في نهاية كل عام تطلق إيديوكوز (Educause) المؤسسة الأمريكية المتخصصة قي مجال تطوير التعليم العالي من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات، مبادرة تستهدف الوقوف على قضايا تكنولوجيا المعلومات ذات الأولوية للمستقبل القريب. ولتنفيذ هذه المبادرة تقوم (Educause) بإجراء حوالي عشرين مقابلة مع رؤساء شركات ومؤسسات تكنولوجيا المعلومات والمستشارين ورؤساء الجامعات والمنظمات المجتمعية وغيرهم من كبار القادة الفاعلين في مجال التكنولوجيا.
خلال هذه المقابلات يتم التحدث عن القضايا والتحديات والفرص الأكثر إلحاحًا والاستراتيجية التي تواجه مؤسساتهم في الوقت الحالي، وفي المستقبل القريب. يستخدم الخبراء والمحللين في إيديوكوز ملخصات تلك المحادثات للخروج برؤية توضح كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساهم في التأثير على تحديد أهم الأولويات للتعليم العالي.
خلال إحدى المقابلات التي تم اجراءها هذا العام، أشار رئيس إحدى الجامعات إلى ان التعليم سيأخذ منعطفاً جديداً، وعبر عن ذلك قائلاً: "لن تكون هناك عودة أبدًا إلى ما اعتدنا عليه. كلنا نعلم ان ما كان عاديً قبل سنتين لن يعود، كما و يمكننا اعتبار العامان الماضيان بمثابة نقطة انعطاف، حيث تسارع انتشار التحول الذي تم مناقشته كثيرًا ودار حوله الكثير من الجدل في بيئة التعليم العالي." فيما رأى الكثيرون أن أفضل فرصة نمتلكها في الوقت الحالي هي إعادة تعريف التعليم.
كيف يبدو التعليم العالي في عالم ما بعد COVID؟
يظهر تقرير إيديوكوز (Educause)أن العديد من قادة المؤسسات التعليمية لا يتفاعلون مع التغيرات بشكل آني، وليس لديهم النية في مشاهدة مؤسساتهم تتكيف مع ما يحدث كردة فعل واستجابة للوضع الراهن. وبدلاً من ذلك، فإنهم يعيدون تعريف عرض القيمة للتعليم العالي من خلال إعادة تشكيل نماذج وثقافة الأعمال المؤسسية لتقديم خدمات تلبى الاحتياجات الحالية والناشئة للمتعلمين والمجتمعات وأرباب العمل.
وهذا يعنى بالنسبة لهم أنه بدلاً من العمل على استعادة التعليم العالي الذي كانوا يقدمونه قبل كوفيد، فإنهم ينشئون التعليم العالي الذي نستحقه. ولكن السؤال هنا: ما هو التعليم العالي الذي نستحقه؟
أكد أحد القادة على التحول في التدريس والتعلم، قائلاً: "أعتقد أن لدينا الفرصة لإعادة تصور كيف أننا لم نعد أمام الفصل الدراسي، ولكن بدلاً من ذلك، سنكون ميسرين للمعرفة". فيما قال ادارى كبير في مؤسسة تركز بشكل أكبر على العملاء: "يجب أن تصبح الجامعات على نحو متزايد ذات توجه تجاري وأكثر رشاقة وأن تتكيف بشكل أكبر مع ما يريده الطلاب وما يطلبه أصحاب العمل والحكومات من التعليم العالي. ومن خلال هذا النهج ستكون في المقدمة، المؤسسات التعليمية القادرة على الاستجابة بشكل أكثر ديناميكية وأكثر مرونة، مقارنة بالجامعات الأقل تكيفاً، والأقل قدرة على التغيير. "
وشدد رئيس مؤسسة آخر على ضرورة أن تميز الكليات والجامعات نفسها، وأوضح ذلك قائلاً: "يتمثل أحد الانتقادات الموجهة للتعليم العالي في أنه عالم مفرط التجانس. وهناك عدد أقل من الخيارات للأشخاص الذين يرغبون في الانخراط في التعليم العالي. نحتاج إلى البدء في اقتطاع مجالات ذات خبرة ومزايا مميزة جدًا ثم إضافة هؤلاء، بطريقة معيارية، إلى برامج عمل أكبر بكثير. "
المهم في الموضوع، أن كل قائد عرّف التعليم العالي الجديد بشكل مختلف قليلاً ، لكن الجميع أدركوا أن التعليم العالي الذي نستحقه لا يمكن إنشاؤه بدون التكنولوجيا. في الواقع، ولأول مرة على الإطلاق، تحدث معظم القادة عن التكنولوجيا ليس كمجموعة منفصلة من القضايا ولكن كمحرك وممكن، ومؤثر في جدول أعمالهم الاستراتيجية.
