library management & Higher Education blog Naseej Academy Naseej Academy Send Mail

عن مدونة نسيج

تهدف مدونة نسيج الى توفير مساحات تشاركيه تتسع لكل المتخصصين والمهتمين بكل ما هو جديد في مجال المكتبات والتعليم العالي والتعلم عن بعد وتقنيات المعلومات والاتصالات وتقنيات الأرشفة وحلول المعرفة المتقدمة في التعليم العالي، المكتبات، ومراكز الأبحاث.

سجل بريدك الالكتروني هنـا لتصلك أحدث التدوينات

أكاديمية نسـيج على الفيسبوك 
 
 

مقــالات حديثة

تحديات التعليم العالي في القرن الحادي والعشرين وتأثيرها على تحقيق التنمية المستدامة

نُـشر بواسطة هيام حايك on 27/03/2019 11:32:07 ص

goal4_800x450

يتقدم العالم بلا هوادة نحو سيناريوهات مستقبلية غير مؤكدة، مما يفرض علينا محاولة إعادة توجيهه نحو الاستدامة، أي نحو طريقة جديدة لفعل الأشياء من أجل تحسين بيئتنا مع تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي. لكن التغيير أمر مستحيل بدون تعلُم، تمامًا كما أن التعلم مستحيل بدون تغيير، فالتغيير والتعلم صنوان.

خصائص مجتمع الألفية الجديدة

يعايش مجتمع لألفية الثالثة واقعا متغيرا جديدا يمتاز بالحراك المستمر وسرعة التغير و اتساع المفاهيم، علاوة على أنه مجتمع متنوع وغير متجانس، يصارع سلسلة من الأزمات، والتي يبرز في ظلها أثر توجهات التكتلات الاقتصادية الكبيرة و قوة الإعلام و الثروة المعلوماتية ، وحيث لم تعد المعرفة سلطة فقط ، بل أصبحت أبرز مظاهر القوة مما يمنحها دورا هاما في التنمية المستدامة والمحافظة على الكون.

فعندما تلاقح أشكالًا جديدة من المعرفة جميع الجوانب الأساسية للمجتمع ، أو عندما يتم اختراق هياكل المجتمع وعملياته لإعادة إنتاج نفسه من خلال عمليات تعتمد على المعرفة ، فإن عمليات إنشاء المعلومات والتحليل الرمزي وأنظمة الخبراء تصبح أكثر أهمية من العوامل الأخرى الإنتاجية.

 يتمثل التحدي الرئيسي الذي يواجه مجتمع المعرفة في توليد الذكاء الجماعي: فذكاء المجتمع ككل أهم من مجرد وجود مجتمع يتكون من عدة أنماط فردية للذكاء. أضف إلى ذلك أنه لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة من خلال الحلول التقنية أو الأنظمة السياسية أو الصكوك المالية وحدها؛ فنحن بحاجة إلى أن نغيّر طريقة تفكيرنا وعملنا، الأمر الذي يفرض توفير نوعية تعليم وتعلّم معينة من أجل التنمية المستدامة على جميع المستويات وفي جميع البيئات الاجتماعية.

 وصف بيرتمان Stephen Bertman أستاذ فخري للغات والآداب والثقافات بجامعة وندسور الكندية الحياة الثقافة التي تسود المجتمع اليوم بأنها "ثقافة لحظية " و "ثقافة متعجلة" ، لأننا نولي أهمية أكبر لأشياء جديدة ذات تأثير كبير بدلاً من الأشياء التي تتطلب الاستكشاف، وأصبح ما يهم هو اللحظة، وانعكس ذلك على هوياتنا، والتي يتم بناؤها باستمرار وكذلك يتم تعديلها باستمرار.

الحاجة إلى تعليم جديد

 قبل سنوات ليست بعيدة، كانت الأهداف والمُثُل العليا التي يجسدها التعليم تطمح إلى خلق مواطنة "مثالية". في وقت لاحق، تحول الهدف إلى ضمان أن يكون المواطنون مدربين تدريبا جيدا، ومؤخرا تحول هدف التعليم إلى إيقاظ الروح النقدية. اليوم، المثالية بالنسبة للتعليم تعني الإبداع والقدرة على التعلم والاستعداد مدى الحياة لمواجهة أشياء جديدة وتعديل التوقعات المستفادة. وفقًا لذلك؛ لا يمكن أن يكون هناك تعلم بدون إعادة التعلم، دون المراجعة التي يجب إجراؤها عندما ندرك ضعف ما اعتقدنا أننا نعرفه.

 في مجتمع المعرفة، يمثل التعليم القدرة على الإبداع في بيئة تتسم بعدم اليقين بشكل خاص، والقدرة على إدارة التنافر المعرفي الذي يؤدي إلى فشلنا في فهم الواقع. في عالم يضج بالتغييرات، يجب أن نبتعد عن التعليم المتقطع لنتجه نحو التعلم الذي يمتد مدى الحياة.

