أظهرت الازمة التي عايشناها خلال العامين الماضيين، بفعل كورونا، أهمية جودة التعلم عبر الإنترنت، فقد كافح أعضاء هيئة التدريس للحفاظ على تفاعل الطلاب، كما وشعر الطلاب بنقص الحافز، كما أن الافتقار إلى التكنولوجيا عالية الجودة كانت تحديًا للكثيرين. بالإضافة إلى ذلك فقد أدى الوباء إلى تفاقم العديد من المشكلات في التعليم الرقمي التي كانت موجودة قبل الوباء، مثل عدم المساواة في إمكانية الوصول والنجاح في الفصول الدراسية عبر الإنترنت.
على الجانب الآخر، وبالرغم من انحسار الوباء، إلا أن التسجيل في الدورات والبرامج عبر الإنترنت لازال يشهد نمواً ملحوظاً، مما يستوجب على المؤسسات التعليمية ضرورة استثمار الوقت والموارد لضمان جودة التعليم عبر الإنترنت. يسلط هذا المقال الضوء على خمس ركائز لجودة التعليم عبر الإنترنت بالإضافة إلى أربع توصيات تتعلق بالسياسات التي يمكنها تعزيز بيئة التعلم الرقمية..
الركائز الخمس لجودة التعليم عبر الإنترنت
تطلب التحول الرقمي للمؤسسات التعليمية في جميع أنحاء العالم إعادة تصور كامل للمناهج التربوية. يصف راج كومار المؤسس ونائب رئيس جامعة O.P. Jindal Global في الهند، خمس ركائز أساسية يجب على الجامعات البناء عليها لضمان تقديم تعليم عالي الجودة عبر الإنترنت بشكل شامل وفعال.
-
أنشطة التدريس والتعلم Teaching and learning activities
بدايةً وكخطوة أولى، يجب إجراء تحليل للدورات المقدمة وأهداف الدورة، متبوعًا بتحليل جدوى تنفيذ مفصل على مستوى أهداف الدورة ونتائج التعلم. وبناءً على التحليل، يمكن إعادة تصميم الدورات التدريبية والأهداف بشكل فعال. سيتضمن ذلك قرارات بشأن طريقة التسليم - المتزامنة أو غير المتزامنة أو المختلطة – وأفضل الطرق لتسهيل التفاعل بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
يمكن استخدام الفصول الدراسية المقلوبة Flipped classrooms جنبًا إلى جنب مع محتوى متنوع مثل البودكاست ومقاطع الفيديو، والمساقات الضخمة مفتوحة المصدر (MOOC)، والمواد القرائية القصيرة لتجنب إثقال كاهل الطلاب بالمواد ذات النصوص الثقيلة.
تعد الإثنوغرافيا الرقمية Digital Ethnography، واستخدام البيانات السابقة بعضًا من الأساليب المتعددة التي يمكن أن تنجح. والأهم من ذلك ، يجب توجيه وتدريب أعضاء هيئة التدريس ، كما وينبغي تنظيم المنتديات لضمان نقل أفضل الممارسات.
-
التقييم Assessment
يمكن العمل على التقييمات عبر الإنترنت، باستخدام أربع طرق رئيسة للتسليم - التقييم القائم على التكنولوجيا المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والتقييمات الرقمية ، والتقييمات الشفوية ، وتقديم الردود المكتوبة بخط اليد المشتركة في تنسيق صورة. ومن المهم كذلك، إعادة تصميم أسلوب التقييم بما يتماشى مع نتائج التعلم المرغوبة والجوانب العملية للتسليم عبر الإنترنت، وهذا قد يشتمل على التقييم المستمر وتقييمات الكتاب المفتوح وأنشطة المشاركة في الفصل.
ونظرًا لقيود بعض التنسيقات، يجب على أعضاء هيئة التدريس مراعاة القواسم المشتركة أثناء التخطيط للتقييم.
-
الأنشطة التي تتم خارج الفصل Non-classroom activity
وفي هذا السياق، يجب على الجامعة دعم الأحداث عبر الإنترنت مثل نوادي الكتاب ، والتعاون الفني الإلكتروني ، ولقاءات الألعاب ، ودروس التمارين الإلكترونية.
