الأستاذة الدكتورة أمل وجيه حمدي
مستشارة عمادة شؤون المكتبات بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل
طالعت منذ فترة مقالاً ملفتاً في جريدة البيان بعنوان " رحلة التحول إلى الهياكل التنظيمية الرشيقة"، ومنذ أن انتهيت من قراءته وحتى كتابة هذه السطور والأفكار والأطروحات التي تضمنها تعتمل في ذهني، خاصة وأنها تنطلق من التغيير الجذري الذي فرضته جائحة كورونا على حياة الأفراد ككل ومنظومة العمل في المؤسسات المختلفة على وجه الخصوص، والذي ألقى بظلاله على الممارسات المؤسسية والتنظيمية لدى الجهاتسواء الحكومية أو غير الحكومية على حد سواء، ومن ثم أفرز توجهاً نحو تطبيق العمل عن بعد، والانتقال في تلك الجهات نحو التركيز على فاعلية النتائج وجودة المخرجات بدلاً من التقيد بساعات عمل محددة، ومن ثم الاهتمام أكثر بالتواجد الذهني المثمر وليس الوجود الفزيائي الملزم – وذلك في إطار منظومة إدارية فعالة تدير هذا النمط من العمل وتقيس الأداء والمخرجات بشكل دوري معياري، مع ضرورة توافر حرص ومصداقية في الإنجاز من قبل العاملين في المؤسسة.
ولقد راقني استخدام كاتب المقال لمصطلح "الرشاقة المؤسسية أو التنظيمية Institutional/Organizational Agile" والذي تعرضت له كمفهوم ضمن بحث نشرته وورشة عمل قدمتها بالتعاون مع أكاديمية نسيج في مارس 2020 حول تطبيقات أسلوب الهدر Lean Approach في المكتبات، حيث وجدت أن تطبيق هذا الأسلوب يعد من أبرز الممكنات والأدوات التي تساعد المؤسسات على الحصول على بنية تنظيمية رشيقة، من خلال مراجعة سياساتها وتدفق سير عملياتها وإجراءاتها بحثاُ عن أنماط الهدر Wastes المختلفة ومن ثم التخلص منها جميعاً بوصفها شحوماً زائدة، تحول دون ممارسة المؤسسة لأنشطتها بسرعة وكفاية وفعالية ..أي برشاقة.
إنني على قناعة تامة بأن توجه العمل عن بعد الذي فرضته جائحة فيروس كورونا يعد فرصة ذهبية أمام كافة المؤسسات على اختلاف توجهاتها ونطاق عملها، تستطيع خلالها أن تراجع منظومة العمل بها لاستكشاف أنماط الهدر التي قد تنطوي عليها إجراءات العمل بها والتي لم يفطن إليها نتيجة الانشغالات اليومية وتتابع المهام، ومن أبرزها أنماط الهدر السلبية الآتية:
(1) فرط الإنتاج
(2) الوقت المستنفد في انتظار وصول المواد وإنجاز العمل (صفوف الانتظار)
(3) النقل غير المنظم
(4) العمليات الإضافية غير ذات الجدوى
(5) المخزون غير الضروري
(6) الحركة غير الضرورية
(7) العيوب في المنتج وتكاليف تصحيحها.
هذا، وتستطيع المؤسسة بمجرد تحديد نمط وحجم الهدر الذي يوجد بها ككل أو بإدارة أو مجموعة إدارات بعينها داخلها، أن تتخير واحدة من الأدوات المختلفة المستخدمة لتحييد تلك الأنماط السلبية من أجل التخلص منها، وتقوم بتطبيقها ضمن إطار عمل متكامل يعتمد على أسلوب التخلص من الهدر المشار إليه آنفاً، وكمثال للعرض لا الحصر الأداتان الآتيتان:
وهو مصطلح يعني في اليابانية "التغيير للأفضل أو التحسين المتواصل Continues improvement" حيث تمكن من تحسين الأداء بشكل مستمر مما يساعد على جعل الإجراءات تتم بشكل أبسط وأسرع وذلك من خلال التخلص من أنماط الهدر المختلفة، وتتميز بسهولة التطبيق، وتحقيق نتائج مستدامة سريعة وملموسة يمكن رصدها وتقييمها
هي حزمة من الإجراءات تبدأ جميعها بالحرف S، تضم: الفرز Sort، الترتيب في نسق Set in order، التلميع Shine، المعايرة Standardize، الإبقاء Sustain، حيث تهدف جميعها إلى تنظيم وترتيب مكان العمل وتشجيع العاملين على حل المشكلات التي قد تقع في هذا المكان بأسلوب معياري ومبدع في نفس الوقت.
إن رصد مواطن الهدر وتحديد أنواعه والوقوف على مسبباته، ثم الحد من تأثيراتها السلبية ووصولاً للقضاء على تلك المسببات يعد من الخطوات الحيوية الواجب على مسؤولي المؤسسات على اختلاف فئاتها اتباعها كأحد الحلول غير التقليدية التي تمكنها من التحول إلى مؤسسة رشيقة Agile Institution سواء على المستوي الاستراتيجي أو التنظيمي، ومن ثم تستطيع أداء أكبر قدر من المهام والأنشطة بمرونة وفعالية وبأقل قدر من الموارد سواء المالية أو البشرية أو اللوجستية وفي أقل وقت ممكن، وهو ما يعد ضرورة حتمية فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. ومثال على ذلك ما قامت به عمادة شؤون المكتبات بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل من إعادة هيكلة وحداتها التنظيمية المشتملة عليها سعيا للتخلص من عناصر الهدر التي كانت تمثل تحدياً لها.
لمزيد من المعلومات حول تطبيق أسلوب التخلص من الهدر في المكتبات يمكن مشاهدة الفيديو الآتي للكاتبة:
https://www.youtube.com/watch?v=4Z42cv9kVSs