يشهد العالم تحولاً ثورياً في كيفية تحليل واستخدام البيانات. فالتكامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبح مفتاحًا لفهم البيانات بشكل عميق واستخراج القيمة القصوى منها. كما أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من عمليات الأعمال والابتكار في مختلف الصناعات. يعتمد النجاح في هذا السياق بشكل كبير على قدرة المؤسسات على توحيد وإعداد بياناتها بشكل فعّال، واستخدامها بشكل ذكي لتحليلها واستخلاص الرؤى القيمة منها. يعالج هذا الموضوع أهمية التكامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، ودور توحيد البيانات وتمكين التحليل الذكي في تطوير الحلول المبتكرة. حيث نستكشف كيف يمكن لتوحيد البيانات وتمكين التحليل الذكي أن يشكلا الركيزة الأساسية لتطوير الحلول المبتكرة التي ستغيّر وجه العالم بأسره. بالإضافة إلى فوائد هذه العملية وأثرها الإيجابي على عمليات الأعمال والابتكار.
البيانات والذكاء الاصطناعي: وجهان لعملة واحدة
لا يوجد ذكاء اصطناعي دون بيانات؛ فهما يمثلان جانبين لعملة واحدة. تعتبر البيانات الوقود الأساسي الذي يغذي نمو وتطور التطبيقات والأنظمة الذكية، بينما يعد الذكاء الاصطناعي المحرك الذي يدفعها إلى الأمام، حيث يحلل البيانات، ويستخرج الأنماط، ويولّد القرارات والتنبؤات. تتكامل البيانات والذكاء الاصطناعي بشكل وثيق لتشكيل مستقبل التكنولوجيا والابتكار. وهذا بدوره أدى إلى تسريع اعتماد الشركات عليه، حيث من من المتوقع بحلول عام 2026، أن تكون تقنيات واجهات برمجة تطبيقات الذكاء الاصطناعي المولدة (GenAI) أساسية لأكثر من 80% من المؤسسات، ومن المتوقع أن ينتشر استخدام هذه التقنيات في بيئات الإنتاج. وفي هذا السياق، أكد Arun Chandrasekaran، نائب الرئيس المتميز للتحليل لدى مؤسسة جارتنر، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي أصبح ذا أولوية قصوى بالنسبة للقيادات التنفيذية العليا، وأنه أحدث ابتكارات هائلة في مجال الأدوات التقنية التي تتفوق على النماذج الأساسية. وأضاف: "يشهد الطلب على الذكاء الاصطناعي التوليدي نموًا متزايدًا في عدة صناعات مثل الرعاية الصحية، وعلوم الحياة، والخدمات القانونية، والمالية، والقطاع العام."
إعداد البيانات للذكاء الاصطناعي (AI)
يفتح الذكاء الاصطناعي أبواباً جديدة للعمليات التي كان من الصعب تصورها في الماضي، ويبرز دور تحضير البيانات بشكل خاص في هذا المجال. تعتبر جودة وكمية البيانات عاملين حاسمين في نجاح أي تطبيق للذكاء الاصطناعي. فالبيانات غير الكافية يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير دقيقة، بينما يمكن أن تسبب البيانات الزائدة تأخيراً في عمليات المعالجة. ولذلك، تحتاج المؤسسات إلى بذل جهود كبيرة لضمان إعداد البيانات بشكل سليم للاستخدام في تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وفي هذا السياق أشار تقرير صادر من Forbes، إلى أن إعداد البيانات يمثل حوالي 80% من عمل علماء البيانات.، ومع ذلك يرى 76% من علماء البيانات أن إعداد البيانات هو الجزء الأقل إمتاعًا في عملهم ، إلا أنه الأكثر أهمية، لأنها بمثابة حجر الأساس في أي مشروع ناجح للذكاء الاصطناعي.