يمكن تصميم ساعات عمل وبرامج إرشادية عبر الإنترنت لتسهيل الاتصالات بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
وقد يحتاج الطلاب المقبولين حديثًا إلى مزيد من الدعم لخلق شعور بالانتماء. يمكن للجامعة القيام ببرنامج تدريبي لهؤلاء الجدد قبل الفصل الدراسي لمساعدتهم على المشاركة، وقد يتضمن ذلك تقديم مجموعة منسقة من المحاضرات التمهيدية وسلسلة من اللقاءات غير الرسمية الممتعة بين الطلاب الحاليين والسابقين.
-
البنية التحتية الرقمية Digital infrastructure
تشكل البنية التحتية الرقمية العمود الفقري للتعليم عبر الإنترنت. يجب على الجامعات تلبية متطلبات أعضاء هيئة التدريس والطلاب من حيث الأجهزة والبرامج والوصول إلى الإنترنت والطاقة والأدوات الإدارية. يجب أن تأخذ الحلول في الاعتبار التكلفة وقابلية التوسع والخصوصية والمرونة وإمكانية التنفيذ.
يمكن للجامعات التعاون مع مزودي نظام إدارة التعلم باعتباره النظام الأساسي الرئيسي لإجراء الفصول الدراسية عبر الإنترنت، وخاصة أننا بدأنا نشهد نقلة نوعية لهذه الأنظمة من حيث قدرتها على توفير تعليم تفاعلي يأخذ بعين الاعتبار احتياجات الطلاب ولا يترك أحد خلف الركب.
-
البروتوكولات Protocols
تضع الحوكمة القوية التي تحددها السياسات والإجراءات والبروتوكولات الصحيحة أساسًا متينًا للتعليم الفعال عبر الإنترنت. ومن المجالات التي يجب تغطيتها: الدرجات والتقييم والحضور وقواعد السلوك والتدريب والإرشاد لأعضاء هيئة التدريس والصحة العقلية والرفاه وخصوصية البيانات وجدولة الفصل.
كما يجب على المؤسسة أيضًا أن تأخذ في الاعتبار الأنشطة البحثية والإدارية بما في ذلك عمليات التنسيب، والتدريب الداخلي، والتدويل، وتوجيه الطلاب الجدد. وقد يكون من المهم إنشاء مكتب متخصص للحوكمة والابتكار الأكاديمي والتعلم المدمج من أجل زيادة قدرة فرق تكنولوجيا المعلومات.
توصيات تتعلق بالسياسات التي يمكنها تعزيز بيئة التعلم الرقمية..
لطالما ركزت سياسة التعليم العالي على دعم البحث الأكاديمي وتخفيض تكاليف الطلاب على حساب جودة التعليم. لكن الوباء أكد كيف أن هذا النطاق المحدود لن يكون كافياً في المستقبل.
يحتاج الطلاب في كل مكان إلى فرص تعلم ميسورة التكلفة وفعالة، ويلعب استخدام التكنولوجيا دورًا مهمًا. للمساعدة في تزويد الطلاب بإمكانية الوصول والمرونة للتعليم عن بعد عالي الجودة. وبناءً على هذا يجب على المؤسسات الأكاديمية وأصحاب القرار النظر في التوصيات التالية.
دعم الوصول إلى التكنولوجيا والجودة ذات النطاق العريض
أظهر الوباء حقيقة أن العديد من طلاب الجامعات يعيشون على حافة عدم القدرة على أداء عملهم المدرسي باستخدام التكنولوجيا المتاحة، وهذا لا يعنى أن الوضع كان مثالي قبل الوباء، فالعديد من الطلاب لم يكن لديهم وصول موثوق إلى النطاق العريض، وبشكل خاص الطلاب ذوي الدخل المنخفض والطلاب في المناطق غير الحضرية. لذلك عندما تركزت الدورات على الإنترنت، كافح هؤلاء الطلاب لتسجيل الدخول إلى فصولهم الدراسية وإكمال دوراتهم الدراسية، كما وأن أولئك الذين لديهم إنترنت في المنزل لم يكن لديهم دائمًا النطاق العريض عالي الجودة، وكان على العديد منهم مشاركته مع الآخرين الذين كانوا أيضًا في المدرسة أو كانوا يعملون من المنزل. في كثير من الأحيان، كانت التكنولوجيات المستخدمة على الأجهزة في المنزل قديمة ولا يمكنها مواكبة الاحتياجات الرقمية للأسرة.
