قد يستطيع المتتبع لتاريخ المدونات ملاحظة المد والتوسع الأفقي والعمودي لمحتويات المدونات والذي تجاوز موضوعات الترفيه والاتصال والتواصل. فالمدونات بدأت اليوم تؤثر في الحياة السياسية والاجتماعية الحديثة. وينبغي أن يتم النظر إليها على أنها نجاح عالمي، وليس مجرد تقدم وابتكار تكنولوجي..

هناك ثلاثة مجالات رئيسية حققت المدونات فيها نجاحاً يشهد له وهي: التعليم والسياسة والمكتبات.

المدونات في مجال التعليم

لعبت المدونات دورا كبيرا في التعليم، حيث قد يتم استخدامها في المدارس والجامعات للحوار، وتبادل المعلومات والمناقشات أو للبحث. وقد ساهم التدوين على إيجاد العديد من الفرص للتقدم في مجال التعليم وتطوير اللغة، وتوفير أرضية وأساسا لتشجيع الإبداع والتعبير عن الذات.

يرجع ذلك إلي طبيعة المدونة والتي قد تكون شخصية أو جماعية، مما يسمح للمدونين التعبير عن أنفسهم وخلق محتوي ذاتي، في حين يسمح للطلاب بالوصول إلي الأقران والمتخصصين على الإنترنت والحصول على فرصة للتعليق وتقديم التغذية الراجعة لجميع الطلاب الآخرين الذين يذهبون لقراءة المدونة.

المرونة والاتساع الذي اتسمت به المدونات ألقت بظلالها على مختلف مجالات الدراسة مثل المدارس والأفراد والمجتمعات المحلية وغيرها؛ ذلك لأن استخدام التدوين يعمل على تطوير القدرات الكتابية والقرائية ويوفر فرصة للطلاب لمراجعة الموضوعات التي تم طرحها في الفصل، كما يمَكِن المدرس في ذات الوقت من قياس أثر الدروس وتقييم مدى استيعاب الطلاب لها والذي يستشفه من خلال المناقشة فيما بينهم على صفحات المدونة أو من خلال مناقشتها معه.

المدونات هي وسيط قابل للتداول والتناول يساعد الطلاب والمدرسين للتعرف على ما يجول في أذهانهم بعيدا عن قيود الفصول الدراسية.

المدونات في مجال سياسة

ترجع بدايات استخدام المدونات في السياسة إلى رغبة العديد من المرشحين السياسيين في استقطاب مؤيديهم وأتباعهم من خلال المدونات. وفي هذا وفرت المدونات للسياسيين فرص للتفاعل مع أتباعهم عن كثب. تم الإشارة إلي المدونات

التي استخدمت لموضوعات سياسية بـ "المدونات السياسية" والتي لعبت دورا بارزاً في تشكيل السياسة وخاصة في الغرب. كما أن الكثير من السياسيين أخذوا في مراجعة برامج المنافسين والاقتباس من برامجهم المنشورة على صفحات المدونات الخاصة بهم. عندما يريد حزب سياسي تبادل الآراء مع الأطراف السياسية الأخرى، فإنه يستخدم المدونات والتي تلعب دورا هاما في ضمان التفاعل وتبادل الأفكار. ويتم ذلك بشكل أسرع مما تتيحه الوسائل الإعلامية الأخرى

مثل المجلات والجرائد والتلفزيون.

وهنا أرجع إلي علاء ومنال، رائدي المدونات في مصر اللذان امتلكا مدونة "منال وعلاء" في وقت لم يتجاوز عدد المدونات المصرية الثلاثين مدونة، شجعت هذه المدونة الشباب المصريين الدخول إلى عالم المدونات من مدخل سياسي، وسعيا للاستفادة من المدونات لعرض آرائهم بحرية، قد أثرت هذه المدونة في الكثير من النشطاء على الإنترنت، وقد كنت أحدهم وهنا أشير إلى أن أول محاولاتي لإنشاء مدونة في ذلك الوقت، كانت من خلال التعليمات التي نشرتها هذه المدونة.

وتلعب المدونات دوراً أعظم أهمية في العالم العربي مقارنة بالدور الذي تلعبه في الغرب، وذلك بسبب غياب الصحافة الحرة في الشرق الأوسط والمغرب العربي. فالمدونات في العالم العربي تستمتع بقدر أعظم من الحرية مقارنة بما تتمتع به الصحف من حرية.

