في عصر تتشابك فيه التكنولوجيا بسلاسة مع الحفاظ على التراث الثقافي، تتبنى المتاحف أساليب مبتكرة لحماية مجموعاتها التي لا تقدر بثمن ومشاركتها مع الجماهير في جميع أنحاء العالم. يتضمن أحد هذه الأساليب التحويلية إنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد لقطع المتحف الأثرية، متجاوزة الحدود التقليدية لإمكانية الوصول والتفاعل. ومن خلال تسخير تقنيات المسح المتقدمة وتقنيات العرض الرقمي، يمكن للمتاحف تخليد كنوزها في شكل افتراضي، وتقديم تجارب غامرة تتجاوز حدود المكان والزمان المادي.
في هذا المقال نستكشف عمليات إنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد لمجموعات المتاحف، نتعمق في العملية متعددة الأوجه التي تجمع بين الفن والتكنولوجيا والخبرة العلمية. بدءًا من التنظيم الدقيق للأشياء وحتى التكامل السلس للبيانات الوصفية والميزات التفاعلية، تساهم كل خطوة في تحقيق أرشيف رقمي ديناميكي يتجاوز حدود مساحات المتاحف التقليدية.
تعريف التصميم ثلاثي الأبعاد
التصميم ثلاثي الأبعاد هو عملية إنشاء أو تصوير عناصر وأجسام تظهر بشكل ثلاثي الأبعاد بدلاً من أن يكون شكلها ثنائي الأبعاد فقط. في هذا النوع من التصميم، يتم إعطاء الكائنات الظاهرة عمقًا وحجمًا وتفاصيل واقعية تشبه الأشياء التي نراها في العالم الحقيقي. يتم إنشاء التصميم ثلاثي الأبعاد باستخدام برامج الرسومات ثلاثية الأبعاد وتقنيات أخرى مثل النمذجة ثلاثية الأبعاد والإضاءة والتظليل والتحريك. يستخدم التصميم ثلاثي الأبعاد في مجموعة متنوعة من الصناعات مثل الأفلام والألعاب والتصميم المعماري والتصميم الصناعي.
الخطوات المتبعة لإنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد لمجموعات المتاحف
يعد إنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد لمجموعات المتاحف طريقة رائعة للحفاظ على التراث الثقافي، وزيادة إمكانية الوصول، وتمكين التجارب التفاعلية للجماهير في جميع أنحاء العالم. وفيما يلي الخطوط العريضة العامة للخطوات المتبعة في إنشاء مثل هذه النماذج:
تحديد الكائنات وتجهيزها للمسح الضوئي: في هذه العملية، يتم التركيز على اختيار العناصر التي تتمتع بأهمية تاريخية بارزة، وتكون في حالة جيدة، ومناسبة للمسح ثلاثي الأبعاد. وهنا عندما نتحدث عن "الأهمية التاريخية"، نعني أنه يتم اختيار العناصر التي لها قيمة كبيرة من الناحية التاريخية أو الثقافية، سواء كانت تمثل فترة زمنية معينة، أو حضارة معينة، أو حدثاً تاريخياً مهمًا. تُعتبر هذه العناصر ذات أولوية في عملية التحديد بسبب أهميتها الكبيرة في المحافظة على التراث الثقافي. أما بالنسبة لـ “الحالة"، فيجب أن تكون العناصر المختارة في حالة جيدة للمسح ثلاثي الأبعاد حتى يتمكن المتحف من الحصول على صور رقمية دقيقة وموثوقة. فيما تشير ـ"الملاءمة للمسح ثلاثي الأبعاد"، إلى قابلية العناصر المختارة للتحويل إلى نماذج ثلاثية الأبعاد بشكل دقيق وفعال. فقد توجد بعض العناصر التي قد تكون غير مناسبة للمسح ثلاثي الأبعاد بسبب خصائصها الفنية أو المادية، مثل تعقيد الهياكل أو التفاصيل الدقيقة التي قد تكون صعبة الرؤية أو التقاطها بدقة في النموذج الرقمي. بعد الانتهاء من تحديد العناصر يتم فحصها وتجهيزها للمسح الضوئي. قد يتضمن ذلك تنظيف العناصر المحددة بعناية لإزالة الأوساخ والغبار وأي شوائب أخرى قد تؤثر على جودة النتائج لعملية المسح الضوئي. ثم، يتم التحقق من ثبات العناصر، أي التأكد من أنها مستقرة وغير متحركة أثناء عملية المسح. هذا يمكن أن يتطلب استخدام دعامات أو أدوات تثبيت لتثبيت العناصر في مكانها خلال عملية المسح، وذلك لتجنب أي اهتزازات قد تؤثر على دقة النتائج، وضمان الحصول على نتائج مسح ثلاثية الأبعاد دقيقة وعالية الجودة.
