المعلومات لبنة أساسية للمجتمعات الديمقراطية، فهي تلعب دورا كبيرا في تشكيل العلاقات بين الأفراد والمجتمعات وتؤثر تأثيرا قويا على سلوكهم. كما أن الطرق التي يتم فيها البحث عن المعلومات واكتشافها والوصول إليها واستردادها وتحليلها وإدارتها والحفاظ عليها عوامل رئيسية في كيفية تعاطي الأفراد مع أعمالهم، وتطوير حياتهم المهنية وتأديتهم لأدوارهم كمواطنين مطّلعين على العالم الأوسع. ومن أجل تحقيق الاستفادة الكاملة من العلاقات المعقدة مع المعلومات نراهم بحاجة إلى تطوير القدرات التي تتصل باكتساب هذه المعرفة، وهي ما يشار إليها أحيانا بمحو الأمية المعلوماتية (IL).
مفهوم محو الأمية المعلوماتية (IL) يمكن أن ينطبق على جميع السياقات التي يتطور من خلالها أفراد المجتمع، سواء كان ذلك في مجال التعليم (على جميع المستويات، ويمكن القول في وقت مبكر من المرحلة الابتدائية)، والبحوث، والعمالة أو أي شكل من أشكال الأنشطة التي يتم ممارستها على مدار الحياة اليومية. على المستوى التقليدي، لطالما كانت محو الأمية المعلوماتية ذات أهمية خاصة لأمناء المكتبات وبعض الأكاديميين والذين غالبا ما يكونوا مسئولين عن تدريسها ولا سيما في مرحلة التعليم العالي. مما لا شك فيه أن اليوم هناك مجموعة واسعة من الفئات المهنية قد بدأت تدرك وتعي أهمية امتلاك المعلومات والقدرة على التعامل معها وهذه الفئات لم تعتد تقتصر على أمناء المكتبات، ولكن أيضا المدرسين والمدربين ومديري البيانات وخبراء المعلومات والباحثين والهيئات المهنية وهيئات الاعتماد وأرباب العمل والنقابات العمالية، وصانعي السياسات الحكومية والقطاعات غير الربحية.
نتناول في هذا الموضوع دراسة قامت بإجرائها منظمة InformAll بهدف التعرف على أهمية محو الأمية المعلوماتية كسمة قابلة للتحرك والانتقال من بيئة التعليم العالي إلى بيئة العمل المهني. كما تقدم الدراسة تحليلا لآراء وتصورات مجموعة من المتخصصين الذين يتصدرون واجهة التعليم العالي بالإضافة إلى آراء الخبراء المطلعين على بيئة العمل وفرص التشغيل في قطاعات السوق المختلفة ولاسيما أولئك العاملين في الخدمات المهنية، والهيئات المهنية وجهات الاعتماد وأصحاب العمل وممثلي الهيئات المتخصصة ذات الصلة بالعمل والمهارات.
