مدونة نسيج

النزاهة الأكاديمية في بيئات التعلم الافتراضي

Written by هيام حايك | 06/12/2015 01:31:50 م

قبل عدة أعوام تنبأ البرفسور الهولندي  J.G. Wissema، بأن الجامعات بشكلها الحالي آخذة في الزوال ليحل مكانها تدريجياً نموذج جديد أسماه جامعة الجيل الثالث. وهذا ما تحدث عنه في كتاب حمل هذا العنوان. وقد لقي هذا الكتاب رواجا كبيرا، وهناك فصل كامل من هذا الكتاب متاح على الإنترنت للراغبين في معرفة المزيد حول هذا الموضوع.

قد يكون الوضع الحالي ليس بهذه الصورة التي رسمها مؤلف الكتاب، إلا أنه مما لا شك فيه أن شعبية البرامج الدراسية التي تقدم على الإنترنت تتزايد في الأوساط الأكاديمية؛ فهي بالنسبة للطلاب بيئة مريحة تمتاز بالمرونة والإتاحة وهذه من أكثر الميزات التي تجذب الطلاب إلى تلقى المساقات الأكاديمية على الإنترنت. إلا أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للمعلمين والمسئولين في المؤسسات الأكاديمية الذين يراقبون هذا التزايد بشيء من الحذر، فهم يشجعون هذا المد الكبير للتعليم الافتراضي ولكنهم في ذات الوقت قلقون إزاء كيفية ضمان المحافظة على النزاهة الأكاديمية. فهناك العديد من الأبحاث على مدار سنوات طويلة قامت بالإشارة إلى أن الطلاب يلجئون إلى استخدام أساليب غير أخلاقية لتضعيف النزاهة الأكاديمية. بالطبع كل منا لديه الكثير من القصص حول الكثير من حالات الغش والاحتيال التي كانت تتم خلال الامتحانات، كما نتذكر الإجراءات التي كانت تقوم بها الجامعة للحد من حالات الغش وضمان النزاهة الأكاديمية، ورغم ذلك دائما كان هناك قلق ازاء هذا...

 وقد يرى الكثير أن التعليم على الإنترنت يكون أكثر عرضة لانتهاكات النزاهة الأكاديمية. وربما يكون هذا الرأي صحيح ولكن أليس من الممكن أن يكون غير صحيح؟ هذا ما سوف نناقشه هنا، ولكن بداية من المهم توضيح مفهوم النزاهة الأكاديمية، تخوفا من أن يكون البعض ليس لديه معرفة واضحة بهذا المصطلح. النزاهة هي قيمة لا تتجزأ ولا تخضع لظروف وحالات معينة.

تعريف النزاهة الأكاديمية

يشير الدكتور بدر ملك في ورقة بحثية بعنوان "النزاهة المجتمعية... رؤية أم غاية؟"  إلى أن النزاهة الأكاديمية منظومة أخلاقية للأساتذة والطلبة وجميع العاملين في المؤسسات المدنية تنظم حياتهم وتمدهم بأصول ومبادئ تضبط سلوكياتهم. ويندرج تحت باب النزاهة الأكاديمية موضوعات كثيرة أهمها مواجهة الغش في الاختبارات، وسرقة الأبحاث، وتقديم مشاريع دراسية ليست من إنتاج الطلبة، والتحايل على القوانين. وعليه فكل ما ينتهك حقوق الغير ويساهم في تقديم معلومات مضللة أو مشاريع غير أمينة هو انتهاك صارخ للنزاهة الأكاديمية .

 الالتزام بقواعد النزاهة الأكاديمية ومبادئها يتطلب:

  • الاستشهاد بجميع ما تم استخدمه من أفكار أو نتائج أو أعمال مكتوبة منسوبة لآخرين ممن يكون قد استفاد من اقتباسات من أبحاثهم المنشورة أو غير المنشورة أو مادتهم العلمية أو أي شكل آخر من أشكال المشاركة في عمله البحثي ويوثقها توثيقا علميا دقيقا.

  • الإدراك بأن الإخلال باتباع مبادئ النزاهة الأكاديمية لا يسيء إلى من ارتكب هذه المخالفة فحسب، بل أن آثار هذه السلوكيات ستنعكس على الجهة الأكاديمية ككل.

