من الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى محاكاة الواقع الافتراضي، استحوذت التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد على اهتمام الكثير من المعلمين والمتعلمين، بدءاً من مرحلة الروضة وحتى الجامعة. ففي عام 2019، بلغت قيمة سوق التعلم الإلكتروني العالمي حوالي 200 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تصل إلى 400 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026. وسيلعب التعلم ثلاثي الأبعاد دورًا رئيسيًا في نمو هذا المنحنى. في هذا المقال، نتعمق في الأهمية المتزايدة للتعلم ثلاثي الأبعاد، ونعرض كيف يلبي تطلعات التعلم وفعاليته في السياقات التعليمية المعاصرة.
ما هو التعلم ثلاثي الأبعاد؟
يستفيد التعلم ثلاثي الأبعاد من أحدث التقنيات ثلاثية الأبعاد التي تساعد على إضفاء عمق الحياة الواقعية على أي تصور. يتم استخدامه في مختلف مستويات التعليم، بالإضافة إلى بناء المهارات، لمحاكاة المفاهيم المعقدة وتسهيل استيعاب أساسيات التعلم. يشير التعلم ثلاثي الأبعاد إلى استخدام التكنولوجيا لإيجاد بيئات تعلم تفاعلية ثلاثية الأبعاد (3D) تسمح للمتعلمين بالتفاعل مع المحتوى بشكل ثلاثي الأبعاد، حيث يمكنهم التنقل في بيئات افتراضية والتفاعل مع الكائنات والظواهر بطريقة تشبه تجربة الواقع الحقيقي. يستخدم هذا النهج التقنيات الحديثة مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لتحقيق تجارب تعلم ثرية ومثيرة.
ما أهمية التعلم ثلاثي الأبعاد؟
نشهد اليوم اتساع لنطاق المتعلمين، الذين لم يعودوا فقط أولئك الذين يتابعون التعليم الرسمي في المدارس أو الكليات. فهناك العديد من المتعلمين الذين يبنون مهارات جديدة استحدثتها طبيعة المرحلة التحويلية التي يعايشونها، ويسجلون في موضوعات غير تقليدية، وقد يتابعون التعلم إلى جانب الوظيفة أو كجزء من التدريب. ومن ثم، فإن ملف تعريف المتعلم الحديث أكثر تنوعًا. وفي هذا المشهد الجديد تزداد شعبية التعلم ثلاثي الأبعاد باعتباره تنسيقًا يجذب ويفيد قطاعات طلابية متنوعة، وشرائح متعددة من الموظفين الذين هم على رأس عملهم، ولديهم طموح ورؤية أكبر لمستقبلهم المهني. للتعلم ثلاثي الأبعاد فوائد عديدة، فيما يلي نلقي نظرة على اهم هذه المزايا:
للتوسع في فكرة كيفية تبسيط التعلم ثلاثي الأبعاد لعملية التعلم، من المهم تسليط الضوء على أن التصورات ثلاثية الأبعاد لا تعمل على تبسيط التجربة التعليمية فحسب، بل تعززها أيضًا. تعمل هذه التمثيلات الديناميكية والغامرة على تقسيم الموضوعات المعقدة إلى مكونات أكثر قابلية للفهم. من ناحية أخري في بيئات التعلم التقليدية، غالبًا ما يتعين على الطلاب الاعتماد بشكل كبير على خيالهم لفهم الأفكار المجردة المقدمة في الكتب الدراسية، ولكن التعلم ثلاثي الأبعاد يزيل الكثير من هذا الغموض من خلال توفير صور حية وتفاعلية، واستكشاف المحتوى والتفاعل معه بطريقة ملموسة أكثر. مما يؤدي إلى سد الفجوة بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي.
