هل الواقع الافتراضي هو الإضافة الثورية لمنظومة التعليم والتدريب؟ !! يبدو أننا نتجه سريعًا، وأسرع مما نتخيل، إلى عالم نتجاوز فيه المكان والزمان لنتشارك الخبرة والتعلم. فقد أشارت مجلة البحوث الدولية للهندسة والتكنولوجيا"IRJET" في مقال لها بعنوان Mixed Reality in Healthcare Education أن جراحين من مستشفى مومباي   بالهند وضعوا نظارات الواقع الافتراضي للمشاركة في  عملية جراحية  طارئة لإزالة الأنسجة السرطانية من الأمعاء لمريض في مستشفى رويال في لندن. وتمت مشاهدة العملية من خلال نظارة الواقع الافتراضي مقترنة بهاتف ذكي. وتم عمل بث مباشر عبر الإنترنت.

مفهوم الواقع الافتراضي

تٌعتبر تقنية الواقع الافتراضي أو virtual Reality من أبرز ما تم الوصول إليه في الآونة الأخيرة وهي في حقيقة الأمر وسيلة ستنقل البيئة التعليمية لمستوى جديد متقدم، ولكن بداية، قد يكون من المهم تعريف مفهوم الواقع الافتراضي. وحيث تشير تعريفات الواقع الافتراضي إلى انه تمثيل حاسوبي يعمل على إنشاء تصور للعالم يظهر لحواسنا بشكل مشابه للعالم الحقيقي، فعن طريق الواقع الافتراضي يمكن نقل المعلومات والخبرات إلى الأذهان بشكل جذاب وأكثر تفاعلية .وكما يتم تعريفه أيضاَ بأنه وسيلة تتكون من عمليات محاكاة تفاعلية باستخدام الحاسب الآلي تُشعر المستخدم بالمكان والأفعال.

وفي هذا السياق يعتبر الأستاذ الدكتور وفي هذا السياق يعتبر الأستاذ الدكتور عبد الله حسين متولي محمد له السبق، كونه نشر أول مقال باللغة العربية حول تقنية الواقع التخيلي/ الافتراضي ومنذ أكثر من 24 عاماً، مبشراً بها وبالأفاق الواسعة التي ستنفتح لتطبيقاتها المتنوعة، وذلك في مقال نشر له في يوليو 1995 بعنوان “ نظم الواقع التخيلي، أو، تجسيد الخيال Virtual reality systems (VRS): وافد جديد يحتاج إلى تحديد."  تم نشره في مجلة الاتجاهات الحديثة في المكتبات والمعلومات. وقد استعرض الدكتور العديد من ميزات هذه التقنية والإمكانيات التي تبشر بها، بالإضافة إلي رجوعه لجذور وتاريخ هذه التقنيات واهم التعريفات لها والتي تضمنت الكثير من التعريفات ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هي محاكاة الحاسوب لحقيقة ( أشكال حقيقية من الواقع ) يمكنها التفاعل مع جميع حواس الإنسان ، وتستخدم في ألعاب تجعل من الشخص وكأنه جزء في داخل اللعبة، وتساوره الأحاسيس وكأن ما يحدث على الشاشة يحدث له فعلاً. فيحس انه يطيرا مثلا أو يتسلق شجرة أو يقود سيارة بسرعة عالية ويمكنه تخفيف سرعتها.. وفكرة الواقع التخيلي( يقصد نظم الواقع الافتراضي)  هي إقناع المستخدم أن ما يحدث  حقيقي، حتى وان لم يكن ما يحدث حقيقياً أو فعلياً. ورغم استشرافه لمستقبل هذه التقنية وتنوع تطبيقاتها في المكتبات على اختلاف أنواعها ضمن الخدمات التي تقدمها والأنشطة التي تقوم بها، إلا انه قد حذر في ختام مقاله من ضرورة استظهار الوعي عند توظيف تطبيقات هذه التقنية حيث ذكراً نصاً " ينبغي ألا ينظر المرء منا إلى هذه النظم على أنها وسيلة للهروب من الواقع الفعلي الذي نعيش فيه إلى واقع آخر بديل نصوغ بأنفسنا مفرداته، بل يجب علينا التعاطي معها على أنها أداة تمكننا من خلق عالم اصطناعي من شأنه زيادة فهمنا وإدراكنا لأبعاد ومتطلبات عالمنا الحقيقي الذي نعيشه وإيجاد الحلول المثلى لما يواجهنا فيه من صعاب ومشكلات" وهو ما تتفق معه الكاتبة إلى حد كبير.