  • إدراك أن أي شكل من اختراق النزاهة الأكاديمية يندرج تحت بند ممارسة السلوكيات غير الأخلاقية مما يعرض من يقترفها للمساءلة القانونية.

آليات تحقيق النزاهة الأكاديمية في البيئة الافتراضية

من المهم لأي برنامج أكاديمي افتراضي وقبل أن نهبط به به إلى حيز التنفيذ أن تكون هناك إجراءات إدارية تؤكد على وضع الأسس والقواعد التي تحكم نزاهة العملية التعليمية ولابد أن تكون هذه الخطوة ضمن الأولويات، وعليه تكون وثيقة الطالب للنزاهة الأكاديمية ضمن تلك الأولويات، حيث أن من حق أي طالب أن يكون على علم إلى حد ما بسياسة النزاهة الأكاديمية. فوثيقة النزاهة الأكاديمية تهدف إلى تزويد الطلاب بمعايير واضحة للسلوك. ويقر جميع الطلاب لدى التسجيل في أي دورة أو مساق تعليمي بمعرفتهم ودرايتهم بالميثاق وإجراءاته، فضلاً عن معرفتهم بتبعات انتهاكهم لأيٍّ من هذه المعايير. وقد تكون المخالفات ذات طبيعة أكاديمية أو غير أكاديمية.

تتوقع الجهة المقدمة للتعليم الافتراضي من طلابها اتِّباع أعلى معايير السلوك التي أقروا على الالتزام ببنودها. والتقيد بها في تعاملاتهم بشكل عام. كما تتوقع أن يتصرف الطلاب بنضج ومسؤولية و عدم ممارسة تصرفات من شأنها الإخلال بنزاهتهم أو بميثاق الجهة المخولة بتقديم المساق التعليمي والالتزام باللوائح والقواعد التنظيمية التي تصدرها الجهات المختصة لتنظيم عمل مؤسسات التعليم العالي.

 التوعية بدلا من التعسف:

من المهم إعطاء الطالب فرصة للتصحيح. لذلك، وبعبارة أخرى لا ينبغي أن يكون هناك استبعاد للطالب بعد ارتكابه للمخافة الأولي. فهذا لا معنى له.  في كثير من الأحيان لا يقصد الطلاب عدم اتباع قواعد النزاهة الأكاديمية وخاصة عندما يجدون شيء ما على الإنترنت ويرون أنه سيكون فكرة عظيمة لمقال وقد لا يقومون بذكر المصادر؛ وكثيرا ما يكون ذلك بسبب أنهم لا يعرفون كيفية اتخاذ الامور ووضعها في سياقها الصحيح واستخدامها بشكل مناسب في عملهم، وكيفية دمج كل ذلك. لذا، فمن المهم أن يقوم المعلم من خلال الفصول الافتراضية بتقديم جلسة او محاضرة يناقش فيها النزاهة الأكاديمية والانتحال.

نظم إدارة التعلم LMS تعزز النزاهة الأكاديمية

تساعد نظم إدارة التعلم LMS على تحقيق النزاهة الأكاديمية إلى حد ما، حيث أن مطوري أنظمة LMS لديهم قائمة من الأدوات الموجهة للمعلمين بغية مساعدتهم على تحري أكبر قدر من النزاهة الأكاديمية، مثال:

مسح النص web text scanning :

برنامج مسح النص web text scanning من المزايا المهمة لتي تم إضافتها لنظم إدارة التعلم في السنوات القليلة الماضية. ما يحدث هنا أن الطالب يقوم بتحميل الملف الذي يعمل عليه ودعنا نقول أن الملف كان مقالة عن تاريخ المكتبات المعاصرة. في هذه الحالة وبمجرد رفع الملف فسوف يقوم نظام LMS  تلقائيا بإخضاع الملف لبرنامج المسح الضوئي، وستظهر النتائج بما تمكن المعلم من الحصول على معلومات فورية حول النسبة المئوية من حجم النص الذي تعرض لعملية النسخ واللصق من موقع على شبكة الإنترنت. كما يوفر النظام روابط المواقع التي تم النسخ منها. يمكن للمعلم الضغط على الرابط، وعرض المصدر، ومعرفة ما إذا كانت الواقعة التي أمامه هي حقا قضية انتحال، أم أن الطالب ربما قام بنقل شيء من هنا وشيء من هناك وأنه أشار بشكل صحيح إلى ذلك. لذلك في النهاية الأمر يرجع للمعلم ذاته وهو من يحكم على العمل ومدى نزاهته، ولكن الأهم في الموضوع هنا أن الطالب يكون على علم بأن المادة التي رفعها سوف تخضع للمسح وهذا بالطبع يعمل على تقليل عملية الخداع والغش العلمي.