في مشهد التعلم المعاصر، حيث تسود التفضيلات الفردية للتعلم المرن وذاتي السرعة، تظهر تصورات التعلم ثلاثية الأبعاد كأدوات لا تقدر بثمن تلبي هذه الاحتياجات المتطورة. وعلى عكس الأساليب التربوية التقليدية التي تعتمد بشكل كبير على التعليم المباشر داخل مواقع مادية محددة، فإن محتوى التعلم ثلاثي الأبعاد يتجاوز الحدود الجغرافية والقيود الزمنية. تعمل القدرة على الوصول إلى موارد التعلم ثلاثية الأبعاد في أي وقت من اليوم على تحويل التعليم إلى تجربة ديناميكية حسب الطلب تتوافق بسلاسة مع أنماط الحياة والجداول الزمنية المتنوعة للمتعلمين المعاصرين. هذا ويضيف ثراء التصورات ثلاثية الأبعاد طبقة أخرى من المشاركة إلى التعلم حسب الطلب، حيث يمكن للمتعلمين التفاعل مع المفاهيم المعقدة، والتعامل مع الأشياء، واستكشاف السيناريوهات بطرق قد لا تسمح بها المواد التقليدية. هذا الجانب التفاعلي لا يعزز الفهم فحسب، بل يساهم أيضًا في تجربة تعليمية غامرة تجعل التعلم أكثر جاذبية.
يساعد تعدد استخدامات التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد على الاندماج بسلاسة مع عدد لا يحصى من تنسيقات المحتوى والتقنيات المتطورة، مما يخلق نهجًا تآزريًا للتعليم. تتيح هذه القدرة على التكيف للمعلمين والمصممين التعليميين الاستفادة من فوائد التعلم ثلاثي الأبعاد مع دمج عناصر جذابة أخرى في بيئة التعلم. أحد التكاملات الملحوظة هو الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن تعزيز النماذج ثلاثية الأبعاد بواسطة خوارزميات ذكية توفر تجارب تعليمية مخصصة. يتيح هذا الدمج للمتعلمين تلقي توصيات محتوى مخصصة وتقييمات تكيفية بناءً على تقدمهم وتفضيلاتهم الفردية. يؤدي الجمع بين العناصر المرئية ثلاثية الأبعاد والتفاعل القائم على الذكاء الاصطناعي إلى تعزيز عملية التعلم وتخصيصها.
يعد Gamification مجالًا آخر يتناسب مع الأبعاد الثلاثية بسلاسة، مما يحول المحتوى التعليمي إلى تجارب تفاعلية وجذابة. من خلال دمج عناصر تفاعلية مثل التحديات والمكافآت ومستويات التقدم في سيناريوهات التعلم ثلاثية الأبعاد، يمكن للمعلمين جذب انتباه المتعلمين وتحفيزهم، وتحويل الرحلة التعليمية إلى مغامرة ممتعة وغامرة. كما تمثل عمليات المحاكاة التفاعلية الحية وجهًا آخر للتكامل، حيث يمكن استخدام النماذج ثلاثية الأبعاد لمحاكاة سيناريوهات العالم الحقيقي. يتيح هذا النهج للمتعلمين المشاركة بنشاط في التجارب الافتراضية أو عمليات المحاكاة أو تمارين لعب الأدوار، مما يعزز التطبيق العملي للمعرفة النظرية.
يعد ظهور التعلم المصغر، مدفوعًا بتفضيل المتعلمين المتزايد للوصول إلى المحتوى التعليمي عبر الهواتف المحمولة، اتجاهًا ملحوظًا يشكل الممارسات التعليمية الحديثة. ومع نشأة جيل الشباب في عصر تنتشر فيه الهواتف الذكية في كل مكان، فإن ضمان إمكانية الوصول إلى المحتوى التعليمي على الأجهزة المحمولة يعد أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز تجارب التعلم المستمرة والمريحة. وفي هذا السياق، يظهر التعلم ثلاثي الأبعاد كمرشح مثالي للتكامل السلس في مشهد التعلم الجزئي. تتوافق الطبيعة المرئية المتأصلة للمحتوى ثلاثي الأبعاد بسلاسة مع التنسيق صغير الحجم، مما يسمح للمتعلمين بالتفاعل مع المرئيات الديناميكية بسهولة على أجهزتهم المحمولة. لا تلبي هذه القدرة على التكيف تفضيلات التعلم المتنقل للمتعلمين اليوم فحسب، بل تتوافق أيضًا مع نمط الحياة المتنقل الذي يقوده العديد من الأفراد.
