تعد الشراكات القوية بين المكتبات ووسطاء البيانات المدنية ضرورية لتشكيل مجتمع مستنير بالبيانات يعطي الأولوية للوصول العادل إلى المعلومات. من خلال التعاون مع المنظمات التي تجمع البيانات المدنية وتحللها وتنشرها، يمكن للمكتبات تعزيز قدرتها على العمل كوسطاء موثوق بهم. تسمح هذه الشراكات للمكتبات بتوسيع عروض البيانات الخاصة بهم وتوفير مجموعات بيانات متنوعة وشاملة للمجتمع. من خلال الاستفادة من خبرة وموارد وسطاء البيانات المدنية، يمكن للمكتبات التأكد من أن البيانات التي تقدمها دقيقة ومحدثة وذات صلة باحتياجات المجتمعات التي تخدمها. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التعاون يمكّن المكتبات من المساهمة في إضفاء الطابع الديمقراطي على البيانات من خلال جعلها أكثر سهولة وفهمًا لجمهور أوسع. من خلال العمل معًا، يمكن للمكتبات ووسطاء البيانات المدنية سد الفجوة بين منتجي البيانات ومستخدمي البيانات، وتسهيل اتخاذ القرارات المستنيرة، وتعزيز المشاركة المدنية، وتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال الوصول العادل إلى المعلومات.
ولكن قبل الخوض في طبيعة الأدوار التي يمكن للمكتبات لأمناء المكتبات القيام بها في سياق البيانات المدنية، نرى من المهم تعريف مصطلح البيانات المدنية والمصطلحات ذات العلاقة مثل:
البيانات المفتوحة والبيانات المدنية المفتوحة:
في السنوات الأخيرة، رأينا الحكومات على مستوى العالم، وعبر جميع المستويات تمرر سياسات تؤسس لجعل البيانات الحكومية متاحة للجمهور. الشفافية والمساءلة هما المحركان الأساسيان لهذه السياسات، فهناك مصلحة عامة في البيانات المتعلقة بالإجراءات الحكومية، وهناك حق عام في هذه المعلومات بموجب القانون.
الفرضية هنا هي أن الجمهور له الحق في الوصول إلى البيانات المتعلقة بجوانب حياته، والتي تمس الرفاه الاجتماعي للأفراد. على سبيل المثال، الجمهور له الحق في معرفة كيفية استخدام الأموال العامة، أو الحق في الوصول واستخدام نفس المعلومات الأولية التي تستطيع حكوماتنا استخدامها، وهذا هو جوهر البيانات المدنية المفتوحة.
وهنا يتم تعريف البيانات المفتوحة، بأنها تلك البيانات التي يمكن لأي شخص الوصول إليها واستخدامها وإعادة استخدامها مجانًا لأي غرض؛ وهي عادةً ما تكون متوفرة في تنسيقات قابلة للاستخدام، وغالبًا ما تكون قابلة للقراءة آليًا؛ وبحيث يمكن تعديلها ومشاركتها بواسطة الآخرين
أما البيانات المدنية، فهي بيانات تم جمعها من قبل الحكومة والمؤسسات غير الربحية والمؤسسات المدنية وغيرها من المنظمات المجتمعية.
بشكل أكثر تبسيطا، البيانات المدنية هي معلومات تصف مجتمعاتنا، لذا يمكن اعتبار البيانات التي تم إنشاؤها بواسطة الأفراد أو عنهم هي بيانات مدنية؛ لأنه يمكن لمثل هذه البيانات أن تمثل وجهات نظر وقصص بديلة.
وهنا يجدر الإشارة إلى أن البيانات الواردة من الشركات الخاصة لا تعتبر بيانات مدنية، كما وأن البيانات المدنية ليست كلها بيانات مفتوحة. في بعض الأحيان يكون ذلك بسبب الحاجة إلى حماية الخصوصية أو المعلومات السرية. في أوقات أخرى، لا يمتلك مالكو البيانات الموارد الكافية المطلوبة لإعداد البيانات ووصفها ونشرها بتنسيق قابل للاستخدام.
من ناحية أخري، قد يفترض المعظم، أن البيانات المدنية إلكترونية ويمكن الوصول إليها عبر الويب، إلا أن الكثير منها ليس كذلك. هناك الكثير من البيانات على الورق، مثل البيانات المنشورة في التقارير المطبوعة، أو تلك التي يتم توزيعها فقط على وسائط مادية مثل DVD أو CD. من وجهة نظر عملية، هذا قد يكون له فائدة محدودة للجمهور.