يجب أن تضمن الحكومة الوصول إلى النطاق العريض ميسور التكلفة والجيد والموثوق لجميع طلاب الجامعات، حيث أظهر التحول إلى الإنترنت، أن النطاق العريض الموثوق به هو خدمة أساسية، لابد من العمل للحد من الوصول غير متكافئ بين المجموعات الديموغرافية في جميع أنحاء البلاد.
تحسين جمع البيانات عن برامج التعليم عن بعد
نظرًا لأن الوباء أجبر ملايين الطلاب على التعلم عبر الإنترنت بين عشية وضحاها، كان هناك شيء واحد واضح بشكل صارخ: "لم تستطع البنية التحتية لبيانات التعليم العالي مواكبة ما يحدث". جزء من التحدي المتمثل في ضمان الجودة في التعلم الرقمي هو ندرة البيانات. هذا النقص قي البيانات والمعلومات يترك فجوات كبيرة في المعرفة حول ما يحدث بالفعل في التعليم عبر الإنترنت. بدون بيانات، لا يمكننا معرفة أداء الطلاب، ولن نستطيع تحديد الفجوات التعليمية، وكيفية دعم الطلاب والمؤسسات لسد هذه الفجوات..
في الواقع، لم تعكس البيانات في كثير من المؤسسات التعليمية حتى أسماء أو أعداد المؤسسات التي انتقلت إلى التعلم عن بعد استجابة للوباء ، أو عندما أعيد فتحها. ومع ذلك، ستستمر آثار الوباء لسنوات قادمة، ولم يفت الأوان بعد لتحسين تلك البيانات.
إنشاء وتمويل أجندة البحوث الحكومية
هناك الكثير من الأبحاث حول التعليم عبر الإنترنت، ولكن الكثير من هذه البحوث يعتمد على عينات صغيرة، ودراسات حالة، وأطر نظرية، واستطلاعات رأي للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، واستنتاجات عامة مبنية على الخبرة.
بالتأكيد كل هذه الأبحاث قيمة، ولكن لا تزال هناك فجوات في الأدبيات، بما في ذلك البحث التجريبي حول فعالية نماذج التعلم عبر الإنترنت عالية الجودة. يمكن أن تساعد أجندة البحث الوطنية في تحديد الطرائق التي تعمل بشكل أفضل مع مجموعات الطلاب الخاصة، مثل طلاب الجيل الأول، أو الطلاب الذين يعولون عائلاتهم، حيث أن هذا مهم بشكل كبير لسد فجوة الإنصاف في التعليم التي يسببها الوباء.
إنشاء برنامج المنح الحكومية لدعم التطوير المهني
يفتقر التعليم العالي إلى التدريب والتطوير المهني لأعضاء هيئة التدريس حتى يتعلموا كيف يصبحون معلمين. بدلاً من ذلك، فإن معظم أعضاء هيئة التدريس يتركون ليتعلموا (أو لا يتعلموا) ما الذي يصلح في التدريس من خلال التجربة والخطأ.
أصبح هذا النقص في التدريب واضحًا بشكل غير مريح أثناء الوباء. على سبيل المثال، أعرب العديد من الطلاب عن عدم رضاهم عن بعض معلميهم الذين قاموا بتدريس الفصول، مشيرين إلى نقص المواد الجذابة، وقلة التفاعل مع أقرانهم. في حين بذل بعض أعضاء هيئة التدريس قصارى جهدهم في إدارة الانتقال السريع عبر الإنترنت والعواقب المختلفة للوباء.
يجب أن تنظر الحكومة في تقديم منح للكليات لتحفيز التطوير المهني في التدريس والتعلم عبر الإنترنت. سيدعم هذا النوع من برامج المنح المؤسسات في الاستثمار في جودة عروض الدورات التدريبية عبر الإنترنت، كما أنه سيحسن التدريس والتعلم في الفصول الدراسية الشخصية.
يمكن ربط هذا التمويل بمكافأة مالية لأعضاء هيئة التدريس. إذا تمكن المدرسون من إظهار أن نتائج الطلاب تتحسن بعد تدريبهم، فيمكنهم الحصول على زيادة أو جائزة مالية. يجب أن يعتمد التطوير المهني المقدم من خلال برنامج المنح هذا على أبحاث التدريس والتعلم الحالية، وكذلك على النتائج المستخلصة من العمل الجديد الذي قد ينتج عن استثمار اتحادي في أجندة بحثية وطنية.