من ناحية أخرى ، يعتبر إعداد البيانات لاستخدامها في نماذج التعلم الآلي والتعلم المعمق هو خطوة أساسية في عملية تطوير أي مشروع في هذا المجال. تسبق مرحلة إعداد البيانات مرحلة التدريب والتعلم لأي نموذج للتعلم الآلي، مما يجعل أهمية تنفيذ هذه المرحلة بشكل صحيح بمثابة أساس لنجاح المشروع. تشمل هذه المرحلة جمع البيانات ومعالجتها مسبقًا، حيث يُجرى جمع البيانات لتدريب النموذج، مع التركيز على التحقق من دقة البيانات واكتمالها وتوازنها وتجنب التحيز. بعد جمع البيانات، تتم معالجتها وتحويلها إلى تنسيق يمكن للخوارزميات الآلية استخدامه بشكل فعال، وتشمل هذه المعالجة تقنيات مثل تنظيف البيانات وتعويض البيانات المفقودة وزيادة العينات وتكامل البيانات وتطبيعها.
فيما يلي، نستعرض بعض الأسباب التي تبرز أهمية إعداد البيانات في مجال الذكاء الاصطناعي.
جودة البيانات: يساعد إعداد البيانات في التأكد من أن البيانات المستخدمة في مشروع الذكاء الاصطناعي نظيفة ودقيقة ومحدثة. هذا أمر حيوي للحفاظ على دقة النتائج وضمان تحليلات فعالة.
تحويل البيانات: تُمكِّن عملية إعداد البيانات من تحويل البيانات غير المهيكلة أو غير المتناسقة إلى تنسيق مناسب يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي استخدامه بكفاءة.
التدريب النموذجي: يُعتبر إعداد البيانات ضروريًا لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث يستخدم البيانات المعدة لبناء وتدريب النماذج لتحقيق تنبؤات دقيقة.
اختيار الميزة: تُمكِّن عملية إعداد البيانات المحللين من اختيار الميزات المهمة من بين مجموعة البيانات، وهو أمر أساسي للحصول على تحليلات دقيقة ونتائج موثوقة.
تحسين الأداء وقابلية التوسع: من خلال إعداد البيانات بعناية، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي أن تكون أكثر دقة وكفاءة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء وتوفير المزيد من الوقت والجهد.
توليد الاستبصار وتحسين التعاون: تساعد عملية إعداد البيانات في توليد رؤى قيمة وفهم أعمق لسلوك العملاء، مما يُسهم في اتخاذ قرارات أفضل وتحسين التعاون بين الفِرق في مشروعات الذكاء الاصطناعي.
توحيد البيانات:
الشركات الحديثة تعتمد بشكل كبير على البيانات لدفع عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بها. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي انعدام توحيد البيانات وجودة البيانات المنخفضة إلى استنتاجات غير دقيقة. تشير تقارير جارتنر لعام 2018 إلى أن المؤسسات تتكبد تكلفة تقدر في المتوسط بحوالي 15 مليون دولار سنويًا بسبب جودة البيانات المنخفضة. إن هذا التأثير المالي الكبير يمكن تجنبه من خلال توحيد البيانات.
وفي هذا السياق نشير إلى أن توحيد البيانات هو عملية تحويل البيانات من مصادر مختلفة إلى تنسيق متسق. يشمل ذلك، تحديد وتنفيذ معايير البيانات المشتركة وبروتوكولاتها لالتقاط البيانات وتخزينها ومشاركتها. يضع عملية توحيد البيانات الإرشادات لعناصر البيانات، مثل معايير التسمية ووحدات القياس والقيم القطعية، لتسهيل التكامل والتفسير للبيانات. يمكن لتوحيد البيانات تمكين تبادل البيانات بشكل متسق عبر مختلف الأنظمة. وهذا يعني أن المؤسسات يمكنها ضمان أن الجميع يتحدثون نفس لغة البيانات من خلال توحيد البيانات عبر مختلف الأنظمة والأقسام والشركاء الخارجيين، مما يوفر رؤية شاملة لعمليات الشركة وعملائها وأسواقها.
