لم يعد مصطلح التلعيب Gamification من التّعبيرات الطّنّانة، منذ أن تمت صياغة هذا المصطلح لأول مرة في عام 2003. وبالرغم من حداثة هذا المصطلح نسبياً، إلا أن التلعيب ليس مفهومًا جديدًا، وإذا كنت قد شاهدت Mary Poppins، فإنها تلخص أسلوب التلعيب بشكل جيد من خلال المقولة المشهورة " في كل وظيفة نقوم بها، يجب أن يكون هناك عنصر من المرح والمفاجأة، فالوظيفة لعبة".
هذا يعنى أن ماري بوبينز عرفت منذ الستينيات أن أي شيء يمكن تحويله إلى نشاط ممتع من خلال تحويله إلى لعبة. وبالعودة إلى أوائل القرن العشرين، وإذا كنت فتى كشافة، فأنت تدرك متعة الشعور المرتبط بالحصول على شارات ورتب حقيقية، وهو تقليد لا يزال ساريًا حتى اليوم. ومع ذلك، عندما بدأت ألعاب الفيديو في الظهور، رأينا ألعاب الفيديو التعليمية ثم أصبحت شائعة في السبعينيات والثمانينيات. قد تتذكر ألعابًا مثل "Where in the World is Carmen San Diego" و "Reader Rabbit" و "Math Blaster". كانت هذه الألعاب من أشكال الترفيه التي تم إنشاؤها لأغراض تعليميه. ولكن ما يحدث في العامين الأخيرين أحدث فارقاَ كبيرا في استخدام التلعيب في التعليم، حيث توفر الأشكال الجديدة من التكنولوجيا والاتصال في الفصول الدراسية للمعلمين فرصة أكبر لتطبيق تقنيات التلعيب بطرق جديدة وقياس نجاح التعلم. اليوم، لا يوجد تطبيق فقط لذلك - هناك مكتبة كاملة من التطبيقات والأنظمة الأساسية التي تسهل التدريس باستخدام الألعاب، وتزداد قائمة أفكار تخطيط الدروس مع استمرار نضج الممارسة.
ما هو التلعيب في التعليم؟
أظهرت الأبحاث المبكرة أن التلعيب قد يساعد الطلاب على تطوير مواقف أكثر إيجابية تجاه مواضيع مثل الرياضيات، وتقليل السلوك العدواني في الفصل، وتشجيع النمو المعرفي وتحسين مدى الانتباه. ولكن قبل الاستطراد في استخدامات التلعيب في التعليم، قد يكون من المهم توضيح مفهوم التلعيب بشكل عام. وهنا دعنا نسأل: "هل سبق لك أن حصلت على نقاط مكافأة مقابل تناول الطعام في مطعمك المفضل؟ أو هل حصلت على شارة او نجمة ذهبية لأنك حققت الهدف اليومي في تطبيق المشي؟ أو هل تتنافس على المركز الأول في قائمة المتصدرين لتطبيق تعلم اللغة الخاص بك؟"، إذا أجبت بـ "نعم" على أي من هذه الأسئلة، فقد اختبرت التلعيب.
فالتلعيب أو اللوعبة (Gamification) مفهوم يعني تحويل أنشطة حياتية عادية إلى نمط تشغيل يشبه الألعاب. وفي هذا السياق تعرف ويكيبديا الموسوعة الحرة التلعيب بأنه:" تطبيق عناصر اللعبة وآليات عملها في سياقات ومجالات أخرى غير مرتبطة بالألعاب كالتسويق والأعمال والإعلام والتعليم، وذلك من أجل زيادة مشاركة المستخدمين في حل المشاكل وتحقيق أهداف محددة، وزيادة تفاعل ومساهمة الفرد.
التلعيب في الفترة من 2022 إلى 2025: أهم الإحصائيات والحقائق والأمثلة
من الواضح أن العديد من الشركات في جميع أنحاء العالم تستخدم تقنيات التلعيب بشكل كبير لتعزيز مشاركة المستخدم وإنتاجيته، حيث يشير استطلاع أجرته شركة Growth Engineering إلى أن 85٪ من الموظفين يظهرون تفاعلاً أكثر عند تطبيق حلول التلعيب كما وأن 90٪ من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حلول التعلم عن طريق التلعيب فعالة. هناك أيضًا العديد من الأمثلة على الشركات التي قامت بتحويل عملياتها إلى ألعاب، وحققت نتائج مبهرة، حيث يُظهر تقرير Gartner أن تقنية التلعيب قد تم تبنيها الآن من قبل أكثر من 70٪ من الشركات التي تنتمي إلى قائمة "فوربس "2000 " والتي تضم أقوى 2000 شركة على مستوى العالم، من بينها 40 شركة من المنطقة العربية، تتصدرها شركة أرامكو السعودية. من بين تلك الشركات التي باتت تستخدم تقنية التلعيب "مايكروسوفت" (Microsoft)، و"نايكي" (Nike)، و"فوت لوكر" (Foot Locker)، و"إي باي" (eBay)، و"سيسكو" (Cisco)، وغيرها الكثير. ومن المتوقع أن ينمو سوق التلعيب العالمي من 9.1 مليار دولار في عام 2020 إلى 30.7 مليار دولار بحلول عام 2025 ، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 27.4٪.
