تشهد التكنولوجيا تطورًا هائلًا في مختلف المجالات، وأحد أبرز هذه التطورات هو نمو تقنيات الواقع الممتد .(XR) بناءً على ما ورد في تقرير صادر عن MarketsandMarkets، من المتوقع أن ينمو سوق الواقع الممتد العالمي من 15.3 مليار دولار أمريكي في عام 2020 إلى 77 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 38.1% خلال هذه الفترة.
يتكون الواقع الممتد من تقنيات رئيسة مثل الواقع الافتراضي(VR)، والواقع المعزز(AR)، والواقع المختلط .(MR) يتيح الواقع الافتراضي (VR) إنشاء بيئات افتراضية يمكن للمستخدمين التفاعل معها من خلال أجهزة مثل النظارات الخاصة والسماعات، مما يتيح لهم الانغماس في تجارب افتراضية غامرة. من ناحية أخرى، يضيف الواقع المعزز (AR) عناصر رقمية إلى العالم الحقيقي، مما يعزز تجربة المستخدم من خلال المعلومات الإضافية التي يمكن التفاعل معها باستخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة التي تُرتدى على الرأس. أما الواقع المختلط (MR) فيجمع بين الواقعين الافتراضي والمعزز، حيث يدمج العناصر الافتراضية بشكل أكثر تفاعلية وتكاملية مع العالم الحقيقي.
هذه التقنيات مجتمعة تُحدث ثورة في كيفية تفاعلنا مع العالم، من خلال تقديم تجارب تفاعلية ومبتكرة في مجالات متنوعة مثل التعليم، الرعاية الصحية، الترفيه، التصنيع، والتجزئة. كما تعتمد المؤسسات الثقافية بشكل متزايد على هذه التكنولوجيا لتقديم تجارب تعليمية وترفيهية متميزة. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها شركة PwC أن استخدام تقنيات الواقع المعزز في التعليم يمكن أن يؤدي إلى تحسين الفهم بنسبة تصل إلى 33% مقارنةً بطرق التعليم التقليدية. في هذا المقال، سنستعرض كيف يمكن للواقع الممتد أن يعيد تعريف طرق التعلم في المؤسسات الثقافية، مع التركيز على الفوائد والتحديات والتطبيقات الحالية لهذه التكنولوجيا.
تعريف المؤسسات الثقافية
يُعرف موقع RICHES المؤسسات الثقافية، بأنها مؤسسات تهدف إلى المشاركة في الحفاظ على المعرفة الثقافية والعلمية والبيئية وتفسيرها ونشرها، وتعزيز الأنشطة التي تهدف إلى إعلام المواطنين وتثقيفهم حول جوانب الثقافة والتاريخ والعلم والبيئة ذات الصلة. ومن أمثلة المؤسسات الثقافية المتاحف والمكتبات والجمعيات التاريخية أو النباتية والمراكز الثقافية المجتمعية. تلعب المؤسسات الثقافية دورًا محوريًا في الحفاظ على التراث وصيانته وإحيائه وتفسيره وتوثيقه، وفي تسهيل تفاعل المواطنين مع التراث ومشاركتهم فيه. وبالتالي، فإن المؤسسات الثقافية هي جهات فاعلة مهمة لتعزيز الحوار بين الثقافات والتنوع الثقافي، وفي نقل الثقافة عبر الأجيال.
على سبيل المثال، المتاحف مثل متحف اللوفر في باريس ومتحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك تجمع وتحفظ وتعرض القطع الأثرية والتاريخية والفنية. المكتبات مثل مكتبة الكونغرس في واشنطن العاصمة توفر الوصول إلى الكتب والمراجع والمعلومات. أما المراكز الثقافية مثل مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) في السعودية ومركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي في الكويت، فتقدم مجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والفنية. تلعب هذه المؤسسات دورًا محوريًا في المجتمع من خلال تنمية المهارات الفنية والإبداعية وتشجيع السياحة الثقافية ودعم الحوار الثقافي.. وفي هذا السياق، تقدم شركة نسيج للتقنية مجموعة من الخدمات للمؤسسات الثقافية بما في ذلك المتاحف والمكتبات والأرشيفات. تشمل هذه الخدمات تقنيات المسح ثلاثي الأبعاد، وإدارة المجموعات الرقمية، وأنظمة إدارة المتاحف المتكاملة التي تساعد في الحفاظ على التراث الثقافي وتوثيقه. كما تقدم نسيج حلولًا مبتكرة لتحسين تجربة الزوار من خلال توفير معلومات تفاعلية وواجهات رقمية تسهل الوصول إلى المحتويات الثقافية والتاريخية.
