library management & Higher Education blog Naseej Academy Naseej Academy Send Mail

عن مدونة نسيج

تهدف مدونة نسيج الى توفير مساحات تشاركيه تتسع لكل المتخصصين والمهتمين بكل ما هو جديد في مجال المكتبات والتعليم العالي والتعلم عن بعد وتقنيات المعلومات والاتصالات وتقنيات الأرشفة وحلول المعرفة المتقدمة في التعليم العالي، المكتبات، ومراكز الأبحاث.

سجل هنـا لتصلك أحدث التدوينات
أكاديمية نسـيج على الفيسبوك 
 
 

مقــالات حديثة

الشراكة من أجل الابتكار: كيف تُسهم الشركات التقنية في تطوير الخدمات العامة؟

نُـشر بواسطة هيام حايك on 18/06/2025 12:13:34 م

cropped-20250618_1140_Visionary Interaction_simple_compose_01jy131etmeecracnysvpkqsjb

في الوقت الذي ينجز فيه المستخدم معاملاته البنكية خلال ثوانٍ، ويقود سيارته بتطبيق ذكي، لا تزال العديد من الخدمات الحكومية تعاني من بطء التفاعل، تعقيد الواجهة، وتجربة تشبه متاهات البيروقراطية الورقية، ولكن بثوب رقمي!

يطرح هذا سؤالاً محورياً: هل تستطيع الحكومات بمفردها خلق تجربة رقمية متكاملة؟ أم أن النجاح يتطلب شراكة استراتيجية مع الشركات التقنية؟ هنا تبرز هذه الشركات كشريك أساسي، لا مجرد مورد، في تصميم وتنفيذ واستدامة التحول الرقمي.

التقاء الخبرات – لماذا يحتاج القطاع العام إلى شركاء تقنيين؟

رغم أن الحكومات تمتلك الرؤية، والإرادة السياسية، والموارد، إلا أنها غالبًا ما تفتقر إلى المرونة التقنية والإيقاع السريع اللازمين لمواكبة تطورات التجربة الرقمية الحديثة. في المقابل، تتمتع الشركات التقنية بقدرات متقدمة في الابتكار، وخبرات تراكمية في بناء واجهات مستخدم، وهندسة البيانات، وتصميم حلول تركز على المستخدم النهائي.

لكن العلاقة بين الجهتين لا يجب أن تكون علاقة "مورد وعميل"، بل شراكة استراتيجية، حيث توفر الحكومة السياق، والقيم، والأولويات الوطنية. بينما تقدم الشركات التقنية الأدوات، والمنهجيات، والتجربة الرقمية الناضجة.

هذه الشراكة تسمح للقطاع العام بتجاوز أوجه القصور البنيوية، وتُسرّع عملية التحول من أنظمة تقليدية إلى منصات رقمية ذكية، متصلة، ومبنية وفق أعلى المعايير التقنية.

من تنفيذ الخدمة إلى تصميم التجربة

في الماضي، كان يُنظر إلى رقمنة الخدمات الحكومية على أنها مجرد "نقل للمعاملة الورقية إلى الإنترنت"، ولكن هذا الفهم لم يعد كافيًا. اليوم، لم تعد المسألة تتعلق فقط بـ"تنفيذ خدمة"، بل بـتصميم تجربة رقمية متكاملة تحاكي توقعات المستخدم وتُلبي احتياجاته بأعلى درجات السلاسة والوضوح. وهنا يأتي الفارق الجوهري الذي تُحدثه الشركات التقنية، فهي:

  • لا تكتفي ببناء نماذج رقمية، بل تبدأ من فهم سلوك المستخدم، وحركته داخل المنصة، واللحظات التي يشعر فيها بالإرباك أو الثقة.

  • تُطبق منهجيات تصميم متمحور حول الإنسان (Human-Centered Design) لضمان أن كل تفاعل رقمي هو سهل، واضح، وقابل للتكرار دون إرباك.

الشركات التقنية لا تُفكر فقط في "كيف نُقدم الخدمة؟" بل تسأل: "كيف نجعل المستخدم يشعر بالثقة، ويصل إلى ما يحتاجه في أقل عدد من الخطوات؟" وهنا تتحول النماذج الحكومية من بوابات جامدة إلى تجارب رقمية تفاعلية، تتكامل مع حياة الناس اليومية وتبني علاقة ثقة بين المواطن والمنصة.

التحديات التي تواجه الحكومات في التحول الرقمي

على الرغم من التوجه المتزايد لدى الحكومات نحو التحول الرقمي، إلا أن الواقع يكشف عن مجموعة من التحديات البنيوية والثقافية والتقنية التي تُعيق تحقيق نتائج فعلية ومستدامة. هذه التحديات ليست محلية فقط، بل تشترك فيها أغلب الإدارات الحكومية حول العالم، وتحتاج إلى تدخل متخصص، غالبًا ما توفره الشركات التقنية.

