تزايد الاهتمام بالميتافيرس metaverse، بشكل غير مسبوق، وذلك بعد قرار "فيسبوك" جعل هذه الفكرة مشروعها الجديد. فقد أسهم إعلان مارك زوكربيرج في ترويج هذا المصطلح الذي كان موجودًا منذ عام 1992، حيث ترجع أصول مصطلح «ميتافيرس» إلى الكاتب الأمريكي نيل ستيفنسون الذي كتب عن عالم يحكمه الكمبيوتر في روايته «تحطم الثلج» Snow Crash.
ميتافيرس Metaverseهي كلمة تتكون من شقين الأول "meta" (بمعنى ما وراء) والثاني "Verse" (مُصَاغ من "Universe") وتغنى (ما وراء العالم). بشكلٍ عام، تعد "ميتافيرس" عبارة عن بيئة عبر الإنترنت غامرة حيث يمكن للناس التفاعل في الوقت الفعلي من خلال الصور الرمزية (Avatar).
يرى زوكربيرج أن "ميتا" نوع جديد من الإنترنت، انه إنترنت متجسد، وهو في الأساس نسخة مطورة من الإنترنت حيث يمكن للأشخاص الحصول على تجارب مختلفة لا يمكنهم القيام بها على تطبيق ثنائي الأبعاد أو صفحة ويب، وقد كان زوكربيرج قد أوضح خلال مؤتمر الواقع الافتراضي والواقع المعزز Facebook Connect، أن: "الميتافيرس مستقبل يتجاوز الشركة الواحد، سنصنعه جميعًا". وقد شهدنا بالفعل اعلان شركات كبيرة أخرى، بما في ذلك Microsoft وEpic Games وRoblox وحتى Nike، عن خطط لدخول metaverse بشكل ما.
يريد مارك زوكربيرج أن يبنى مجتمعًا من المستخدمين في قلب metaverse الخاص به، ولكن ليس لديه أي مقيم حتى الآن. وقد كان قد تعهد بتشغيل 10000 موظف في جميع أنحاء أوروبا لبناء عوالمه.، كما ويتوقع زوكربيرج أن تضم "ميتافيرس" مليار شخص في غضون العقد المقبل.
تعليقات حول الضجة التي أثارتها ميتافيرس
تستغرب أنيا كانفسكي Anya Kanevsky نائبة رئيس إدارة المنتجات في ليندن لاب - الشركة التي تدير برنامج Second Life، الاهتمام والطريقة التي يتحدث بها العديد من عمالقة التكنولوجيا حول الفكرة الجديدة للحياة على الإنترنت، بالرغم من برنامج Second Life قائم ومستمر منذ عام 2003. وهي ترى أن دخول لاعب كبير الحجم ولاعب صغير الحجم إلى الفضاء يشير إلى أن الناس ليسوا ملكاَ لهذا الفضاء، وأن شخصًا آخر سيضع القواعد ونوعًا من إدارة العرض وسيكون الناس هم فقط المستهلكين "
تشبه Second Life إلى حد كبير Roblox - مكان يقوم فيه المستخدمون ببناء بيئات ودعوة الآخرين للعب. لكن الاختلاف هنا، هو أن Second Life ليست لعبة. وفي هذا تشابه إلى حد ما مع رؤية مارك زوكربيرج للميتافيرس، إنه مكان لقضاء الوقت فيه بالطريقة التي تريد مع وجود بعض الضوابط والقوانين، وفي هذا السياق تشير السيدة كانفسكي، الي أن نهج الحوكمة في العالم الافتراضي معقد، حيث لابد أن يكون للافتراضي لمسة إنسانية. ليس كل شيء مجرد سلوك يمكن التهرب منه، أو فساتين جميلة وصور رمزية رائعة.
وفي هذا السياق يقول واغنر جيمس ، مؤلف كتاب ، "The Making of Second Life: Notes from the New World: " في أي مناقشة يدور الحديث فيها الآن حول metaverse ، أرى أن هناك تناظرية لما حدث في Second Life، وأن هذا الحديث حول طفرة عقارية ميتافزيقية، يحدث منذ مدة، فهناك الكثير من الشركات الكبرى التي تفتح مقرات افتراضيةـ وقد كان هناك الكثير من شركات Fortune 500 التي فتحت موقعًا في Second Life.
ولكن في ذلك الوقت، لم يكن لدى اللاعبين هذا النوع من المعدات والتقنيات السائدة اليوم. حتى عندما أصبحت Second Life أكثر انتشارًا كانت هناك تجربة المستخدم التي تبدو، حتى اليوم، وكأنها من صنع المهندسين مقابل المصممين. ومع ذلك، صناعة الأزياء الافتراضية ضخمة. حتى اليوم، هناك عدد كبير من منشئي المحتوى في Second Life يربحون 10000 دولار سنويًا، وهذا يعد أكثر من منشئي المحتوى على منصة الواقع الافتراضي Roblox، على الرغم من أن شركة Roblox لديها قاعدة مستخدمين أكبر بكثير. وقد كان هناك حديث حول بعض المصممين الذين كسبوا ملايين الدولارات من أعمالهم في مجال الأزياء الافتراضية.