رؤية لـ "التعليم العالي الذي نستحقه"
عند وضع رؤية لـ "التعليم العالي الذي نستحقه" ، يقر التقرير بأن التعليم العالي الذي عرفناه قبل الوباء لن يكون هو الذي سيظهر بعد الجائحة. يجب على القادة تلبية متطلبات هذه اللحظة من خلال إعادة تعريف بنيات التعليم العالي، و إعادة تشكيل نماذج الأعمال والثقافة لتوقع وخدمة الاحتياجات الحالية والناشئة للمتعلمين والمجتمعات وأرباب العمل." ويصنف التقرير الأولويات التي خرج بها في ثلاث ضرورات:
تتطلب الرؤية والاستراتيجية المشتركة وحدات متنوعة في كلياتنا وجامعاتنا، تكون راغبة وقادرة على التخطيط والعمل بشكل تعاوني لدعم التحول الرقمي. وهذا لا يتطلب فقط الأدوات التقنية لتحسين الكفاءة التشغيلية والرشاقة والمرونة وتنمية القوى العاملة، بل يتطلب أيضًا تسخير هذه التكنولوجيا لتحقيق رؤية مؤسسية لمرحلة ما بعد الجائحة.
يتمثل أحد المفاتيح لإنشاء رؤية واستراتيجية في استخدام البيانات لفهم كيفية أداء المؤسسة بشكل أفضل، ثم طرح أسئلة حول تلك البيانات لإبلاغ القرارات حول المكان الذي تريد المؤسسة الذهاب إليه. يمكن أن يمثل الاستفادة من بيانات المؤسسات للحصول على إحصاءات واتخاذ قرارات مستنيرة تحديًا. ولكن في المقابل يمكن أن تساعد المؤسسات المتخصصة في تحسين كيفية قيام الجامعة بجمع البيانات وتحليلها وتخزينها. عند القيام بذلك، يمكن للجامعات مساعدة المتعلمين في الوصول إلى درجة أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة ، ومساعدة الإداريين للاستفادة من الرؤى لتحسين العمليات التشغيلية.وفي هذا السياق أطلقت جامعة ماريفيل مؤخرًا مشروع Data Lake لجمع البيانات وتحليلها لتحسين نتائج الطلاب.
ولجعل رؤيتها قابلة للتنفيذ ومؤثرة على الفور، قررت الجامعة التركيز على تحسين الاحتفاظ بالطلاب أولاً.
يجب أن تعمل المؤسسات على "تحسين خدماتها لتلبية احتياجات الطلاب". وهذا لا يشمل فقط عقلية الطالب أولاً، ولكن أيضًا تصميم الحلول الرقمية مع مراعاة الوصول العادل. بالإضافة إلى ذلك، يقترح EDUCAUSE أن تركز المؤسسات على تبنى المناهج الدراسية التي تعمل على تزويد الطلاب بفرص للمحاولة (والفشل) في مجموعة متنوعة من المهارات التي تسمح لهم بأن يكونوا مواطنين رقميين في القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك حل المشكلات والتفكير الابداعي والتفكير النقدي والمزيد.
وفي هذا الإطار، من المهم أن تبحث الجامعة على شريك استراتيجي، ومزود خدمات قادر على العمل مع قادة التعليم العالي لإثراء تجربة الطلاب، حيث يتوقع الطلاب المتمرسون رقميًا وصولاً على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع إلى الخبرات الرقمية المخصصة داخل الفصل وخارجه. يمكن أن يأخذ هذا الوصول شكل مختبرات الحوسبة الافتراضية، والمساعدات الرقمية الذكية، وتقنيات الصوت المبتكرة، وبيئات الواقع الممتد. يساعد مزودو الخدمات الموثوق بهم، المؤسسات الأكاديمية على إنشاء طرق جديدة للتفاعل مع الطلاب، والمساعدة في استمرارية التدريس والتعلم، وتحسين المساواة والوصول إلى الموارد الرقمية.
لتحقيق نموذج أعمال مستدام، تحتاج المؤسسات إلى إعطاء الأولوية لأمن المعلومات، والاستفادة من السحابة، والتعلم من دروس ما نجح (وما لم ينجح) أثناء الوباء. يقترح EDUCAUSE أن "التعليم العالي الذي نستحقه يحتاج إلى أن يكون قادرًا على العمل بكفاءة وإدارة المخاطر بفعالية. إدارة هذه العمليات بشكل جيد يساهم في خلق نماذج عمل مستدامة.
وفي هذا السياق من المهم تكاتف الشركات التكنولوجية المتخصصة مع قادة التعليم العالي لتحديث المؤسسات الأكاديمية وتأمينها، خلال عمليات التحول الرقمي ونقل أنظمة تكنولوجيا المعلومات ذات المهام الحرجة إلى السحابة لبناء حرم جامعي متصل رقميًا.
يساعد الانتقال الي البيئة السحابية على توفير سرعة أكبر وآمن للبيانات والامتثال والتعافي من الكوارث مع المساعدة في خفض التكاليف التشغيلية للتركيز على الأولويات الإستراتيجية، وهذا بدوره يساعد على خلق نموذج أعمال مستدام للتعليم العالي. هذا وبفضل الأساس القوي للتكنولوجيا السحابية، يمكن للكليات والجامعات التركيز على الأنشطة التي من شأنها تحسين مجتمعاتهم.
اختصاراً لما سبق، من خلال تحديث المؤسسات الأكاديمية وتأمينها بأسس قوية للتكنولوجيا، يمكن للمؤسسات التركيز على تحويل البيانات إلى حكمة ، وإثراء تجربة الطلاب ، وتمكين وتسريع البحث.