أولاً: البيروقراطية المؤسسية

الهيكل الإداري الحكومي غالبًا ما يتّسم بالتعقيد وكثرة المستويات الإدارية، مما يُبطئ عملية اتخاذ القرار. التحول الرقمي بطبيعته يتطلب رشاقة تنظيمية وقدرة على التجريب السريع، وهو ما يتعارض مع بعض النظم التقليدية المتجذرة داخل المؤسسات الحكومية.

ثانيًا: محدودية القدرات التقنية الداخلية

العديد من الجهات الحكومية تعاني من نقص واضح في الخبرات الرقمية المتقدمة، سواء في مجالات تطوير البرمجيات، تصميم واجهات المستخدم، تحليل البيانات، أو أمن المعلومات. وهذا العجز يجعل من الصعب قيادة مشاريع رقمية متكاملة دون الاستعانة بجهات خارجية متخصصة.

ثالثًا: الأنظمة المتعددة وغير المتوافقة

غالبًا ما تكون الأنظمة الحكومية مبنية على تقنيات قديمة أو مختلفة جذريًا بين جهة وأخرى، ما يُعيق التكامل بين المؤسسات ويُضعف إمكانية توفير تجربة موحدة للمستخدم. أي محاولة لتوحيد الخدمات الرقمية تصطدم بجدار "عدم التوافق" بين البُنى التحتية.

رابعًا: مقاومة التغيير الداخلي

عوامل نفسية وسلوكية داخل المؤسسات قد تُعرقل التحول الرقمي، بدءًا من الخوف من فقدان الوظيفة، إلى عدم الثقة في التقنيات الحديثة، وصولًا إلى الميل للمحافظة على الوضع القائم. هذه الثقافة تحتاج إلى تغيير تدريجي مدعوم بقيادة واعية وشراكات خارجية داعمة.

خامسًا: غياب المستخدم عن المعادلة

غالبًا ما تُصمَّم الخدمات الرقمية بناءً على رؤية داخلية فقط، دون إشراك فعلي للمواطنين أو الموظفين الميدانيين الذين يتعاملون مع الخدمة. هذا يؤدي إلى بناء حلول غير متناسبة مع الاحتياجات الفعلية، أو صعبة الاستخدام.

سادسًا: غياب مرونة التحديث والتطوير

الخدمات الرقمية الحكومية تميل لأن تكون "ثابتة" بعد إطلاقها، على عكس الخدمات الرقمية الخاصة التي تُحدث باستمرار وفقًا لسلوك المستخدم واحتياجاته. غياب هذه المرونة يعني أن الخدمة تصبح قديمة بسرعة، وتفقد فعاليتها تدريجيًا.

كل هذه التحديات تضع الحكومات أمام معادلة صعبة: إما الاستثمار في تطوير قدراتها الداخلية بشكل طويل الأمد، أو الدخول في شراكات استراتيجية مع جهات تمتلك الجاهزية التقنية والقدرة على التنفيذ السريع، وهي النقطة التي تبدأ عندها أهمية وجود شركات تقنية متخصصة كشريك داعم في مشاريع التحول الرقمي.

ماذا تقدم الشركات التقنية في مشاريع التحول الرقمي؟

حين تقرر جهة حكومية إطلاق مشروع للتحول الرقمي، فهي تدخل مجالًا مليئًا بالتعقيدات التقنية والاختيارات الاستراتيجية التي يصعب إدارتها دون شريك يمتلك خبرة عملية، واطلاع واسع على الحلول الحديثة، وقدرة على التكيّف مع المتطلبات المتغيرة. هنا تبرز الشركات التقنية المتخصصة ليس كمجرد مزودين لحلول رقمية، بل كـشركاء استراتيجيين يقدمون قيمة مضافة في عدة محاور حاسمة.

أولًا: بناء البنية التحتية الرقمية

الشركات التقنية قادرة على تصميم بنى تحتية رقمية مرنة وقابلة للتوسع، بما يتوافق مع احتياجات الجهة الحكومية وطبيعة بياناتها. يشمل ذلك:

  • التكامل مع الأنظمة القديمة (Legacy Systems)

  • بناء قواعد بيانات متطورة وآمنة

  • توفير حلول سحابية (Cloud-based) تتناسب مع الخصوصية والحوكمة

ثانيًا: تصميم واجهات المستخدم وتجربة المستفيد

واحدة من أبرز نقاط الفشل في كثير من المشاريع الحكومية هي إهمال تجربة المستخدم (UX/UI). الشركات التقنية تجلب خبرة عملية في تصميم منصات:

  • سهلة الاستخدام، حتى لغير المتخصصين

  • متجاوبة مع الأجهزة المختلفة

  • مصممة لتقليل عدد الخطوات وتوضيح الخيارات

ثالثًا: ضمان الجودة والامتثال للمعايير

الشركات المتمرسة تعمل وفق معايير دولية في الأمن السيبراني، الأداء، والخصوصية، وتضمن أن يكون المنتج الرقمي:

  • متوافقًا مع سياسات هيئة الحكومة الرقمية (مثل منصة كود)

