يتسبب الانتشار العالمي المستمر لـ COVID-19 في إحداث ضجة كبيرة حول العالم. حيث يعمل الأطباء والممرضات والعلماء بأقصى سرعة لاحتواء تفشي المرض وتطوير لقاح. ومع ذلك، قد يستغرق تطوير اللقاح عدة سنوات، وقد لا يظهر هذا اللقاح في وقت مبكر بما يكفي للتغلب على التفشي الحالي لهذا الوباء.
عند النظر في انعكاسات هذا الوباء على التعليم، يظهر جلياً، أن هذا التفشي يؤثر بشكل كبير على قطاع التعليم الدولي، حيث أنه وفي كل عام، تتنافس الآلاف من الجامعات لتجنيد الطلاب من الدول المختلفة، والذين يمكنهم إضافة قيمة إلى مؤسساتهم وتحقيق النجاح والتميز وتمكينهم من المنافسة وتبوء مركز استثنائي في التصنيفات العالمية المختلفة. هذا بالإضافة إلى العوائد المالية التي يحققها التحاق هؤلاء الطلبة من الدول المختلفة.
اليوم تتراجع قدرة الجامعات على جذب الطلاب الدوليين خاصة أن الصين تعتبر أكبر مصدر في العالم للطلاب الدوليين.، حيث كانت العديد من الدول مثل أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعتمد بشكل مفرط على الطلاب الصينيين لسنوات عديدة ، مما جعلها اليوم تتأثر بشدة بسبب تفشى هذا الوباء وخاصة أن الكثير من الحكومات تعطل تنقل الطلاب وتحد من السفر الدولي.
انخفاض التحاق الطلاب الدوليين وأثره على الإيرادات المالية للجامعات
يعَد انخفاض الإيرادات المالية من أبرز التغييرات التي ستواجهها الجامعات، إذ انه من المتوقع أن تنهار الإيرادات عند عودة الطلاب الدوليين إلى أوطانهم أو عند تغيير خططهم المستقبلية، خاصةً أن صناديق القروض تنهار أيضًا نتيجة هبوط سوق الأوراق المالية.
التوقعات الصادرة من المتخصصين بشأن الالتحاق في التعليم عام 2020 ليست واعدة، وذلك وفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته مؤخراً شركة Studyportals المتخصصة في مجال المنح الدراسية للطلاب في جميع أنحاء العالم ، مستهدفة 170 مؤسسة للتعليم العالي، حيث يتوقع 83٪ من المشاركين في الاستطلاع، انخفاضًا كبيرًا في عدد الطلاب الدوليين المسجلين في فصل الخريف لعام 2020. كما ويُتوقع أن تخسر الجامعات الخاصة ذات الإيرادات العالية مئات الملايين من الدولارات في السنة المالية المقبلة.
عند النظر إلى قطاع التعليم العالي في المملكة المتحدة، سنجد أن أزمة COVID-19 تشكل خطرًا ماليًا كبيرًا على هذا القطاع، حيث تواجه الجامعات خسائر كبيرة عبر مجموعة من مصادر الدخل والاستثمارات. يمكن أن تتسبب هذه الخسائر في مشاكل مالية خطيرة، بما في ذلك - في الحالات القصوى – الإفلاس، هذا إلى جانب انخفاض صافي الأصول في معظم المؤسسات ، الأمر الذي قد يزيد من تكاليف التمويل وسيجعلها في وضع أقل قدرة للتعامل مع الصدمات السلبية المستقبلية.
أما معهد الدراسات المالية في بريطانيا، فيشير إلى أنه من المتوقع أن تواجه جامعات المملكة المتحدة مجتمعةً انخفاضًا ماليًا كبيرًا تقدَّر قيمته على الأقل بثلاثة مليارات دولار في السنة القادمة بسبب توقع انخفاض عدد الطلبة المسجلين في الجامعات، كما يقدر أن إجمالي الخسائر على المدى الطويل سوف يصل إلى حوالي 11 مليار جنيه إسترليني أو أكثر من ربع الدخل في عام واحد. ومن المرجح أن تنجم أكبر الخسائر عن انخفاض عدد الطلاب الدوليين والزيادات في عجز خطط المعاشات التي ترعاها الجامعة. بالإضافة إلى ذلك، سيواجه القطاع خسائر تتعلق بإغلاق الدخل من سكن الطلاب والمؤتمرات وخدمات المطاعم، بالإضافة إلى الخسائر المالية في الاستثمارات طويلة الأجل.
بشكل عام يعتمد ما إذا كانت الخسائر المتعلقة بـ COVID على مؤسسة ما في خطر الإفلاس إلى حد كبير على ربحيتها ومركزها المالي قبل الأزمة، فالمؤسسات التي لديها نسبة كبيرة من الطلاب الدوليين وتلك التي لديها معاشات تقاعدية كبيرة هي الأكثر تضررا. وهذه المؤسسات يمكن أن تكون مؤسسات رفيعة المستوى، بالإضافة إلى تلك المؤسسات الخاصة بالدراسات العليا والموسيقى والفنون.