المزيد من نفس النوع من التعليم لن يؤدي إلا إلى تفاقم مشاكلنا، ذلك يعنى أنه يجب الآن تقييم قيمة التعليم وفقًا لمعايير العمل المحترم والبقاء البشري. لقد حان الوقت لإعادة التفكير بشكل عام في عملية ومضمون التعليم على جميع المستويات.

التعليم من أجل التنمية المستدامة

 برز مفهوم التعليم من أجل التنمية المستدامة (ESD) كنموذج لمراجعة وإعادة وتوجيه التعليم لتحقيق أشكال جديدة من المعرفة والتعلم تهدف إلى المساهمة في استدامة السلامة للناس وللكون على حد سواء. كذلك، وإذا أردنا أن نتخيل طرقًا جديدة للحياة والعمل، فيجب علينا أن نكون قادرين على تقييم التغيير الاجتماعي وتحقيقه، لأن النجاح في تحقيق التنمية المستدامة يتطلب المبادئ التالية:

  • إدراك التحدي،
  • اتخاذ إجراءات طواعية،
  • تحمل المسؤولية الجماعية وتشكيل شراكة بناءة، والإيمان بكرامة جميع البشر دون استثناء.

بمعنى ما، يجب أن يؤدي التعليم إلى التمكين: من خلال التعليم، يجب أن يكتسب الأفراد القدرة على اتخاذ القرارات والتصرف بفاعلية وفقًا لتلك القرارات، وهذا بدوره يستلزم القدرة على التأثير على قواعد اللعب من خلال أي من الخيارات المتاحة. وبالتالي، يعمل هذا النوع من التعليم على تطور الضمير الاجتماعي: الوعي بكيفية عمل المجتمع، ومعرفة كيفية تنظيمه، والشعور بالوكالة الشخصية التي تسمح بالعمل. ومع ذلك، تعمل هذه الوكالة في الوقت نفسه على تقييد تدخلاتنا وتجعل من الضروري تحديد درجة تصرفنا الشخصية وفتح الحوار بين الشخصية والجماعية ، بين المصالح المشتركة والفردية ، بين الحقوق والالتزامات.

 

إعادة صياغة التعليم العالي

 قال أينشتاين ذات مرة: " لا نستطيع حل المشاكل المستعصية بنفس العقلية التي أوجدتها , فالجنون هو أن تفعل نفس الشيء مرة بعد أخرى وتتوقع نتائج مختلفة." الاحتياجات الحالية تشير إلى أننا يجب أن نتعلم أن ننظر إلى العالم، وبالتالي إلى التعليم، بطريقة جديدة. أظهر التعليم العالي في الماضي دوره الحاسم في إدخال التغيير والتقدم في المجتمع، وهو يعتبر اليوم عاملاً رئيسياً في تثقيف الأجيال الجديدة لبناء المستقبل.

 ووفقًا للإعلان العالمي حول التعليم العالي للقرن الحادي والعشرين (1998) ، يواجه التعليم العالي عددًا من التحديات المهمة على المستويات الدولية والوطنية والمؤسسية. فعلى المستوى الدولي، هناك تحديان رئيسيان: الأول هو دور المنظمات الدولية مثل اليونسكو في النهوض بآفاق الاتجاهات والتحسينات، وكذلك دورها في تعزيز برامج التواصل والتوأمة بين المؤسسات. فالتعليم العالي يجب أن يتغير ويتكيف وفق الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية، بيد أن التغيير المؤسسي ضروري للابتكار التعليمي، ولابد لتقنية المعلومات والاتصالات أن تشكل جزءًا من التدريس وعملية التعلم. التحدي الدولي الثاني هو تشجيع التعاون الدولي بين المؤسسات من أجل تبادل المعرفة عبر الحدود وتسهيل التعاون، حيث يجب على الدول توفير التمويل اللازم حتى تتمكن الجامعات من أداء وظائف الخدمة العامة.

التحديات التي تواجهها الجامعات ومؤسسات التعليم العالي:

التغييرات في الجامعات كمؤسسات وعلى مستوى التنظيم الداخلي، يجب أن تهدف إلى تحسين إدارة الموارد (البشرية والاقتصادية وغيرها) وإعادة هيكلتها لتحسين الديمقراطية الداخلية. ويجب أن تواصل الجامعات مهمتها في تثقيف وتدريب وتنفيذ البحوث من خلال نهج يتسم بالأخلاقيات والاستقلال الذاتي والشفافية والمسؤولية، وإحداث التغيير هو التحدي الأكبر والذي لابد أن يكون على العديد من الأصعدة، والتي تتمثل في:

  • التغييرات في خلق المعرفة. ينبغي اتخاذ نهج متعدد ومتداخل التخصصات واستكشاف أشكال غير علمية من المعرفة.
  • التغييرات في النموذج التعليمي. يجب دمج مناهج التعليم / التعلم الجديدة التي تمكن من تطوير التفكير النقدي والإبداعي. ويجب تحديد الكفاءات المشتركة بين جميع خريجي التعليم العالي وتحديد التوقعات المقابلة. في مجتمع المعرفة، ينبغي أن يحولنا التعليم العالي إلى قوة قادرة على تغيير اتجاه الطيران، والتكيف مع الظروف المتغيرة، وتصحيح المسار باستمرار. تتمثل الفكرة في تعليم الناس أن يتعلموا بسرعة وفق المستجدات، مع القدرة على تغيير رأيهم وحتى التخلي عن القرارات السابقة إذا لزم الأمر، دون الإفراط في التفكير أو الندم. يجب أن يكون التعليم والتعلم أكثر نشاطًا، وأن يكونا مرتبطين بالحياة الحقيقية، وأن يتم تصميمهما مع الطلاب وأخذ خصائصهم الفريدة في الاعتبار.
  • التغييرات التي تهدف إلى الاستفادة من إمكانات تقنية المعلومات والاتصالات في إنشاء ونشر المعرفة. الهدف من هذه التغييرات هو إنشاء ما يسميه Prensky بالحكمة الرقمية.
  • التغييرات في المسؤولية الاجتماعية ونقل المعرفة. يجب أن يكون عمل مؤسسات التعليم العالي ذا صلة. ما يجب عليهم فعله وما هو متوقع منهم، يجب أن تتوقع أبحاثهم الاحتياجات الاجتماعية؛ ويجب مشاركة منتجات أبحاثهم بفاعلية مع المجتمع من خلال آليات نقل المعرفة المناسبة.

هذا ومن المهم أن ندرك أنه ومن أجل تعزيز الاستدامة في المناهج الدراسية، يجب على الأكاديميين تطوير مناهج تعاونية ومناقشة كيفية إعادة تصميم تخصصاتهم الخاصة، وكيفية تقدير نظرية المعرفة والرؤية متعددة الثقافات للاستدامة، كموضوع، وكحقل للبحث التربوي على حد سواء. كذلك، فإن انعكاسات الأكاديميين على قيمهم أمر حاسم لتطوير الإمكانات التحويلية للطلاب كوكلاء لمستقبل مستدام. بالإضافة إلى ذلك فالقيم الفردية للأكاديميين تؤثر في مؤسسات التعليم العالي على المحتوى ونتائج التعلم والتربية المستخدمة في التدريس. تلعب القيم دورًا رئيسيًا في الطريقة التي يستجيب بها الأكاديمي لمقترحات التعليم من أجل التنمية المستدامة والتأثير على كيفية تطور تخصصاتهم.

 التعلم التحويلي Trans-formative Learning، في التعلم والتعليم من أجل الاستدامة

يُعرِّف ميزيرو التعلم التحويلي بأنه التعلم الذي يؤدي إلى إحداث تغيير، وتحول في الأطر المرجعية. ونقصد هنا بالأطر المرجعية تلك التركيبة من المعتقدات والعادات والافتراضات المسبقة والتجارب، التي تشكل لدى الإنسان منظوره أو رؤيته للأشياء. وبالتالي فالتعلم التحويلي هو التعلم الذي يُحدِث تحولاً في رؤية وفهم الإنسان للأشياء والتجارب التي يمر بها، وهو بذلك يختلف عن التعلم الذي ينتج عنه فقط اكتساب المعرفة، فاكتساب المعرفة مجرد مرحلة من مراحل التعلم، وهي مرحلة إدراكية، أي تحدث في وجدان وإدراك الشخص، ولا تترجم إلى أفعال أو تغيير في السلوك، أما التعلم التحويلي فهو مرحلة أعمق، حيث تتم ترجمة المعرفة إلى تغير في رؤية الأمور، ومن زوايا جديدة. . ذكر Mezirow (1997) أن التفكير الناقد هو المفهوم الرئيسي في التعلم التحولي. ثلاثة أنواع من التفكير موجودة.

  1. تأمل المحتوى Content reflection وهو فحص للمحتوى أو وصف للمشكلة.
  2. تأمل الآليات Process reflectionوالتي تنطوي على التحقق من استراتيجيات حل المشكلات المستخدمة
  3. التأمل التسلسل المنطقي premise reflectionالذي يحدث عندما يتم طرح المشكلة نفسها. تكمن أهمية ربط التعليم من أجل الاستدامة والتعلم التحويلي في مشاركة المجتمع المحلي والقدرة على التعامل مع التعقيد وعدم اليقين

 

من الواضح أنه وفي هذا الواقع الجديد، يجب أن تعمل الجامعات كمؤسسات للمعرفة والتفكير ، وبحيث تعمل على تطوير التفكير النقدي وليس فقط كمؤسسات تعليمية تنقل المعرفة. وينبغي اعتبار التدريس والبحث والعمليات والعلاقات مع المجتمعات المحلية أنشطة متكاملة تعكس مبادئ الاستدامة. ويذكر Leal Filho، أن هناك حوالي 600 جامعة حول العالم تبنت هذه الرؤية الجديدة للتعليم من أجل الاستدامة.