تأثير تقنيات الواقع الممتد (XR) على طرق تعلمنا في المراكز الثقافية
تتيح تقنيات الواقع الممتد (XR) للمستخدمين تجارب غامرة وتفاعلية تعزز من إدراكهم واستيعابهم للمحتوى الثقافي والتعليمي. من خلال دمج الواقع المعزز (AR) مع المعروضات الحقيقية في المتاحف والمراكز الثقافية، يمكن إضافة طبقات من المعلومات الرقمية التي تظهر للزوار عند استخدام الأجهزة الذكية. هذا يمكن أن يشمل نماذج ثلاثية الأبعاد للعناصر المعروضة، مما يسمح للزوار برؤية التفاصيل الدقيقة والتفاعل معها للحصول على معلومات إضافية وتوضيحات تفاعلية. على سبيل المثال، يمكن للزائر الذي ينظر إلى تمثال قديم من خلال جهاز AR رؤية شرحًا تاريخيًا ثلاثي الأبعاد يظهر حول التمثال، أو حتى مشاهدة إعادة بناء افتراضية للتمثال في حالته الأصلية.
من ناحية أخرى، يوفر الواقع الافتراضي (VR) تجارب غامرة تنقل الزوار إلى مواقع تاريخية أو بيئات طبيعية بعيدة، مما يجعلهم يشعرون وكأنهم جزء من تلك الأماكن والتجارب. يمكن للزوار ارتداء نظارات VR والاستمتاع بجولات افتراضية في أهرامات مصر القديمة، أو الغوص في أعماق المحيط لاستكشاف الحياة البحرية. هذه التجارب ليست فقط ممتعة ولكنها تساهم أيضًا في إثراء التعلم من خلال توفير بيئات تعليمية غامرة تتيح للزوار التفاعل مع العناصر الافتراضية كما لو كانوا هناك بالفعل.
في المراكز الثقافية، تُستخدم تقنيات XR لخلق تجارب تعليمية شاملة تُعزز من التفاعل والمشاركة بين الزوار والمحتوى المعروض. على سبيل المثال، يمكن للزوار في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) في السعودية استخدام تطبيقات AR لاستكشاف المعارض بطرق جديدة، حيث يمكنهم مسح رموز QR بجانب المعروضات لرؤية محتوى إضافي مثل فيديوهات توضيحية أو نماذج ثلاثية الأبعاد للقطع الأثرية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للزوار الانخراط في جولات افتراضية تفاعلية توفر معلومات غنية ومفصلة حول المعروضات، مما يعزز من تجربتهم التعليمية.
تُستخدم تقنيات الواقع المختلط (MR) أيضًا لدمج العناصر الرقمية مع البيئات الواقعية، مما يوفر تجربة تعلم تفاعلية تجعل المعلومات أكثر جذبًا وإثارة للزوار. على سبيل المثال، يمكن استخدام نظارات MR لتقديم عروض تقديمية حية حيث يمكن للزوار التفاعل مع نماذج ثلاثية الأبعاد للمعروضات، أو حتى المشاركة في ورش عمل تفاعلية حيث يمكنهم تعلم مهارات جديدة من خلال التدريب العملي الافتراضي.
بفضل هذه التقنيات، تستطيع المراكز الثقافية تحويل طرق التعلم التقليدية إلى تجارب تعليمية متقدمة وشاملة، تعزز من التفاعل والفهم العميق للمحتوى الثقافي والتعليمي. هذا التحول لا يساهم فقط في تحسين الفهم والاستيعاب، بل يفتح أيضًا آفاقًا جديدة للتعلم والاستكشاف، مما يجعل العملية التعليمية أكثر شمولية وجذبًا لمختلف الفئات العمرية والزوار من جميع الخلفيات. من خلال هذه الأدوات المتقدمة، يمكن للمراكز الثقافية أن تلعب دورًا أكبر في نشر المعرفة وتعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب.
تحديات النمو في سوق الواقع الممتد
يشهد تبني تقنيات الواقع الممتد (XR) تحديات عديدة تؤثر على سرعة انتشارها وتطبيقها في مختلف المجالات. يشير موقع Etelligens إلى اهم التحديات ، والمتمثلة في :
-
التكاليف العالية
تتطلب تقنيات الواقع الممتد (XR) استثمارات كبيرة في كل من الأجهزة والبرمجيات، مما يشكل عبئًا ماليًا على المؤسسات، خاصة ذات الميزانيات المحدودة.
الأجهزة المتخصصة، مثل نظارات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)، تكون باهظة الثمن وتتراوح تكلفتها من مئات إلى آلاف الدولارات لكل جهاز. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج تطوير محتوى XR مخصص إلى برمجيات متقدمة وفريق من المطورين والفنانين والمصممين، مما يزيد من التكاليف بشكل كبير. كما أن الصيانة الدورية والتحديثات الضرورية لهذه الأجهزة والبرمجيات تضيف عبئًا ماليًا إضافيًا. فالأجهزة قد تتطلب صيانة دورية للحفاظ على أدائها، والبرمجيات تحتاج إلى تحديثات مستمرة لضمان التوافق مع الأنظمة الجديدة وإصلاح الأخطاء وتحسين الأداء. أيضًا، يمكن أن تكون تكاليف التدريب للموظفين على استخدام هذه التقنيات عالية، حيث تحتاج المؤسسات إلى التأكد من أن موظفيها لديهم المهارات اللازمة للتعامل مع XR بفعالية.
