في عصر الحوسبة المتنقلة، يصبح الاهتمام والمشاركة سلعة؛ فالمعلنون على استعداد لإنفاق الملايين من أجل 30 ثانية فقط يستطيعون فيها الحصول على اهتمام المشاهد. ومع جميع الإعلانات والتطبيقات المتواجدة في جيوب طلاب القرن الحادي والعشرين وبين أيديهم، كان علينا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكننا تمكين تقنيات التعلم من تثبيت موقعها كتقنية رائجة ذات قدرة على شد الانتباه في ظل تزايد التقنيات الاستهلاكية؟ وما هي أفضل الممارسات لإشراك الطلاب؟ وكيف يمكننا قياس الدور الذي يمكن أن تلعبه التقنية في مشاركة الطلاب؟
فبالرغم من كتابة الكثير حول المشاركة في الفصول الدراسية وحول التعامل مع أدوات التقنية، لم يتم التطرق كثيرا إلى البحث عن تقاطع الاثنين معا. الغرف الدراسية أصبحت تغص بالطلاب الذين يحملون بين أيديهم الأجهزة اللوحية وأجهزة اللاب توب، وهم يشاهدون ويستمعون ويتشاركون دون الحاجة إلى النظر إلى سبورة الفصل أو الاطلاع على كتاب مطبوع بين أيديهم. أصبح هذا المشهد مألوفا ويأخذ في التزايد في ظل العديد من المبادرات التي تذهب باتجاه "جهاز محمول لكل طالب". اليوم ثمة عدد كبير من الجامعات تستخدم نظم إدارة التعلم (Learning Management Systems) أو ما يوازيها من نظم بيئات التعلم الافتراضية، هذا بالإضافة إلى أن التطبيقات التي يتم طرحها يوميا، والتي يتم تسويقها كمنتجات ووسائط تعليمية تساعد المعلم والمتعلم، والتي تطرح كما كبيرا قابلا للتزايد والتضخم. توفر هذه التطبيقات مجموعة كبيرة من السيناريوهات والقوالب والأدوات الجاهزة للاستعمال والتي يمكن الاختيار من بينها وتوظيفها في إنشاء مواد تعليمية رقمية يمكن بعد ذلك طباعتها أو مشاركتها عبر البريد الإلكتروني أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر و الفيس بوك، كما يمكن عرضها مباشرة في الفصل الدراسي باستخدام جهاز العرض.
مشاركة الطلاب وأثرها على عملية التعلم
السؤال الذي نطرحه هنا، كيف يمكن للمعلم فهم عمليات التفكير لدى الطلاب ومستوى المشاركة الفكرية مع المواد؟ للإجابة على هذا السؤال، دعونا نفكر أولا فيما نعرفه عن مشاركة الطلاب. المشاركة شرط أساسي للتعلم. وتشير البحوث إلى أن عمق الاشتباك والمشاركة يرتبط بعلاقة متبادلة مع عمق التعلم (كاريني 2004). علاوة على ذلك، فقد وجدت الدراسات الطولية أن التغيرات الصغيرة في إجراءات الانخراط والمشاركة المدرسية يمكن أن تغير بشكل كبير من احتمالات إكمال الطلاب التعليم في المراحل المتقدمة والانتقال إلى الحياة المهنية أو الإدارية أو حتى التغلب على الحواجز الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأمد (Abbott-Chapman 2013). كيف نحدد تطور مشاركة الطلاب والانخراط مع المادة التعليمية وانتقالهم من مرحلة الملاحظة (تقليب صفحات في كتاب) إلى المرحلة الانفعالية والمعرفية (التفاعل مع المحتوي في الكتاب) يمكننا القول أن الباحثين أحرزوا تقدما من خلال الانتقال من تتبع السلوكيات مثل المشاركة والوقت الذي تستغرقه المهمة إلى البحث في استثمار الطلاب للتعلم واستخدام استراتيجيات التعلم الأعمق. كمثال واقعي، في أوائل عام 1990، شعرت شركة أبل بالضغط جراء قياس المشاركة عن طريق تسجيل الوقت الذي يقضيه الطلاب في النظر إلى الشاشة أو المدرب. اليوم تقوم أجهزة أبل آي باد Apple iPad بتحليل مساهمة الطلاب من خلال قياس "المشاركة والتعاون والمثابرة".