  • خاضعًا لاختبارات مكثفة قبل الإطلاق (Quality Assurance)

  • قابلًا للتدقيق والمراجعة المستقلة

رابعًا: التدريب ونقل المعرفة

الشراكة لا تقتصر على تسليم منتج جاهز، بل تشمل غالبًا:

  • تدريب فرق العمل داخل الجهة الحكومية

  • نقل المعرفة حول كيفية إدارة وتحديث الأنظمة الرقمية

  • دعم مرحلة التشغيل الأولى بالتوجيه والإشراف

خامسًا: المتابعة والدعم بعد التنفيذ

التحول الرقمي لا ينتهي بإطلاق الخدمة، بل يبدأ بعده. الشركات التقنية تقدم:

  • خطط صيانة دورية واستجابة سريعة للأعطال

  • تحديثات مستمرة استنادًا لتغذية راجعة من المستخدمين

  • تطوير خصائص جديدة حسب تطور الاحتياجات

سادسًا: التفكير المستقبلي والابتكار

الشركات التقنية تعمل في بيئات تتغير باستمرار، ما يجعلها أكثر استعدادًا:

  • لتبني تقنيات ناشئة (كالذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، والبلوكشين)

  • اقتراح حلول مستقبلية قبل أن تتحول إلى ضرورة

  • بناء نماذج قابلة للتوسع والربط مع خدمات أخرى مستقبليًا

نماذج واقعية على الشراكات التقنية الناجحة

لا تكتمل الصورة النظرية حول الشراكات التقنية إلا من خلال استعراض نماذج واقعية طبّقت هذا التوجه وحققت أثرًا فعليًا في تطوير الخدمات العامة. فيما يلي نموذجان بارزان من السياقات الإقليمية والدولية.

النموذج الأول: المملكة المتحدة – GOV.UK Design System

في إطار التزام الحكومة البريطانية بتحسين تجربة المواطنين الرقمية، أطلقت "خدمة الحكومة الرقمية" (GDS) مشروع GOV.UK Design System، وهو إطار موحد لبناء واجهات المستخدم لجميع الخدمات الحكومية. اللافت في هذه التجربة هو الاعتماد الكامل على مطورين وشركات UX/UI من القطاع الخاص، الذين شاركوا في تطوير النظام وتنفيذه داخل أكثر من 40 جهة حكومية. النتيجة كانت:

  • توفير واجهات استخدام متسقة وسهلة للمواطنين

  • تسريع تنفيذ المشاريع الرقمية دون تكرار الجهد

  • تعزيز الشفافية من خلال جعل النظام مفتوح المصدر ومتاحًا للجميع

  • هذه التجربة تُظهر كيف يمكن للقطاع التقني أن يكون حليفًا موثوقًا في بناء بنية تحتية رقمية وطنية تخدم الجميع.

النموذج الثاني: السعودية – شراكة نسيج مع المركز السعودي لزراعة الأعضاء

ضمن توجه المملكة لتعزيز التحول الرقمي في المؤسسات الصحية، دخلت شركة نسيج للتقنية في شراكة مع المركز السعودي لزراعة الأعضاء (SCOT) لتطبيق نظام تصميم منصة كود التابع لهيئة الحكومة الرقمية.

تميز هذا المشروع بعدة نقاط:

  • بناء واجهات رقمية موحدة وفقًا للمعايير الوطنية

  • تحسين تجربة المستخدم في الوصول إلى المعلومات والخدمات

  • ضمان التوافق مع أعلى معايير الوصول الرقمي وسهولة الاستخدام

  • تعاون تقني مع شركة Sprintive لتقديم حلول تطوير متقدمة

تمثل هذه الشراكة بين شركة نسيج والمركز السعودي لزراعة الأعضاء نموذجًا فعّالًا في الربط بين احتياجات مؤسسة حكومية متخصصة وشركة تقنية ذات خبرة في بناء حلول رقمية مستدامة. فهي لا تتعلق فقط بتنفيذ مشروع تقني، بل تعكس فهمًا عميقًا للسياق المؤسسي، ومرونة في تقديم الحلول، وقدرة على مواءمة الأهداف التشغيلية مع الرؤية الوطنية الأشمل.

من خلال هذه النماذج، يتّضح أن بناء خدمات حكومية ذكية وفعّالة لا يعتمد فقط على قوة البنية التقنية، بل على جودة الشراكات، ووضوح الأدوار، وتكامل الرؤية بين القطاعين العام والخاص. وإذا ما تم تعميم هذا المنهج في مشاريع رقمية أخرى، فإننا أمام فرصة حقيقية لصناعة حكومة رقمية تليق بتوقعات الناس، وتواكب سرعة التغيير، وتبني مستقبلًا أكثر مرونة وكفاءة.

Topics: التحول الرقمي الحكومي, تصميم التجربة الرقمية, شراكات استراتيجية, User-Centered Design, GovTech, المرونة المؤسسية, Digital Experience