مدونة نسيج

ترسيخ التغيير: استخدام نموذج جون كوتر للتغيير المؤسسي كإطار لتحليل وتسهيل التغيير في المكتبات الأكاديمية

Written by هيام حايك | 28/01/2021 07:23:10 ص

 

تقول ماري شيلي الكاتبة الإنجليزية صاحبة الرواية المشهورة «فرانكنشتاين»: "ما مِن شيء يؤلم العقل البشري مثل التغيير العظيم والمفاجئ" . ليس هناك مشكك في أن عام 2020 جاء بالتغيير العظيم والمفاجئ. كل شيء حولنا تغير ولازال يتغير.

المتابع لحركة التغيير في مؤسسات التعليم العالي والمكتبات الأكاديمية، سيجد أنها لم تعد المنظمات التقليدية التي كانت من قبل. فهي تخضع لمجموعة متنوعة من القوى ، بما في ذلك تغيُّر التركيبة السكانية وتغيُّر احتياجاتها ، إلى جانب التغيُّرات التكنولوجية ، والمطالبة العامة بالقدرة على تحمل التكاليف والمساءلة ، وتغيير مناهج البحث والتعلم. هذا الكم من التغييرات الذي يحصل على مدار الساعة، جعل العديد من المكتبات الأكاديمية غير قادرة على إثبات تميزها وإنجاز مهامها وتوجهاتها الاستراتيجية باستخدام الوسائل والأساليب القديمة.

في هذا المناخ المتغير، يمكن لقيادة التغيير السلسة أن تساعدك على اتخاذ قرارات مرنة ورشيقة وتعاونية ، وتسهيل الانتقال من المكتبات القائمة على المجموعات القديمة إلى المكتبات القائمة على الخدمات التي نتطلع لها .

 

استخدام نموذج جون كوتر للتغيير المؤسسي في المكتبات الأكاديمية

ظهر نموذج التغيير الخاص بـ Kotter بشكل دوري في أدبيات المكتبات على مر السنين ، وهناك أدلة متزايدة تشير إلى أنه يكتسب قوة جذب كبيرة كإطار عمل له تطبيق داخل المكتبات الأكاديمية. يوفر نموذج التغيير الخاص بـ Kotter إطاراً عمليًا للتغيير

قيادة التغيير في المكتبات الأكاديمية التي نقدمها في هذه التدوينة هي عبارة عن رؤى وتصور وتحليل لعملية التغيير في المكتبات الأكاديمية مستندة على 20 قصة تغيير كتبها أمناء مكتبات أكاديمية على مدار أربع سنوات، قامت بتجميعها وتحليلها كلاً من الدكتورة Colleen Boff والتي عملت في المكتبات الأكاديمية لمدة ثلاثة وعشرين عامًا و Catherine Cardwell التي تشغل منصب عميدة مكتبة نيلسون بوينتر التذكارية بجامعة جنوب فلوريدا. يروي أمناء المكتبات قصصهم التي عايشوها خلال عملية التغيير، ويقدمون خبراتهم بشأن كيفية إدارتهم للتغيير الكبير في العمليات أو الوظائف أو الخدمات أو البرامج باستخدام نموذج جون كوتر ذي الثماني مراحل لإنشاء تغيير رئيسي كإطار لفحص التغيير في مؤسساتهم ، وقياس نجاحاتهم وتحديد التقدم.

 

المرحلة الأولى- ترسيخ شعور بالحاجة الملحة للتغيير:

لا يمكن أن ينجح أي تغيير جوهري أو أساسي ما لم يكن مستوى الرضا المتعلق بالوضع الحالي للمؤسسة منخفضا. يرى كوتر أنه لكي ينجح التغيير لابد أن يكون غالبية الموظفين في الإدارة لديهم اعتقاد راسخ بأن الوضع ليس على ما يرام ولابد من التغيير. بشكل عام ، يحتاج جميع كبار المديرين التنفيذيين إلى الاعتقاد بأن التغيير الكبير الذي يتطلعون إليه هو ضرورة وحاجة أساسية، وأن هناك مشكلات قائمة لن يحلها إلا التغيير.

