البشر هم الفاعلون الرئيسيون في معظم التغيرات البيئية العالمية والإقليمية المعاصرة. في المقابل هذه التغييرات، والتي قد تتمثل في الابتكار التكنولوجي، والكوارث البيئية، وتغير المناخ، والأوبئة، لها تأثيرات هائلة على رفاهية الإنسان في الحاضر والمستقبل، وكذلك على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. من ناحية أخرى، يعتبر التفاعل بين الإنسان والبيئة والعلاقة بين العناصر الفيزيائية الحيوية والتقنية، والأنظمة البشرية، عملية معقدة وديناميكية. وبالرغم من أن ذلك يخلق تحديات أمام البشر لإيجاد بيئة آمنة تعمل من أجل التنمية، إلا أنه يفتح مساحة للقائمين على التعليم لوضع استراتيجيات وخطط تُمكن جيل الشباب من امتلاك المعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع التحديات الحالية والمستقبلية، مثل تغير المناخ والرقمنة والعولمة. وهذا يتطلب أن يختبر الشباب تعليم يعكس واقع هذه التحديات. ويدعم وجود عالم أكثر استدامة. وهنا يجدر الإشارة أنه يتم تعريف التنمية المستدامة على أنها "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة. الهدف من التنمية المستدامة هو التكامل ما بين التنمية الاقتصادية والاهتمامات البيئية والسلامة الاجتماعية، والمشاركة بشكل عادل في التكاليف والفوائد للمساهمة في رفاهية الجيل الحالي دون المساس باحتياجات الجيل القادم.
ومن الواضح أن السياسات التعليمية تلعب دوراً رئيسياً في رسم الاطار العام للتعليم الفعال الذي يحقق تعليم من أجل الاستدامة من حيث تطوير المناهج، وتدريب المعلمين، وتطوير المواد التعليمية، وبيئات التعلم. وفي هذا السياق يعد تعليم، STEM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) ضرورياً في إعداد جيل الشباب لمواجهة التحديات التي تواجه المجتمع.
يمثل تعليم (STEM) نظامًا متعدد التخصصات، يقوم على استخدام نهجًا "يركز على المتعلم" من حيث تطوير التوجيه الذاتي للمتعلمين، حل المشكلات والتعاون وإدارة المشاريع. كما أنه يدفع الابتكار من خلال الإبداع، وتصميم وإنتاج حلول لمشاكل وتحديات العالم الحقيقي.
كيف يمكن لنهج STEM تعزيز دور التعليم في التنمية المستدامة
يمكن أن يوفر تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) تعليمًا عالي الجودة يعزز فهم العلاقات المتبادلة العلمية والتقنية والثقافية. كما أنه يزود الطلاب بالكفاءات الرقمية الهامة والمهارات الشخصية، مثل حل المشكلات والإبداع والتفكير النقدي، والتي تعد ضرورية للحفاظ على النمو الاقتصادي، هذا بالإضافة إلى تمكين الطلاب من توظيف المعرفة العلمية والتكنولوجية التي يتعلمونها في المدارس والجامعات للتعامل مع تحديات التنمية بما في ذلك التلوث البيئي، والظواهر المناخية غير المتوقعة، واستنفاذ الموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة، والصراع الاجتماعي والسياسي. كما يعمل تعليم (STEM) على تحسين قدرات الطلاب على الابتكار - وهي مهارة متزايدة الأهمية لتبني التغيير وتشكيل المستقبل بمسؤولية.
تتوافق العديد من الممارسات التعليمية في نهج (STEM) مع مشاكل العالم الحقيقي ومفاهيم الاستدامة. وبالنظر إلى أن هناك اتفاق على نطاق واسع أن أهداف التنمية المستدامة هي مسؤولية عالمية، لكن إنجاز هذه الأهداف يتطلب عملاً محليًا و نهجًا متعدد التخصصات، يُعتبر نهج STEM المتكامل هو إطار واعد لتعليم التنمية المستدامة، نظرا لتبنيه المبادئ التربوية الآتية:
- تكامل تخصصات STEM
مبدأ تعليم (STEM)هو تطبيق المعرفة والممارسات المتعددة التخصصات للتعرف على المشكلات الموجودة في العالم الحقيقي أو حلها. تم تقديم تعليم STEM لأول مرة في الولايات المتحدة من أجل "رفع مستوى التحصيل العلمي في الرياضيات والعلوم، وتحسين القدرة التنافسية الاقتصادية، وزيادة فرص العمل، ودعم المزيد من الفرص لذوي الدخل المنخفض وطلاب الأقليات”.