إن دمج المحتوى التفاعلي ثلاثي الأبعاد والمحاكاة في تعليم العلوم ليس مجرد اتجاه بل ضرورة. ومع تقدمنا في القرن الحادي والعشرين، من الضروري أن تتطور المناهج التعليمية لتلبية احتياجات العصر الرقمي. تظهر فوائد المحتوى التفاعلي ثلاثي الأبعاد في تعليم العلوم بشكل واضح في عدة جوانب. حيث وجدت دراسة أجرتها PLOS ONE أن الطلاب الذين يستخدمون المحاكاة ثلاثية الأبعاد يظهرون فهمًا أفضل واحتفاظًا أفضل بالمفاهيم البيولوجية المعقدة. كما أشار بحث نشرته Science Direct، إلى أن المحتوى التفاعلي ثلاثي الأبعاد يعزز التعلم النشط، ويشجع الطلاب على الاستكشاف والتفاعل واستخلاص النتائج. ومع استمرار تطور هذه التكنولوجيا، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من الاستخدامات المثيرة والمبتكرة للنمذجة ثلاثية الأبعاد في تعليم العلوم.
مستقبل التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد في التعليم العالي
لعقود من الزمن، تصور الخيال العلمي مستقبل التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد. يعد الفضاء الإلكتروني الذي صنعه الكاتب William Gibson في قصته القصيرة "الكروم المحترق" عبارة عن بيئات غامرة تمامًا تشبه الواقع الافتراضي. أما رواية Rainbows End للكاتب فيرنور فينج، تستكشف مستقبلًا ينتشر فيه الواقع المعزز من خلال استخدام العدسات اللاصقة التي لاتزال قيد التطوير، بالرغم من مرور عقد من الزمن على نشر هذا الكتاب.
ولكن في التعليم العالي الامر مختلف نوعاً ما. لكي نحرز تقدماً في مستقبل التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد في التعليم العالي، يجب أن تصبح هذه التكنولوجيا جزءًا من التعليم العالي، كما هو الحال مع نظام إدارة التعلم (LMS)، وأجهزة العرض الذكية، والفصول الدراسية الالكترونية وغيرها من التقنيات التي تحظى باعتماد كبير في التعليم. ما يجب أخذه بالاعتبار أن هذه التقنيات دخلت مؤسسات التعليم العالي في البداية كمبادرات، على سبيل المثال، الدورات التدريبية المفتوحة الضخمة عبر الإنترنت (MOOCs) ظهرت في بداياتها كمبادرات أطلقتها العديد من المؤسسات، وكذلك تم ادخال الأجهزة المحمولة لأول مرة في العديد من مؤسسات التعليم العالي كمبادرات تعليمية. وان كان هذا يدل على شيء، فإنما يدل على اننا ما زلنا حاليًا في مرحلة المبادرة لاعتماد التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد في التعليم العالي. وبمرور الوقت، ستصبح حتماً أكثر شيوعاً.
الواقع أن هذا يحدث بالفعل، فالمسح والطباعة ثلاثية الأبعاد تشهد حاليًا تطورًا ملحوظًا، حيث تتجه نحو أن تصبح شائعة ومتاحة في العديد من المؤسسات. هذه التقنيات تقدم إمكانيات مبتكرة واستخدامات واسعة النطاق، حيث يمكنها تحويل المفاهيم الرقمية إلى واقع ملموس بشكل لم يكن ممكنًا من قبل. سواء كان ذلك في مجال الهندسة المدنية والتصميم الصناعي، وحتى في مجالات الطب والترفيه. هذه التقنية المتقدمة تمنح المؤسسات إمكانيات فريدة لإنشاء نماذج دقيقة ثلاثية الأبعاد للمنتجات أو المشاريع، مما يساهم في تسريع عمليات التصميم وتقليل التكاليف.
إن اندماج المسح ثلاثي الأبعاد في بيئات الدراسة والعمل يعكس التزام المؤسسات بالابتكار واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتعزيز الكفاءة وتحسين جودة الإنتاج. وفي هذا السياق نري جامعة CEU Cardenal Herrera تستخدم الماسح الضوئي الملون ثلاثي الأبعاد لمسح العظام لإنشاء مستودع للعظام، مما يفيد التعليم والبحث الطبي، وتمكين الممارسين من جلب عينات متنوعة وفيرة إلى الفصول الدراسية بسهولة. كما تقوم نسيج بالتعاون مع SMARTTECH3D، عل توفير ذلك الماسحات الضوئية ثلاثية الأبعاد المختلفة والبرامج المخصصة لمعالجة البيانات. وتوظيفها في مجالات التعليم والصناعة والمتاحف.
من المؤكد أن المسح والطباعة ثلاثية الأبعاد لم يصبحا بعد معيارًا قياسيًا في التعليم العالي، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه التقنيات تُستخدم كنقاط وصول، أو سبل لاستخدام تقنيات أكثر تجريبية.