من خلال استخدام إطار عمل كوتر تشير قصص أمناء المكتبات إلى أن المشكلات قد تكون ذات علاقة ببيئة العمل، مثال على ذلك أزمة كبيرة جراء المنافسة غير الشريفة أو دوران غير متوقع في المكتبة. وقد يكون الحاجة للتغيير بسبب أزمة نابعة من الإدارة العليا، مثال على ذلك تسريح غير متوقع للموظفين أو تفويضات من إدارة الجامعة. وفي هذا السياق تؤكد واحدة من أمناء المكتبات الجامعية أن الشعور بضرورة التغيير في مكتبتها جاء كنتيجة لتفويض من إدارة الحرم الجامعي لمواءمة أولويات المكتبة مع أولويات الجامعة وتلبية أهداف الميزانية الجديدة والأكثر كفاءة. كانت هذه التفويضات رسميًا جزءًا من الخطة التشغيلية للجامعة.

تشير قصص أمناء المكتبات أن هناك أسبابا أخري للتغيير مثل:

  • الاستجابة لاحتياجات المستخدم ومواءمة الهيكل مع الاتجاه

  • تعزيز التواصل بشكل أفضل والتقليل من مركزية الوظائف

  • تبسيط سير العمل

تهديدات المرحلة الأولى:

تتمثل تهديدات المرحلة الأولى في عدم وجود أزمة ظاهرة أو عدم توافر موارد كافية، بالإضافة إلى عدم وجود معايير أداء صارمة مع وجود هيكل تنظيمي يفتقر إلى المرونة ونتائج أداء غير ملائمة أو غامضة وعدم كفاية التغذية الراجعة للأداء من مصادر خارجية. هذا إلى جانب وجود ثقافة تتجنب المواجهة وترفض الاعتراف بالمشاكل.

 

المرحلة الثانية: إنشاء التحالف الموجه

يرى كوتر أن هناك أربع خصائص رئيسة يجب مراعاتها عند تشكيل الائتلافات الموجهة، تتمثل في قوة الموقف والخبرة والمصداقية ووجود قيادة منفتحة.

من خلال استخدام إطار عمل كوتر تشير قصص أمناء المكتبات إلى ضرورة النظر إلى العديد من الاعتبارات الأخرى التي تتعلق بالتأكد من أن جميع الأشخاص الذين تحالفوا من أجل التغيير هم بالفعل الأشخاص المناسبين لقيادة التغيير الذي سيحدث على نطاق المكتبة ككل. وهنا تبرز التساؤلات حول الفريق الذي سيتحمل مهمة بناء الخطوط الاستراتيجية للتغيير وأهمية مديري المستوى المتوسط أو المديرون المتوسطون، وهم أولئك الذين يكونوا في المستويات الأقل من كبار المديرين، وكيفية إدارة القنوات بين فرق متعددة، هذا بالإضافة إلى حجم الفريق المطلوب للتغيير

تهديدات المرحلة الثانية:

  • انعدام الثقة ، وعدم وجود أهداف مشتركة

  • الأشخاص ذوو الغرور الكبير

  • الأشخاص الذين يقوضون معالجة التغيير وأولئك الذين انضموا إلى فريق التغيير على مضض

 

المرحلة الثالثة: تطوير الرؤية والاستراتيجية

يرى جون كوتر أن الرؤية هي مكون مركزي لكل قيادة عظيمة، وبحيث يمكن تخيلها كصورة لما سيبدو عليه المستقبل، وهي شيء مرغوب فيه وتشكل مناشدات للمصالح طويلة الأجل لأصحاب المصلحة وذات جدوى وواقعية وقابلة للتحقيق، بالإضافة لكونها مرنة وقابلة للتوصيل وبحيث يمكن شرحها في 5 دقائق.