المدونات في مجال المكتبات

دخلت المدونات مجال المكتبات بطرق مختلفة. مما وفر لها فرصة غنية للتوسع من حيث الموارد والسهولة في التواصل مع بعضهم البعض، وبالتالي نشر رسالتهم إلى قاعدة أوسع. على سبيل المثال، يمكن لمكتبة الجامعة طرح موارد متعددة في المدونة الخاصة بالجامعة كما يمكنها استضافة مدونات مكتبات الجامعات الأخرى، مما يتيح لهم التواصل مع زملائهم ودعم بعضهم البعض للوصول إلى خدمات أفضل.

عشرة فوائد للتدوين:

التدوين له فوائد متعددة الجوانب، والتي قد لا تكون واضحة لمن ينظر إليها بصورة عابرة؛ إلا أن المنخرطين في التدوين يستطيعون أن يلمسوا هذه الفوائد ويدركوها، ذلك لما ينعكس عليهم من فوائد وتغيرات.

1- سوف تتطور وتتحسن مهارات الكتابة لديك

مجرد الانضباط والجلوس والبدء في الكتابة يعمل على تحسين مهارات الكتابة الخاصة بك، كل ما عليك هو أن تلتزم وتبدأ بالكتابة.

2- سوف تتطور وتتحسن مهارات استخدامك للمواد المرئية والمسموعة

إذا كنت تنفق بعض الوقت لإجراء مقابلات مع الناس على أشرطة الفيديو أو حتى تقوم بالتسجيل لنفسك لتقديم التعليم عبر الإنترنت وترفعها على المدونة الخاصة بك أو ربما تقوم بإدراج تسجيل فيديو مرفوع على موقع اليوتيوب على سبيل المثال، فإنك ستضطر لتعلم مهارات جديدة، لتتمكن من فعل ذلك. تدريجيا تتطور مهاراتك وتدخل في مرحلة متقدمة تمكنك من تعديل وتحسين جودة الإضاءة والصوت وإضافة التأثيرات الخارجية.

3- سوف تتعلم الكثير

لكي تكتب، لا بد أن تقرأ الكثير، القراءة ذات علاقة مباشرة بفعل الكتابة وهي أشبه بالعلاقة الحميمة والمصيرية في آن واحد، فكثرة القراءة تزيد حماس الفرد وتذكي رغبته في الكتابة وتدعوه للتحرر من القيود وعبور الحدود الموصدة. أثناء القراءة تمر بمرحلة التعلم لكثير من الأشياء التي لم تخطر على بالك يوما. وفي هذا يقول الروائي "ستيفن كينغ" Stephen King "إذا كنت تريد أن تكون كاتبا، يجب أن تفعل شيئين قبل كل شيء: اقرأ الكثير واكتب الكثير."

4- الانتشار والشهرة : طالما أنت تكتب الناس ستعرفك

اليوم أصبح الإنترنت هو المصدر الأول لحصول الناس على المعلومات، لذا إذا كنت تريد أن تنتشر وتصبح خبير، فوسائل الإعلام الاجتماعية والمدونات توفر لك هذا الانتشار. إجراء بحث عن شخص أو معلومة من خلالGoogle ليس كإجراء بحث في المكتبة، فالوصول إليك أصبح في غاية السهولة. وفي هذا يقول "جيفري راش" Geoffrey Rush الممثل الحائز على جائزة الأوسكار "في حياتي المهنية كان هناك شيئين حيويين .. المصداقية والشهرة "

5- الوصول إلى مرحلة الخبير

الإدراك والقدرة على التصور وعرض الحقائق والتماس مع الجمهور، من أهم تقنيات وفنون النشر في المدونات عبر الإنترنت، والتي سوف تحولك من هاوٍ إلى مهني محترف. واصل القيام بهذا مع التركيز على إبراز الجوانب الإنسانية بما فيه الكفاية. مع الوقت سوف تصبح "خبير" في الموضوع الذي اخترته.

6- سوف تصبح باحثاً متمرسا

من خلال البحث، سوف تدرك أفضل الطرق للحصول على المعلومات وستتمكن من رصد المعلومات والموارد لإثراء مدونتك. ستتعرف على المدونين العالميين والخبراء في مجالات اهتمامك،كما ستتعرف على أفضل مصادر المعلومات والتي من شأنها أن توفر الرؤى والمعلومات التي تحتاجها لتقديم خدمة مستمرة وذات قيمة لقرائك.

7- سوف تبني شبكة قوية

بعد فترة من ممارسة الكتابة وبداية الانتشار، سوف تلاحظ استلامك للعديد من طلبات الصداقة ممن يقرؤون موضوعاتك. كما سيصح لك شبكة قوية من العلاقات سواء على الإنترنت أو في الواقع.

