المكتبات هي مؤسسات أساسية تلعب دوراً حيوياً في إتاحة الوصول إلى المعلومات ، وتعزيز محو الأمية والتعلم مدى الحياة، وخلق مجتمعات نابضة بالحياة ومستنيرة. في السنوات الأخيرة وفي ظل المشهد سريع التطور للتعليم العالي ، تواجه المكتبات الجامعية تحديات كبيرة في تلبية احتياجات مجتمعاتها، حيث تتطلب توقعات المستخدمين المتغيرة والتقدم التكنولوجي أن تكون المكتبات مبتكرة وذات تفكير مستقبلي في نهجها لتوفير الموارد والخدمات.
إحدى الإستراتيجيات التي أثبتت فعاليتها في مواجهة هذه التحديات هي بناء شراكات إستراتيجية مع المؤسسات والمنظمات الأخرى. من خلال التعاون مع المكتبات والجامعات والمؤسسات غير الربحية والشركات الأخرى، يمكن للمكتبات الجامعية الاستفادة من الموارد ومشاركة الخبرات وخلق فرص جديدة للتعلم والبحث.
لا يعزز هذا النهج أداء المكتبة فحسب، بل يساعد أيضاً في بناء علاقات أقوى مع المجتمع الأكبر. في هذا السياق، تستكشف هذه المقالة أهمية الشراكات الإستراتيجية للمكتبات الجامعية في القرن الحادي والعشرين، ليس على مستوى الشراكات الخارجية فحسب بل على مستوى شراكات داخل الحرم الجامعي أيضاً.
ونظراً لتشعب الشراكات وتعدد أوجهها ما بين شراكات داخلية وخارجية، سيتم تقسيم المقال الي جزءين. في الجزء الأول من المقال سنتطرق الي الشراكات والتعاون بين المكتبة وذوى العلاقة داخل الحرم الجامعي وفق الطرح الاتي:
التعاون والشراكات مع الحرم الجامعي بشكل عام
المكتبات هي مؤسسات أساسية تعمل كمستودع للمعرفة والموارد والخدمات لدعم التعليم والبحث. تعد المكتبات جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الأكاديمي، ويعتبر تعاون الجامعات في غاية الأهمية للمكتبات وللجامعة على حد سواء. فهناك مصالح مشتركة للمكتبات والجامعات تتمثل في توفير الوصول إلى الموارد الأكاديمية ودعم البحث والتعلم. حيث يمكن للمكتبات توفير الوصول إلى قواعد البيانات البحثية والمجلات الأكاديمية والموارد الأخرى التي تشترك فيها الجامعات، التي بدورها تمتلك الخبرة المتخصصة لمساعدة اخصائي المكتبات في بناء مجموعاتهم. كما يمكن للمكتبات والجامعات التعاون لتقديم برامج وفعاليات مشتركة ، مثل المحاضرات وورش العمل ونوادي الكتاب، وبما يساعد في بناء المجتمع التشاركي وتعزيز التعلم مدى الحياة وتحسين النتائج التعليمية.
وفق هذا الطرح، من الواضح أن التعاون بين المكتبات والجامعات مفيدًا جدًا لكلا المؤسستين، وكذلك للمجتمعات التي تخدمها. ويشمل هذا التعاون العديد من الكيانات التي تشكل مجتمع الحرم الجامعي وعلى رأسها:
أولاً: الهيئة التدريسية
يعد تعاون المكتبات مع أعضاء هيئة التدريس أمرراً بالغ الأهمية لتطوير مهارات البحث بين الطلاب، حيث توفر المكتبات للطلاب إمكانية الوصول إلى الموارد، فيما يقوم أعضاء هيئة التدريس بإرشادهم في استخدام هذه الموارد بشكل فعال في أبحاثهم.
يمكن لأعضاء هيئة التدريس العمل مع أمناء المكتبات لتطوير برامج تدريبية تساعد الطلاب على اكتساب المهارات اللازمة للعثور على مصادر المعلومات وتقييمها واستخدامها بشكل نقدي. من خلال التعاون مع أمناء المكتبات ، يمكن لأعضاء هيئة التدريس التأكد من أن الطلاب مجهزون بالأدوات التي يحتاجونها لإجراء أبحاث عالية الجودة. هذا ويؤدي تعاون المكتبات مع أعضاء هيئة التدريس إلى تحسين جودة مخرجات البحث وضمان وصول الطلاب إلى أحدث الموارد والمواد البحثية. يمكنهم أيضًا التعاون لتطوير خطط إدارة بيانات البحث التي تضمن تنظيم بيانات البحث جيدًا وتخزينها ومشاركتها. من خلال العمل معًا، يمكن للمكتبات وأعضاء هيئة التدريس المساعدة في ضمان إجراء البحث بكفاءة وفعالية.