تشير قصص أمناء المكتبات إلى أن هناك اعتبارات حاسمة تقود مرحلة تطوير الرؤية والاستراتيجية تتمثل في دور قادة المكتبات ودور الاستشاريين الخارجيين، والذين سيضعون الرؤية والاستراتيجية الخاصة بتحسين تجربة المستخدم وتحسين سير العمل والاستجابة للاحتياجات المتغيرة ومواءمة الهياكل مع الأدوار الجديدة

تهديدات المرحلة الثالثة:

يرى جون كوتر أن تهديدات هذه المرحلة تتمثل في احتمالية نفاد الصبر خلال هذه المرحلة وعدم وجود فريق بناء داخل الائتلاف أو عدم وجود قناعة كافية لدى بعض الموظفين وبعض من فريق التحالف الموجه لعملية التغيير.

 

المرحلة الرابعة: إيصال رؤية التغيير

خلال عملية التواصل يقترح كوتر اعتماد البساطة والتكرار والقيادة بالقدوة والعمل دائماً على إيجاد تفسيرات للتناقضات والاتصال ثنائي الاتجاه.

يقترح المشاركون في قصص أمناء المكتبات الأخذ بطرق الاتصال التقليدية مثل:

  • الاجتماعات وجهًا لوجه مع أفراد أو مع مجموعات

  • عروض تقديمية لأصحاب المصلحة

  • النشرات الإخبارية وتحديثات البريد الإلكتروني

  • المستندات المشتركة من خلال الشبكة الداخلية للموظفين.

  • النظر في الاتصالات عندما يرتفع القلق بين شخصين

  • كتابة خطة توضح آلية التواصل وبحيث يمكن الرجوع لها في حال تطلب الأمر

  • التركيز على المستقبل بدلا من التركيز على الإخفاقات الماضية

  • الاتفاق على استراتيجيات الاتصال والتوقعات مع الاستشاريين مسبقًا لضمان عدم انقطاع التواصل مع

أصحاب المصلحة

  • استكشاف طرق لتعزيز الاتصال في حال كانت فرق العمل المتعددة أو اللجان تعمل في نفس الوقت

  • النظر في تعيين مخصص خبير اتصالات وتسويق إذا كانت الموارد تسمح بذلك

تهديدات المرحلة الرابعة:

يرى جون كوتر أن أكثر ما يهدد هذه المرحلة الرسائل المختلطة وضعف مستوى التواصل الناتج عن رؤية معقدة لا يستطيع الموظفون تذكرها، كما وأن التهديد الأكبر هنا أن يكون التحالف الذي يقود التغيير ليس في نفس الصفحة

 

المرحلة الخامسة: تمكين العمل على نطاق واسع

يرى جون كوتر أن أكبر العقبات التي تحول دون التغيير التحويلي هي الهياكل التنظيمية والمهارات والأنظمة والمشرفون

فيما تُظهر قصص أمناء المكتبات أن حواجز التغيير تتمثل في القلق والحالة النفسية للموظفين وقلة عمليات التسوية بالإضافة إلى الاحتراق الوظيفي والإحباط.

تهديدات المرحلة الخامسة:

يرى جون كوتر أن التهديدات التي قد تعيق هذه المرحلة تتمثل في وجود موظفين لا يفهمون / يهتمون بالرؤية ووجود هياكل وأنظمة لا تعمل بتناسق وانسيابية مما يعيق الإجراءات المطلوبة. هذا بالإضافة إلى وجود مدير غير فعال يقلل من معنويات الموظفين ويبعثر الجهود والقادة الذين لا يحبذون انخراط الآخرين.

 

المرحلة السادسة: تحقيق انتصارات قصيرة الأمد

يرى كوتر أن المكاسب يجب أن تكون قصيرة المدى، كما يجب أن تكون خالية من الغموض وواضحة للعيان ومرئية للغاية من قبل العديد من الأشخاص في المنظمة، كما ولابد أن ترتبط بشكل واضح بجهود التغيير.