هذا النهج يعزز التوافق بين الأنظمة والمنصات المختلفة. عندما تكون البيانات موحدة، يصبح من السهل دمج ومزامنة المعلومات عبر تطبيقات البرمجيات وقواعد البيانات المختلفة. كما يصبح تحديد الأخطاء وتصحيحها أسهل، مما يقلل من مخاطر اتخاذ القرارات استنادًا إلى معلومات غير صحيحة أو غير مكتملة.
تمكين التحليل الذكي:
تشكل تحليلات البيانات أساس الذكاء الاصطناعي. من خلال جمع ومعالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تتعلم وتتكيف وتقدم توقعات معلوماتية، مما يعزز في نهاية المطاف الكفاءة والإنتاجية عبر القطاعات المختلفة، حيث تكشف تحليلات البيانات الأنماط والتحليلات المخفية التي قد تمر مرور الكرام. فمن خلال تقنيات متقدمة مثل التعلم الآلي والنمذجة التنبؤية، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحديد الاتجاهات والترابطات ونمط/ طبيعة الشذوذ داخل مجموعات بيانات معقدة. تتيح هذه الرؤى القيمة للشركات تحسين العمليات وتحسين تجارب العملاء والحصول على ميزة تنافسية في السوق. كما تمكن تحليلات البيانات أنظمة الذكاء الاصطناعي من امتلاك القدرة على تخصيص التجارب وتقديم حلول مخصصة للمستخدمين الفرديين، وذلك عبر توظيف بيانات العملاء وتفضيلاتهم وأنماط سلوكهم. بالإضافة إلى ذلك تزود تحليلات البيانات أنظمة الذكاء الاصطناعي بالقدرة على اتخاذ قرارات ذكية بناءً على الرؤى المستندة إلى البيانات. من خلال تحليل البيانات التاريخية والمعلومات الحية، يمكن لأنظمة اتخاذ القرار المدعومة بالذكاء الاصطناعي تقييم المخاطر وتوقع النتائج وتقديم توصيات قيمة للمساعدة في التخطيط الاستراتيجي ، وبما يمكن المؤسسات والشركات من تحسين تخصيص الموارد، وفتح طرق جديدة للابتكار.
تطوير الحلول المبتكرة:
تكامل البيانات مع أنظمة الذكاء الاصطناعي يفتح أفاقًا واسعة لتطوير حلول مبتكرة تلبي احتياجات مختلف الصناعات والقطاعات، بدءًا من المؤسسات التعليمية والحكومية وصولاً إلى الشركات الربحية والمشاريع الريادية. في المؤسسات التعليمية، يمكن استخدام تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لتقديم تجارب تعليمية مخصصة وفعّالة، وتحسين عمليات التعلم وتقييم الطلاب. فمثلاً، يمكن استخدام تحليل البيانات لفهم أساليب التعلم المفضلة لدى الطلاب وتقديم المواد التعليمية بشكل يناسب احتياجاتهم الفردية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل أداء الطلاب واكتشاف النماذج والاتجاهات التي يمكن أن تساعدهم على تحسين تجربتهم التعليمية.
أما في الحكومة، فيمكن استخدام تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الخدمات الحكومية وتطوير سياسات أكثر فعالية وفاعلية. يمكن استخدام تحليل البيانات لفحص البيانات الحكومية واكتشاف الاتجاهات والمعلومات الحيوية التي يمكن أن تساعد في اتخاذ قرارات أفضل وأكثر استدامة. ومن خلال استخدام التنبؤات والتحليلات الذكية، يمكن للحكومات تحسين خدماتها وتوجيه السياسات العامة بشكل يتناسب مع احتياجات المجتمع. كما يمكن للشركات الربحية استخدام تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات التجارية وزيادة الكفاءة وتحقيق المزيد من الأرباح من خلال تحسين عمليات التصنيع والتوزيع وتحسين تجربة العملاء بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لرواد الأعمال تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير منتجات وخدمات مبتكرة تلبي احتياجات السوق بشكل فعال وتفوق على المنافسين. ومن خلال تحليل البيانات، يمكن للرياديين اتخاذ قرارات استراتيجية مستنيرة وتحسين عملياتهم بشكل مستمر، مما يسهم في نمو واستدامة مشاريعهم الريادية.