مدونة نسيج

مابعد التحول الرقمي: من البدايات الضيقة إلى الآفاق الأوسع

Written by هيام حايك | 28/04/2024 09:58:41 ص

وفقًا لمؤشرات Google، بدأ مصطلح "التحول الرقمي" في اكتساب قوة جذب على مستوى العالم في عام 2012 ، وما زال هذا الاهتمام يتزايد بشكل غير مسبوق . فها نحن نقترب من منتصف عام 2024، ومن الواضح للعيان أن رحلة التحول الرقمي لا تظهر أي مؤشرات على التباطؤ. بل إن وتيرة التغيير تتسارع، مدفوعة بالتكنولوجيات الناشئة مثل سلسلة الكتل، والحوسبة الكمومية، وإنترنت الأشياء. وحيث لم يعد التحول الرقمي يقتصر على مجرد رقمنة العمليات القائمة أو تبني تكنولوجيات جديدة بمعزل عن غيرها. بل أصبح الآن يتضمن إعادة تصوراً شاملاً لنماذج الأعمال بأكملها، والهياكل التنظيمية، وسلاسل القيمة عبر جميع المستويات الوظيفية. كما ويمتد هذا التأثير إلى ما هو أبعد من الشركات الفردية ليشمل أنظمة بيئية وصناعات بأكملها، مما يطمس الحدود التقليدية ويعيد تشكيل القوى التنافسية على نطاق عالمي.

وفي هذا السياق يرى Laurence Buchanan الرئيس التنفيذي لشركة EY Seren أن مصطلح "التحول الرقمي" كان بمثابة نقطة تحول ملهمة في الأيام الأولى للثورة الرقمية. و بالرغم من النظرة الضيقة للتحول الرقمي في ذلك الوقت، إلا أن حدوده أصبحت واضحة بشكل متزايد في عالم اليوم المعقد والمترابط. فبينما تتصارع الشركات مع التحديات المتمثلة في التعامل مع مستقبل غامض يتشكل بواسطة الذكاء الاصطناعي، وسلسلة الكتل، والجيل الخامس، وغيرها من التقنيات الثورية، هناك اعتراف متزايد بالحاجة إلى مفردات أكثر دقة واتساعاً لالتقاط الحجم الحقيقي للتغيرات الجارية. وسواء كان هذا يستلزم إعادة تعريف مفهوم التحول الرقمي أو تبني أطر عمل جديدة تماما، يظل هذا سؤالا مفتوحا.

ولكن هناك شيء واحد واضح: إن عصر التحول الرقمي لم ينته بعد، ويجب على الشركات التكيف وفقا لذلك من أجل البقاء والازدهار في العصر الرقمي، فقد تضخم نطاق التقنيات المزعزعة التي تؤثر على الأعمال والمجتمع إلى ما هو أبعد من النطاق الأصلي الضيق لما كان يُعتبر في الأصل "رقميًا". بالإضافة إلى ذلك، أصبحت هذه التقنيات متشابكة مع مجموعة واسعة من اتجاهات السوق والمجتمع (مثل الاستدامة والمساواة الاجتماعية والتغيرات الديموغرافية والجغرافيا السياسية). يكاد يكون من المستحيل فصل هذه التقنيات والاتجاهات عن بعضها البعض لأن تأثيرها اندماجي.

التحول الرقمي: من البدايات الضيقة إلى الآفاق الأوسع

بعد مرور 12 عامًا، يمكننا القول أن رحلة التحول الرقمي من عام 2012 إلى عام 2024 ، لم تكن مجرد ثورة عملت على إعادة تشكيل الصناعات والاقتصادات والمجتمعات على نطاق عالمي فحسب. فمع انتشار الهواتف الذكية، وصعود وسائل الإعلام الاجتماعية، والوجود المتزايد للإنترنت عالي السرعة تم وضع الأساس لتغييرات عميقة قادمة.