تعد معرفة ومهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ضرورية لمعالجة الاستدامة، ولكن السؤال المهم هنا، هو كيف ستشكل مساهمة التعليم في استدامة مستقبلنا المحلي والعالمي؟؟
دعونا ننظر إلى الصورة الكبيرة، تحديات اليوم لا يمكن حلها ضمن تخصص واحد، ولكن من خلال دمج تخصصات (STEM) في المناهج الدراسية، يمكن لجميع تخصصات العلوم تدريس ومناقشة التنمية المستدامة، مما يعزز وعي الطلاب بأدوارهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. على سبيل المثال، من خلال استكشاف النظم الزراعية البيئية، يمكن تعليم الأحياء، جنبًا إلى جنب مع تخصصات العلوم الأخرى مثل الكيمياء والفيزياء، وهذا يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الأول والرابع عشر والخامس عشر. وبالمثل، تعليم الكيمياء يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الثالث والسادس والثاني عشر والرابع عشر من خلال تحسين معرفة الطلاب بالخصائص الفيزيائية والكيميائية وتأثيرها على البيئة وصحة الإنسان.
- التحقق والاستقصاء القائم على السياق الواقعي
المناهج التعليمية المستندة إلى سياقات العالم الواقعي تساعد الطلاب على رؤية أهمية العلم في حياتهم اليومية وتعزز اهتمامهم ومتعتهم في معالجة مواقف الحياة الواقعية حولهم. يمكن للمعلمين تشجيع ذلك من خلال مساعدة الطلاب على إيجاد روابط بين سياق الحياة الواقعية والمفاهيم التي يتم تدريسها، وسوف يظهرون اهتماماً أكبر بالتعلم إذا رأوا كيف يرتبط ما يتم تدريسه في بما يقومون به حياتهم اليومية. هذا النوع من التعلم والتفكير سيغير سلوك الطلاب تجاه بيئتهم. تعليم (STEM)هو أداة لا غنى عنها في معالجة المشاكل البيئية. من خلال مناهج التدريس القائمة في العالم الحقيقي، يمكن أن يؤثر تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على تمثيلات الطلاب الداخلية وفهمهم للعالم الحقيقي، وفي النهاية تحويل مواقف الطلاب تجاه حماية البيئة.
- نهج التعلم القائم على حل المشكلات
نهج التعلم القائم على حل المشكلة هو ممارسة تعليمية أساسية أخرى في تعليم STEM التكاملي. التعلم القائم على حل المشكلات هو نهج تربوي بنائي، يكتسب الطلاب من خلاله المعرفة العلمية ويطورون مهاراتهم في التفكير النقدي وحل المشكلات والتعاون أثناء انخراطهم في إيجاد حلول لمشاكل العالم الحقيقي. المبادئ الأساسية للتعلم القائم على حل المشكلات ظهرت في نظرية البنائية المعرفية والبنائية الاجتماعية والتي تؤكد على أن قدرات الطلاب تتطور من خلال التعلم الاجتماعي ومن خلال العمل معًا في مجموعة صغيرة وتدريبهم من قبل المعلمين، يحدد الطلاب المشكلات، ويقومون بصياغة الفرضيات وجمع البيانات وإجراء التجارب وتطوير الحلول واختيار الحلول التي "تناسب" المشاكل بشكل أفضل. نهج التعلم القائم على حل المشكلات يشجع الطلاب على استخدام معارفهم والبناء عليها والعمل بشكل تعاوني في مجموعات صغيرة ذاتية التنظيم لفهم المعلومات الجديدة وحل المشكلات المعقدة وإنتاج الحلول. علاوة على ذلك، يؤدي تطوير التكنولوجيا الرقمية وزيادة استخدامها إلى إحداث تحول في حياة الناس اليومية ومجتمعاتهم. من الصعب تحديد أنواع الوظائف التي ستوجد في المستقبل والخبرة التي سوف تتطلبها. وبالتالي، يجب تعديل التعليم لاستيعاب وتجهيز الطلاب مع المهارات والمؤهلات والمرونة اللازمة لشغل الوظائف المستقبلية.