ميثاق الشرف التعليمي Honor Code Pledge  

توفر نظم LMS سمة خاصية ميثاق الشرف Honor Code، وفي حال عدم توافر هذا البند في بعض النظم، فمن السهل جدا وضعه. كما أن برامج LMS لديها خيار يمكن للمعلم ببساطة من تغيير الإعدادات لإضافة بيان شرف والذي غالبا ما ينص على التعهد بعدم تلقي المساعدة في الاختبار أو مساعدة الآخرين في اجتياز الاختبارات. على سبيل المثال الطلبة الذين يتقدمون لامتحانات افتراضية في دورات تابعة لجامعة فرجينيا سيجدون تص الميثاق التالي: "على شرفي كطالب، لم أُقدم ولم أتلقَ مساعدة في هذه المهمة/الاختبار." أما طلبة جامعة ويسلييان فسيطالعهم هذا النص " أتعهد: لا مساعدة؛ لا انتهاكات."

هناك بعض المعلمين في بيئات التعلم الافتراضي يضعون السؤال الأول في الاختبار على هيئة تعهد بعدم الحصول على مساعدة في هذا الاختبار وعدم تقديم المساعدة. وقد يمثل هذا من الردع إلى حد ما وربما يعزز فقط النزاهة الأكاديمية.

من الغريب والشائع أن الكثير من الطلبة يقبلون الميثاق ويوقعون عليه دون قراءته أو الالتزام به، حيث استرعى انتباهي أحد الطلبة يسأل في أحد منتديات النقاش عن أجوبة لبعض أسئلة الاختبار!

تأمين المتصفح

برامج LMS الجديدة لديها خاصية تأمين المتصفح. وهذه البرامج هي الأحدث، إلا أنها لا تعمل مع جميع أنظمة المتصفح. يتم تفعيل هذا لخاصية بمجرد ضغط الطالب على بدء الامتحان وهذا يجبر الطالب على النظر إلى شاشة واحدة وهي شاشة الاختبار فقط. كما هناك العديد من الميزات التي يتم اتخاذها للتأكد من نزاهة الاختبارات. على سبيل المثال تعطيل بعض الوظائف في لوحة المفاتيح، بحيث يصبح الطالب غير قادر على نسخ ولصق أي جزء من الاختبار، كما يتم تعطيل وظيفة طباعة الشاشة التي تحتوي على الاختبار. كما أن بعض النظم لديها من السياسات التي لا تسمح للطلاب بتحميل الأشياء.

 

برمجيات تدعم النزاهة الأكاديمية للتعلم الافتراضي

مع هذا الوصول غير مسبوق إلى المحتوى عبر الإنترنت، تصبح عملية الانتحال أسهل بكثير مما كانت عليه في الماضي. فالعثور على مجموعة واسعة من المحتوى وإمكانية نسخها، ولصقها وتقاسمها مع الآخرين أصبحت عملية سريعة ولا تحتاج إلى جهد كبير مما يجعل من كشف الانتحال بالوسائل التقليدية هو أصعب بكثير. هذا التحدي يضع الهيئات الأكاديمية التي تتبنى التعليم الافتراضي في موقف حرج مالم تقم باستخدام تقنيات لمنع هذه الحوادث من الحدوث والحفاظ على قواعد الشفافية والمساءلة. واستجابة لذلك تم تطوير العديد من البرمجيات التي تدعم النزاهة الأكاديمية على الإنترنت والتي من أهمها ما يلى:

برنامج  Turnitin

تورنيتين Turnitin هي شركة عالمية لها عملاءها في جميع أنحاء العالم. تقدم تورنيتين حاليا واجهات المحتوى لفحص أصالة الدرجات العلمية على الإنترنت وذلك لجعل عملية تقييم وتصنيف المهام الإلكترونية أكثر دقة، وإعطاء أعضاء هيئة التدريس في جميع أنحاء العالم المزيد من الوقت والطاقة لتقديم الأفضل في مجال تعليم الطلاب.  هذا بالإضافة إلى أن Turnitin يساعد برامج الدراسات العليا والمشرفين على مشاريع التخرج على التأكد من خلو إنتاج الطلاب الشخصي من عملية الاقتباس لفقرات خارجية، وإدراجها  في تقاريرهم من خلال عملية نسخ/لصق، مما يضمن حق الملكية الفكرية لمخرجات النشاط البحثي و يدفع نحو الابتكار و الإنتاج.

أثبتت دراسة أجريت على 10 فصول دراسية مدى فعّالية في زيادة مستويات الأبحاث الشرعية في أوراق الطلاب من 14 إلى 52 بالمائة بمجرد تطبيق Turntin علاوة على ذلك، أظهرت الدراسة أنّ 65 بالمائة من الطلاب يشجعون استخدام Turnitin داخل الفصول الدراسية.

يعمل تورنيتين Turnitin مع العديد من برامج LMS / CMS بما في ذلك WebCT و Moodle وD2L كما يدعم اللغة العربية.

برنامج ENDNOTE 

برنامج Endnote هو أحد البرامج الشهيرة والمفيدة  في إدارة المراجع. من المميزات المفيدة للبرنامج أنه يدعم اللغة العربية مما يعنى تخزين مراجع عربية وعند تحميله على جهاز الحاسوب يتم دمجه مع برنامج الورد ويظهر شريط أدوات بالبرنامج. فأنت عندما تبحث في الإنترنت وخاصة في المكتبات الرقمية ستجد أسفل كل ورقة علمية وصلة لا دراج صيغة المصدر في برنامج إدارة المراجع Endnote وهذه الوصلة تسمى Citation وبمجرد الضغط عليها يتنقل إلى المكتبة الخاصة بالبرنامج المتواجد على حاسوب الباحث ومن ثم سوف يتم العودة إلى Endnote لاستيراد هذا الرابط وتحميله في البحث. هذه العملية لها ميزتان مهمتان أولا تسهيل عملية التوثيق وثانيا تعزيز الالتزام بالنزاهة الأكاديمية.


 الجامعات العربية تدعم النزاهة الأكاديمية

من الطبيعي أن يكون استضافة كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال للبروفسور دونالد ماك كاب Donald McCabe أستاذ الإدارة والتجارة العالمية في جامعة روتجرز، ورئيس ومؤسس مركز النزاهة الأكاديمية لتقديم ندوة بعنوان "تعزيز النزاهة الأكاديمية" لهو دليل قاطع على أهمية هذا الموضوع في الأوساط الأكاديمية. يشير دونالد ماك كايب الرئيس المؤسس لـ «مركز النزاهة الأكاديمية» إلى أن «تعزيز النزاهة الأكاديمية قلق يعم كل أنحاء العالم». ومن ضمن أهم وصاياه العملية في هذا المضمار: تشجيع الحوار حيث نصح بأهميته قائلا:

 «اجلسوا مع طلابكم. أنتم لا تقدرون فرض الصدق عليهم، ولكن استعدادهم للإصغاء سيساعد».

يتزايد اهتمام العديد من الجامعات العربية بنشر الوعي بأهمية النزاهة الأكاديمية لما لذلك من أثر على انخفاض معدلات الانتهاكات والخروقات، فقد سجل مكتب النزاهة الأكاديمية بجامعة أبوظبي (وحسب إفادة العديد من الجهات) معدلات قياسية وفقاً للمعايير العالمية حيث نجح منذ تأسيسه عام 2009 في خفض معدلات المخالفات الأكاديمية في فرعي الجامعة بأبوظبي والعين بشكل كبير، حيث انخفضت معدلات المخالفات من 334 مخالفة في العام الأكاديمي 2009 -2010 إلى 29 مخالفة في العام الأكاديمي 2014 -2015.