وكان من الممكن أن يكون كل هذا أكبر بكثير، فقد كان لمنشئيه تطلعات لبناء metaverse. لكن Second Life لم تستثمر في الهواتف الذكية. حتى الآن لا يوجد تطبيق Second Life على الهاتف النقال، وهو ما أضر بانتشار هذه المنصة. ورغم ذلك تمتلك Second Life قاعدة مستخدمين مخلصين جدًا، ما زلت أرى مستخدمين منذ 15 عامًا يأتون من وقت لآخر.
ويشكك واغنر جيمس حول ما إذا سيبقى metaverse نشاطًا مناسبًا للناس، وسيستمر في النمو، ويأخذ مثالاً على ذلك منصة Roblox والتي تعتمد على metaverse، فلديها 200 مليون مستخدم نشط. ولكن منذ الاكتتاب العام الأولي، لم تشهد حركة المرور على موقعها على شبكة الإنترنت نمواً بشكل ملحوظ. وقد يعود السبب إلى أن المنصات metaverse تحظى بشعبية كبيرة لدى الأطفال في سن المراهقة أو أوائل العشرينات. لكن الاستخدام ينخفض بسرعة عندما يبلغون الرابعة والعشرون أو نحو ذلك. يمكننا أن نستنتج الكثير من الأسباب لذلك، حيث يبدأ الناس في أن يصبحوا بالغين، ويخرجون في مواعيد مع الأصدقاء، ويحصلون على وظائف وعائلات، ويكون لديهم وقت أقل. وفي حال استمروا في استخدام تطبيقات metaverse فلن يطول وقت بقائهم.
لن تكون Metaverse جيدة كما كانت الحياة الثانية
يؤكد أندي كيلي ANDY KELLY الباحث في مجال الألعاب الرقمية، في مقال له بعنوان " لن تكون Metaverse جيدة كما كانت الحياة الثانية" أن Second Life منصة قوية بشكل لا يصدق من حيث حرية التعبير، وأن الإبداع والخيال في Second Life يجعلك تصل إلى حالة من الذهول، وقد ازدهرت لأنه لم تكن هناك حدود، ولا مخالفات مؤتمتة لحقوق الطبع والنشر، ولا توجد علامات تجارية تقاتل المستخدمين لحماية IP الثمين الخاص بهم. وهو يري أن هذا هو السبب في أن الفكرة الحديثة لـ "metaverse"، وبأي شكل تتخذه، لن تكون بذلك الجمال الذي قامت عليه Second Life، وخاصة أن هذه العوالم الافتراضية الجديدة ستكون مُحكمة بشدة - ونتيجة لذلك ستكون بلا روح تمامًا. سيكون للناس الحرية في التعبير عن أنفسهم، حتى يضر هذا التعبير بصورة العلامة التجارية، أو ينتهك حقوق الملكية الفكرية، أو يتم اعتباره غير مرغوب فيه من قبل زعماء الشركات الذين يديرون المكان.
على الجانب الآخر، تحاول الشركات التي تروج لـ "metaverse" تصويرها على أنها جبهة جديدة ومثيرة للتواصل. لكن لنكن واقعيين: فهم يعرفون فقط أن هناك أموالًا يجب جنيها، سواء كان ذلك من خلال رعاية العلامة التجارية أو الأصول المشفرة NFTs. سوف تتجول الرأسمالية الجامحة في كل سطر من التعليمات البرمجية في هذه العوالم حيث تبحث الشركات عن طرق جديدة لاستخراج الأموال من الناس. الأمل الوحيد للمفهوم metaverse مدفوع بالكامل من قبل اللاعبين، حيث يكون للناس الحرية في إنشاء أي شيء يريدونه، والتعبير عن أنفسهم دون تمحيص من قوة أعلى.
مؤسس Second Life يعود إلى الملعب
الآن وبعد أن أصبحت metaverse كلمة طنانة مرة أخرى. قرر Philip Rosedale، مؤسس Second Life، تكليف فريق أساسي للعمل على تطوير Second Life . ففي بيان صحفي شديد اللهجة قال Philip Rosedale: "لم يقترب أحد من بناء عالم افتراضي مثل Second Life" ، إن التخلي عن شركة Big Tech لسماعات رأس الواقع الافتراضي وإنشاء metaverse على المنصات الاجتماعية التي تحركها الإعلانات لن يؤدي إلى إنشاء مدينة فاضلة رقمية واحدة سحرية للجميع، لا تحتاج العوالم الافتراضية إلى أن تكون ديستوبيا." كما أنه لا يعتقد أن Oculus Quest 2 الموجودة في Meta كافية لكي تصبح metaverse حقيقة واقعة.