8- سوف تتحسن ذاكرتك

من المعروف أن المحافظة على الجسم يتطلب ممارسة الرياضة البدنية،. وكذلك المحافظة على الدماغ يحتاج إلي التحفيز والنشاط. إنّ وظائف الدماغ كالتفكير والتركيز والتذكّر وإعطاء أوامر الحركة لا يمكن أن تتمّ إلاّ بوجود خلايا

عصبية قوية وتشعبات (Neurones) كثيرة تربط بين خلايا قشرة الدماغ. مع مرور السنين يخسر الدماغ الكثير من كفاءته، فالروتين اليومي (مشاهدة التلفاز يوميًا، سلوك الطريق عينها إلى العمل...) يكلّفنا كثيرًا على المستويَين النفسي والفسيولوجي، مما يؤدّي إلى تدهور صحّة الدماغ، وتحديدًا سماكة خيوط الاتصالات التي تربط الخلايا العصبية وتحمل المعلومات. ممارسة الكتابة والتعلم هي بمثابة أنشطة تمارسها الخلايا العصبية للدماغ ، بحيث يعمل الدماغ خلال إتمام هاتين المهمّتين على البحث وتسجيل المعلومات الجديدة مما يحفّز خلايا الدماغ على العمل والتكاثر.

9- سوف يزداد إبداعك

لزيادة الإبداع، أنت بحاجة إلى تشجيع ذلك. الإبداع. وتدريب دماغك على العملية. ولاشيء يعادل الشغف بالأشياء والموضوعات، قادر على تحسين قدرتك على الإبداع. سوف تجد أن عقلك بدأ يفكر بشكل أكثر إبداعا وأنت تتحرك من المهارات والأنشطة الواعية لأنشطة تلقائية لا واعية، مما يحرر الفكر ويحفزه للخروج عن التفكير النمطي out of the box thinking والبدء بتفكير مغاير بعيدا لا ينتمي لقولبة ثابتة. بممارسة الكتابة والتدوين ستختبر زيادة الإبداع.

10- سوف تتحسن قدراتك على التركيز والتحليل و التوليف والتركيب

القدرة هي الحالة الني يكون الفرد فيها متمكنا من النجاح في إنجاز معين، كالقدرة على التحليل و التركيب و المقارنة و التأليف.

و يعرف "ميريو" ( Merieu 1990 ) القدرة بأنها "نشاط فكري ثابت قابل للنقل في حقول معرفية مختلفة، فهي مصطلح يستعمل غالبا كمرادف للمعرفة. فلا توجد أي قدرة في شكلها الخام، مما يعني أن القدرة لا تظهر إلا من خلال تطبيقها على محتويات متعددة مثل تحليل الجمل والعبارات والنصوص، أو تحليل وضعية معينة.

فعل الكتابة والتعبير عن نفسك على الإنترنت يوفر لك تغذية راجعة داخلية وخارجية، والتي تزيد من الحدس والتركيز العقلي والقدرة على الربط بين الأشياء. شبكة الإنترنت التفاعلية الاجتماعية والمدونات هي بمثابة نقرات في العقل العالمي والتي سوف توفر لك حلقة التغذية الراجعة التي من شأنها شحذ وتضخيم أعمالك وكتاباتك، إذا كنت على استعداد للاستماع.

.

وأخيراً... المدونان هي تحقيق الذات

كان التدوين بالنسبة لي ليس طريقا للتعبير عن الذات ولكن لتحقيق الذات والتي أصبحت رحلة لاكتشاف الذات. لقد وجدت ما يصلح لي وما لا يصلح. أنا أكتب عن المواضيع التي يتوافق صداها مع نفسي.

إنها لحظات مثيرة للعيش حيث يمكنك الاتصال والتواصل بأجناس مختلفة من البشر، تساعدك في ذلك الوسائط المتعددة الغنية التي تتجاوز الزمان والمكان....

جميعا الآن نمتلك قوة في أيدينا لإحداث فرق، وربما ترك إرث معلوماتي مفيد، في حال كنت تملك هذا العقل والتفاعل العالمي، والذي سيفاجئك يوما بالأماكن التي سوف يأخذك إليها...

ماذا عنك؟ نتطلع إلى الاستماع لخبراتك وقصصك.

اعداد: هيام حايك – كاتبة بمدونة نسيج

المصادر:

http://www.digitalfamilysummit.com/2012/idea-the-educational-benefits-of-blogging/