المسح ثلاثي الأبعاد: تقنية المسح ثلاثي الأبعاد تمثل نقلة نوعية في عمليات التوثيق والتحليل الهندسي، حيث تسمح بالتقاط البيانات الهندسية بدقة فائقة للكائنات بثلاثة أبعاد، مما يفتح أفاقاً جديدة للتفاعل مع الأشياء ودراسة تفاصيلها بدقة. تتنوع تقنيات المسح الثلاثي الأبعاد المتاحة، حيث تشمل المسح بالليزر، والمسح الضوئي المنظم، والمسح التصويري. كل من هذه التقنيات لها مزاياها الفريدة التي تجعلها ملائمة لاستخدامات مختلفة وتحديات متنوعة. على سبيل المثال، يتميز المسح بالليزر بدقته العالية وقدرته على التعامل مع الأشكال ذات التفاصيل الدقيقة، بينما يتميز المسح الضوئي المنظم بسرعته وإمكانية استخدامه في تصوير الأجسام ذات الأحجام الكبيرة.
تلعب هذه التقنيات دوراً حيوياً في توثيق الكائنات وإنشاء نماذج رقمية موثوقة ودقيقة، وذلك بالاعتماد على متطلبات الكائن وخصائصه، مثل حجمه وتعقيد شكله وطبيعة المادة التي يصنع منها. تختار العديد من المتاحف SMARTTECH3D، فتقنية هذا المسح تتيح جمع البيانات بسرعة فائقة دون المساس بالدقة، مما يسهل عملية رقمنة الكائنات بشكل أسرع وأكثر كفاءة. كما تعتبر أداة قوية للمتاحف والمؤسسات الثقافية التي تسعى لرقمنة مجموعاتها والمحافظة على تراثها الثقافي بشكل شامل ومبتكر.
تحسين النموذج: في عملية إنشاء النماذج ثلاثية الأبعاد، يأتي التحسين بعد توليد النموذج الأولي، حيث يتم التركيز على ضبط النموذج وتحسينه لضمان الحصول على نتيجة دقيقة وذات جودة جمالية عالية. تعتبر هذه هي الخطوة الأساسية في عملية الرقمنة، حيث يتم تنقيح النموذج الأولي ليكون على أقرب تقدير ممكن للكائن الأصلي بكل تفاصيله. يتضمن تحسين النموذج عدة خطوات، تشمل في المقام الأول ضبط الدقة والتفاصيل، حيث يتم تنقيح المناطق الخشنة وتعديل الزوايا لضمان مطابقة النموذج الرقمي للكائن الأصلي بأقصى درجة من الدقة. كما يتم تعديل رسم خرائط النسيج، بمعنى تحسين الجودة البصرية للسطوح وتعزيز التشابه مع المواد الحقيقية، مما يزيد من واقعية النموذج النهائي. بالإضافة إلى ذلك، قد تشمل عملية تحسين النموذج إصلاح أي عيوب أو أخطاء متبقية قد تظهر في النموذج الأولي، سواء كانت تلك العيوب ناتجة عن عملية المسح أو عملية توليد النموذج. يتطلب هذا الجانب من العمل عناية فائقة ودقة في التفاصيل، بهدف تحقيق أعلى مستويات الجودة والدقة في النموذج النهائي.
ربط البيانات الوصفية بالنماذج ثلاثية الأبعاد: يعتبر ربط البيانات الوصفية بالنماذج الثلاثية الأبعاد خطوة أساسية لتعزيز قيمة وفاعلية الرقمنة، حيث يتم دمج معلومات متعددة حول الكائن وسياقه وخصائصه مع النموذج الرقمي. تشمل البيانات الوصفية المرتبطة بالنماذج الثلاثية الأبعاد مجموعة واسعة من المعلومات، مثل مصدر الكائن وتاريخه، بالإضافة إلى أي تفاصيل علمية أو تنظيمية ذات صلة. يهدف ربط هذه البيانات بالنماذج إلى تعزيز فهمنا للكائنات التي تم رقمنتها وسياقها التاريخي، وتوفير إطار شامل يمكن للباحثين والمهتمين من استكشاف الكائن بشكل متعمق. بفضل هذه البيانات الوصفية، يمكن للمستخدمين الحصول على معلومات مفصلة عن الكائنات ثلاثية الأبعاد، مما يعزز تجربة استكشافها وتفاعلها. علاوة على ذلك، تسهم هذه البيانات في توثيق وتخزين المعرفة المتعلقة بالكائنات، مما يسهل مشاركتها واستخدامها في البحوث والتعليم والعرض العام.
التخزين والفهرسة: في عملية الرقمنة، لا يقتصر التحدي على إنشاء النماذج الثلاثية الأبعاد بشكل دقيق وشامل، بل يشمل أيضًا اختزانها وإدارتها بشكل فعال لضمان الحفاظ على هذه الموارد الثقافية الرقمية بطريقة مستدامة ومنظمة. تعد عملية التخزين والفهرسة أحد الخطوات الرئيسة في هذا السياق، حيث يتم تخزين النماذج الرقمية في مستودعات تقنية تضمن الحفاظ على سلامتها وسلامة البيانات على المدى الطويل، مما يتطلب استخدام نظام متكامل لسهولة الاسترجاع والإدارة. يتيح هذا النظام للمستخدمين الوصول السريع والفعال إلى النماذج الرقمية، بما في ذلك إمكانية البحث والتصفح والتحليل. بالإضافة إلى ذلك، يضمن تخزين النماذج الرقمية وفهرستها بشكل صحيح طول عمر المجموعة الرقمية وإمكانية الوصول إليها في أي وقت، وبما يسهم في إتاحتها للجمهور والباحثين والمهتمين.