الأطر الحالية القائمة للمشاركة
وبالنظر إلى أن مشاركة الطلاب قيمة ومعقدة على حد سواء، فإن المعلم يتحمل جزءاً كبيرا في فعالية وتعزيز عملية المشاركة. يحدد Robert Marzano في كتابه "فن وعلم التدريس" أبعاد الانخراط والمشاركة في التعليم، مشيرا إلى أن ذلك هو دور المعلم والذي عليه القيام بالممارسات التعليمية الآتية:
كما يشير Marzano إلى أن كل من هذه التقنيات تمثل أداة يمكن للمعلم استخدامها في الوقت المناسب
وأيا كان النموذج الذي يريد المعلم استخدامه، فلابد من القياس. ورغم وجود العديد من الأدوات، إلا أن جميعها تدور حول ثلاث تقنيات أساسية: التقرير الذاتي وتقرير المعلم والملاحظة.
أطر للمشاركة باستخدام تقنيات التعلم
على الطرف الآخر من الطيف، يتم طرح مصطلح "المشاركة" في وادي السليكون عند الحديث عن التطبيقات ومواقع الإنترنت. المشاركة هنا وفي كثير من الأحيان لا نعنى بها "هل يقوم المستخدم بتسجيل الدخول كل يوم" أو" كم عدد الصفحات التي يزورها المستخدم يوميا" أو "ما المدة التي قضاها المستخدم؟" التطبيقات التعليمية مثل eSpark كسرت الفكرة النمطية حول التطبيقات الفردية عندما يتعلق الأمر بالمشاركة. فجودة التطبيق تعتمد على مدى محاذاتها وقربها الوثيق بالمهمة التعليمية. التطبيق التعليمي الجيد هو الذي يكون بمثابة "سقالة للتعلم" تساعده على حل المشكلة التي تفوق قدراته الفردية، فالتطبيقات التي تتميز بالمنافسة المعتدلة بين الطلاب وتلك التي تعتمد على إحراز نقاط أو مكافآت أو الانتقال إلى مراحل متقدمة يكون لها تأثير إيجابي على مشاركة الطلاب في حين أن قوائم الأنشطة والتطبيقات الصامتة لها تأثير سلبي.
وبالرغم من أن التقنيات المتوفرة بين أيدي المتعلمين والمعلمين تغير من طبيعة التعلم وطبيعة المشاركة، إلا أن ذلك لا يلغى حقيقة أن المعلمين هم العمود الفقري في عملية الحفاظ على الطلاب وتحفيز مشاركتهم في الفصول الدراسية. هناك أشكال عديدة من التقنية التي من الممكن أن يوظفها المعلمون لتحقيق المشاركة المُثلى للطلاب. من المهم استخدام أدوات التقنية التي تعمل على استمالة الدوافع الاجتماعية وتوفير فرص الإبداع وإضفاء الطابع الشخصي على المحتوى والخبرة، هذا بالإضافة إلى انخراط ومشاركة المعلم أو الموجه وتوفير التفاعل وردود الفعل الفورية. قياس هذه المشاركة يتطلب بصيرة نافذة تجمع بين كل من البيانات الكمية والنوعية.
آليات قياس المشاركة:
قياس المشاركة شيء في غاية الأهمية، ولكن ما أفضل طريقة للبدء؟ هناك أربع خطوات لابد أن تقوم بها:
استخدام المسوحات لقياس المشاركة
كخطوة أولى نحو فهم كيفية مشاركة الطلاب الذين يستخدمون نماذج التعلم التقنية من الممكن إرسال مسح للطلاب الذين يستخدمون المنتجات التقنية المختلفة، وهنا نستعرض بعضا من الأسئلة التي يمكن أن تساعد المؤسسة التعليمية في البدء بالتفكير في أنواع الأسئلة التي من الممكن أن تكون مفيدة عند تنفيذ المسوحات الخاصة بمشاركة الطلاب. وقد تم الأخذ بعين الاعتبار أن تكون الإجابة على مقياس ليكرت، نظرا لأن هذا الأسلوب يهتم بقياس السلوكيات و التفضيلات ويعتمد على ردود تدل على درجة الموافقة أو الاعتراض على صيغة ما.
وأخيرا، من المهم أن ندرك أن تقنية التعليم وُجِدت لتبقى، وهي من مجالات البحوث المتطورة المتزايدة والواعدة، التي أصبحت واقعا في العديد من المجالات. ولكن من الأهم من ذلك هو امتلاك القدرة على استخدام هذه التقنيات لتنفيذ برامج التعلم التي تهدف لمساعدة الطلاب على الانخراط بشكل أكثر عمقا مع أي موضوع.