كما يمكن أن يؤدي تعاون المكتبات مع أعضاء هيئة التدريس إلى تطوير طرق تدريس وتعلم مبتكرة تعزز مشاركة الطلاب ونتائج التعلم، وذلك من خلال تطوير موارد وخدمات مخصصة مصممة خصيصًا لدورات وبرامج محددة، بالإضافة إلى مساعدة أعضاء هيئة التدريس على دمج التكنولوجيا في التدريس ، مثل استخدام الموارد وقواعد البيانات والأدوات الرقمية الأخرى عبر الإنترنت.
من ناحية أخرى، إن تعاون المكتبات مع أعضاء هيئة التدريس ضروري لتعزيز الحرية الفكرية والتنوع. يتقاسم أعضاء هيئة التدريس وأمناء المكتبات مسؤولية حماية وتعزيز الحرية الفكرية ، والتي تشمل حرية الوصول إلى المعلومات والأفكار من مجموعة متنوعة من المصادر. من خلال العمل معًا، يمكن للمكتبات وأعضاء هيئة التدريس ضمان وصول الطلاب إلى مجموعة واسعة من الموارد وأن خبراتهم البحثية والتعليمية ليست مقيدة بالتحيزات السياسية أو الدينية أو غيرها.
ثانياً: المجموعات الشبابية واتحادات الطلاب
في أي حديث عن الشراكة والتعاون بين المكتبات والجامعات، لابد أن نعرج الي شريحة مهمة هي جزء حيوي من الجامعة يتمثل في المجموعات الشبابية واتحادات الطلاب والتي يمكن أن تساعد المكتبات على فهم احتياجات وتفضيلات الطلاب بشكل أفضل. تتكون اتحادات الطلاب والمجموعات الشبابية من طلاب يشاركون بنشاط في الحياة الجامعية ولديهم خبرة مباشرة في التحديات والفرص التي يواجهها الطلاب. من خلال الشراكة مع هذه المجموعات، يمكن للمكتبات اكتساب رؤى حول احتياجات ومصالح الطلاب وتكييف خدماتهم ومواردهم وفقًا لذلك.
بالإضافة إلى أن التعاون مع مجموعات الطلاب يساعد المكتبات في الوصول إلى جماهير جديدة ومتنوعة، عند الأخذ بعين الاعتبار أن اتحادات الطلاب والمجموعات الشبابية تتكون من طلاب من خلفيات وثقافات وتخصصات مختلفة. من خلال الشراكة مع هذه المجموعات، يمكن للمكتبات الاستفادة من وجهات النظر المتنوعة هذه والوصول إلى جماهير جديدة قد لا تستخدم خدمات المكتبة، مما سيعزز المشاركة المجتمعية والمواطنة النشطة.
كما يمكن للمكتبات العمل مع مجموعات الطلاب لتنظيم الأحداث وورش العمل والأنشطة الأخرى التي تعزز المعرفة المعلوماتية والتفكير النقدي والمشاركة المدنية.
الميزة الأكثر أهمية في هذا التعاون، أن فئة الطلاب غالباً ما يكونون في طليعة التقنيات الجديدة والحركات الاجتماعية والاتجاهات الأكاديمية. من خلال الشراكة مع مجموعات الطلاب، يمكن للمكتبات الاستفادة من هذه الخبرة وتطوير حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المجتمع الأكاديمي.
ثالثاً: أقسام تكنولوجيا المعلومات
لا يمكن المبالغة في قيمة ومزايا الشراكة بين المكتبات الجامعية وأقسام تكنولوجيا المعلومات، وخاصة أن الثورة الصناعية الرابعة أحدثت تغييرات كبيرة في مشهد التعليم العالي، هذا بالإضافة إلى أن الموارد الرقمية أصبحت أكثر انتشارا من أي وقت مضى، وعليه يجب أن تعمل مكتبات الجامعات وأقسام تكنولوجيا المعلومات معًا لضمان وصول الطلاب وأعضاء هيئة التدريس إلى أحدث الموارد والتقنيات، من خلال:
إدارة الموارد الرقمية: تعد منصة الخدمات المكتبية (LSP) مكونًا حيويًا للمكتبات الجامعية، حيث توفر الوصول إلى مجموعة واسعة من الموارد الرقمية، بما في ذلك الكتب الإلكترونية ومقالات المجلات وقواعد البيانات البحثية. يعد التعاون بين المكتبات وأقسام تقنية المعلومات أمرًا بالغ الأهمية في تطوير وتنفيذ وصيانة منصة الخدمات المكتبية.