يذكر أمناء المكتبات أمثلة يرون أنها يمكن أن تحقق انتصارات قصيرة الأمد، مثال على ذلك:  

  • دمج / حذف نقاط الخدمة والوظائف والوحدات

  • تغييرات صغيرة في الهيكل التنظيمي و تحديد المشاريع بخطوات العمل

  • تجديد أماكن الموظفين والقيام بالمشاريع التجريبية

  • جهود واضحة لبناء العلاقات

تهديدات المرحلة السادسة:

يرى جون كوتر أن تهديدات هذه المرحلة تتمثل في عدم وجود تخطيط منظم وكافٍ لكسب انتصارات قصيرة المدى والتوقف والعجز عن استكمال عمليات التغيير بسبب الإرهاق. بالإضافة إلى وجود إدارة تفتقر إلى المهارات اللازمة لإدارة التغيير، واعتبار المكاسب قصيرة المدى بمثابة حيل.

 

 المرحلة السابعة: توحيد المكاسب والإنتاج والعمل على المزيد من التغيير

يوصي كوتر بالحفاظ على التغيير من خلال القيام بما يلي:

  • استخدام المصداقية التي حققتها المكاسب قصيرة المدى لمعالجة المزيد من التغيير

  • إشراك المزيد من الناس في جهود التغيير

  • الاستمرار في التركيز على توفير الوضوح والحفاظ على روح المثابرة

  • السماح بممارسات نهج من أسفل إلى أعلى (Bottom-up Approach)

  • تقليل / إزالة الاعتماد المتبادل

في المقابل توصى قصص أمناء المكتبات بإعداد موظفين جدد والعمل على مشاريع جديدة أو تطوير المشاريع القائمة وزيادة التعاون، واعتماد هياكل تنظيمه جديدة ذات طرق عمل جديدة، بالإضافة إلى الاهتمام بالاحتفالات والمكافآت وإحداث التغييرات في الثقافة

تهديدات المرحلة السابعة:

يرى كوتر أن هذه المرحلة قد يهددها ظهور المقاومة وظهور الأصوات الرافضة أو المشككة في عملية التغيير، كما ويرى أن الاحتفال المبكر بالنصر قد يضعف من الحماس والرغبة في استكمال التغيير وربما يؤدى إلى دخول القادة في منعطفات تهدد عملية التغيير

 

المرحلة الثامنة: ترسيخ سلوكيات وممارسات جديدة في الثقافة المؤسسية

يقول جون كوتر: "تتغير الثقافة فقط بعد أن تكون قد نجحت في تغيير تسلوك الأشخاص ، وبعد أن يرى الناس العلاقة بين الإجراءات الجديدة وتحسين الأداء. وهكذا ، يحدث معظم التغيير الثقافي في المرحلة الثامنة ، وليس المرحلة الأولى. "

أما أمناء المكتبات الذين كانوا أبطالاً وشهوداً على قصص التغيير فيقولون:" رأينا أدلة على المهنية والاستمرارية في عمليات التطوير والتدريب والتعليم على جميع المستويات بما في ذلك الإدارة والقيادة!"

في هذه المرحلة يرى كوتر أن ما يهدد هذه المرحلة عدم ترسيخ التغييرات في القواعد والقيم الخاصة بمجموعات العمل والتي هي أهم مكونات الثقافة.

في النهاية، يمكننا القول....

التغيير سنة الحياة، والانتقال من حال إلى حال، ناموس الكون. وقد تكون حاجتنا للتغيير ملحة جدا في بعض الأحيان. وقد يكون عام 2020 بمثابة جرس إنذار وتأكيد على أنه لا يوجد شيء ثابت. الأشياء تتغير وتتطور دائمًا. لكن عليك أن تختار كيفية الرد عليها، وكن على ثقة أن أخذ المخاطر المحسوبة يمنحك مساحة للنمو وغالبًا ما تفاجأ بالنتيجة! ينمو الناس أكثر عندما يغادرون مناطق الراحة الخاصة بهم ويتجولون في المجهول.