خلال المرحلة المبكرة لهذه الرحلة، كان التركيز في المقام الأول على الاستفادة من هذه الأدوات الرقمية التي أفرزتها تلك المرحلة لتبسيط العمليات، وتعزيز مشاركة العملاء، واكتساب ميزة تنافسية في الأسواق سريعة التطور. ومع تقدم الوقت، تطور مشهد الابتكار التكنولوجي، وتوسع نطاق التقنيات الثورية إلى ما هو أبعد من حدود التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، والذي أدى إلى ظهور عصر جديد من التحول الرقمي، يقوده التقنيات والاتجاهات التالية:

  • الذكاء الإصطناعي

لقد ظهر الذكاء الاصطناعي كأداة غيرت قواعد اللعبة، إيذانا ببدء حقبة جديدة من الابتكار والكفاءة في مختلف الصناعات. إن قدراتها التي لا مثيل لها في تحليل البيانات تمكن الشركات من استخلاص رؤى قيمة من كميات هائلة من المعلومات، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات مستنيرة وتخطيط استراتيجي. علاوة على ذلك، تعمل الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تبسيط المهام المتكررة، وتعزيز الإنتاجية وتحرير الموارد البشرية للقيام بمساعي أكثر إبداعًا. من التحليلات التنبؤية إلى معالجة اللغات الطبيعية، يواصل الذكاء الاصطناعي دفع حدود ما هو ممكن، وتحويل كيفية عمل الشركات وتفاعلها مع عملائها.

  • الحوسبة الكمومية

تمثل الحوسبة الكمومية نقلة نوعية في القوة الحسابية، حيث توفر سرعة وقدرة هائلة مقارنة بأنظمة الحوسبة الكلاسيكية. مع القدرة على معالجة مجموعات كبيرة من البيانات وحل المشكلات المعقدة في وقت قياسي، تحمل الحوسبة الكمومية وعدًا هائلاً في مجالات مثل التشفير، حيث يمكن أن تحدث ثورة في تشفير البيانات والأمن السيبراني. وفي مجال اكتشاف الأدوية، تمكن الخوارزميات الكمومية الباحثين من محاكاة التفاعلات الجزيئية بدقة غير مسبوقة، مما يسرع من تطوير الأدوية والعلاجات المنقذة للحياة. ومع نضوج تكنولوجيا الكم، أصبحت تطبيقاتها المحتملة محدودة فقط بخيالنا، مما يعد بإنجازات واعدة يمكن أن تعيد تشكيل صناعات بأكملها وحل بعض التحديات الأكثر إلحاحا التي تواجه البشرية.

  • تكنولوجيا الفضاء

شهدت تكنولوجيا الفضاء نهضة غذتها التطورات في تكنولوجيا الأقمار الصناعية وأنظمة الدفع ومبادرات استكشاف الفضاء. توفر الأقمار الصناعية الآن تغطية في كل مكان لتطبيقات الاتصالات والملاحة والاستشعار عن بعد، مما يتيح الاتصال العالمي والخدمات الدقيقة المعتمدة على الموقع. علاوة على ذلك، فإن الجهود المستمرة لاستكشاف واستعمار الأجرام السماوية الأخرى، مثل المريخ والقمر، تبشر بتوسيع الوجود البشري خارج حدود الأرض. ومع تزايد مشاريع الفضاء التجارية، لم تعد تكنولوجيا الفضاء مقتصرة على الوكالات الحكومية، بل أصبحت صناعة مزدهرة تدفع الابتكار والنمو الاقتصادي.