تعزيز تقديم خدمات المكتبة وإمكانية الوصول إليها. تتمتع أقسام تكنولوجيا المعلومات بالخبرة في تطوير وتنفيذ الحلول التقنية التي يمكنها تحسين خدمات المكتبة. على سبيل المثال ، يمكن لأقسام تكنولوجيا المعلومات التعاون مع أمناء المكتبات لتطوير قواعد البيانات على الإنترنت والمجموعات الرقمية والموارد الإلكترونية الأخرى التي يمكن الوصول إليها من أي مكان وفي أي وقت. من خلال العمل معًا ، يمكن للمكتبات الجامعية وأقسام تكنولوجيا المعلومات ضمان أن تكون خدمات المكتبة حديثة وفعالة ومتاحة لجميع الطلاب والباحثين.
تطوير تقنيات مبتكرة تعزز التدريس والبحث. يمكن لأقسام تكنولوجيا المعلومات وأمناء المكتبات التعاون لتطوير حلول تقنية تدعم التدريس والبحث، بما في ذلك أدوات الواقع الافتراضي وتصور البيانات والذكاء الاصطناعي. يمكن أن تعزز هذه التقنيات تجربة التعلم للطلاب، وتحسن عملية اتخاذ القرار في البحث والكشف عن رؤى قيمة. كما يمكن أن يضمن التعاون الفعال دمج التقنيات الناشئة في المناهج الدراسية بشكل فعال والتأكد من أن الطلاب لديهم إمكانية الوصول إلى الموارد اللازمة.
تعزيز أمن البيانات وخصوصيتها. تتمتع أقسام تقنية المعلومات بالخبرة في إدارة أنظمة المعلومات وتأمينها، في حين أن المكتبات مسؤولة عن إدارة بيانات البحث وحفظها. من خلال التعاون، يمكن للمكتبات الجامعية وأقسام تكنولوجيا المعلومات ضمان حماية بيانات البحث وتخزينها ومشاركتها بطريقة آمنة وأخلاقية.
إدارة البيانات الضخمة. مع استمرار زيادة كمية البيانات التي يتم إنشاؤها، من الضروري امتلاك الأدوات والموارد اللازمة لإدارة هذه البيانات وتحليلها بفعالية. التعاون بين المكتبات وأقسام تكنولوجيا المعلومات الجامعات يساعد على تطوير استراتيجيات لإدارة البيانات الضخمة ودمجها في أنشطة التدريس والتعلم والبحث. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد التعاون في تطوير الحلول التي تمكن الباحثين من تحليل البيانات الضخمة بشكل أكثر كفاءة، مما يوفر رؤى في مجالات الدراسة المختلفة.
الاتصال الفعال والتعاون بين المكتبات وأقسام تكنولوجيا المعلومات ضروريان للنجاح، حيث تساعد الاجتماعات المنتظمة وقنوات الاتصال المفتوحة والأهداف والغايات المشتركة في ضمان أن يكون الجميع في نفس الصفحة ويعملون لتحقيق نفس الأهداف.
الاستدامة وتحقيق وفورات التكلفة. تشترك المكتبات وأقسام تكنولوجيا المعلومات في الأهداف فيما يتعلق بتخصيص الموارد وإدارتها. من خلال التعاون، يمكنهم مشاركة الموارد وتقليل ازدواجية الجهود والاستفادة من وفورات الحجم لتقليل التكاليف. علاوة على ذلك، يمكنهم العمل معًا لتطوير حلول مستدامة تقلل من التأثير البيئي وتعزز الاستخدام الفعال للموارد.
في نهاية المطاف، تمكّن الشراكات والتعاون ما بين المكتبات والجامعات من توسيع نطاق وصولها وتأثيرها، وخدمة احتياجات مجتمعات الحرم الجامعي بشكل أفضل. من خلال العمل معًا، يمكن للمكتبات وأقسام الحرم الجامعي الأخرى الاستفادة من نقاط القوة والموارد الخاصة بكل منها لإنشاء برامج وخدمات مبتكرة تعود بالنفع على جميع المعنيين.