كما وتعرف الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (NASA) الواقع الافتراضي على أنه "استخدام تكنولوجيا الكمبيوتر لخلق تأثير عالم ثلاثي الأبعاد تفاعلي، يكون للأجسام فيه إحساس بوجود مكاني". الواقع الافتراضي هو إدراك لشيء ما لا يمكننا لمسه، لكن حواسنا تدرك أنها حقيقية. وهو يركز على دمج الهندسة والتصميم وأنظمة الكمبيوتر، والغرض الرئيسي هو محاكاة عوالم مختلفة. في الواقع الافتراضي، يمكن للمستخدمين تجربة عالم غير موجود. "الواقع الافتراضي يغرق البشر في بيئات وعمليات متغيرة، ويكثف الخبرة والخيال، مما يزيد من البحث والتعليم"

  نمو السوق العالمي لتقنيات الواقع الافتراضي

من الواضح أن تقنيات الواقع الافتراضي يمكن أن تحدث تغيّرات جذرية في مجالات عدة وفي طريقة عمل الكثير من القطاعات لا سيما في مجال الجراحة، حيث يعتبر قطاع الرعاية الصحية ثاني أكبر قطاع توظيفاً لتكنولوجيا الواقع الافتراضي، فقد بلغت قيمة سوق الواقع الافتراضي العالمي 3.13 مليار دولار أمريكي في عام 2017 ومن المتوقع أن تصل إلى 49.7 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2023 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 58.54٪ خلال فترة التوقعات (2018-2023) وذلك حسب ما أبرزته دراسة بعنوان " Global Virtual Reality Market "  والتي قدمت معلومات عن حجم السوق واتجاهات سوق الواقع الافتراضي العالمي.  يتم توظيف هذه التكنولوجيا في استخدامات عدة منها العمليات الجراحية، العمليات التي يجريها الروبوت، والتدرب على المهارات من دون تعريض المريض لأي خطر فعلي. ذلك شجع المؤسسات الطبية والجامعات على اعتماد هذه التقنية كطريقة لتعليم الجيل التالي من الجراحين، وبدأت تأخذ حيز الممارسة في كثير من المستشفيات، ومثال على ذلك الجراحة الروبوتية ، والتي تتم بمساعدة  الروبوت، والتي تمكن الأطباء من القيام بإجراء العديد من أنواع العمليات المعقدة بدقة أكبر ومرونة وتحكم أكبر مما هو ممكن باستخدام التقنيات التقليدية، ويعد هذا النهج تحولا في مسار التعليم الطبي؛ فبدلا من وجود عدد قليل من الطلاب يلتفون حول الجراح لمشاهدة إجراء جراحة ما. الأن يمكن للعديد من المتدربين الطبيين أن يعيشوا هذه التجربة في أي وقت ومن أي مكان.

مزايا استخدام الواقع الافتراضي في التعليم

 على مدى العقدين الماضيين، أظهرت العديد من الدراسات نقاط القوة في استخدام الواقع الافتراضي في الفصل الدراسي، حيث يمكن للنفاذ الرقمي إلى الفصل الدراسي أن يقدم تجربة تعليمية فريدة لكل من الطلاب والمعلمين. لكن السؤال الكبير هو: ما هي الفوائد التي يمكن أن يحققها الواقع الافتراضي عندما يتم استخدامه في التعليم؟

• ارتفاع مستويات الأمن والسلامة

في بيئة محاكاة، يمكن للطلاب التعرف على العواقب التي يحتمل أن تكون خطرة جراء الفشل في اتباع الإجراءات أو تجاوز مواصفات التصميم دون إلحاق أضرار مادية بالمعدات أو خسائر في الأرواح، حيث تمكن تقنيات الواقع الافتراضي من محاكاة الأوضاع الخطرة والنادرة، مما يمكن الطلاب من التعلم بسلامة. كما وأنه في الواقع الافتراضي من السهل اختبار سيناريوهات وفروض مختلفة لأن البيئة يمكن تصميمها لمنع المتغيرات الدخيلة من تعطيل نتائج الاختبار ويمكن التحكم بدقة في المتغيرات التجريبية .

• زيادة الفهم والمعرفة

عادة ما يتم استدعاء الأشياء التي يتم تجربتها عمليا بسرعة أكبر وبوضوح أفضل، من نلك الأشياء التي نسمعها فقط أو يخبرنا بها شخص آخر. هذا هو السبب في أن الدروس التي تشتمل على جزء تفاعلي، مثل تلك التي يمكن أن تحدث مع الواقع الافتراضي، تخلق معرفة أكثر استقرارًا وديمومة مع مرور الوقت. كما أنه في بعض الأحيان يصبح من الصعب تحقيق الفهم الكامل للمفهوم، بشكل أساسي عندما يكون مجرداً أو معقداً. لذلك، فإن إظهارها بكل أبعادها مع الواقع الافتراضي يمكن أن يسهل فهمها ومعالجتها بشكل صحيح. وفقًا لجمعية الواقع الافتراضي، هناك منافع متعددة عند دمج الواقع الافتراضي في الفصل الدراسي: تجربة تعلم أكثر نشاطًا، ومشاركة فورية تساعد الطلاب على تطوير معرفتهم ومهاراتهم في وقت واحد، وتحسين التركيز، وفهم أفضل للنظريات والمفاهيم المعقدة.