الطلاب يفكرون في تغيير خططهم الأكاديمية بسبب COVID-19
في الفترة ما بين 20 مارس و10 أبريل 2020، أجرت Studyportals أيضا مسحا عبر الإنترنت بين 991 طالبًا دوليًا محتملًا من أجل معرفة كيفية إدراكهم لتأثير COVID-19 على خططهم الدراسية ونواياهم للدراسة في الخارج
أظهرت النتائج أنه مع تطور جائحة COVID-19، يفكر الطلاب بشكل متزايد في تغيير خططهم الدراسية، بشكل عام، حيث أن 36٪ من الطلاب يفكر في تغيير خططهم الدراسية ، وقد ارتفعت هذه النسبة من 31٪ بعد الأسبوع الأول إلى 40٪ بعد الأسبوع الرابع. ومن المثير للاهتمام أن الطلاب الذين يقولون أنه من المرجح أن يغيروا خططهم الدراسية ليسوا هم الذين سيبدؤون على الفور الدراسة هذا الخريف، بل هم الذين يخططون لبدء دراستهم من ستة أشهر إلى سنة من الآن.
أحد التفسيرات المحتملة هو أن الطلاب الذين يخططون للدراسة خلال الأشهر الستة المقبلة قد يكونون أكثر التزامًا بخططهم نظرًا لأنهم قد أجروا أبحاثهم بالفعل وقدموا طلباتهم، وقد يكون البعض قد بدأوا عمليات التأشيرة الخاصة بهم.
في المجمل، يظهر الاستطلاع أن هناك عنصرين لهما تأثير حاسم على تسجيل الطلاب الدوليين: الحدود المغلقة عند بدء الفصل الدراسي (77٪) ومكاتب التأشيرات التي لا تعالج طلبات الطلاب (أيضًا 77٪).
الدراسة في الخارج: بين الرغبة والخوف
بالطبع لدى الطلاب مخاوف متزايدة ومشروعة بشأن خطط دراستهم في الخارج والفرص المستقبلية بسبب جائحة COVID-19. لذلك، سيتعين على الجامعات الاستجابة لتلك المخاوف واحتياجات الطلاب بطريقة مرنة ومطمئنة. يعد نقل المواعيد النهائية لطلبات الالتحاق وتواريخ بدء الفصل الدراسي أمرًا مهمًا بالطبع للحد من التأثير في الأشهر المقبلة ، ولكن على المدى الطويل - في سوق أكثر تنافسية - سيحتاجون إلى إعادة التفكير في كيفية تقديم التعليم وكيفية جذب الطلاب وإقناعهم بالالتحاق. حيث أشار حوالي 85% من المبحوثين أن خطط السفر الخاصة بهم قد تكون مقيدة بسبب الحواجز وإغلاق الدول. كما أفاد 68% منهم أن قدرة الآباء على الوفاء بالتزامات الدراسة قد تكون السبب في تغيير خططهم الدراسية, هذا بالإضافة إلى أن 50٪ قلقون من عدم قدرتهم على إنهاء امتحاناتهم في الوقت المناسب.
من بين 36٪ ممن أشاروا إلى تغيير خططهم الدراسية، وجدت الدراسة أن:
50٪ منهم سيؤجلون الالتحاق بالدراسة للعام المقبل
42٪ يفكرون في التسجيل في برنامج عبر الإنترنت
21٪ يفكرون في عدم الذهاب إلى الخارج، ويفكرون في التسجيل في جامعة محلية
11٪ قد لا يدرسون على الإطلاق.
تأثير COVID-19 على البلد وجهة الدراسة
هل تتأثر جميع الوجهات بالتساوي بتغيير الطلاب لخططهم الدراسية؟ يمكننا القول، نعم ولا. حيث أظهرت نتائج الاستطلاعات، انه لم تكن هناك اختلافات كبيرة بين الطلاب الذين يفكرون في الدراسة في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو كندا أو أستراليا أو هولندا، حيث قال 35-39٪ منهم أنهم يفكرون في تغيير خططهم. بينما يشير عدد أقل من الطلاب الذين يفكرون في ألمانيا إلى أنهم يغيرون خططهم (28 ٪). إحدى الفرضيات التي يمكن إرجاع هذه النتيجة لها، هي أنه حتى الآن تم تصوير ألمانيا على أنها قصة نجاح في المعركة ضد COVID-19 ، حيث أبلغت عن عدد أقل من الوفيات ، وبالتالي ربما تبدو كوجهة دراسة أكثر أمانًا في الوقت الحالي.
في الختام، يمكننا القول أنه من المستحيل التنبؤ بتأثير COVID-19 الكامل على أرقام التسجيل، ولكن الغالبية الكبرى من المتخصصين في التعليم يتوقعون أن تكون معدلات الالتحاق في عام 2020 مقلقة، ولا تدعو للتفاؤل. أما بالنسبة للطلاب ورغم أن معظمهم يرى أن COVID-19 سيؤثر على دراساتهم، لكنهم يحاولون أيضًا الاستمرار في خططهم، فالطلاب على استعداد للالتزام بالدراسة في الخارج على الرغم من العقبات التي قد يجدونها ، وعلى الرغم من أن أعداد متزايدة منهم تغير خططها الدراسية.