  • التكنولوجيا الحيوية

لقد فتحت التكنولوجيا الحيوية المجال أمام كنز من الفرص في مجالات الرعاية الصحية والزراعة والاستدامة البيئية. ومن تقنيات تحرير الجينات مثل كريسبر-كاس9 إلى البيولوجيا التركيبية والمعلوماتية الحيوية، تُحدث التكنولوجيا الحيوية ثورة في العلاج الطبي، وتربية المحاصيل، وجهود العلاج البيئي. في مجال الرعاية الصحية، يعد الطب الشخصي المصمم خصيصًا للتركيب الجيني للفرد بعلاجات أكثر فعالية مع آثار جانبية أقل. وفي الزراعة، تعمل المحاصيل المعدلة وراثيا على تعزيز الإنتاجية والقدرة على الصمود والمحتوى الغذائي، والتصدي لتحديات الأمن الغذائي في عصر تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، تعمل حلول التكنولوجيا الحيوية على دفع عجلة التقدم في إنتاج الطاقة المتجددة، وإدارة النفايات، ومكافحة التلوث، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر استدامة.

  • اتجاهات السوق

بدأت هذه التقنيات الثورية تتقاطع مع اتجاهات السوق والمجتمع الأوسع، مما أدى إلى تضخيم تأثيرها. وأصبحت الاستدامة مصدر قلق ملح، مما دفع الشركات إلى دمج الممارسات والتقنيات الصديقة للبيئة في عملياتها. كما وظهرت الكثير من الأصوات التي بدأت تنادي بالمساواة الاجتماعية، مما عزز ظهور العديد من المبادرات الرامية إلى سد الفجوات الرقمية وتعزيز الشمولية في العصر الرقمي. ومع استمرار هذه التقنيات الثورية في التقدم، أصبح تقاطعها مع اتجاهات السوق والمجتمع الأوسع واضحًا بشكل متزايد، وتضخم تأثيرها على مختلف جوانب الحياة البشرية.

 

  • التحولات الاجتماعية

في العصر الرقمي، أصبح الوصول إلى التكنولوجيا والموارد الرقمية أمرا حيويا بشكل متزايد للمشاركة في المجتمع الحديث، ومع ذلك استمرت الفوارق الكبيرة، مما أدى إلى تفاقم عدم المساواة القائمة. وإدراكا لأهمية سد هذه الفجوات الرقمية، ظهرت مبادرات لتعزيز الشمولية والوصول العادل إلى البنية التحتية الرقمية والتقاط فرص التعليم .

وسواء على مستوى المبادرات التي تهدف إلى توفير الوصول إلى الإنترنت للمجتمعات المحرومة، أو البرامج التي تركز على محو الأمية الرقمية وتنمية المهارات، فقد اكتسبت الجهود الرامية إلى تعزيز المساواة الاجتماعية في المجال الرقمي زخما كبيرا من خلال معالجة العوائق التي تحول دون الوصول وتعزيز التنوع والشمول، والمساهمة في إنشاء مجتمع أكثر إنصافًا حيث تتاح للجميع الفرصة للازدهار والمساهمة في الاقتصاد الرقمي.

 

أهداف وتطلعات مابعد التحول الرقمي:

مع انتهاء مرحلة التحول الرقمي، تنطلق الشركات والمؤسسات نحو مرحلة جديدة من النمو والتطور. تتمحور أهداف وتطلعات مابعد التحول الرقمي حول مايلى:

1- تحقيق الميزة التنافسية:
استخدام التكنولوجيا بشكل فعّال، سوف يمكن الشركات من تبسيط العمليات وخفض التكاليف، مما يمكنها من الاستجابة بسرعة لتغيرات السوق وتحقيق التفوق على منافسيها. كما يمكن للشركات الاستفادة من تحليلات البيانات لتحديد أنماط واتجاهات وتفضيلات العملاء، مما يساعدها على البقاء في الصدارة على الرغم من مشهد الأعمال المتطور باستمرار.

2- المرونة والقدرة على التكيف:

التحول الرقمي يمنح الشركات المرونة الضرورية للتكيف مع التغيرات في السوق واحتياجات العملاء بسرعة، مما يساهم في قدرتها على المنافسة والازدهار.