- نهج التعلم القائم على التصميم
تعتبر عملية التصميم الهندسي جزءًا مهمًا من تعليم (STEM)، حيث يتم استخدام الاستقصاء والتصميم الفني وهندسة البناء والتفكير الرياضي والتكنولوجيا من أجل حل مشاكل العالم الحقيقي. التعلم القائم على التصميم، هي شكل من أشكال التعلم القائم على حل المشكلات، حيث يتم منح الطلاب خبرة عملية من خلال دراسة مشاكل العالم الحقيقي، إنه نهج تعليمي استقرائي مبني على أساس التحق وعمليات الاستدلال التي تؤدي إلى توليد المصنوعات والأنظمة والحلول المبتكرة. يركز هذا النهج على تجربة الطلاب في تصميم منتج أو كائن، من خلاله يطورون فهمهم العلمي ومهاراتهم في حل المشكلات، التعلم القائم على التصميم هو طريقة تعليمية واعدة لتعزيز تعلم الطلاب واهتمامهم بالعلوم.
التعلم القائم على التصميم، كشكل من أشكال التعلم القائم على المشاريع، يوفر للطلاب الإبداع والعقلية المبتكرة لممارسات الاستدامة. أظهرت العديد من الدراسات العلاقة بين التعليم المستدام والتعلم التحويلي. يعد النهج متعدد التخصصات عنصرًا أساسيًا في التفكير التصميمي، وبسبب تعقيد أهداف التنمية المستدامة، التفكير التصميمي أساسي في معالجتها وتحقيقها. يبدأ نهج التعلم القائم على التصميم بتحديد مشكلة من سياق العالم الحقيقي ويتضمن تطوير الحلول المثلى للتحديات الاجتماعية، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
- نهج التعلم التعاوني
نهج التعلم التعاوني هو طريقة تربوية بنائية أخرى تتضمن الطلاب الذين يعملون في مجموعات صغيرة لمساعدة بعضهم البعض على التعلم. الهدف من تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات هو تزويد الطلاب بمزيج واسع من المهارات والمعرفة متعددة التخصصات. التعلم التعاوني يلعب دور أساسي في المساعدة على تطوير ونشر واستدامة دور التعليم في المجتمع.
التعلم التعاوني يبني مهارات الطلاب التعاونية والعمل الجماعي - وهي مهارات مهمة في القرن الحادي والعشرين، لأنها ضرورية لمعالجة تعقيد التحديات الاجتماعية والاقتصادية الحالية والمستقبلية. من خلال بناء المهارات التعاونية، سيطور الطلاب مواقف وسلوكيات إيجابية خارج جدران الفصول للعمل معًا من أجل التنمية المستدامة لمجتمعهم وبلدهم. ستساهم المواقف والسلوكيات التعاونية للمواطنين بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة مثل الحد من الفقر والسلام والإنصاف والحفظ والاستهلاك والإنتاج المستدامين والمسؤولية الاجتماعية للتنمية والديمقراطية.
في الختام ، يمكن أن يساهم تعليم (STEM) الشامل بنجاعة، في تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة - التعليم العادل والجيد من أجل التنمية المستدامة وأنماط الحياة المستدامة والعدالة الاجتماعية. يتطلب تنفيذ تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الشامل الابتكار والتغيير في النهج التربوي وتطوير المناهج وطرق تقييم الطلاب وهيكل الإدارة التعليمية ومبادرات دعم المعلم. كما يتطلب المزيد من المرافق الاستثمارية والبنية التحتية والتكنولوجيا للمؤسسات التعليمية في المناطق النائية، وللأقليات العرقية، وللطلاب الفقراء، ولمناطق الصراع الاجتماعي. من المأمول، بهذه الطريقة، أن يتغير التعليم بشكل إيجابي وبما يساهم في تحقيق التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع.
nt here…