-
نقص المهارات التقنية
العمل مع تقنيات الواقع الممتد (XR) يتطلب مهارات تقنية متقدمة تشمل تصميم وبرمجة VR وAR. المؤسسات تحتاج إلى فرق مختصة أو تدريب موظفيها، مما يزيد التكاليف التشغيلية. تدريب الموظفين على تقنيات XR يتطلب وقتًا وجهدًا كبير، ويشمل دورات تدريبية مكثفة وتحديثات مستمرة. إذا لم يكن التدريب ممكنًا، يمكن توظيف خبراء متخصصين، لكنهم غالبًا ما يكونون مكلفين ويصعب العثور عليهم بسبب الطلب العالي. على سبيل المثال، في قطاع التعليم العالي، قد تتطلب الجامعات التي ترغب في دمج تقنيات XR في مناهجها الدراسية توظيف أساتذة متخصصين في تقنيات VR/AR، بالإضافة إلى تدريب الطاقم التعليمي على كيفية استخدام هذه التقنيات بشكل فعال. هذا ليس فقط لخلق محتوى تعليمي تفاعلي، بل أيضًا لضمان أن يتمكن الطلاب من الاستفادة الكاملة من هذه التكنولوجيا.
- صعوبة في التكيف مع تقنيات الواقع الممتد
قد يواجه بعض المستخدمين صعوبة في التكيف مع تقنيات الواقع الممتد (XR) بسبب الاعتياد على الطرق التقليدية للتفاعل مع المحتوى. في بعض الأحيان، قد تكون واجهات المستخدم معقدة ،وغير سلسة للمستخدم، مما يجعل من الصعب على المستخدمين فهم كيفية استخدامها بشكل صحيح. بالإضافة إلى ذلك، قد تسبب بعض تقنيات XR مشكلات صحية مثل دوار الحركة وإجهاد العين، مما يقلل من رغبة المستخدمين في استخدامها. هذه المشكلات الصحية تنجم عن التعرض الطويل للواقع الافتراضي أو المعزز، حيث يمكن أن تؤدي الحركات السريعة أو التفاعل المستمر مع البيئات الافتراضية إلى الشعور بالغثيان أو التعب البصري. لتجاوز هذه العقبات، يجب على المؤسسات توفير تدريب ودعم مستمر للمستخدمين لتسهيل تبني هذه التقنيات وتقليل المقاومة للتغيير.
-
تحديات الأمان والخصوصية
تثير تقنيات الواقع الممتد (XR) مخاوف كبيرة حول الأمان والخصوصية، حيث قد تكون عرضة لسرقة البيانات والهجمات الإلكترونية. يمكن أن تجمع هذه التقنيات بيانات حساسة عن المستخدمين، مثل معلوماتهم الشخصية وسلوكياتهم أثناء استخدام التطبيقات، مما يتطلب اتخاذ إجراءات صارمة لحماية هذه البيانات وضمان الأمان. تشمل هذه الإجراءات استخدام تقنيات التشفير المتقدمة، وتطبيق بروتوكولات أمان صارمة، وتحديث الأنظمة بانتظام لمواجهة التهديدات الأمنية المتطورة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المؤسسات وضع سياسات خصوصية واضحة وتوعية المستخدمين بكيفية حماية بياناتهم أثناء استخدام تقنيات XR.
على الرغم من هذه التحديات، فإنها ليست عقبات لا يمكن تجاوزها. مع تطور تقنيات XR وتوسع استخدامها، من المتوقع أن تتناقص هذه التحديات تدريجيًا مع تطوير حلول مبتكرة للتغلب عليها.
المستقبل المتوقع للواقع الممتد
من المتوقع أن يشهد استخدام تقنيات الواقع الممتد (XR) نموًا كبيرًا في المؤسسات الثقافية والتعليمية خلال السنوات القادمة. مع التقدم المستمر في التكنولوجيا وانخفاض تكلفة الأجهزة والبرمجيات، ستصبح هذه التقنيات أكثر سهولة في متناول المؤسسات المختلفة. سيسهم الواقع الممتد في خلق تجارب تفاعلية غنية، مما يعزز من جاذبية المؤسسات الثقافية والتعليمية لجماهير جديدة. ستتمكن هذه المؤسسات من تقديم محتوى تعليمي وثقافي بطرق مبتكرة، مما يعزز من فهم الزوار والطلاب ويزيد من مشاركتهم. كما يمكن للواقع الممتد أن يفتح آفاقًا جديدة للتعليم، حيث يمكن للطلاب استكشاف البيئات الافتراضية والتفاعل مع المحتوى بطرق لم تكن ممكنة من قبل.
في المستقبل، قد نرى تبنيًا أوسع لتقنيات XR في مجالات مثل المتاحف الرقمية، الفصول الدراسية الافتراضية، وبرامج التدريب المهني، مما يعزز من فعالية التعلم ويجعل التجربة التعليمية أكثر شمولية وتفاعلية. هذا التحول سيسهم في تحقيق تجربة تعليمية أكثر إثارة وتنوعًا، تساعد على تلبية احتياجات الأجيال القادمة من المتعلمين والمثقفين.