العرض عبر الإنترنت وإمكانية الوصول: توفير الوصول الشامل والسهل إلى النماذج ثلاثية الأبعاد يعد جزءًا أساسيًا من استراتيجية الرقمنة في المتاحف والمؤسسات الثقافية، حيث يسمح بالتواصل مع الجمهور على نطاق واسع وتحقيق تأثير أكبر. من خلال استخدام منصات الإنترنت والمعارض الافتراضية ومواقع المتاحف، يتم تقديم النماذج الثلاثية الأبعاد بشكل متاح للجميع بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو وقتهم. تعتبر المنصات الإلكترونية مثل مواقع الويب والتطبيقات الافتراضية وسيلة فعالة لعرض النماذج الثلاثية الأبعاد عبر الإنترنت. يمكن للمستخدمين زيارة هذه المنصات واستكشاف المجموعات الرقمية بكل سهولة ويسر، حيث يمكنهم التفاعل مع النماذج وتصفحها من زوايا مختلفة وتكبيرها وتصغيرها وتدويرها للحصول على رؤية شاملة. بالإضافة إلى ذلك، توفر المعارض الافتراضية بيئة تفاعلية وشيقة لعرض النماذج الثلاثية الأبعاد، حيث يمكن للزوار التجول في الأروقة الافتراضية واستكشاف المعروضات بشكل مشابه لزيارة المتحف الحقيقي. يمكن تنظيم المعارض الافتراضية بطريقة تجمع بين النماذج الثلاثية الأبعاد والوسائط الأخرى مثل الفيديو والصوت والصور لتعزيز التجربة المعرفية والتفاعلية. وذلك نراه واضحاً في العديد من المشاريع العالمية، مثل مشروع “متحف العالم" التابع للمتحف البريطاني، والذي قدم عروضًا ثلاثية الأبعاد لإنشاء تجربة تفاعلية عبر الإنترنت حيث يمكن للمستخدمين استكشاف القطع الأثرية من فترات زمنية ومناطق مختلفة من العالم. كما استفادت مؤسسة Smithsonian من تقنية المسح ثلاثي الأبعاد لرقمنة ومشاركة النماذج ثلاثية الأبعاد للقطع الأثرية، مما يسمح للجمهور بفحص التفاصيل المعقدة التي قد لا تكون مرئية في الصور الفوتوغرافية أو المعروضات التقليدية. وكذلك يقدم متحف اللوفر في باريس جولات افتراضية تتميز بعروض ثلاثية الأبعاد للأعمال الفنية والمنحوتات الشهيرة، مما يوفر للزوار منظورًا فريدًا لمجموعة المتحف الواسعة.
التوثيق والنشر: في إطار عملية الرقمنة، يعتبر التوثيق والنشر جزءًا أساسيًا من العملية، حيث يسهم في توثيق تفاصيل وخطوات العملية وتبادل المعرفة مع مجتمع الحفاظ على التراث الثقافي. يتضمن هذا الجانب من العملية توثيق جميع مراحل الرقمنة، بدءًا من اختيار الكائنات والتقنيات المستخدمة في المسح وصولاً إلى عمليات تحسين النماذج وتخزينها ونشرها. تعتبر دراسات الحالة ونشر النتائج جزءًا أساسيًا من عملية التوثيق والنشر، حيث يتم توثيق الخبرات والتحديات والأفضليات التي يواجهها المتخصصون أثناء عملية الرقمنة. يُعَدُّ توثيق هذه الدراسات مصدرًا قيمًا للمعرفة والتعلم للأفراد والمؤسسات العاملة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي. من خلال نشر النتائج ودراسات الحالة، يتم تعزيز التواصل والتفاعل بين أفراد مجتمع الحفاظ على التراث الثقافي. يمكن أن تساهم هذه الجهود في تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين المؤسسات والفرق المختلفة، وتعزيز جهود الحفاظ على التراث الثقافي على المستوى الدولي.
الصيانة الدورية: تمثل الصيانة الدورية جزءًا حيويًا من عملية الرقمنة. فهذه العملية تهدف إلى ضمان استمرارية جودة ودقة النماذج الثلاثية الأبعاد عبر الزمن، ومراجعة النماذج للتحقق من عدم وجود أي أخطاء أو تشوهات، وإجراء أي تصحيحات أو تحسينات ضرورية. كما يجب مراجعة النماذج بانتظام لمتابعة التطورات في تقنيات المسح والعرض، وتحديث النماذج وفقًا لأحدث الابتكارات والتقنيات.
من خلال اتباع هذه الخطوات، يمكن للمتاحف إنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد عالية الجودة لمجموعاتها، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعليم والبحث والمشاركة مع جماهير متنوعة.
اكتشف المزيد حول ما يلزم لمسح نموذج ثلاثي الأبعاد