تعد إمكانية تمكين الجمهور من استخدام البيانات لتحسين مجتمعاتهم محركًا آخر لحركة البيانات المفتوحة. يعتقد دعاة البيانات المفتوحة أن توافر المعلومات حول المجتمعات يمكن أن يدعم المشاركة المدنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي البيانات المتاحة للاستخدام دون قيود إلى إطلاق الابتكار والمنتجات والتقنيات.
أمناء المكتبات كوسطاء للبيانات المدنية
إذا كنت تعمل في مكتبة، فإن الكثير مما يفعله وسطاء البيانات المدنية سيكون مألوفًا لك لأنهم يقومون بأدوار نلعبها كمحترفين في مجال المعلومات.
يشير موقع Wikipedia إلى أن وسطاء البيانات المدنية هم منظمات أو كيانات تقوم بجمع وتنظيم وتحليل ونشر البيانات المتعلقة بمنطقة جغرافية معينة أو مجتمع معين. إنهم يعملون كوسطاء بين منتجي البيانات، مثل الوكالات الحكومية أو المؤسسات البحثية، ومستخدمي البيانات، بما في ذلك الأفراد أو المنظمات أو المؤسسات المهتمة بالوصول إلى البيانات المدنية واستخدامها. يلعب وسطاء البيانات المدنية دورًا حاسمًا في تجميع مجموعات البيانات المتنوعة وتنظيمها، وضمان جودة البيانات وإمكانية الوصول إليها، وتوفير رؤى قيمة. يساهم وسطاء البيانات المدنيون في إضفاء الطابع الديمقراطي على البيانات من خلال جعلها متاحة بسهولة ومفهومة وقابلة للتنفيذ لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة.
يمكن للعاملين في مجال المكتبات أن يكونوا وسطاء للبيانات المدنية، وذلك انطلاقاً من أن أحد أهم الأدوار التي يقوم بها أمناء، تتمثل في ربط مجتمعاتهم بالبيانات المدنية المفتوحة ومساعدة الجمهور في العثور على مثل هذه البيانات، والتي توجد بشكل أساسي في البوابات الحكومية.
يلعب أمناء لمكتبات دورًا حاسمًا في تعزيز عمل البيانات المدنية العادلة من خلال توفير الوصول إلى مصادر المعلومات والتكنولوجيا لجميع أفراد المجتمع. فيما يلي، نقدم خمس ركائز، تساعد المكتبات على تحقيق ذلك:
الركيزة الأولي: الوصول إلى البيانات المدنية
تدرك المكتبات أهمية توفير الوصول إلى مصادر البيانات المدنية المتنوعة، مثل التقارير الحكومية، والمسوحات المجتمعية، ومجموعات البيانات العامة، وغيرها من المعلومات ذات الصلة. إنهم يهدفون إلى تنظيم هذه الموارد وتنظيمها بطريقة تجعلها في متناول رواد المكتبة. يتضمن ذلك أنشطة الفهرسة وإنشاء واجهات أو قواعد بيانات سهلة الاستخدام لتسهيل البحث الفعال واسترجاع البيانات المدنية.
من خلال توفير الوصول إلى مجموعة واسعة من مصادر البيانات المدنية، تُمكن المكتبات جمهورها من استكشاف واستخدام المعلومات التي يمكن أن تساهم في زيادة الوعي بالقضايا العامة، وتدعم البحث والتحليل، وتُفعل المشاركة المدنية.
الركيزة الثانية: محو أمية البيانات
في عالم يعتمد بشكل متزايد على البيانات، تعد معرفة البيانات مهارة حاسمة لأفراد المجتمع، وحيث تتجاوز أدوار المكتبات مجرد توفير الوصول إلى البيانات المدنية. فالمكتبات تساهم بنشاط في محو أمية البيانات من خلال تقديم مجموعة متنوعة من المبادرات التعليمية متعددة الأوجه والأطر، فهناك الورشات التي تهدف الي تعريف أعضاء المجتمع بالمفاهيم الأساسية لمحو أمية البيانات، مثل طرق جمع البيانات، وتقنيات تحليل البيانات، وتفسير البيانات.
توفر ورش العمل هذه تدريبات عملية وتمارين عملية لتعزيز معرفة الأفراد بكيفية التعامل مع البيانات المدنية.
بالإضافة إلى ورش العمل، تقدم المكتبات دورات تدريبية منظمة تتعمق في تعقيدات محو أمية البيانات. تغطي هذه الدورات موضوعات مثل تصور البيانات والتحليل الإحصائي وأخلاقيات البيانات وإدارة البيانات.