ولكي تتضح أبعاد الصورة كاملة من المهم أن نعرف أن Philip Rosedale هو مؤسس Linden Lab والمنشئ للعالم الافتراضي Second Life منذ ما يقرب من 20 عامًا، والذي أعلن الشهر الماضي عن عودته إلى شركة Linden Lab كمستثمر ومستشار. بعد أن باعها منذ حوالي عشر سنوات. تضمن خطاب روزفيلد هجومًا مبطّنًا على Meta وطموحاتها غير المباشرة.
ووفقًا لإعلان العودة، من المفترض أن تساعد الصفقة Second Life في "توسيع نطاق عملياتها وتعزيز التزامها بتنمية مسار مبتكر وشامل ومتنوع ". أضاف Rosedale أيضًا أنهم سينظرون في كيفية عمل Second Life على الهواتف في المستقبل
من الواضح أن ميتافيرس التي نتجه إليها أعمق من مجرد لعبة تعيش فيها وضعا مختلفا عن وضعك الحقيقي، ولكن البعض منا كان يعيش حرفيًا في مساحات افتراضية مع عملات افتراضية وواجهات متاجر افتراضية منذ ما يقرب من 20 عامًا في Second Life، هذا المكان الافتراضي الذي يعود إليه الآن الكثير من الناس، وهنا سأضع صورة أوضح لهذا المكان من واقع تجربة حقيقة عشناها في هذا العالم.
الحياة الثانية Second Life من منظور تجريبي
بالنسبة لأولئك الذين لم يختبروا تجربة الشعور بالغمر في بيئة افتراضية، سيكون من الجيد أن يتعرفوا على منصة Second Life والتي بدأت في عام 2003، وهي عبارة عن منصة افتراضية للوسائط المتعددة عبر الإنترنت حيث يمكن للمستخدمين إنشاء صورهم الرمزية وبناء حياة افتراضية.
لم أدخل Second Life منذ سنوات، لكن في أوائل العام الماضي بدأت معاودة الذهاب الي هناك والانخراط مع مجتمعات التعلم بهدف الاطلاع على الأنشطة التي يقومون بها. كل شيء رأيته تقريبًا تم إنشاؤه بواسطة الناس المقيمين هناك، بما في ذلك مقر المؤسسة التي اعمل بها، والذي بنيته بنفسي. بينما كنت أعاود اكتشاف هذا العالم الافتراضي الواسع، كنت ألاحظ بسهولة أن كل قطعة أرض قمت بزيارتها كانت لمحة عن عقل مالكها، والتي تجدها في النسخ المتماثلة لمحطات الفضاء ، وقرى العصور الوسطى ، والنوادي الليلية المزدحمة ، والشواطئ والتفاصيل الدقيقة لمدن العالم الحقيقي ، والجزر الاستوائية - أي شيء يمكن أن تتخيله كان على الأرجح في Second Life في مكان ما..
تم إطلاق Second Life في عام 2003 من قبل Linden Lab. تم استعارة الكثير من الهندسة المعمارية من منطق عوالم الألعاب مثل The Sims، لكن Second Life كانت حريصة على تمييز نفسها على أنها شيء آخر غير أن تكون لعبة. كان الغرض من هذا العالم الافتراضي، استكشاف آفاق جديدة للعيش من خلال التمثيل الافتراضي والسماح لمستخدميه بالقدرة على إنشاء ما يريدون وأن يكونوا من يريدون. عاش المستخدمون حياة خيالية مفعمة بهويات جديدة ومتغيرة أحيانًا، منفصلة عن حدود حياتهم اليومية. مما أدى إلى تطوير مجتمعات بأكملها وفقًا لأعرافها وطقوسها الخاصة.
تمكنت Second Life من خلق تجربة إيجابية وثرية لسكانها - مع توفير مساحة لملايين آخرين للانضمام إليها - وبناء أعمال مزدهرة قائمة على الاشتراك. وصل برنامج Second Life إلى ذروته في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع ملايين المستخدمين ومئات العناوين المثيرة حول الأشخاص الذين يكرسون ساعات من حياتهم اليومية للعيش رقميًا.
قد يظن البعض أن Second Life ماتت موتًا بطيئًا وهادئًا، كما اعتقدت يوماً ما. ولكنى كنت مخطئة، يبدو أن المنصة لديها مجتمع صغير ومخلص من "السكان"، كما يسمون أنفسهم، ومن المحتمل أن ينمو بشكل أكبر بعد ميتافيرس زوكربيرج، كتعبير عن تشبثهم بعالمهم . وخاصة لأولئك الذين يروا في رؤية زوكربيرج للميتافيرس، شكل جديد من السلطة، حيث اعتاد سكان Second Life على مساحات مفتوحة بالكامل.