3- الابتكار والتميز:

الابتكار يشير إلى تطوير أفكار وحلول جديدة تفوق توقعات العملاء، ومع التحول الرقمي، تصبح الشركات قادرة على استخدام التكنولوجيا لتطوير منتجات وخدمات جديدة، مما يعزز التميز ويساهم في بناء علاقات قوية ومستدامة مع العملاء.

4- التأثير الكبير والاستدامة:

يؤثر التحول الرقمي على الشركات والمجتمع بأكمله، حيث يسهم في زيادة الكفاءة ويقلل هدر الموارد، مما يسهم في الاستدامة البيئية والاقتصادية و تعزيز الاستدامة الاجتماعية من خلال خلق فرص عمل ومبتكرة. بالتالي، يجمع التحول الرقمي بين تحقيق التأثير الكبير على الأعمال والمجتمع، مع الحفاظ على الاستدامة لضمان استمرارية النجاح والنمو في المدى الطويل.

5- تطوير القدرات والمواهب:

تطوير القدرات والمواهب في ما بعد التحول الرقمي يظل هدفًا أساسيًا للشركات، حيث تسعى لتعزيز مهارات موظفيها لتكون على مستوى التطور التكنولوجي الحديث. يتم ذلك من خلال تنفيذ برامج تدريب مستمرة وتبني استراتيجيات لجذب واستقطاب المواهب الجديدة التي تتمتع بالمعرفة والمهارات الرقمية الحديثة.

6- توسيع النطاق والنمو العالمي:

بعد التحول الرقمي، تسعى الشركات إلى توسيع نطاق أعمالها والنمو على المستوى العالمي، سواء من خلال الاستفادة من السوق العالمي أو توسيع خدماتها ومنتجاتها إلى مناطق جديدة.

7- تحسين الكفاءة التشغيلية:

من خلال الأتمتة وتحسين سير العمل، سوف تتمكن الشركات من تقليل الاعتماد على العمليات اليدوية التي تهدر الموارد وتزيد من فرص الخطأ. تسهم الأتمتة في تحسين الامتثال وتقليل التكاليف التشغيلية، وتحويل تركيز القوى العاملة نحو أنشطة أكثر استراتيجية وقيمة.

8- التحسين المستمر لتجارب العملاء:

بعد التحول الرقمي، يُعتبر تحسين تجارب العملاء هدفًا أساسيًا للشركات، حيث يمكنها استخدام التحليلات البيانات لفهم احتياجات العملاء وتحسين التفاعل معهم بشكل فعّال، مما يعزز الرضا والولاء ويسهم في استمرارية الشركة في السوق التنافسي.

9- اتخاذ قرارات عمل مستنيرة:

بفضل التحول الرقمي، تزداد الشركات قدرةً على تحسين كفاءة عملياتها وتجارب عملائها، وتعزيز مرونتها في التكيف مع التحولات السريعة في السوق، مما يمكنها من اتخاذ قرارات مستنيرة تعزز من نجاحها واستمراريتها في المستقبل.

10- تعزيز المرونة السيبرانية:

بعدالانتهاء من التحول الرقمي، ستكون المؤسسات مجهزة بشكل أفضل لضمان استمرارية الأعمال، حيث يمكنها التصدي بفعالية للهجمات الإلكترونية والكوارث الطبيعية والتحديات الأخرى.

 

وبالنظر إلى المستقبل والوعود المحتملة للتحول الرقمي، ، ..

من الواضح أن رحلة التحول الرقمي تستمر في إعادة تشكيل عالمنا بطرق عميقة وغير مسبوقة، ومن الواضخ كذلك أن من لا يلحق ركب هذا التغيير سيفوته الكثير، حيث ستتجاوزه التطورات التكنولوجية وسيجد نفسه متأخرًا وبعيداً عن المنافسة.

هل ستبدأ الرحلة ؟؟

فريقنا من الخبراء متاحون لمساعدتك في حل أي استفسارات أو تقديم الاستشارة المناسبة.