التلعيب في التعليم العالي:
عند التفكير في اللَعّابين أو الجيمرز " THE GAMERS" – وهنا نعنى الأشخاص الذين يلعَبُون ألعابَ الفيديو التّفاعُلِيّة- فإن الكثيرين قد يتصور مراهقين مدمنين على الألعاب لدرجة أنهم ملتصقون بأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. لكن الإحصائيات الفعلية تُظهر أن عدد النساء البالغات في الألعاب يفوق عدد الذكور دون سن 18 عامًا، وهذا يعني أن الألعاب تتمتع بجاذبية واسعة، ولدى كل شخص القدرة على اكتساب السعادة من الألعاب إذا كانت مصممة بشكل جيد وجذابة. الأمر نفسه ينطبق على التعلم. نظرًا لأن العديد من الآليات الأساسية للألعاب والتعلم هي نفسها، فقد بدأ المزيد والمزيد من المعلمين في استكشاف إمكانية التحايل على عملية التعلم لجعلها عملية تلقائية وممتعة مثل الألعاب.
تعد Gamification for Learning إحدى هذه الاستراتيجيات التي يستخدمها المعلمون بشكل متزايد حول العالم، حيث تستند هذه الاستراتيجية إلى فكرة أن المتعلمين يتعلمون بشكل أفضل عندما يستمتعون. تطبيق استراتيجيات التلعيب في التعليم العالي سوف يحفز الطلاب على التعلم بكفاءة أكبر، لأنها تساعد في بناء الروابط بين أعضاء المجتمع الأكاديمي من خلال تشجيع التعاون والمنافسة. من المهم جدًا الانتباه إلى الأبعاد الاجتماعية للتدريس والتعلم سواء كان المعلم يقوم بالتدريس شخصيًا أو عن بُعد. علاوة على ذلك، عملية التعلم عن طريق الألعاب لديها القدرة على غمر الطلاب في محتوى المناهج الدراسية وزرع موقفًا إيجابيًا تجاه الدراسة. في النهاية يحتاج المتعلمون في هذا العصر إلى محتوى أكثر تخصيصًا ومرحًا وجاذبية، ويبدو أن التلعيب هو الأداة الصحيحة للقيام بذلك.
علم النفس والتلعيب
يمتلك التلعيب عُنصر التشويق والتحفيز، والأهم من ذلك أنه “يثير الدافعية، مما يجعل من التعليم مهمة ممتعة ومجزية، كما ويدعم مشاعر الاستقلالية، وهي واحدة من الاحتياجات النفسية الأساسية لنظرية التحديد الذاتي Self-determination theory وهي نظرية تهتم بوصف التوجهات الطبيعية والحاجات النفسية لدى الأفراد. وهي توضح اسباب دوافع الأشخاص لأداء اي نشاط او عمل من دون أي تدخلات خارجية.
أظهرت دراسات علم نفس التلعيب، وهو مجال يركز على كيفية فهم سلوكيات الناس والتأثير عليها من خلال أساليب اللعب، أن الدماغ يعمل في انسجام مع التحفيز اللعابي وأنه يؤدي إلى إطلاق الدوبامين، مما يمنح اللاعبين شعورًا متزايدًا بالتحفيز والاستمتاع. وهذا يتم وفق الآليات الآتية:
-
1. يربط التلعيب الناس على المستوى العاطفي
يمكن أن تكون العواطف أداة قوية للتعلم. إنها تساعد في تسهيل تشفير المعلومات واسترجاعها بشكل أكثر فعالية، مما يجعل عملية التعلم أكثر كفاءة. ينشئ Gamification ارتباطًا عاطفيًا بين المحتوى والطلاب، إنه يؤثر بشدة على انتباه الأفراد، مما يجعلهم أكثر تقبلاً للتعلم.
-
يتم التحكم في الاسترجاع بواسطة الحُصين Hippocampus
الحُصين هو جزء من الدماغ يتحكم في كمية المعلومات التي نتذكرها. يحفز التلعيب ذاكرة الحُصين، مما يساعد على تعزيز تخزين المعلومات الجديدة في الذاكرة طويلة المدى. علاوة على ذلك، يتم إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالتعلم والذاكرة، من الحُصين، مما يساعد في الحفاظ على التركيز على المهمة.