وقد أشارت نتائج هذه الدراسة إلى أن:
محو الأمية المعلوماتية والتوظيف
مصطلح "محو الأمية المعلوماتية" غير معروف على نطاق واسع في إعدادات التوظيف. وقد أشار العديد من المستطلعين بعدم وجوده كبند ضمن متطلبات التوظيف. والأهم من ذلك أن الكثير منهم أشار إلى أن عملية الاستفادة من المعلومات ومعرفة الاستخدام الأمثل لها لا تتواجد كمجوعة من الصفات المدركة و المؤطرة بشكل واضح . على سبيل المثال، لجنة المملكة المتحدة للتوظيف والمهارات (UKCES) ليست على علم إذا ما كان أرباب العمل يعبرون بصورة واضحة عن حاجتهم إلى مهارات محو الأمية المعلوماتية أو إذا ما كانت تأخذها في الاعتبار عند التوظيف - على الرغم من أنها قد تعترف ضمنيا بغياب الكفاءات المعلوماتية، وهناك الكثير من المسوحات والدراسات الرئيسية التي تناولت العلاقة ما بين محو الأمية المعلوماتية وفرص التوظيف مثال:
محو الأمية المعلوماتية وموقعها من متطلبات فرص العمل
على الرغم من أن محو الأمية المعلوماتية وكما رأينا لا تظهر كمجموعة متميزة وشاملة من الصفات في نظر معظم الذين استهدفهم التقرير، إلا أن هناك إقرار بأن هناك جوانب منها يمكن أن تكون من العناصر المهمة لمجموعة من الكفاءات المتوقعة للعاملين في قطاعات معينة. هذا بالإضافة إلى أن بعض مستشاري التوظيف رأوا أن محو الأمية المعلوماتية يمكن أن تكون عاملا حاسما للعديد من الصناعات مثل النشر والمحاسبة والخدمات المالية والمعارف المرتبطة بالمعالجة المتطورة للمعلومات. وبالتالي قد يتوقع أرباب العمل أن يكون العاملون في هذه القطاعات لديهم قدر من الكفاءات التي تتعلق بمحو الأمية المعلوماتية، وعلى هذا الأساس يمكن أن يتم تعزيز المهارات ذات الصلة كجزء من التطوير المهني المُستمـــر CPD الخاص بهم وبما ينسجم مع التغيرات في المشهد الرقمي التي أصبح لها تأثير واضح على محو الأمية المعلوماتية. وبشكل أكثر تحديدا، كشفت المناقشات الفردية مع أرباب العمل أن مدى القدرة على إصدار الأحكام السليمة حول المعلومات المتعلقة ببيئة العمل والتي قد يشار إليها أحيانا باسم "فطنة المعلومات" تحتل مكانة بارزة في الخبرات المرتبطة بالأدوار المهنية المختلفة. وقد قدم أحد المحاورين رؤية ثاقبة حول فلسفة ونهج شركاتهم في قطاع الهندسة واهتمامها بامتلاك من يتقدم للعمل لمهارات استخدام المعلومات والاستفادة القصوى منها وذلك بناءً على تجارب سابقة أثبتت أن محو الأمية المعلوماتية تدعم تحقيق مستويات عالية من الخبرة.
مخاوف بشأن استخدام المعلومات ونقل المعرفة العملية
أبرز التقرير الكثير من المخاوف حول ما إذا كانت الجامعات تقوم بما يكفي لتزويد الخريجين بالمعرفة العملية المناسبة. كما أشار أحد مستشاري التوظيف أن بعض القائمين على استقطاب خريجين الدراسات العليا يظهرون ولاء وتأييد للكفاءات الرقمية دون الخوض فيما إذا كان هذا يشكل حقا جزءا لا يتجزأ من المعرفة المكتسبة من قبل الخريجين. كما بينت العديد من المصادر إلى أنه بحلول نهاية الدراسة، العديد من الخريجين لا يتقن التحليل النقدي للمعلومات وفهم طبيعة مصادر المعلومات، أو حتى معرفة المفاهيم الإحصائية الأساسية. وقد تكون لديهم القدرة على الحصول على المعلومات السطحية والتي لا تعتمد على مصادر موثوقة وقد ينجذب إليها المستهلكون خصوصا إذا تم عرض هذه المعلومات بطريقة جذابة، ولكنها تبقى في النهاية تحتاج إلى التمحيص والتدقيق.
مما لا شك فيه أن الطلاب يحتاجون وقبل بدء التعليم الجامعي إلى اكتساب عقلية تعزز نهجا أكثر توجها نحو المعلومات الإحصائية والتحقق من صحة البيانات؛ كما من المهم أن يدرك المعلمين أهمية تشجيع طلاب المدارس على الاستعداد لتحدي الافتراضات، بما في ذلك الافتراضات التي يتم مشاركتها على نطاق واسع.