض الحالات، يصبح التفكير "خارج الصندوق" شكلاً من أشكال التسويف أو التهرب، وينتهي الأمر بالعديد من الأفراد والجماعات في انتظار حلول لأفكارهم الكبيرة في حين قد يكون منافسوهم قد وجدوا حلولًا بسيطة تناسب العملاء. ما فشلوا في إدراكه هو أنه في بعض الأشياء يكون الحل البسيط والجيد هو كافِ، بما يكفي، وقضاء وقت إضافي فيه عملية غير منتجة.

العصف الذهني والتفكير خارج الصندوق في مقابل التفكير داخل الصندوق

أعتقد أن كثير منا سمع مثل هذه العبارة - وخاصة حين يأتي قائد جديد مفعم بالحيوية ويبدأ بالحديث حول كيفية رغبتهم في مزيد من التفكير الابتكاري في المنظمة: “نحن بحاجة إلى أن نكون شجعانًا وجريئين وأن "نفكر خارج الصندوق". نحن بحاجة إلى العصف الذهني، وتجاهل القيود، والتوصل إلى أفكار جديدة جذرية لحل المشاكل وخدمة العملاء بشكل أفضل. "

في الحقيقية يمكن أن يكون العصف الذهني والأفكار خارج الصندوق وسيلة رائعة لتشجيع التفكير الإبداعي والمبتكر. وكذلك يمكن أن تكون طريقة رائعة لتحدي افتراضاتنا الحالية للتوصل إلى أفكار جديدة تمامًا، وخاصة عندما تحدث في بيئة داعمة، ولكن Drew Boyd يرى أن العصف الذهني نادراً ما يأتي بالابتكار الحقيقي، وهو يرى أن المشكلة تكمن في النظرة التقليدية للابتكار، والمتمثلة في اتباع نهج غير منظم لتبادل الأفكار مع مختلف المشكلات والتخلي عن القواعد أو الأنماط، حيث هناك من يرى أنك في حال أردت الحصول على أفكار أصيلة، فأنت بحاجة إلى التفكير "خارج الصندوق" وعليك أن تبدأ بمشكلة ثم "تطرح الأفكار" بعيداً عن الضوابط والحدود حتى تجد حلاً، وليس مهما أن تتحول في تفكيرك إلى عمل مشابه لأشياء لا علاقة لها بمنتجاتك أو خدماتك أو عملياتك. في الحقيقة هذا النهج من التفكير يمكن أن يتسبب في إهدار الوقت والموارد، ببساطة لأنه يولد أفكارًا لا علاقة لها في كثير من الأحيان بالمشكلة التي تحاول حلها، ولن يساعدك على الخروج بفكرة رائعة.

ولكن قد يكون من المنصف القول أنه في أوقات الأزمات، من الممكن أن يكون ذلك ناجحًا في بعض الأحيان، لكنه حل خاص بالمشكلة لا يؤدي إلى توليد التفكير الإبداعي بشكل أعم. نحن بحاجة إلى التفكير الذي ينظم الإبداع كجزء من ثقافة المؤسسة. وهذا يتطلب نهج فعال يقوم على التفكير الإبداعي داخل الصندوق، والعمل في عالم مألوف لخلق أفكار جديدة مستقلة حول مشاكل محددة.

فمن خلال تحديد مشكلة أو تحد معين ومن ثم تحديد حدود هذا المشكلة، يمكن أن يكون معظمنا أكثر إبداعًا و أكثر إنتاجية، فالحرية قد تضر بالإبداع كثيراً، الحدود وقلة الإمكانيات هي ما تساعد على التفكير الإبداعي والمبتكر، مع التفكير "داخل الصندوق" ، يمكن للمؤسسات بغض النظر عن حجمها أن تصبح خلاقة بما فيه الكفاية لحل المشاكل حتى قبل أن تتطور.

التفكير داخل الصندوق من منظور جديد

أما Micael Dahlen فيشير في كتاب له حول الإبداع غير المحدود والتفكير داخل الصندوق إلى أننا لسنا بحاجة إلى "التفكير خارج الصندوق" في سعينا لتحقيق الإبداع، بل يجب علينا إعادة التفكير في الطريقة التي ننظر بها "داخل الصندوق". يقترح المؤلف أن الإبداع يجب أن يعمل في حدود قيود الصندوق التنظيمي، لكن يجب تنمية تلك المساحة والسماح لها بالارتجاج. من خلال تجربة الاتجاهات الجديدة وتغييرها وإيجادها، يمكنك اكتشاف مسارات العمل التي تؤدي إلى النجاح.  يتم خلال الكتاب تشجيع القارئ على عدم تحرير نفسه من كل معارفه وتجاربه (التفكير خارج إطار الصندوق) ولكن لاستخدام معارفهم وخبراتهم بطرق جديدة. ويركز الكتاب على ثلاث خطوات أساس:

  • توسيع المربع: بحيث يمكن تحريك قطع اللغز الموجودة فيه بحرية أكبر

  • ملء الصندوق: بمزيد من المعرفة، وكيفية الحصول على هذه القطع الجديدة من اللغز للتواصل مع تلك الموجودة

  • هز الصندوق: بحيث تسقط القطع في أماكن جديدة وتشكل أنماطًا جديدة.