• التعلم من خلال تجربة افتراضية

أحد المجالات التي يكون فيها الواقع الافتراضي أكثر فعالية هو "التعلم التجريبي"، والذي يعرف بأنه أي تعلم يدعم الطلاب في تطبيق معرفتهم وفهمهم لمشاكل العالم الحقيقي أو المواقف الأصيلة.  التعلم التجريبي لا يساعد المعلمين فقط على تغطية الموضوعات المطلوبة، بل يساعد أيضًا على زيادة حافز الطلاب للتعلم. يحقق التعلم التجريبي العديد من الفوائد للطلاب، مثل إنتاج مزيد من المتعلمين المستقلين، وتعميق التعلم، ومساعدة الطلاب على تطبيق المهارات المكتسبة من خلال الأنشطة الحقيقية. وفي هذا السياق بدأت شركة GMR في العام 2011 العمل على فورسينا. يُمثل فورسينا منتجاً من منتجات GMR المبتكرة، حيث يهدف إلى مساعدة الجامعات، والطلاب، وتعزيز التعليم الطبي لمادة التشريح HUMAN ANATOMY باستخدام نماذج ثلاثية الأبعاد وبالاعتماد على تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR).

• زيادة التفاعل والمشاركة

بيئة التعلم الافتراضية تعزز التعلم النشط وتساعد الطلاب على فهم المعرفة المجردة. لدى VR أيضًا القدرة على تحفيز الحماس داخل غرفة الصف وزيادة مشاركة الطلاب. ومن بين المزايا العديدة التي يوفرها الواقع الافتراضي، خاصية الغمر، والذي يتم عن طريق الدخول إلى مساحة افتراضية بزاوية 360 درجة. يقدم هذا الجانب الغامر إدراكًا مختلفًا للمحتوى الذي يتم عرضه، والذي يتيح إمكانيات جديدة في التعليم. كما وأن الطبيعة الغامرة للواقع الافتراضي تمكن الطلاب من التركيز على أهداف التعلم. وتحول الطلاب من متعلمين سلبيين إلى متعلمين نشطين، مما يحسن من تحفيز الطلاب وشعورهم بالسيطرة على تعلمهم.

• إضفاء الطابع الشخصي على التدريس

سيتمكن المعلمون من العمل بشكل أكثر كفاءة على الصعوبات المحددة لكل طالب والتركيز على الجوانب التي يحتاج كل طالب إلى تعميقها. . الواقع الافتراضي VR لا يقدم الطلاب للأفكار والبيئات الجديدة فحسب، بل إنه أيضًا أداة يمكن الوصول إليها والتي يمكن أن تجلب ممارسات جديدة للطلاب المحرومين والطلاب في الأماكن النائية والطلاب الذين يعانون من مشاكل في التنقل.

• توفير الوقت والمال

يعد التدريب ضروريًا لضمان قدرة الأشخاص على أداء وظائفهم أو تعلم موضوع ما من أجل الإنتاج الكامل. لكن التكاليف يمكن أن تكون باهظة، مما يعيق من عملية التعلم. سيؤثر انتشار تكنولوجيا الواقع الافتراضي بأسعار معقولة على الغالبية العظمى من السكان في مجالات تتراوح بين التعليم والعمل والترفيه والتسلية. كما وأن القدرة على تغيير العالم الافتراضي بسهولة يفتح إمكانيات جديدة في مجال الاختبار والتصميم. على سبيل المثال، يمكن نسخ النماذج الرقمية وتعديلها واختبارها بدون حساب النفقات والوقت اللازم لبناء واختبار النماذج المادية. يتيح ذلك للطلاب تحسين واختبار تصميمهم بسرعة وبتكلفة زهيدة قبل إنشاء نسخة مادية.

 نظرة مستقبلية للواقع الافتراضي

مع استمرار التطور البشري، يستمر تطور التقنيات الحديثة والتطبيقات المتنوعة. الواقع الافتراضي هو واحد من هذه التطورات. الواقع الافتراضي يمكن أن يكون إضافة حيوية إلى الفصل الدراسي. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا لا تزال تتطور، فإن العديد من الخبراء يدركون منافعها التعليمية المحتملة. في الوقت الحاضر، يكافح العديد من المعلمين لإبقاء الطلاب ملتزمين بمواضيع الفصل الدراسي. يمكن أن يساعد الواقع الافتراضي في زيادة تفاعل الطلاب ومساعدتهم على فهم المواد بشكل أفضل. وكما يقول ديريك هيوز ، "ينمو أعضاء الجيل الرقمي على الأنشطة الإبداعية والجذابة ، ومصادر المعلومات المتنوعة ، وفي بيئة أكثر حيوية."