من خلال تعزيز مهارات معرفة البيانات، تمكن المكتبات أعضاء المجتمع من إجراء تقييم نقدي لمصادر البيانات، والتعرف على التحيزات والقيود، واتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على الأدلة والأفكار المستمدة من البيانات المدنية، وبما يساهم في بناء مواطنين مطلعين ومشاركين، وتعزيز الشفافية والمساءلة والمشاركة الديمقراطية في المجتمع.
الركيزة الثالثة: الشمول الرقمي
تدرك المكتبات أهمية الإدماج الرقمي وتلعب دورًا حيويًا في سد الفجوة الرقمية الموجودة في العديد من المجتمعات. إنها بمثابة حاضنات أساسية لتوفير الوصول المجاني إلى أجهزة الكمبيوتر والإنترنت وموارد التكنولوجيا الأخرى. من خلال تقديم هذه الموارد، تضمن المكتبات أن الأفراد من جميع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية لديهم القدرة للوصول إلى البيانات المدنية ومعالجتها. هذا الوصول ضروري لتعزيز العدالة وتمكين أعضاء المجتمع من المشاركة في المشهد الرقمي.
الركيزة الرابعة: المشاركة المجتمعية
إدراكًا لمكانتها الفريدة، تعمل المكتبات بنشاط على تعزيز المشاركة المجتمعية من خلال تنظيم المناقشات والمنتديات والأحداث التي تدور حول البيانات المدنية وآثارها.
توفر هذه المشاركة المجتمعية منصة لأصحاب المصلحة المتنوعين للالتقاء والانخراط في حوار هادف. يمكن للمكتبات استضافة حلقات نقاش حيث يمكن للمسؤولين الحكوميين والمنظمات المجتمعية والمقيمين مشاركة وجهات نظرهم حول قضايا مدنية محددة.
تسهل المكتبات أيضًا ورش العمل وجلسات التدريب حيث يمكن لأعضاء المجتمع تعلم كيفية الوصول إلى البيانات المدنية وتحليلها وتفسيرها. بالإضافة إلى ذلك، قد تنظم المكتبات مشاريع أو مبادرات مجتمعية تستفيد من البيانات المدنية لتحسين المجتمع. على سبيل المثال، يمكن لمكتبة ما، أن تشرع في مشروع إعادة إنعاش المنطقة التي تتواجد فيها، بناءً على تحليل البيانات المدنية ، وإشراك السكان والشركات المحلية وواضعي السياسات في عملية التخطيط والتنفيذ.
من خلال عمل المكتبات كمحفزات للمشاركة المجتمعية، نجدها تخلق مساحات يتم فيها احترام وجهات النظر المتنوعة، وتبادل الأفكار، وتعزيز الجهود التعاونية، واعلاء الشعور بالمسؤولية الجماعية في مواجهة تحديات المجتمع، والذي بدوره يساهم في تشكيل مستقبل أكثر حيوية وشمولية..
الركيزة الخامسة: خصوصية البيانات والأخلاقيات
تعد خصوصية البيانات والأخلاق من الاعتبارات الأساسية في العصر الرقمي، وللمكتبات دور حاسم في تعزيز ممارسات البيانات المسؤولة. تأخذ المكتبات على عاتقها تثقيف أفراد مجتمعها حول حقوق خصوصية البيانات وتمكينهم من جمع واستخدام وحماية معلوماتهم الشخصية.
علاوة على ذلك، يمكن للمكتبات أن تطالب وتحشد لضمان وجود سياسات وأنظمة قوية لخصوصية البيانات، حيث يمكنهم المشاركة بنشاط في المناقشات والتفاعل مع صانعي السياسات لضمان إعطاء الأولوية لضمانات الخصوصية عندما يتعلق الأمر بجمع البيانات المدنية ومشاركتها، حيث يمكن للمكتبات تقديم خبراتها والمساهمة في تطوير السياسات التي تحقق التوازن بين فوائد البيانات المدنية وحماية حقوق الخصوصية للأفراد، في عالم يتزايد اعتماده على البيانات.
في نهاية هذا المقال وتلخيصاً لما سبق، يمكننا التأكيد على أن تعزيز محو أمية البيانات المدنية، والإدماج الرقمي، والمشاركة المجتمعية، وممارسات البيانات المسؤولة، يزيد من قدرة المكتبات على تمكين الأفراد من المشاركة بنشاط في تشكيل مجتمعاتهم وتعزيز مجتمع أكثر شمولية وإنصافًا.