- 3. القصص أسهل لكي يعالجها الدماغ من الحقائق
يعالج الدماغ القصص بشكل أكثر فعالية مما يفعله بسلسلة من الحقائق. لهذا السبب، يعد سرد القصص طريقة رائعة لتقديم معلومات جديدة للطلاب. تستفيد Gamification بشكل كبير من استخدام هذه الإستراتيجية، حيث تشتمل الألعاب غالبًا على عناصر سرد القصص مثل الخلفية والشخصيات وتقلبات الحبكة والمزيد.
-
4. اللعب يحسن إطلاق الإندورفين Endorphin
الإندورفين مسكنات طبيعية تعمل على تحسين الاسترخاء والهدوء والتركيز. يتم إنتاجها بشكل طبيعي من قبل الجسم أثناء ممارسة الألعاب وأداء الأنشطة التفاعلية الأخرى. تعمل استراتيجيات الألعاب على تحسين إطلاق الإندورفين، مما يساعد على خلق بيئة مثالية للتعلم المركز.
-
5. ممارسة الألعاب يحافظ على صحة دماغك
تشجع الألعاب المرونة العصبية، وهي قدرة الدماغ على الاستجابة للمنبهات المختلفة وتطوير روابط جديدة. يمكن لهذا النوع من التدريب أن يقوي المسارات العصبية، ويزيد من المهارات المعرفية مثل الذاكرة والانتباه، ويعزز الإبداع ومهارات حل المشكلات، ويساعد على منع التدهور المعرفي المرتبط بالعمر.
تطبيقات وأدوات التلعيب
تساعد الأنشطة الصفية التي تعتمد على الألعاب على إشراك طلابك في محتوى الدورة التدريبية ومساعدتهم على التواصل مع زملائهم في الفصل بشكل أعمق. هنا، نشارك بعض الأدوات التي تساعدك على جلب الحماس والاتصال والمنافسة إلى دورتك التدريبية.
كاهوت: Kahoot يسمح Kahoot! للمدربين بتصميم اختبارات الاختيار من متعدد، لكل من التقييمات التكوينية والاختبارات غير الرسمية. للمشاركة، يجيب الطلاب على الأسئلة المحددة بوقت، حيث يتم ترتيبهم بناءً على السرعة والدقة.
يتميز كاهوت بكونه تطبيق مجاني يدعم اللغة العربية، وبحيث يمكن للمعلم إنشاء بنك من الأسئلة في حسابه بحيث يستفيد منها الآخرون عند نشرها. هذا ويتيح كاهوت فرصة لجميع الطلاب في الفصل أن يتفاعلوا حتى للذين يعزفون عن المشاركة في الصف. فهناك خاصية إضافة الصور ومقاطع الفيديو أثناء تصميم الأسئلة. كما ويتميز كاهوت بسهولة الاستخدام، وخلق بيئة تنافسية تحمس الطلاب وتشجعهم على الانتقال من الجو التقليدي إلى جو ممتع مليء بالحماس والمتعة. كل ما يحتاجه المعلم فتح حساب في برنامج كاهوت بينما الطالب لا يحتاج الى ذلك وإنما يكتفي باستخدام الكود المرسل من قبل المعلم.
Minecraft الإصدار التعليمي: تدعم Minecraft: Education Edition التدريس والتعلم من خلال واجهة قائمة على الألعاب تعزز الإبداع والتعاون وحل المشكلات في بيئة غامرة، حيث يكون الحد الوحيد هو خيال المتعلم. يمكن للمعلمين تزويد المتعلمين بفرصة الانخراط في اللعب الذي يمثل تحديًا لهم، وإعطاء الطلاب مجالًا ليكونوا مبدعين، بالإضافة إلى السماح للمتعلمين بالمخاطرة التي تتكرر على طول الطريق، من خلال تعريف الطلاب بأهداف ومهام محددة، والتي يمكن تعديلها لكل فريق في الصف وفقاً لقدراتهم. تتيح هذه اللعبة للطلاب التفاعل مع المفاهيم القائمة على المعايير بطريقة مرحة وديناميكية.
لعبة Minecraft الإصدار التعليمي أداة تعليمية رائعة، حيث توفر إمكانية تعاون الطلاب خلال العمل على مشاريع مع زملائهم في الفصل، هذا بالإضافة إلى الميزات والبرامج التعليمية لدعم المعلمين مع توافر ميزات السلامة واللعب في بيئة آمنة، كما يمكن للطلاب والمعلمين إضفاء الطابع الشخصي على اللعبة واستخدام ميزات إمكانية الوصول اللعب عبر منصة! وهي متوفرة لأنظمة Windows وMac وChromebook وiPad