ضرورة التفكير داخل حدود الصندوق

هل يمكن للقيود والمحددات أن تدعم الإبداع والابتكار؟ يقول جون سيلي  براون John Seely Brown  البروفيسور في جامعة جنوب كاليفورنيا ، "على عكس الأقوال السائدة، فإن الخيال والابتكار مدفوعان فعليًا بالقيود. يمكن أن يؤدي الكثير من الحرية إلى التعثر." الابتكار ليس مجرد طرح الأفكار. الابتكار هو تحقيق الأفكار وإعادة تصور لكيفية عمل الأشياء من أجل أن يكون هناك شيء ما مبتكر، ويجب أن يؤثر  هذا الشيء على الواقع ويغير فيه أيضًا، لذلك ، مجرد خلق الفكرة لا يعنى  أننا أصبحنا مبتكرين لأن العملية يجب أن تطور النتائج أيضًا. هذا هو السبب في أن وضع قيود في عملية الابتكار له فائدته بالفعل.

 يقول مارك ميلر Mark Miller مدير شركة General Assembly للتعليم والتدريب لدينا جميعًا قيود في عملنا، ولكن المهم كيف نكون مبتكرين أثناء استخدام القيود والتفكير داخل الصندوق. وللقيام بذلك عليك اتباع الاتي

  1. قم بتحديد المشكلة ولكن ليس الطرق المحتملة لحلها: الابتكار ليس مقصورا فقط على المفكرين والموظفين في المستويات العالية. يمكن للأشخاص الذين يقومون بالأعمال المباشرة أن يكونوا مبدعين أيضًا. من المهم أن ندرك أننا نبتكر جميعًا بشكل مختلف، وأن المشاكل لا يوجد لها عدد من الحلول ، وأن الجميع يستطيع أن يأتي بأفكار مختلفة، وهذا هو ما يجعلها فريدة من نوعها.

  2. قم بتقييد الأجواء وليس الفريق: لقد ثبت أن الابتكار أكثر فاعلية كعملية تعاونية. قم بتهيئة جو محدد حيث يمكن للأشخاص تقديم الأفكار بأمان وبدون حكم، لكن تعلم أنك بحاجة إلى أنواع مختلفة من العقول في الفريق.

  3. قم بتقييد الموارد وليس طرق استخدامها: إذا كانت لديك ميزانية ضخمة، فربما لن يكون من الصعب تطوير أفكار رائعة. يحدث الابتكار عند تطوير الأشياء باستخدام مجموعة موارد محدودة. كن واضحًا فيما يتعلق بقيود الموارد الخاصة بك، لأن ذلك سيساعد الفريق على الابتكار بشكل أكثر فعالية.

الحدود كحافز للتفكير لا يقتصر على مارك ميلر، فهناك الكثير ممن يناصرون هذه الفكرة،  وهنا سنجد البروفيسور الباحث جون سيلي براون (John Seely Brown) يقول: "يحدث الابتكار حقًا عندما نغير عقليتنا وتصرفاتنا. إضافة القيود تعمل على فتح عقلية جديدة ولكنها تفتح الباب أمام الابتكار بشكل مدهش. أما  Drew Boyd أحد أشهر الرواد في مجال الإبداع والابتكار، فيقول لننسى العصف الذهني، فالناس يكونون أكثر ابتكارا عندما يعملون ضمن قيود ما يعرفونه بالفعل، كما يرى أن  الأفكار والإبداع  شيء منظم ولا يعتمد على الموهبة بقدر ما يعتمد على المهارات ويعمل داخل الصندوق أكثر مما تعمل خارجه،

هناك قاعدة جيدة تتمثل في التفكير "خارج الصندوق" فقط بعد أن تستكشف ما "داخل الصندوق". يجب أيضًا تقييم أهمية المشروع أو الفرصة والقيمة الحقيقية لمختلف الحلول. كذلك، لا يمكن الفصل بين ما بداخل الصندوق وخارجه. فكلاهما صندوق واحد. وعلينا دائما البحث والتفكير في إيجاد طريقة جديدة أو استخدام طريقة بديلة لاستخدام المواد والظروف، وحتى القيود التي يواجهها المرء. يقول الروائي الفرنسي  مارسيل بروست: "الرحلة الحقيقية للاكتشاف لا تتمثل في البحث عن أراض جديدة، ولكن في وجود عيون جديدة." فهل يمكن أن يساعدنا هذا المنظور في إعادة تصور التعليم العام؟ كيف يمكننا ضمان أن يصبح جميع طلابنا مفكرين مبدعين وناقدين؟ ما الذي يمنعنا من وجود عيون جديدة؟